souveraineté
أو الإنجليزي
sovereignty - المشتقان من العبارة اللاتينية
summa potestas
أو
summum imperium ، يشير إلى السلطة المهيمنة - أي المطلقة - للحاكم. أما بالنسبة إلى روسو، في المقابل، تعتبر فكرة السيادة بالأساس مبدأ للمساواة، التي يراها العنصر الخاضع للحكم، أو الرعايا أنفسهم، باعتبارها السلطة المطلقة، وترتبط هذه الفكرة بمفهومي الإرادة أو الحق، بحسب تعريفه لهما، لا بالقوة أو السلطة؛ مبينا مرة أخرى التمييز بين البعدين الأخلاقي والطبيعي للأمور البشرية الذي دار حوله مؤلفه «خطاب عن اللامساواة»، والذي يتجلى بقدر لا يقل وضوحا، ولو أن أولوياته أمست الآن معكوسة، في «العقد الاجتماعي».
شكل 4-2: صفحة عنوان كتاب «العقد الاجتماعي» (أمستردام، 1762).
وبوصفه للشعب بأكمله - الذي قوامه المواطنون، إن لم يكن السكان جميعا - بأنه صاحب السيادة (العقد الاجتماعي، الكتاب الأول، الفصل السادس)، سعى روسو علاوة على ذلك، شأنه شأن باين من بعده، إلى أن يقوم عامة الناس في كل أمة بالإدارة المطلقة لشئونهم العامة. ونادرا ما وصف روسو سيادة الشعب هذه بأنها ضرب من «الديمقراطية»، ولم يصفها بذلك مطلقا في «العقد الاجتماعي»، حيث إنه اعتبر الديمقراطية شكلا لا للسيادة المباشرة بل للحكومة المباشرة؛ مما استدعى من الناس أن يظلوا في حالة تشاور دائم لتنفيذ السياسة العامة وإدارتها، على غرار ما يقوم به الموظفون الحكوميون أو البيروقراطيون الذين يعملون بدوام كامل، وبذلك جعلوا الدولة عرضة تحديدا للفساد والحرب الأهلية (العقد الاجتماعي، الكتاب الثالث، الفصل الرابع). وعلى فرض أن ممارسة المواطنين لسيادتهم الشعبية كان مرجحا جدا في الدول الصغيرة المنعزلة جغرافيا بحيث لا تتعرض لأي غزو خارجي، وهي التي وزعت ثرواتها بالتساوي بشكل أو بآخر بين أشخاص يقدرون حريتهم، رأى روسو أن جزيرة كورسيكا قد تكون الدولة الوحيدة في أوروبا التي ما زالت مناسبة للتشريع الجديد (العقد الاجتماعي، الكتاب الثاني، الفصل العاشر). ولكن حتى في الدول الكبرى، كان للناس لا المسئولين التنفيذيين الذين يختارونهم السلطة العليا، وهو الأمر الذي حاول أن يضمنه لبولندا، عن طريق الانتخابات الدورية للنواب المفوضين في مجلسهم النيابي الوطني، عندما كلف بإعداد دستور لحكومتهم المرتقبة. وفي كل مكان كان فيه للناس السيادة لا بد أنه كانت هناك مجالس دورية لم يكن بالإمكان حلها، هكذا حاج روسو في «العقد الاجتماعي» (العقد الاجتماعي، الكتاب الثالث، الفصل الثالث عشر)، مبينا في أطول فصول عمله عن المجالس الشعبية الرومانية (العقد الاجتماعي، الكتاب الرابع، الفصل الرابع) كيف أكدت هذه المجالس، التي يشارك فيها كل المواطنين، على أنه تحت مظلة جمهوريتهم كان لأهل روما بالفعل السيادة على بلادهم، قانونا وواقعا على حد سواء. وأضاف روسو (العقد الاجتماعي، الباب الثالث، الفصل الخامس عشر) أن ممثلي الشعب، الذين استأمنهم الناس على مناصبهم المقدسة، لم يسعوا في تلك الدولة أبدا لاغتصاب سلطات الناس لأنفسهم الذين باستطاعتهم إذا اقتضت الضرورة أن يقرروا الحكم مباشرة بالاستفتاء العام. في وجود الممثل، لا يمكن أن يكون هناك تمثيل؛ وذلك لأنه «لحظة أن يجتمع الناس قانونا كصاحب سيادة، تتعطل الولاية القضائية كلها للحكومة» (العقد الاجتماعي، الكتاب الثالث، الفصل الرابع عشر). ورغم ذلك، فما لم يسارع الناس إلى مجالسهم بحماس في مثل هذه الظروف، وما لم يخدم كل منهم بلده بشخصه لا بماله، فستضيع الدولة. لم يبد أي مفكر سياسي قبل روسو قط مثل هذا الإخلاص لفكرة التعبير الذاتي الجمعي أو الحكم الذاتي الشعبي. ورغم أنه افترض أنه من الممكن أن يتعرض العامة للخداع أو التضليل، فقد آمن بأن السيادة الشعبية نفسها هي الإجراء الوقائي الوحيد الممكن من الاستبداد. فقط عندما يشارك الناس جمعيهم في التشريع يمكنهم ردع إساءة استخدام السلطة التي قد يسعى البعض لممارستها. وإذ تظاهرت السلطات الحاكمة التي أوردها جروشيوس وهوبز وبوفندورف وتلامذتهم بتمثيل المواطنين باعتبارها ممثلة لهم، اغتصبت حريات الحكام الحقيقيين لكل دولة الذين عكسوا دورهم، إذ قاموا به بأنفسهم باعتبارهم بدلاء لأسيادهم، وبالتالي أمسوا صانعي إخضاع الناس وتبعيتهم.
كان روسو قد وضع من قبل أطروحة مماثلة في سياق الفنون عندما دعا في «رسالة إلى السيد دالمبير عن المسرح» في عام 1758، ردا على اقتراح إقامة مسرح في جنيف، وهو ما رآه روسو مفسدة لحرية أبناء بلده، إلى إقامة احتفالات عامة وأخوية للناس كبديل للعروض المسرحية الاحترافية التي يقدمها الممثلون، بحيث تعج جمهوريته الأم بالكامل، لا في جانب واحد من جنباتها وحسب، بالمواكب الفنية والفنانين، وذلك على غرار ما كان يشاهده في شبابه. في العالم القديم، وخاصة بين شعب أسبرطة، زعم روسو (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ السياسة والفنون: رسالة إلى السيد دالمبير عن المسرح) أن «المواطنين، الذين كانوا يجتمعون باستمرار، كانوا يهتمون بشدة بوسائل الترفيه التي كانت الشغل الشاغل للدولة، والألعاب التي لم يتوقفوا عن ممارستها قط إلا للخروج للحرب.» في العالم الحديث، فقدت روح المشاركة العامة هذه، وضاعت معها حرية الناس. ومن خلال الفنون والعلوم والدين، وبالقدر نفسه السياسة، خدر الناس وصاروا سلبيين، بحسب ظنه، وأخرجوا من قلب الحياة الثقافية، وسيقوا لأطرافها لاهثين وراء عروضها. وإذ تحولنا من عناصر فاعلة فيما نقوم به من أفعال إلى شهود على ما يحدث لنا، فقد صرنا جمهورا صامتا، وتعلمنا الرضوخ والجبن وكأننا مشاهدون لقصة كنا من قبل شخصياتها الرئيسية. ولقد تعلم الممثلون الذين لعبوا أدوارنا؛ أي ملوكنا وبرلماناتنا وغير ذلك من رءوس الدولة، أن الرعايا يجب عزلهم عن الحكم والسياسة. وذكر روسو في الفصل الأخير من «مقالة عن أصل اللغات» حيث فصل هذه الأفكار أن «هذا هو المبدأ الأول في السياسة الحديثة» (الأعمال الكاملة، المجلد الخامس؛ الخطابات والكتابات السياسية المبكرة الأخرى). ولا شك أن شدة انجذاب روسو لما تصور أنه نموذج مثالي قديم للمشاركة العامة جعلته يؤمن بأن المواطنين ينبغي ألا يشجعوا بالمرة على إعلاء طموحاتهم الخاصة على مصلحة الدولة. وينبغي أن تكون المشاركة في المجلس التشريعي للدولة إجبارية، بحسب ظن روسو، وهو الاعتقاد الذي ربما استند إليه في زعمه، في الفصل السابع من الكتاب الأول من «العقد الاجتماعي»، بأن «كل من يرفض طاعة الإرادة العامة ... يجب أن يجبر على أن يكون حرا.» ومعنى هذه الملاحظة الغريبة، التي تعرضت لهجوم شديد من جانب نقاد روسو الليبراليين وذلك عن حق لما لها من آثار سيئة محتملة، غامض، رغم أنه يبدو وكأنه يتبنى فكرة أن القانون يجبر رعايا الدولة على التصرف بما يتفق مع ضمائرهم وإرادتهم كمواطنين، ومن ثم مع حريتهم الشخصية. ومع ذلك، فلا يبدو أن روسو في أي موضع آخر في كتاباته السياسية كان غافلا جدا هكذا عن الفارق، الذي يصر عليه في مواضع أخرى، بين القوة والحق.
كانت «الإرادة العامة» الاصطلاح الذي استخدمه روسو لممارسة السيادة الشعبية، والذي استخدمه لأول مرة في «خطاب عن الاقتصاد السياسي» عام 1755 المنشور مع مقالة ديدرو عن «الحق الطبيعي» في «الموسوعة»، حيث ورد هذا الاصطلاح أيضا، الذي استشهد به روسو بالتالي كإشارة مرجعية (الأعمال الكاملة، المجلد الثالث؛ العقد الاجتماعي وكتابات سياسية متأخرة أخرى)، بعد أن اطلع على مخطوطة نص صاحبه. ويرجع الفضل في المقام الأول لمالبرانش في أن هذا الاصطلاح كان له بعض الرواج بشكل أساسي في الكتابات الفلسفية واللاهوتية الفرنسية بداية من منتصف القرن السابع عشر، وقد استخدمه ديدرو في العديد من إسهاماته في «الموسوعة» التي كان محررا لها أيضا. لكن روسو، أكثر من أي شخصية بارزة أخرى قبله أو بعده، هو الذي أخذه وأعطاه معنى جديدا خاصا به، ذا صبغة سياسية. وفي «خطاب عن الاقتصاد السياسي»، عرف روسو هذا الاصطلاح باعتباره إرادة الدولة ككل، التي تعد مصدر قوانينها ومعيارها الخاص بالعدالة. وفي «العقد الاجتماعي»، قال روسو إن هذا الاصطلاح يشير إلى الصالح العام أو المصلحة العامة التي يتعين على الدولة تحقيقها، وإلى الإرادة الفردية لكل مواطن التي يجب أن تحقق هذا الصالح العام، الذي كثيرا ما يتعارض مع المصلحة الخاصة للمواطن نفسه كإنسان أو كعضو بمؤسسات أخرى داخل الدولة. زعم روسو أن تكون جمعيات جزئية على حساب الجمعية العامة للشعب يمثل دوما خطرا جسيما على تحقيق الإرادة العامة لأية جمهورية، مستشهدا كدليل على ذلك (العقد الاجتماعي، الكتاب الثاني، الفصل الثالث) بفقرة من كتاب «تاريخ فلورنسا» لمكيافيللي. ولذلك كان مصرا على أن الإرادة العامة، في تركيزها على الصالح العام، ينبغي ألا يخلط بينها وبين مصلحة الجميع التي هي وحسب مجموع المصالح الشخصية ومن ثم المتعارضة بضرورة الحال، والتي خلق تفوقها عبر عدد الأصوات وحسب جمعيات جزئية غير مستقرة، وجمعيات سرية وشقاقا سياسيا. وأحيانا ما كان يقترح روسو أنه لتحقيق الإرادة العامة ينبغي ألا يكون هناك أية جمعيات جزئية من أي نوع بالدولة، لكنه في الغالب كان يفترض أن مثل هذه الجمعيات لا مناص منها، وينبغي حقا زيادة عددها حتى يقل خطر الواحد منها قدر الإمكان، بحيث لا تستثنيها الإرادة العامة بقدر ما تعارضها. وفي إشارة لفقرة في مؤلف الماركيز دارجنسون عن حكومة فرنسا الذي لم ينشر حتى عام 1764 لكنه اطلع على مخطوطته، لاحظ روسو أنه «إذا لم تكن هناك أية مصالح مختلفة، فإنه لا يكاد يشعر بالمصلحة المشتركة التي لا تجد عائقا مطلقا ... ولن تمسي السياسة فنا فيما بعد» (العقد الاجتماعي، الكتاب الثاني، الفصل الثالث).
صفحة غير معروفة