لكن لا يعرف معناها!
أي إن القس يدرك أن روميو لم يكن يقول ما يعنيه إلى حبيبته الأولى! ولذلك فإن فكاهات روميو الأولى كانت غير صادقة هي الأخرى؛ لأنه - كما سبق أن قلت - كان يلعب دور المحب الذي «يزعج» أصدقاءه بآهاته وزفراته! ولذلك أيضا فإن حب جوليت يحدث تأثيره المباشر فيه بعد لقائه مع القسيس إذ يجعله يعود ل (طبيعته) أي يجعله يطرح قناع المحب:
مركوشيو :
عجبا لك! أليس هذا أفضل من التأوه والأنين من لذع الحب؟ إنك الآن ودود وتعاشر أصدقاءك، وهذا هو روميو الحقيقي ... على طبيعته وبديهته الحاضرة! أما ذلك الحب المتهالك فيشبه الأبله الكبير الذي يجري هنا وهناك فرارا من الصبية ... ليخفي عصاه المضحكة في ركن بعيد!
ولقد تسبب سوء فهم كثير من القراء لهذا الموقف القائم على المفارقة في عدم فهم طبيعة «النغمات» الشعرية فيها؛ ومن ثم عدم إصدار الأحكام النقدية الصائبة على أدائها التمثيلي! فعودة روميو بسبب الحب إلى طبيعته الحقة ليست سوى البداية للصراع الحقيقي في المسرحية بين رقة الحب التي تجعل روميو يصل إلى النضج عند شيكسبير بسرعة خارقة، وبين غشم الكراهية التي تبقي على العداء الذي يسلب أفراد الأسرتين صفاتهم الإنسانية! ونحن لا نصل إلى الصدام الحقيقي بين هذين القطبين من أقطاب المأساة إلا بعد أن يربط الحب بين روميو وجوليت بعقد الزواج المقدس؛ فروميو صادق في «نغمته» هنا:
روميو :
إنك إن تضمم أيدينا بالكلمات القدسية
لن أكترث بما يجرؤ أن يفعله الموت!
ولا يستطيع روميو لفرط سعادته أن يعرب عن سعادته فيطلب من جوليت أن تفعل ذلك، ولكنها هي أيضا لا تستطيع، فكأنما تحلق في الهواء - كما يقول القس :
هذي هي الفتاة أقبلت وما أخف خطوها
صفحة غير معروفة