فقالت مدام فيبار: إنها في الطابق العلوي. - لا خوف علينا منه. وأين غرفة الخادمة؟ - هي أمامك. - إذن لندخل إليها أولا إذ لا خوف علينا إلا منها.
ثم دخل الثلاثة إلى غرفة هذه المسكينة، فاستيقظت مذعورة وحاولت أن تصيح، وأطبق عليها روكامبول إطباق القضاء وتعاونوا جميعهم على ربط فمها بمنديل وقيدوا رجليها ويديها، ثم ربطوها إلى سريرها كي لا تستطيع أن تزحف إلى الخارج، ودخل الثلاثة إلى غرفة اليهودية فانتبهت أيضا من رقادها وهبت من سريرها واجفة الفؤاد من الذعر، فبادرتها العجوز قبل أن تصيح وأسرعت إلى ربط فمها، ثم تراجع الثلاثة بأمر روكامبول الذى قال: كيف السبيل إلى الذهاب بها، فإننا إذا وضعناها في مركبة فلا نأمن السائق أن ينم بنا، وإذا حملناها فلا نمشي بها خطوات حتى تنتبه إلينا الشرطة.
فقالت العجوز: لا دواء إلا الإرهاب. ثم أخذت خنجر فانتير ودنت من الصبية، ففكت رباط فمها ووضعت الخنجر على عنقها وهي تقول: إننا لا نريد بك شرا، ويجب أن تتبعيني إلى منزلي، وإذا فهت بكلمة واحدة على الطريق فإن هذا العبد يقتلك بهذا الخنجر.
ثم أعطت الخنجر لفانتير، فأخذه ووقف أمام الفتاة، فقالت لها العجوز: البسي ثيابك في الحال.
وجعلت تلبس ثيابها ورجلاها تضطربان من الخوف حتى أتمت لباسها، فتأبط روكامبول ذراعها وخرج بها إلى الطريق، فمشى فانتير وراءهما ومشت العجوز أمامهما وقادتهما في طريق لا ينتابه الناس، سيما في الليالي الممطرة، وما زالوا يسيرون حتى بلغوا منزل العجوز، فسلمها روكامبول الفتاة وعاد مطمئنا آمنا لمقابلة الربان، فألفاه ينتظره في المكان المعين، فأخبره باختطاف الفتاة وودعه على أن يقابله في سفينته يوم تصير فيها باكارا.
ثم ذهب إلى الفندق فلقي فانتير ينتظره فيه، فقال له: كيف حال الفتاة؟ - إنها على أسوأ حال من النكد والخوف، ولكن مدام فيبار باذلة جهدها في ملاطفتها.
فقال روكامبول: إنها ستأنس بها، فقد تعودت هذه مؤانسة الفتاة، وأنت مذ فرغت مهمتك من اختطافها لم يبق عليك غير قتل الكونت. - وأنت بقي عليك دفع الثمن. - هاك نصفه، وسأدفع لك النصف الآخر بعد القتل حسب الاتفاق. فقبض المال وانطلق يكمن للكونت.
أما روكامبول فإنه لما فرغ من جميع هذه المشاغل ذكر الرسالة التي أرسلتها إليه مدام ألفونس تدعوه فيها إلى موافاتها في منزلها خارج باريس، فجعل يتردد في الذهاب إليها، فتتمثل له بجمالها النادر، وذكر أنها تخدع حبيبها من أجله وأنها أظهرت له من اللطف والإيناس في الليلة الراقصة ما يزال مؤثرا فيه، ثم رأى أنه لم يعد لديه عمل يعمله، فحن إلى لقائها وبرح الفندق، فركب مركبة وأمر سائقها أن ينطلق به إليها.
وبعد ساعة كانت تسير به المركبة سيرا حثيثا حتى وصلت إلى المنزل المطلوب، فأطلق روكامبول سراحها وهو غير حاسب لشيء، وطرق الباب الداخلي ففتحت له صبية بملابس الخادمات وأوصلته إلى القاعة التي كانت تقيم فيها مدام ألفونس، ثم تركته ومضت في شأنها دون أن يتمكن روكامبول من النظر إلى وجهها.
فلما دخل إلى القاعة رأى مدام ألفونس متكئة على مقعد طويل، فابتسمت له وشكرته لقدومه إليها في هذه الليلة الممطرة، وجعلت تنادمه وينادمها حينا إلى أن قطعت عليه الحديث وهي تتفرس في وجهه وقالت له: ما هذا الشبه الغريب؟
صفحة غير معروفة