355

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

تصانيف

وكان هذا الرجل الذي أرسلته العناية لإغاثة حنة، بل الذي أرسل نفسه لنصرتها هو أندريا، وقد احمرت حدقتاه من الغضب، ونفض غبار الزهد والمسكنة عن وجهه، فظهر بمظاهر الأبطال الأشداء، حتى حسبت حنة أنها ترى زوجها أرمان، فاطمأن فؤادها وقالت: ألف شكر لأنك أنقذتني.

أما أندريا فلم يكترث لهذا الشكر وقال لها: قبل كل شيء يجب أن يبقى سر هذه الإهانة مكتوما بيننا.

ثم التفت إلى المركيز، أي إلى روكامبول وقال: إنك نذل أثيم.

فلم يجب روكامبول بشيء ولكنه تظاهر بالخوف الشديد، فأخرج أندريا مسدسه من جيبه وقال له ببرود: اختر الآن بين أن تموت موت اللصوص، أو بين أن تصغي إلي.

فخضع روكامبول للقوة وقال: بل إني أصغي، فقل ما تشاء. - إن هذه السيدة التي تجاسرت على إهانتها هي امرأة أخي، أريد بذلك أنه لم يعد بد لأحدنا من الموت.

فانحنى روكامبول إشارة إلى الامتثال، ثم تابع أندريا: بقي أن مبارزتنا لا يجب أن يعلم سببها أحد، وإن حياتك الآن بين يدي، فأنا لا أبقي عليك إلا إذا أقسمت لي بشرفك أن لا تبوح بسر سبب المبارزة لأحد من الناس. - أقسم لك بشرفي على الكتمان. - ثم إن المبارزة لا يجب أن تكون إلا بعد غد، كي لا يسيء أخي ظنه بك، فإنه يعلم أني أبيت الليلة هنا، وأخشى إذا تبارزنا غدا أن يعلم شيئا من السر. - ليكن ما تريد. - والآن، فاخرج كما دخلت، وانزل من هذه الشجرة دون أن يشعر بك أحد.

فامتثل روكامبول وخرج دون أن ينظر إلى حنة. ولما خلت حنة بأندريا شكرته شكرا جزيلا، فقال لها: لا سبيل إلى الشكر، فقد دافعت عن شرفي بدفاعي عن شرفك، والآن فنامي مطمئنة إذ لا خوف عليك وأنا في جوارك. - إني داخلة، ولكني ألتمس منك كما تلتمس الأخت من أخيها، أن لا تبارز هذا الرجل. - حبذا ذلك إرضاء لك، ولكن المبارزة لا بد منها. - كلا، فإني لا أطيق أن تخاطر بحياتك، فإذا أصررت على هذه المبارزة فإني أخبر أرمان بحقيقة أسبابها؛ لأني لم أتقيد بيمين على الكتمان. - إذن فإنك تعرضين زوجك لأخطارها، لأنه إذا علم بجسارة المركيز فلا يقعد ساعة عن مبارزته، واعلمي الآن أني لا أحب إهراق الدماء، ولا أميل إلى المبارزات التي تحرمها الأديان، غير أنه قد يعترض المرء من الحوادث ما يكرهه على الخضوع لتلك الشريعة السامية التي يسمونها الشرف. ولو أخلاق الرجال كما عرفتها لما سألتني الرجوع عن المبارزة، فإن هذا المركيز إذا لم يعاقب على جرأته، فإنه يجعل اسمك مضغة في الأفواه، ويتحدث بما جرى في جميع النوادي.

فذعرت حنة وقالت: يا للخيانة!

فضغط أندريا على يدها وقال لها: أتريدين أن يبارزه أرمان، ذلك الرجل الشريف الذي إن أصيب بمكروه - ولا سمح الله - يقع هذا المكروه بكثير من العائلات التي تعيش من بره، أما أنا فأية فائدة من حياتي بعد أن تدنست بالآثام وأصبحت فردا لا عائلة لي؟

فقالت له حنة: ما هذا القول؟ أليس لك في هذا المنزل أخ وأخت يحبانك؟

صفحة غير معروفة