348

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

تصانيف

ففطن روكامبول للأمر وجعل يكلمها بلهجة الولد وتكلمه بلهجة الأم.

وأتصل الأمر بالبوليس، فأقبل يسأل تلك الأم عن هذا الولد، فلفقت لهم حديثا طويلا مآله أن ولدها كان خادما في أحد القصور في الهند، ثم اتصل بفتاة هندية فشغفت به شغفا شديدا، وكانت تغار عليه غيرة عجيبة وتتهمه تهمات باطلة، وتخاصمه في كل يوم ثم يصطلحان، فما كان يسعه إلا الامتثال لها لفرط ثروتها، إلى أن قالت: وكان آخر عهدي به أنه كان مع هذه الهندية في باريس، وقد قرأت في إحدى الجرائد أن فتاة هندية وجدت ميتة في منزلها، ووجد شاب جريح أمامها، فما زلت أبحث عنه حتى علمت أنه في هذا المستشفى فأتيت إليه.

فصدقها رجال البوليس لما رأوه من انطباق قصتها على قضية الفتاة، ثم حملته من المستشفى إلى منزلها وأقامته فيه.

وقد عرف القراء من حديث روكامبول مع مدام فيبار أنها كانت تنتظر قدوم أندريا، فلم تزل بانتظاره حتى قدم أندريا إلى منزلها، وكانت المرة الأولى التى رآه بها روكامبول، فدار بينهما عتاب طويل تنصل منه أندريا، وكانت حجته في طعنته النجلاء أنه رآه محاطا بأعدائه، وأنهم لا بد لهم من قتله، فسبقهم إليه وهو يرجو بذلك أمرين؛ أحدهما أن لا تكون الطعنة قاضية عليه، وثانيهما أنه إذا لم يكن له بد من الموت، فخير لأندريا أن تموت من يده كي تنفي عنه تهمة الاشتراك بالجريمة، وكي يفيد الشركة في مماته كما كان يفيدها في حياته، أما إذا قتله أعداؤه فإنه لا يفيد ولا يستفيد.

فاقتنع روكامبول أو تظاهر بالاقتناع، فأطلق أندريا سراح مدام فيبار وأقام مع تلميذه يضع له خطة جديدة شرا من الأولى للفتك بأخيه الكونت أرمان دي كركاز، فبدأ روكامبول يشكو من حرارة البيت المقيم فيه، فقال له أندريا: يجب عليك الشكر، فإن هذا البيت الحقير أخفاك عن عيون باكارا.

وكان اسم هذه المرأة قد أثار العواصف في فؤاده، فلمعت عينه بشعاع من الحقد وقال: إنها قد انتصرت علي، ولكننا لا نزال في بدء المعترك، وحقيقة الغلبة لا تكون إلا لمن يفوز الفوز الأخير. - لا شك عندي بفوزك، إنما لا بد لك من الاعتراف بأننا فقدنا سبعة ملايين، أي ملايين الهندية وفرناند. - نعم ولكننا سنغنم ضعفها. - إن هذا محال، وليس كسب الملايين بالأمر السهل الميسور.

فلم يتدان أندريا لجوابه، بل قال: إنك كنت كونتا أسوجيا ففقدته، أتحب الآن أن تعود إلى مثل هذه الألقاب؟

فابتسم روكامبول وقال: الحق أني تعودت على ألقاب الشرف، فلم يعد لي لذة إلا بها. - إذن فإني أمنحك لقب مركيز برازيلي، وهو أفضل من لقبك القديم؛ إذ لا بد لك من الترقي لإخلاصك، فأنت تدعى منذ اليوم دون إينيجو والمركيز دي لوس مونتس، وإنك من أسرة عريقة في النسب مقيمة في البرازيل منذ مائة عام، ثم إنك إسباني الأصل وقد خسر أجدادك ثروتهم في إسبانيا، ونال أبوك ثروة نادرة في البرازيل بتجارة المواشي، وأنت آت الآن إلى باريس لتنفق فيها شيئا مما جمعه أبوك من الملايين. - لقد رضيت، ولكنك إذا منحتني اللقب فكيف لك أن تمنحني المال، ونحن قد أنفقنا النصف مليون الذي قبضناه من الهندية. - كن آمنا، إذا نفذت ثروتنا فإن ثروة أخي الكونت لم تنضب بعد. - كيف ذلك؟ أتطلب إليه أن يمدك بالمال؟ - كلا، ولكنه أعطاني أمس مائة ألف فرنك كي أنفق منها في سبيل مقاومة الشرور ومساعدة البائسين.

فضحك روكامبول وقال: من هم أولئك البائسون؟ - نحن، وهذا المال يكفينا ثلاثة أشهر إذ إننا ننفقه باقتصاد فلا نشتري المنازل والأثاث حسب عادتنا، بل نستأجرها وبدلا من أن نقيم في قصر خاص فإنك تقيم في فندق عظيم شأن كبار النزلاء، وسأجد لك خادما أسود يكون من أتباعك، أي إني سأصبغ فانتير، فقد أخرجته من خدمة الأرملة ملاسيس، ثم إني سأحصل على كتاب توصية بك لأخي العزيز الكونت أرمان كي تستطيع الدخول إلى منزله متى شئت بما ينبغي لمقامك من الإكرام؛ لأن جميع أعمالنا ستكون في منزله وسنخص عنايتنا به دون سواه.

وسر روكامبول بهذا المشروع الجديد، وقال: لقد أحسنت غاية الإحسان بهذا التخصص. - أتعلمت ضربة السيف التي أمرتك أن تتمرن عليها؟ - أتم التمرين. - اذهب وتأهب للسفر في الساعة العاشرة إلى الهافر، وأقم فيها إلى أن تصل إليك أوامري.

صفحة غير معروفة