فأخذت تنوان كرسيا ووضعته قرب سريرها وجلست عليه، ثم قالت لها: لقد صدق ما كنت أتوقعه. - أهي بنت المركيز؟ - هي بعينها، ومن يراها يحسب أنه يرى أمها لشدة الشبه بينهما، ولا بد أن يكون عارفا بسر مولدها ويجب ألا نتغاضى. - ماذا تقصدين؟
فاتقدت عينا النورية وقالت: هذا الرجل عثرة في سبيلنا يجب إزالتها أو تزوج بالفتاة وكان له المال. - إنك مجنونة يا تنوان؟ - كلا، بل إني واثقة مما أقول بعد أن رأيت ما رأيت. - ماذا رأيت؟ - إني قرأت في عينيه سور الغرام والإقدام، وعلمت من خطوط يده أنه سيصبح من الأغنياء، وهذه الفتاة مقيمة عنده منذ حداثتها في منزل واحد، وهو هائم بها لا شك، وإذا لم نحل بينه وبين تزوجها وأصبح له الصندوق وما فيه. - أأنت واثقة أنها الفتاة التي نبحث عنها؟ - لم يبق بعد اجتماعي بها سبيل للريب. - إذن أوافقك على وجوب إبعاد داغوبير وإزالته من طريقنا. - هذا ما اقترحته عليك؛ إذ لا بد منه، ولكن كيف الطريقة؟ - إني أعهد إليك بهذه المهمة، والشفالييه سيكون لك خير معين.
فابتسمت النورية ابتسام الأبالسة وقالت: لقد أحسنت باختيارك الشفالييه، فإنه لا يقف عند خطر، ويستسهل كل صعب في سبيل أغراضه ولا سيما في هذه المهمة فله منها فائدة.
وعند ذلك خلت المرأتان، وكانت الكونتس قد خف ما عندها من الاضطراب الذي لقيته في ذلك الحلم الرهيب، فطلبت إلى النورية أن تحدثها بجميع ما اتفق لها في رحلتها.
فحكت لها كيف اجتمعت بداغوبير، وكيف عرفت من خطوط يديه أنه سيغدو غنيا من النبلاء.
فقالت لها الكونتس: أتعتقدين حقيقة بما تقولين؟ - بلا شك، فلا بد أن يغدو هذا الرجل ثريا نبيلا. - ذاك محال ولا أصدقه. - ولماذا لا تصدقين يا سيدتي؟ إني حين اتصلت بك كنت نورية أطوف في الشوارع لقراءة البخت، فتنبأت لك عن مستقبلك وكشفت لك أحداث ماضيك.
وكان ذاك سبب اتصالي بك، أكذبت في شيء مما قلته لك؟ ألم يحدث كل ما تنبأت به؟ - هو ذاك. - إن مستقبل كل شخص مكتوب في يده، ولكن لا يعرف أن يقرأه غير القلائل من الراسخين في هذا الفن. - إذا كان ذلك، فلا بد لداغوبير أن يغدو غنيا نبيلا ويتزوج حنة وينال الصندوق، فلا نستطيع أن نحول دون سعادته. - لقد أخطأت يا سيدتي، فإنك تجهلين أصول هذه المهنة ولا تعرفين سوى ما يبدو لك من ظواهرها، فإن خطوط الكف تدل على المستقبل دلالة لا ريب فيها، غير أنه بين هذه الخطوط أخاديد تضيق وتنفرج فتغير تلك الدلائل، فالمرء قد تكون خطوط كفه تدل على السعادة؛ لأن بها أخاديد منفرجة بين الخطوط، فإذا ضاقت يصبح لهذه الخطوط دلائل أخرى قد تكون دلائل بؤس وشقاء، أريد أن مستقبل الإنسان قد يتغير بقتل ذاك الإنسان أو إنقاذه.
فاقتنعت الكونتس بتعليلها وقالت: أتمي حديثك.
فأخبرتها النورية عند ذلك بأمر الخاتم الذي وجدته في إصبع داغوبير، وكيف رأت أنه قد سوده بالدخان إخفاء للونه الذهبي، وشعاره الدال على أسرة صاحبه.
فارتعشت الكونتس وقالت: ألهذا الخاتم شعار؟ - نعم. - أتذكرين رسم هذا الخاتم وحجمه بالتدقيق؟
صفحة غير معروفة