فقاطعته وقالت له بخيلاء: لقد كنت من نساء البلاط يا سيدي الشفالييه.
فانحنى الشفالييه وقال: لولا يقيني يا سيدتي من ذكائك لكنت آثرت الكتمان على خيانة لوسيان؛ ولذلك أعترف لك بما أعلمه من أمره وأبدأ بالقول إنه حقيقة عاشق مفتون، ولكني أرجو ألا يكون من وراء ذلك ضرر. - ولكن من هي التي يهواها؟ - هي فتاة في منزل حداد يلقبونها بربيبة الدير.
فضحكت الكونتس ضحكا عاليا وقالت: من هو هذا الحداد؟ - إنه يدعى داغوبير. - والفتاة؟ - إنها تدعى حنة، وهي في السادسة عشرة من عمرها، ولها أدب جم وجمال عظيم. - أشكرك يا سيدي الشفالييه، فقد طمأنتني بعد أن كنت شديدة الاضطراب. - هذا ما أوده يا سيدتي غير أن هذه الفتاة قد سلبت عقل لوسيان.
فضحكت الكونتس وقالت: إن هذا الغرام يكلفه بعض المال، وهذا كل ما فيه من الخطر، فقص علي حوادثه فإني أجد بها تسلية عظيمة، ولنبدأ بالحداد فقل لي أين يقيم هذا الرجل؟ - عند باب الدير. - لقد عرفته، فهل هذه الفتاة بنته؟ - كلا، بل هي قريبته. - وكيف لقبت بربيبة الدير؟ - أظن أنها لقبت بهذا اللقب لأن الرهبان يتولون حمايتها.
فضحكت وقالت: إذن لا يروق في عيونهم هذا الغرام. - لا تضحكي يا سيدتي، فإن الأمر أشد خطورة مما تظنين، لا سيما وأن نسب هذه الفتاة مجهول لا يعلمه أحد. - ألم تقل إنها قريبة داغوبير؟ - نعم، وإنما رويت إشاعة من الإشاعات المتناقلة عنها، ومن هذه الإشاعات أن داغوبير كان يريد الزواج منذ ستة أو سبعة أعوام ويبحث مع مريديه عن عروسة له، ولكنه رجع فجأة عن هذا القصد لانتقال هذه الفتاة إلى منزله دون أن يعلم أحد كيف أتت حق العلم، ولكن الشائع أنها بنت الأب جيروم. - من هو الأب جيروم هذا؟ - هو رئيس الدير، وحياة هذا الراهب مكتنفة بالأسرار، وقد كثرت الإشاعات فيه. - تقول إن الفتاة جيء بها إلى داغوبير؟ - نعم. - أهي التي ولع بها ابني؟ - إن ولوعه بها شديد يا سيدتي، حتى إنه يريد أن يتزوجها.
فضحكت الكونتس ضحكا عاليا استاء له الشفالييه، فحادثها عن سبيل الانتقام بجميع ما جرى لابنها مع داغوبير وأنه طلب مقابلة رئيس الدير فأبى أن يقابله.
غير أن الكونتس لم يسؤها شيء مما جرى لولدها، وقالت للشفالييه: إذن هذه الفتاة حسناء؟ - إنها خلقت كما اشتهت. - ولا يعلمون أصلها؟ - إن في أصلها ثلاثة أقوال؛ الأول: إنها قريبة داغوبير، والثاني: إنها بنت الأب جيروم ولدت سفاحا في أيام غروره قبل أن يأتي إلى الدير، والثالث: قول آخر تفرد بروايته جزار القرية.
فارتعشت الكونتس وقالت: ماذا يقول هذا الجزار؟ - يقول إن فارسا جاء في صباح يوم إلى داغوبير، فأودع عنده تلك الفتاة التي يهواها ابنك لوسيان. - وماذا جرى للفارس؟ - إنه سافر ولم يعد يعلم أحد ما جرى له بعد ذلك.
فأطرقت الكونتس مفكرة ثم قالت: كل ما قلته لي مفكه ما خلا مسألة الزواج، فإن لوسيان لا فرق عنده بين العامة والنبلاء. - ولكننا بالقرب منه، نراقبه فنقيه هذا الخطر. - كيف نقيه؟ - بإبعاد داغوبير عند الاقتضاء وبمغافلة الأب جيروم واختطاف الفتاة. - إن ذلك سهل بالقول لا بالعمل، وفوق ذلك فإنك على طول عشرتك لولدي لم تختبره حق الاختبار، فإنك إذا اختطفتها تزوجها.
فابتسم الشفالييه وقال: إذا لم أكن قد أحسنت اختباره يا سيدتي فقد أحسنت صداقته، فلا يعقد هذا الزواج وأنا ساهر عليه.
صفحة غير معروفة