وإن كان مذموما في تقليده لا في اعتقاده الحق ، ما يوجب علي أني أبيح التقليد ، وأنا لم أبحه قط ، لا في التوحيد ولا في غيره . إنما هو عندي كإنسان خرج ليسرق فأتفق له أن وجد متاعا له قد كان سرق منه فأخذه : هو مصيب في اعتقاده الحق ، مسيء في تقليده ، وتأمل القرآن كله لا تجد فيه إلا الحض على البحث لا على إيجابه ألبتة ، وإنما تجد فيه ذم التقليد إذا وافق الباطل فقط ، فهنالك ذم الله تعالى اتباع الآباء والسادة والكبراء والأحبار ، وهنا ذمه الله على كل حال . وأما إذا وافق الحق فقد قال الله عز وجل { والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم بإيمان ، ألحقنا بهم ذرياتهم } ( الطور : 21 ) ، وأمر الله تعالى باتباع ما اجمع عليه أولو الأمر منا بخلاف أولي إذا اختلفوا ، فبهذا جاءت النصوص ولا مدخل للنظر على ما جاء به كلام الله تعالى . ( 1 )
11 - وأما قولك لي أن النظر ما في الفطرة من خطأ الاقتصار على الدعوى ، فلم أحمد ذلك أصلا ، ولا أمرت به ، وإنما قلت وأقول إن [ 93 / أ ] المقلد مذموم في تقليده ، فإن أصاب الحق بتوفيق الله عز وجل له إليه ، فهو من أهل الحق ، وإن حصل عليه بطريق غرر ، وهما عملان متغايران ، وفق في أحدهما ولم يحمد ( 2 ) في الآخر . وهذا جواب قولك لي : إذ كل قائل مدع ، فيجب أن لا يؤخذ بقول أحد من المختلفين والقائلين أو يؤخذ بقول جميعهم وكلا الأمرين خطأ . فتأمل يا أخي ، إنك ألزمتني ما لا يلزمني وأنا لم آمر قط بالتقليد : فاضبط عني : إنما قلت التقليد مذموم فإن أدى إلى باطل فصاحبه إما كافر إذا وافق كفرا ، وإما فاسق إذا وافق خطأ في الشريعة ، وإما مخطئ فيه إذا وافق الصواب بالبخت ( 3 ) ، ولم أقل قط إنه واجب ، أو يؤخذ بقول مدع ، ولا أنه جائز فضلا عن أن يكون واجبا ، ولا أنه ممكن أيضا ؛ ولا قلت قط إنه جائز أن يؤخذ فيقول قائلا ما بلا دليل ، فكيف أن أوجبه ! لكن قلت إن القول بالحق واجب لأنه حق .
12 - وأما قولك لي : فكان عندك جائزا أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم : قلدوني في قولي ، فجوابي إنه عليه السلام لم يقله ، ولو قاله لواجب ولكنه لم يقله ، لكن قال : قولوا لا إله إلا الله وإني رسول الله ، فهذا واجب بيقين عند الله تعالى وعند
صفحة ١٩٢