قال: وقولي أيضًا في هذا المعنى:
) أتحسبُ بيضُ الهندِ أصلها ... وأنكَ منهاْ ساء ما تتَوَهمُ (
) إذا سمعتْ باسمْ الأميرِ حسبتهاَ ... من التيهِ في أغمادها تتبِسِم (
فقلت: الثاني من قول أبي نقلًا من جهة إلى جهة:
تتيه الشمسُ والقمرُ المنيرُ ... إذا قلنُا كأنهماُ الأميرُ
وقلت: فأخبرني عن قولك في مرثية أم سيف الدولة:
) ولا من في جناَزتها تجارُ ... يكون وداعهمْ نَفَض النعال (
أهكذا يؤبنُ مثلها، وقد كانت بلقيس عصرها قدرًا عظيمًا وملكًا جسمًا، وحديثًا وقديمًا فقال: ألستُ في هذه الكلمة:
) مشىَ الأمراءُ حوليهْا حفاةً ... كأن المرْو من زف الرئال (
) وأبرزَتَ الخدودُ مخبَتاتٍ ... يضَعنَ النفًس أمكنهَ الغوالي (
) أَتَتْهُنَّ المصيبةُ غافلاتٍ ... فَدَمْعُ الحُزْنِ في دمع الدّلالِ (
وأنشد أبياتًا من محاسن هذه القصيدة: البيت الأول من هذه الأبيات من قول الصنوبري: نؤومُ الضحىَ أذهبُ القنافذِ عندهُ إذا ما عراه النومُ أهبُ الثَعالب أو من قول ابن الرومي:
لوْ أنها استلقتْ على شوْك الحسكْ ... تحتَ الزَباةِ وجدته ْكالفَنَكْ
والبيت الأخير من هذه الأبيات ينظر إلى قول العباس بن الأحنف نظرًا خفيًا. وهو من معانيه التي اخترعها:
) بكتْ غيرَ آسيةٍ بالبكاءِ ... ترى الدمع في مقلُتيَهاَ غريبا (
وعلى ذلك فمن الواجب ألا تدفع عن إحسان انتظمه شعرك، ولا عن معنى نكد طوح به في البلاد فكرك. ولكنك في البيت من القصيدة والأبيات إحسانًا لا يجهله نقاد الكلام وأرباب البيان، إنجازًا في عبارته، وإبداعًا في نظمه، وصوابًا في معناه، وسلامة في لفظه. ثم تشفع ذلك بالأبيات السخيفة لفظًا ومعنى، وبالأبيات التي تغير على معانيها وبعض ألفاظها إغارة الذئاب المعط على سرح النقد، فتاتي القصيدة بالشعر على غير مشاكهة. ومن أفحش المعايب ألا تقع اللفظة مصاحبة أختها، ولا مزاوجة ما جاورها. وقد قال مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب ابن المهلب بن أبي صفرة، مخاطباَ عبد الله بن محمد أبي عيينة:
ما بالُ شِعِرك ملُتاثًا ومختلفا ... بيتًا ثَنِيا وبيتًا ساقطًا خرَفاَ
وقال عمر بن لجأ لابن عم له: أنا أشعر منك. قال: وكيف؟ قال: لأني أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه ألا ترى إلى قول الشاعر:
وشعْر ٍكبعْرِ الكْبشِ فرُق بينهُ ... لسُان دعيٍ في القرَيضِ دَخيلِ
يقول: هو مختلف المعاني متباين المباني جارٍ على غير مناسبة ولا مشاكلة ولا مقاربة، لأن بعر الكبش يقع متبددًا متفرقًا متباينًا. وقد قال الكميت:
وقد رأيناْ بها حوُرًا منعًمةً ... بيضًا تكاملَ فيها الدَّل والشًنبُ
فعاب هذا عليه نصيب وقال: هلا قلت كما قال ذو الرمة:
لمياءُ في شفٌتَيْها حوةُ لعسٌ ... وفي اللثاتِ وفي أنيْابها شَنبُ
وهذا لعمري عيب فاحش لأن الكلام لم يجر على نظم، ولا ورد على اقتران وممازحة، ولا اتسق على اقتران. ومما يحتاج إليه القول أن ينظم على نسق المماثلة وأن يوضع على رسم المشاكلة.
ومما ذهبت فيه هذا المذهب قولك:
) ما أبعدَ العيبَ والنٌقصانَ من شيميَ ... أنا الثَرياَ وذانِ الشُيبُ والهرمُ (
وهذا أيضًا كلام جار على غير مناسبة؛ لأن الثريا ليست من جنس الشيب والهرم ولا هما من جنسها. وكان وجه الكلام أن قول: أن الثريا سفورًا وعلوًا وذان السهى خفاءً وخبوًا. أو أن تقول: أنا الشباب وذان الشيب الهرم. وربما أوردت البيت مشتملًا مستودعًا من المعنى المستحيل على ما يهيجن القصيدة بأسرها، ولو كان من لباب اللفظ ونصاب الفصاحة، كقولك في القصيدة التي أولها:
) سِربُ محَسِنٌهٌ حُرِمت ذَوَاتِها (
وكأن هذا البيت من كلام الشبلي أو سمنون الصوفي. ثم تغزلت فقلت:
) إني على شَغفَي بما في خُمرِها ... لأعِف عَما في سَرَاويلاتِها (
وشتان هذا من قول الأول:
لا والذي تسجُدُ الجباهُ لهُ ... ما لي بما تحتَ ذيلهاِ خَبرُ
فقال أبو الطيب: إن ذاك، وعلى هذا فليس الذي قلته بأفحش من قوله امرئ القيس:
فمثْلِكِ حبلىُ قد طَرقتُ ومرْضعِ ... فأنْهيتهاُ عن ذي تمَائمَ محوْلِ
1 / 9