وما السيفُ إلا زُبرةُ لو تركتهُ ... على الحِلقَة الأولى لما كانَ يقَطعُ
وقوله:
أحلى الرجالِ من النساءِ موَاقِعًا ... منَ كانَ أشبهَهُم بهن خدُودا
فقال هذا من قول الأعشى:
وأرى الغواني لا يوُاصِلنَ امرأ ... فقَدَ الشبابَ وقد يصًلِنَ الأمرَدَا
فقال أبو سعيد النحوي: بيت أبي تمام أن أنصفته أشعر، وأن كان بيت الأعشى أسير. ومن اختراعاته قوله:
طال إنكاري البياض وإن عم ... رت شيئًا أنكرت لون السواد
وقوله:
ما آبَ مَن آبَ لم يظفْر بحاجَتهِ ... ولم يغبْ طالبُ للنجح لم يخبِ
وقوله:
قالوا أتبكي على رسمٍْ فقلتُ لهمْ ... مَن فاتهُ العَينُ هدىّ شوقَه الأثرُ
وقوله:
ومَنْ لم يُسَلًمْ للنْوائبِ أصبحتْ ... خَلائقهُ طُرًا عليهِ نَوائباَ
وقوله:
دمن طالماَ التقتْ أدمعُ المُزْنِ ... عَليها وأدمُعُ العُشاقِ
ومن بدائعه قوله في صفات الإبل:
المُرْضياتكَ ما أرغمْتَ آنفها ... والهادياتُكَ وهيَ الشُردُ الضللُ
إذا تظلمتُ من أرْضِ فصلتُ بهاَ ... كانتْ هيَ العزّ إلاّ أنها ذللُ
وقوله:
متى يأتكَ المقدارُ لا تُلفَ هالكًا ... ولكنْ زمانُ غالَ مثلكَ هالكُ
فقال المهلبي: في بعض هذا كفاية، فهل يحضرك من اختراعات البحتري شيْ؟ فقلت، قوله:
إذا خَطرتْ تأرجَ جانباها ... كما خطرتْ على الروْض القبول
ويحسُنُ دلهاُ والموتْ فيهِ ... وقد يستحْسَنُ السيفُ الصّقيلُ
فقال أبو الطيب: البيت الأول من قول أبي نؤاس يصف خمرًا:
كأناّ لَديهَا بينَ أكْنافِ رَوْضةِ ... إذا ما سلبناها من الليلِ طيبهاَ
فقال أبو سعيد السيرافي: ما أبعد هذا المعنى. فقال: قل ما أقربه وأشد شبهه. فقال: هو بقول الشنفري الأزدي أشبه:
فبتنْا كأن البيتَ حُجًرَ حوْلناَ ... بريحانةٍ ريحتْ عشاءً وطلّتِ
وبقول الآخر:
أنّ لي عندَ كلّ نفَحةِ بْستانٍ ... منَ الوَرْدِ أوْ منَ الياسميناَ
نظرةً والتفاتةً أتضرَىّ ... أنْ تكوني حلْلت فيما يليناَ
ونحوه قول سلم الخاسر:
كأنّها روْضةُ منَوّرَةٌ ... تَنَسمتْ في أواخرِ السِّحرِ
وسلم أخذه من بشار:
كأنّها رَوْضةٌ منَوَّرةٌ ... تجمعُ طيبًا ومنظرًا حَسنَا
بانَتْ بقلبي صفراءَ رداعةً ... صَبّتْ عليناَ من حبّها فتَناَ
وأحسن حبيب بن عيسى الكاتب في قوله:
تذكُرني رياكِ ريحُ مَريضةُ ... جرتْ بنسيم الروْض في غلسَ الفجرِ
ثم قال: وكذا قوله: وقَدْ يستَحْسنُ السيفُ الصقيلُ فمن قول أبي الشيص:
وكالّسيفِ إنْ لا ينْتهُ لانَ متنهُ ... وحَداهُ إنْ خاشنتهُ خشنَانِ
فقلت: ما أبعد هذا الوادي من تلك الثنية، فإن يكن فهو نظر وملاحظة ولكن انظر إلى ألفاظ البحتري الرطبة العذبة، وإلى مذهبه فيما يحتذيه ويشير إليه. فإنه كان لا يستدعي من الكلام نافرًا، ولا يستعطف معرضًا، ولا ينشد ضالًا، ولا يؤنس وحشيًا. وكانت ألفاظه فوق معانيه، وأعجازه غير منفكة عن هواديه. ولكن أبا الشيص أخذ قوله من قول الآخر:
هوَ الّسيفُ إن ينته لان حدهُ ... وبين غراريْهِ المنَايا اللّوائحُ
ثم قلت: ومن اختراعات البحتري أيضًا قوله:
ولمّا التَقينا والنقا موْعدُ لَنا ... تَعَجبَ رائي الدُرّ حسنًا ولا قطهْ
فمنْ لؤلؤٍ تُبديهِ عندَ ابتسامها ... ومنْ لؤلؤٍ عندَ الحديثِ تساقطُه
فقال أبو الطيب: أما هذا مأخوذ من قول الآخر:
هيَ الدّرّ منَثورًا إذا ما تكلمتْ ... وكالدرّ منظومًا إذا لم تكلم
فقال المهلبي: ومن لك بمن يحسن إحسان البحتري في أخذه هذا، إن كان أخذه منه، وهل هو في ذلك إلاّ كمن اجتنى مر ثمرة، أو أخذ بعرة فأعادها جوهرة. قلت: ومن اختراعات البحتري قوله يصف الطيف:
أجدَّكَ ما يَنفكّ يَسري لزَيْنبا ... خَيالُ إذا آبَ الظّلامُ تأوّباَ
سرَى من أعالي الشاّم يجلُبهُ الكرىَ ... هبوبَ نَسيمِ الّريح تجلبهُ الصًبا
ومن مخترعه قوله:
) متَعَودٌ لُيسَ الدّروعِ تَخالُها ... في البرْدِ خزًّا والهَواجرِ رذا (
وقوله:
1 / 53