) كَريمُ نَفضتٌَ النٌاسَ لماُ بلغتهُ ... كأنهمُ ما جفَ من زادِ قادمِ (
فتبًا لهذا التشبيه، وضلة لهذا التمثيل، ويا رحمتا للممدوح به والمواجه بإفساده. وقوله أيضًا:
) يقْضمَ الجمرَ والحديدَ الأعادي ... دونهُ، قضمَ سكُرَ الأهوازِ (
وفي هذه الكلمة يقول واصفًا سيفًا:
) حَمَلتْهُ حَمائلُ الدهُرِ حتى ... هيَ محُتاجةٌ إلى خرازِ (
على أنه قد أخذه من قول البحري يصف سيفًا:
حَملَتْ حمَائلهُ القديمةُ بقلةً ... من عهدِ عادٍ غضَةً لم تذْبلِ
ولعمري لقد فات فحول الشعراء في وصفه هذا السيف، وجرى وإياهم في حابه الإحسان فقصروا عن غاية سبقه، وألهانا قول المتنبي هذا في وصفه سيفه:
) هيَ مٌحتاجةُ إلى خَرازِ (
عن قول طرفة في وصفه سلفه:
أخي ثقَةٍ لا ينثني عنَ ضريبةٍ ... إذا قيلَ مَهلًا قال حاجزهُ قَدي
حسامُ إذا ما قمتَ منُتصرًا بهِ ... كفى العوْدَ منه البدْءْ ليس بمعضدِ
وعن قول النابغة:
تقدُ السٌلوقيَ المَضاعَف نَسخةُ ... وتوقدُ بالصفاحِ نارِ الحُباحبِ
قوله:) إذا قيل مهلًا (معناه إذا قال مهلًا، قال الحاجز الذي بيني وبين المضروب قد أتى على ما أراد من القطع.
وقول أبي النجم:
يُذْري بإرعاسِ يمينِ المُؤتليَ ... خُضُمةَ الساعٌدِ هدَالمُختليَ
قلت: وهو القائل:
) منْ لي بفهَمِ أهيلَ عصرٍ يدُعي ... أنْ يَحسبَ الهنديُ فيهم باقلُ (
فلو أن باقلًا قائل هذا الشعرلكان منعيًا عليه في مدة، وما أكثر إعجابه بالتصغير، ولا يتفق له فيه تصغير مستعذب، ولعله احب أن يماثل قول القطامي:
قدُ يدْيمهَ التُجريبِ والحْلم إنني ... لأرىَ غفَلاتِ العيشِ قبل التجاربِ
أو قول النجاشي:
قُبيَلةُ لا يغْدرونُ بذمةٍ ... ولا يظَلمونَ الناُسَ حَبةَ خرْدلِ
وأتانا من تصغيره ما خرج عن هذا الباب، فضل فيه عن طريق الصواب وهو القائل:
) قَبيلُ أنتْ أنتَ وأنتَ منهُم ... وجدُكَ بشْرُ المَلكُ الهُامُ (
فهذا، وإن كان غشًا كما يرى الرئيس، فإنه دال على لكنه قائله. وكيف لا ينسب إلى البرد وهو يأتي بهذا ونظائره! ومن الكلام الهجين والمعنى المهين قوله: ولعمري إنُ هذا من نتائج خاطره واختراعات فكره وبنات صدره.
وكذلك قوله أيضًا:
) ففَي كل يوْمٍ ذا الدُمستقُ مقُدمٌ ... قفاُه على الإقدامِ للوجهِْ لائمُ (
وهذا من الطباق الغث، وكفى بقول عبد الصمد بن المعذل:
بدَ حسنَ الوُجوهِ حُسنُ قفَاكا
ومما يشترك في هذا المعنى قول الآخر:
قفاَهُ وجهُ ثم وجهُ الذي ... قفاءُ وجْهُ يشبهُ النُفْساَ
ومما نعي على الرمة قوله:
ومَيةُ أحسنُ الثقَلينِ جيدًا ... وسالفةً وأحسنهمُ قذالا
ومما لا ترى في برده ولا ريب في لكنه قائله:
) فحُذاَ ماء رجلْهِ وانضحَا في ... المدْنِ تأمنْ بواثق الزُلزالِ (
ومن اللكنة وركاكة اللفظ والافتقار الشديد قوله:
) العاِرضُ الهَتنُ ابن العرض الهتنِ ... ابن العرضِ الهتنِ ابن العارض الهتنِ (
وأحب أبا الطيب ناجي نجوم الدجى ليلةً كلها حتى حياه بوجهه صبحها حين انتظم له هذا البيت، وسوف يأتي فيما بعد: ومن أهجن الأقسام وأوهى معاقد الكلام قوله:
) إنْ كانَ مثُلك كانَ أو هو كائنُ ... فبرئْت حينئذ من الإسْلامُِ (
وإنما احتذى في قول بعض القضاة في أيام المأمون:
برئْتُ من الإسلامِ إن كان ذا الذي ... حكاهُ لك الواشونَ عنيُ كما قالُوا
ولكنُهُمْ لما رأوْكُْ غَرِيةُ ... بوَصْلي تواصْوا بالنُميمةِ واحتالوٌا
وكأنهَ لم يسمع قسم النابغة في قوله مخاطبًا النعمان:
ما إن نَديتُ بشيء أنت َ تكرهَهُ ... إذًا فلا رفَعتْ سوْطي إلى يدَي
إذنْ فعاقَبَني ربيُ مُعاقبةً ... قَرتْ بها عينُ منَ يأتيكَ بالحسَدِ
وينظر إلى هذا المعنى قوله في الكلمة الأخرى:
فَلوْ كفَي اليمينُ نَبتْك خوْفا ... لأفردْتُ اليَمينَ من الشمالِ
إلى قول عمرو بن قميئة:
فما قُلتُ ما نطقواَ باطلًا ... ولا كنتُ أكرهُهُ أنْ يقُالا
فإنْ كان َ حقًا كما خَبرُوا ... فلا وصَلَتْ لي يمينُ شِمالا
1 / 12