[الرسالة الثانية]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
فائدة الذي أظن تحريم ما يأخذون في هذا الزمان بغير إذن الإمام عليه السلام مثل العشر الحاصل من القرايا، فإن حله في الأصل واستحقاق المسلمين له على ما يفهم من كلامهم رحمهم الله تعالى موقوف على كون تلك القرايا فتحت عنوة بإذن الإمام عليه السلام، ومعمورة حينئذ، أو فتحت على أن الأرض للمسلمين، وعلى عدم وقفيتها، وعدم دعوى من في يده ملكيتها، والحال أنهم يأخذون من الوقف وممن يدعي الملكية، وعلى ثبوت المعاملة كالمزارعة من الإمام عليه السلام أو نائبه مع من يؤخذ منه الخراج.
أما التوقف على الفتح عنوة بإذن والمعمورية حين الفتح فلأن كل ذلك مصرح به في محله.
وأما على عدم دعوى ملكيتها فلأنهم صرحوا بأن كل من يدعي ملكية شئ وهو تحت يده ولم يعلم فساده، يقبل قوله في أنه ملكه، بل مجرد اليد دليل الملكية مع عدم العلم بالفساد. ولا شك في أنه يمكن صحة تملكه، مع أنه صرح بذلك
صفحة ٢٥
الشهيد الثاني في شرح الشرائع (1) وذكر لاحتمال صحة تملكه وجهين.
وأما على ثبوت المعاملة، فإن حاصل القرية لزارعها إذا كان البذر له ولا يجوز أخذ مال الغير إلا على وجه شرعي وليس بالفرض هناك ما يمكن إلا مثل ذلك.
وأنت تعلم أن إثبات كل ذلك في زماننا هذا دونه خرط القتاد كيف؟!
وأسهله إثبات الفتح عنوة في العراق. مع أنه قال الشيخ في المبسوط: " وعلى الرواية التي رواها أصحابنا إن كل عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام عليه السلام فغنمت تكون الغنيمة للإمام عليه السلام خاصة (2) - تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول صلى الله عليه وآله، إلا ما فتحت في أيام أمير المؤمنين عليه السلام، إن صح شئ من ذلك، للإمام خاصة لا يشترك فيها غيره عليه السلام " (3)، وقال الشيخ إبراهيم رحمه الله - في نقض الخراجية: " قال السيد عميد الدين في شرح النافع وظاهره أنه حكاه عن شيخه فخر الدين: وأما العراق فقيل إنه فتح عنوة فهو للمسلمين لا يباع ولا يوقف ولا يوهب ولا يملك، لأن الحسن والحسين عليهم السلام كانا مع الجيش، وفتح بإذن علي عليه السلام وقيل لم يفتح عنوة لأن الفتح عنوة هو الذي يكون بحضور الإمام أو نائب الإمام أو إذن الإمام، وليس هنا شئ من ذلك، وكذلك قولهم إن الحسن والحسين عليهما السلام كانا مع الجيش أيضا غير معلوم فلا يكون مفتوحا عنوة فيكون للإمام عليه السلام، وهو المفتي به وكذا قال والده قدس الله سرهما، انتهى ".
فلا يسمع دعوى الشهرة بل الاجماع في كون العراق فتحت عنوة.
صفحة ٢٦
والذي يوجد في كلام بعض الأصحاب من جواز أخذ ما أخذ الجائر باسم الخراج، لا يدل على الاجماع، ويمكن أن يكون مع حصول الشرائط من الجائر المخالف مع كون الآخذ مصرفا للخراج وأخذ ما يحتاج إليه، فلا يسمع دعوى الاجماع في جواز أخذه مطلقا.
كيف؟! وتوقف مدعي الاجماع المحقق الثاني في جواز أخذه لغير من يكون مصرفا للخراج مثل الغزاة والقضاة، والمدعي الآخر الشهيد الثاني تردد في شرح الشرائع في جواز أخذه من الجائر الموافق (1).
ثم إن أغمضنا عن ذلك كله، كيف يجوز لواحد منا سواء كان مصرفا للخراج أم لا أن يأخذ مالا كثيرا فوق ما يحتاج إليه هو لجميع المسلمين، بمعنى أنه مال لمصالحهم العامة مثل المسجد والقنطرة، يصرفه وليهم فيها وهو الإمام عليه السلام أو نائبه، بغير إذنهم وإذن وكيلهم ووليهم ويتصرف فيه كيف شاء؟
وبالجملة معلوم عدم جواز التصرف في مال الناس إلا على الوجه الشرعي المعلوم شرعيته عقلا ونقلا كتابا وسنة وإجماعا، وما رأيت دليلا منها يدل على جواز أخذ واحد منا شيئا مما يأخذ الجائر باسم الخراج ولم نعلم هل لكل أحد من المسلمين أو للفقراء المستحقين له أو للصالح في الجملة، بقدر الحاجة وفوقها وهل الجائر هو المخالف أو الأعم وإن كان ظاهر ذلك العموم. ولهذا تردد في بعض أفراده بعض المجتهدين المدعي للإجماع كما أشرنا إليه وذلك ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ولا برهان عقلي حتى يكون حجة بالنسبة إلى من يدعي الاستدلال وكذا بالنسبة إلى مقلديه، كما عرفت.
صفحة ٢٧
مع أنه فرع جواز تقليده وهو ظاهر، مع أنهم يدعون الاجماع على بطلان تقليد الموتى، ومعلوم أن حله ليس مما يحتاج إلى الدليل ولا التقليد وهو ظاهر.
والعجب أن الآخذين الآن وإن كانوا غنيين عن هذا وفوق حاجتهم، مستندهم كلام المحقق الثاني مع أنه يفهم من كلامه رحمه الله في مواضع، التردد في جوازه لكل أحد مثل الغني وغير المصالح وأنه مع دعواه البرهان عليه ما اكتفى بذلك في أخذه بل شارك أهل القرية في البذر واشترى بعض الأشجار منهم صرح به في الخراجية.
وأعجب منه عدم جواز الأخذ إلا بإذن الجائر مع عدم جواز الأخذ له، وعدم جواز التصرف في الحاصل إلا بعد القسمة وإخراج الحق الذي يطلبه ظلما. فما علم جواز أخذ الخراج على الإطلاق ولا لزومه على الزارع. نعم يلزم أجرة من تصرف في أرض الخراجية إن ثبت فيكون دينا في ذمته يأخذه الوالي أو وكيله يصرفه في مصالح المسلمين. والله أعلم بالصواب.
تمت هذه الرسالة الخراجية أيضا من تأليفات المولى الفاضل العالم المرحوم المغفور الورع التقي مولانا أحمد الأردبيلي أسكنه الله تعالى في جنانه.
صفحة ٢٨