الرسالة القشيرية
محقق
الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، الدكتور محمود بن الشريف
الناشر
دار المعارف
مكان النشر
القاهرة
ومن ذَلِكَ الهيبة والأنس وهما فَوْقَ القبض والبسط فكما أَن القبض فَوْقَ رتبة الخوف والبسط فَوْقَ منزلة الرجاء، فالهيبة أعلى من القبض والأنس أتم من البسط وحق الهيبة الغيبة، فَكُل هائب غائب، ثُمَّ الهائبون يتفاوتون فِي الهيبة عَلَى حسب تباينهم فِي الغيبة فمنهم وَمِنْهُم، وحق الأنس صحوا بحق فَكُل مستأنس صاح ثُمَّ يتباينون حسب تباينهم فِي الشرب ولهذا قَالُوا: أدني محل الأنس أَنَّهُ لو طرح فِي لظى لَمْ يتكدر عَلَيْهِ أنسه.
قَالَ الجنيد ﵀: كنت أسمع السري يَقُول: يبلغ العبد إِلَى حد لو ضرب وجهه بالسَيْف لَمْ يشعر وَكَانَ فِي قلبي منه شَيْء حَتَّى بان لي أَن الأمر كَذَلِكَ.
وحكي عَن أَبِي مقاتل العكي أَنَّهُ قَالَ: دخلت عَلَى الشبلي وَهُوَ ينتف الشعر من حاجبه بمنقاش فَقُلْتُ: يا سيدي أَنْتَ تفعل هَذَا بنفسك ويعود ألمه إِلَى قلبي فَقَالَ: ويلك الحقيقة ظاهرة لي ولست أطيقها فَهُوَ ذا فأنا أدخل الألم عَلَى نفسي لعلي أحس بِهِ فيستتر عني، فلست أجد الألم وليس يستتر عني وليس لي بِهِ طاقة، وحال الهيبة والأنس وإن جلتا فأهل الحقيقة يعدونها نقصا لتضمنهما تغير العبد، فَإِن أهل التمكين سمت أحوالهم عَنِ التغير وَهُمْ محو فِي وجود العين فلا هيبة لَهُمْ ولا أَنَس ولا علم ولا حس
1 / 159