الرسالة القشيرية
محقق
الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، الدكتور محمود بن الشريف
الناشر
دار المعارف
مكان النشر
القاهرة
ومن ذَلِكَ الحال والحال عِنْدَ الْقَوْم: معنى يرد عَلَى القلب من غَيْر تعمد مِنْهُم ولا اجتلاب ولا اكتساب لَهُمْ من طرب أَوْ حزن أَوْ بسط أَوْ قبض أَوْ شوق أَوِ انزعاج أَوْ هيبة أَوِ احتياج، فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب، والأحوال تأتي من غَيْر الوجود والمقامات تحصل ببذل المجهود وصاحب المقام ممكن فِي مقامه وصاحب الحال مترق عَن حاله.
وسئل ذو النون الْمِصْرِي عَنِ العارف، فَقَالَ: كَانَ ههنا فَذَهَبَ.
وَقَالَ بَعْض المشايخ: الأحوال كالبروق فَإِن بقي فحَدِيث نفس.
وَقَالُوا: الأحوال كاسمها يَعْنِي أَنَّهَا كَمَا تحل بالقلب تزول فِي الوقت، وأنشدوا:
لو لَمْ تحل مَا سميت حالا ... وكل مَا حال فَقَدْ زالا
انظر إِلَى الفيء إِذَا مَا انتهى ... يأخذ فِي النقص إِذَا طالا
وأشار قوم إِلَى بقاء الأحوال ودوامها، وَقَالُوا: إنها إِذَا لَمْ تدم وَلَمْ تتوال، فَهِيَ لوائح وبواده، وَلَمْ يصل صاحبها بَعْد إِلَى الأحوال، فَإِذَا دامت تلك الصفة فعند ذَلِكَ تسمى حالا، وَهَذَا أَبُو عُثْمَان الحيري، يَقُول: منذ أربعين سنة مَا أقامني اللَّه تعالي فِي حال فكرهته أشار إِلَى دوام الرضا، والرضا من جملة الأحوال،
1 / 154