الرسالة القشيرية
محقق
الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، الدكتور محمود بن الشريف
الناشر
دار المعارف
مكان النشر
القاهرة
فمن ذَلِكَ الوقت حقيقة الوقت عِنْدَ أهل التحقيق حادث متوهم علق حصوله عَلَى حادث متحقق، فالحادث المتحقق وقت الحادث المتوهم تقول: آتيك رأس الشهر، فالإتيان متوهم ورأس الشهر حادث متحقق فرأس الشهر وقت الإتيان.
سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه تَعَالَى يَقُول: الوقت مَا أَنْتَ فِيهِ إِن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى، وإن كنت بالسرور فوقتك السرور، وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن، يريد بِهَذَا أَن الوقت مَا كَانَ هُوَ الغالب عَلَى الإِنْسَان، وَقَدْ يعنون بالوقت مَا هُوَ فِيهِ من الزَّمَان، فَإِن قوما قَالُوا: الوقت مَا بَيْنَ الزمانين يَعْنِي الماضي والمستقبل، ويقولون: الصوفي ابْن وقته.
يريدون بِذَلِكَ أَنَّهُ مشتغل بِمَا هُوَ أولى بِهِ فِي الحال قائم بِمَا هُوَ مطالب بِهِ فِي الحين.
وقيل: الفقير لا يهمه ماضي وقته وآتيه، بَل يهمه وقته الَّذِي هُوَ فِيهِ.
وقيل: الاشتغال بفوات وقت ماض تضييع وقت ثان، وَقَدْ يريدون بالوقت مَا يصادفهم من تصريف الحق لَهُمْ دُونَ مَا يختارون لأنفسهم، ويقولون فُلان بحكم الوقت، أي أَنَّهُ مستسلم لما يبدو لَهُ من الغيب من غَيْر اختيار لَهُ، وَهَذَا فيما لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِم فِيهِ أمر أَوِ اقتضاء بحق شرع، إذ التضييع لما أمرت بِهِ، وإحالة الأمر فِيهِ عَلَى التقدير، وترك المبالاة بِمَا يحصل منك من التقصير خروج عَنِ الدين.
1 / 151