رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
محقق
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
الناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
رقم الإصدار
١٤١٣هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
العقائد والملل
بأسهم، وما كانوا عليه من شدة عنادهم وعداوتهم له حتى بلغ رسالة ربه تعالى إليهم مع (كثرتهم) ١، ووحدته٢ وتبري أهله منه، ومعاداة عشيرته، وقصد جميع المخالفين له حين سفه آراءهم فيما كانوا عليه من تعظيم أصنامهم، وعبادة النيران وتعظيم الكواكب٣ وإنكار الربوبية٤ وغير ذلك مما كانوا عليه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وأوضح الحجة في فساد جميع ما نهاهم عنه مما كانوا عليه، ودلهم على صحة جميع ما دعاهم إلى اعتقاده وفعله بحجج الله وتبيانه (لهم) ٥.
وأنه ﵇ لم يؤخر عنهم بيان شيء مما دعاهم إليه عن وقت تكليفه لهم، وإنما جوز فريق من أهل العلم تأخير البيان فيما (أجمله) ٦ الله من الأحكام قبل بروز فعله لهم، فأما تأخير ذلك عن وقت فعله فغير جائز عند كافتهم٧.
_________
١ ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأثبته من (ت)، ونسخة ابن تيمية.
٢ هكذا بالأصل ونسخة ابن تيمية وفي (ت) "وحدته".
٣ وقد وقع هذا من المجوس، وقد سبق التعريف بهم. (انظر ص١٤٢، والملل والنحل ٢/٧٠- ٩٣ عل هامش الفصل لابن حزم.
٤ وقد وقع هذا من الدهريين. (انظر ما تقدم ذكره عنهم ص١٤١)، أما مشركو العرب فكانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية مع إشراكهم بالله في توحيد الألوهية ولم ينفعهم إيمانهم بالربوبية وحده، بل ضرب الرسول ﷺ رقابهم في بدر لكونهم أشركوا بالله في الألوهية.
٥ ما بين المعقوفتين ساقط من (ت) .
سبق أن أشرت إلى تعريف الطوائف التي ذكرها الأشعري، وأخبر أن النبي ﷺ دعاها إلى الله ﷿ وإلى عبادته وحده لا شريك له، وهنا ينص على أن النبي ﷺ لم يدخر وسعًا في تبليغ رسالة الله إلى هذه الطوائف كلها رغم العوائق الكثيرة في طريقه، ولم يداهن أحدًاً من قومه رغم وقوفهم جميعًا ضده، بل دعا إلى الله على بينة وبصيرة من ربه.
وتتجلى قدرة الله وعظمته هنا، بأن حفظ نبيه ومصطفاه منهم، حتى بلغ رسالة ربه كاملة، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
٦ في (ت) "حمله" وفي الأصل "جملة" وما أثبته من نسخة ابن تيمية.
٧ يذكر الأشعري هنا قاعدة اتفق عليها أهل الأصول، وهي أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
قال الفراء البغدادي: "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن وقت الحاجة وقت الأداء، فإذا لم يكن مبينًا تعذر الأداء، فلم يكن بد من البيان". (انظر: كتابه العدة في أصول الفقه ٣/٧٢٤، وانظر كذلك شرح الكوكب المنير ص٣٢١) .
وأما تأخير البيان فيما أجمله الله من الأحكام قبل بروز فعله، فقد قال به جمهور الأصوليين، ونص عليه أحمد بن عبد العزيز الفتوحي في شرح الكوكب المنير، وخلاصة ما ذكر: أنه يجوز تأخير البيان وتأخير تبليغ النبي ﷺ الحكم إلى وقت الحاجة، وقال: "حكاه ابن عقيل عن جمهور الفقهاء، وذكره المجد عن أكثر أصحابنا فهو جائز وواقع مطلقًا" (انظر: شرح الكوكب المنير ص٢٣١- ٢٣٢) .
وقال القرافي: "من جوز تكليف ما لا يطاق، جوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وتأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة جائز عندنا...". (انظر شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول ص٢٨٢) .
وبهذا يظهر أن كلام الأشعري أعلاه يوافق موافقة تامة ما قاله علماء الأصول ومراده منه واضح.
1 / 100