رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
محقق
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
الناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
رقم الإصدار
١٤١٣هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
العقائد والملل
كأنه حاضر مع كل شيء، وقد دل الله ﷿ على ذلك بقوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ ١ وفسر ذلك أهل العلم بالتأويل أن علمه محيط بهم حيث كانوا.
وأنه له ﷿ كرسيًا دون العرش، وقد دل الله سبحانه على ذلك بقوله: ﴿وَسِعَ
_________
١ سورة الحديد آية: (٤) .
يستدل الأشعري بهذه الآية على أن الله ﷿ مع استوائه على عرشه لا يغيب عنه شيء من أطراف مملكته، أي أن علمه بكل شيء محيط.
وقد احتج المعطلة على نفي الاستواء بهذه الآية وأمثالها، وقد رد عليهم الإمام أحمد بقوله: "إنما يعني بذلك العلم،؛ لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا، ويعلم ذلك كله، وهو بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان" (انظر رسالة السنة ص٧٥) .
وقال في قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ يعني إلا الله بعلمه رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم يعني الله بعمله "سادسهم" ﴿وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ﴾ يعني بعلمه فيهم ﴿أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يفتح الخبر بعلمه ويختم الخبر بعلمه". (انظر الرد على الجهمية والزنادقة ص٥٢) .
وقال الدارمي في رده على المعطلة: "... فاحتج بعضهم فيه - أي في الاستواء - بكلمة زندقة استوحش من ذكرها، وتستر آخر من زندقة صاحبه فقال: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ ...﴾ الآية" قلنا: هذه الآية لنا عليكم لا لكم إنما يعني أنه حاضر كل نجوى، ومع كل أحد من فوق العرش بعلمه، لأن علمه بهم محيط، وبصره فيهم نافذ..." (انظر كتابه الرد على الجهمية ص١٩) .
وقال الإمام أبو عمر الطلمنكي في كتابه: "الوصول إلى معرفة الأصول": "وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء". (انظر بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية ٢/٣٨) .
وقال ابن تيمية: "وليس معتنى قوله ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان...". (انظر العقيدة الواسطية مع شرحها ص١٣٤. وانظر أيضًا مختصر الصواعق لابن القيم ٢/٢٦٢- ٢٧٩) .
1 / 132