رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
محقق
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
الناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
رقم الإصدار
١٤١٣هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
العقائد والملل
ويفارقوا١ بذلك من ذمه الله في تقليده لمن يعظمه في سادته بغير دلالة تقتضي ذلك٢.
ولما كلفهم الله ﷿ ذلك، وجعل أخبار نبيه ﷺ طريقًا إلى المعارف بما كلفهم إلى آخر الزمان حفظ أخباره ﵇ في سائر الأزمنة، ومنع من تطرق الشبه عليها حتى لا يروم أحد تغيير شيء منها، أو تبديل معنى كلمة٣ قالها إلا كشف الله ﷿ سره، وأظهر في الأمة أمره، حتى يرد٤ ذلك عليه العربي والعجمي٥، ومن قد أُهّل لحفظ ذلك من حملة علمه ﵇ والمبلغين عنه٦.
كما حفظ كتابه حتى لا ينطق٧ أحد من أهل الزيغ على تحريك حرف ساكن، أو تسكين حرف متحرك إلا تبادر٨ القراء في رد ذلك عليه مع اختلاف لغاتهم وتباين أوطانهم لما أراده الله ﷿ من صحة الأداء عنه٩.
_________
١ في (ت) "ويقارفوا".
٢ سبق أن عرفت التقليد، وبينت حكمه هناك بتوضيح (انظر ما تقدم ص١٨٧)، وهنا ينص الأشعري على إبطال التقليد الذي يتبع فيه المقلد غيره دون حجة أو برهان وهو التقليد المذموم الذي صار إليه معظم أهل هذا الزمان، وهو شيم الكفار الذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ (الأنفال آية: ٢٣) .
قال ابن عبد البر: "... ومثل هذا في القرآن كثير من ذم تقليد الآباء والرؤساء، وقد احتج العلماء بها على بطلان التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج به - أي من الاحتجاج بها على بطلان التقليد للمسلمين - لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان آخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة" (انظر: جامع بيان العلم وفضله ٢/١٠٩، ١١٠) .
ثم ذكر ﵀ روايات كثيرة عن الصحابة والتابعين في ذم التقليد والنهي عنه: "ونقل عن عبيد بن المعتز قوله: لا فرق بين بهيمة تقاد وإنسان يقلد" واستثنى من ذلك العامة - كما ذكرت سابقًا صفحة ١٨٧ فقال: "وهذا كله لغير العامة، فإن العامة لابد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها، لأنها لا تتبين موضع الحجة ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك...". (المرجع السابق ص١١٤) .
٣ ساقط من (ت) .
٤ في (ت) "يره".
٥ في (ت) "والأعجمي".
٦ من فضل الله على هذه الأمة أن حفظ لها سنة نبيها، كما حفظ لها قرآن ربها، وهذا أمر مقطوع به، لأن الله ﷾ أمرهم أن يرجعوا في موارد النزاع إلى الله وإلى الرسول، ولا يمكن إحالتهم على شيء غير محفوظ.
وقد تولى الله حفظها إذ بها يحفظ الكتاب وتعلم أحكامه، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر آية: ٩) .
وما فعله أرباب هذا الشأن من جمع الحديث والاحتياط في نقله كما سبق ذكره دليل على ذلك.
قال الألباني وهو بصدد الحديث عن الأحاديث الضعيفة: "ولكن الله ﵎ سخر لهذه الأحاديث طائفة من الأئمة بينوا ضعفها، وكشفوا عوارها، وأوضحوا وضعها، ولذلك لما قيل للإمام عبد الله بن المبارك هذه الأحاديث المصنوعة؟ أجاب بقوله: يعيش لها الجهابذة، ثم نقل عن ابن الجوزي قوله: لما لم يمكن أحدًا أن يدخل في القرآن ما ليس منه أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله ﷺ ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما يخلي منهم عصرًا من الأعصار". (انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١/٦) .
ولقد عقد السباعي بابًا كاملًا في كتابه ذكر فيه سبعة فصول في الشبه التي أوردها أعداء السنة على السنة في مختلف العصور، وفندها جميعًا ورد عليها ردًا متقنًا. (انظر: كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص١٢٧- ٣٧٣) .
ويقول الدكتور محمد أبو شهبة: "... ولن يخلو عصر من العصور من عالم ينقى عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". (انظر: دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين ص٦) .
1 / 111