+ * كتاب رسالة في الجرح والتعديل
+ *
صفحة ١
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
ما تقول السادة العلماء والأئمة الفضلاء في هذه العبارات التي يعبر بها أئمة الحديث عن الرواة مثاله
أن يقول يحيى بن معين رحمه الله هو صالح الحديث
ويقول أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به
ويقول أحمد بن حنبل هو ثقة
ويقول الآخر هو صدوق
فقولهم ثقة هو مثل قولهم يكتب حديثه
وما معنى قولهم يكتب حديثة ولا يحتج به
وما الفرق بين قولهم لا يحتج بحديثه و هو متروك الحديث
وإذا قال واحد منهم فلان ثقة وقال آخر ليس بشيء ثؤخذ بقول من منهما
فإن قال ليس بشيء يقدم على من قال هو ثقة فقد رأينا في رواة الكتب الستة التي عليها اعنماد علما الإسلام من وقع فيه هذا الإختلاف
مثاله محمد بن إسحاق فشعبة وسفيان يقولان عنه
صفحة ٢١
أمير المؤمنين في الحديث فيما نقله عنهما إبن مهدي ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد يجرحانه
وسئل يحيى بن معين عنه فقال ثقة وليس بحجة وقال مرة أخرى هو صدوق ولكنه ليس بحجة إنما الحجة عبيدالله بن عمر ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل يقول فيه لو قال رجل إن محمد بن إسحاق كان حجة لما كان مصيبا و لكنه ثقة و قال يعقوب بن شيبة سألت يحيى بن معين فقلت كيف محمد بن إسحاق عندك
قال ليس هو عندي بذاك ولم يثبته وضعفه ولم يضعفه جدا فقلت له ففي نفسك من صدقه شيء فقال لا كان صدوقا
صفحة ٢٢
فهذه العبارات كيف تنتظم مع أنه في رواة الكتب المعتمدة
وقال ابن عدي لو لم يكن لإبن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الإشتغال بكتب لا يحصل منها شيء إلى الإشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها إبن إسحاق ثم بعده صنف آخرون ولم يبلغوا مبلغ إبن إسحاق فيه وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به هذه عبارة إبن عدي فيه وهذا الإختلاف يوقع الحيرة
وهذه شبابة بن سوار روى له البخاري ومسلم في كتابيهما وغيرهما من الأئمة قال فيه أبو حاتم هو صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به
وقال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش كان أحمد بن
صفحة ٢٣
حنبل لا يرضاه وقيل ليحيى بن معين شبابة أحب إليك أم الأسود بن عامر فقال شبابة وقال أيضا هو صدوق
وقال ابن سعيد كان ثقة صالح الأمر في الحديث إلا أنه كان مرجئا
وقد روى عن شبابة هذا اسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة وأحمد بن سنان القطان وخلق سواهم
فهذا الإختلاف فيه على ماذا يحمل وعلى قول من يعتمد كيف يقبل من غير تعيين ما يجرح الشخص بة ومتى إنقطع قبول الجرح من غير تعيين وما السببب في قبول جرح أولئك الأئمة من غير تعيين ما يجرح به الشخص وترك غيرهم وهل
إختلاف هؤلاء الأئمة مثل إختلاف الفقهاء فإن قيل نعم قيل ذاك الإختلاف أوجبه الإجتهاد وهذا ليس فيه سوى النقل فإن الشخص لا يكون صادقا كاذبا في حاله
وجماعة من الرواة يقولون عنهم ليسوا بشيء ونجد حديثهم في
صفحة ٢٤
البخاري ومسلم وغيرهما فما معنى قولهم فلان ليس بشيء وهل لهذه العبارات معنى سوى ظاهرها أم لا وهل قولهم فلان حجة مثل قولهم هو ثقة
وهذا شجاع بن الوليد أبو قيس السكوني روى عنه أبو همام الوليد بن شجاع وأحمد بن حنبل ومسلم بن إبراهيم ويحيى إبن معين وأبو عبيد القاسم بن سلام ومحمد بن عبدالله بن نمير وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني وغيرهم من الأئمة
قال فيه أبو حاتم عبدالله بن بكر السهمي أحب إلي من شجاع بن الوليد وهو شيخ ليس بالمتين لا يحتج بحديثه
وقال أبو بكر المروذي قلت لأحمد بن حنبل شجاع إبن الوليد ثقة قال أرجو أن يكون صدوقا فقد جالس قوما صالحين
وقال وكيع سمعت سفيان يقول ما بالكوفة أعبد منه
وقال حنبل بن إسحاق قال أبو عبدالله كان شيخا صالحا صدوقا كتبنا عنه قال ولقيه يحيى بن معين يوما فقال له يا كذاب فقال له الشيخ إن كنت كاذبا وإلا فهتكك الله
ونقل عن يحيى بن معين أنه قال فيه أيضا هو ثقة
صفحة ٢٥
وقال أحمد بن عبدالله لابأس به
فانظر إلى هذا الإختلاف فيه فقد روى له البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وإبن ماجه
فكيف هذا من هؤلاء الأئمة القدوة مع أن الذي رسموه في الحديث هو نقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قال إبن الصلاح رحمه الله في كتابه علوم الحديث وغيره
وإن كان هذا القيد لا يمشي عند من عرف شرط الشيخين ولعلكم آجركم الله تذكرون شرط الصحيحين لتتم الفائدة إن شاء الله ببركتكم فبينوا بما عندكم من العلم نفع الله بكم المسلمين ورزقكم مرافقة الطيبين الطاهرين آمين آمين
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا
صفحة ٢٦
الجواب
فكتب الشيخ الإمام الحافظ العلامة زكي الدين أبو محمد عبدالعظيم بن عبد لقوي بن عبدالله المنذري الشافعي رضي الله عنه جوابا عن المسائل الذكورة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما
أما بعد حمدا لله العلي العظيم والصلاة على خير خلقه محمد النبي الكريم وعلى أهله وأصحابه وتابعيه الجدراء بالتفضيل والتفخيم
فقد وقفت على ما أشرتم إليه أدام الله بكم الإنتفاع وأحسن عنكم الدفاع وأجراكم في جميع الأمور على أجمل الأوضاع ورغبت إلى الله سبحانه وتعالى أنإ يعمنا ببركات سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم وعليهم أجمعين
وها أنا أذ بين يدي ذلك ما يكون جوابا عن بعضها وتمهيدا لبععضها راغبا إلى الله جل جلاله في التوفيق في القول والعمل ومستعيذا به من الخطأ والزلل إنه ما شاء ف
صفحة ٢٧
مراتب الجرح والتعديل عند إبن أبي حاتم
أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن الدمشقي في كتابه إلي منها قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد في كتابه إلى من ثغر الأسكندرية قال أخبرنا أبو مكتوم عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي إذنا قال أنبأنا أبي قال أنبأنا أبو علي حمد بن عبدالله الأصبهاني قال أنبأنا الإمام أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي قال
وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى
أ مراتب التعديل
1 فإذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه
2 وإذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس
به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية
صفحة ٢٨
3 وإذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية
4 وإذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للإعتبار
ب مراتب الجرح
1 وإذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه إعتبارا
2 وإذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الأول في كتب حديثه إلا أنه دونه
3 وإذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به
4 وإذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الرابعة
صفحة ٢٩
هذا ما ذكره إبن أبي حاتم عندما وجده من عباراتهم
صفحة ٣٠
هل قولهم الحجة أقوى من الثقة
وقول يحيى بن معين في محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة يشبه أن يكون هذا رأيه في أن الثقة دون الحجة وهو خلاف المحكي عنهم في ذلك
صفحة ٣١
اجابة الدارقطني عن قولهم فلان لين وعمن يكون كثير الخطأ
وأخبرنا أبو حفص عمر بن محممد بن معمر البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق قال أخبرنا الوزير الأجل أبو القاسم علي إبن نقيب النقباء أبي الفوارس طراد بن محمد الزينبي قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الجرجاني ح وأخبرنا الشيخ أبو الفضل جعفر بن علي المقرىء قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد قال أخبرنا الحافظ أبو نصر المؤتمن بن أحمد الساجي قال أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة قال سمعت أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي الحافظ يقول سألت أبا الحسن الدارقطني
صفحة ٣٢
قلت له إذا قيل فلان لين أيش تريد به قال لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن يكون مجروحا بشيء لايسقطه عن العدالة وسألته عمن يكون كثير الخطأ قال وإن نبهوه عليه ويرجع عنه فلا يسقط وإن لم يرجع سقط
أخبرنا الأصيل أبو المظفر عبدالرحيم بن الحافظ أبي سعد عبدالكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن الإمام أبي المظفر منصور إبن محمد السمعاني في كتابه إلي من خراسان قال أخبرنا الإمام أبو بكر عبيدالله بن إبراهيم التفتازاني قراءة عليه وأنا أسمع بنسأ في شوال سنة أربع وأربعين وخمس مائة قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الجرجاني قال أخبرنا أبو شريح إسماعيل بن أحمد الشاشي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الميداني قال أخبرنا أبو سعد عبدالرحمن بن الحسن بن عليك فذكر مسائل سئل عنها الأستاذ أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرائيني منها إذا سمع من شيوخه أن إنسانا غير ثقة في الحديث أو يرى ذلك في كتب الحفاظ هل له أن يحكم بجرحه بهذا التقليد
صفحة ٣٣
وهل يكون من المغتابين أم لا
الجواب إذا سمع شيوخه كان ذلك جرحا ولا يكون تقليدا في جرحه لأن دليله وحجته ولا يحكم بشيء يجده في الكتب إلا أن يكون سماعه من نفسين عند أصحاب الحديث
صفحة ٣٤
إختلاف أهل العلم في تعديل الرجال وتضعيفهم
أخبرنا الأشياخ أبو حفص عمر بن معمر بن محمد البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق وأبو الحسن علي بن نصر الواسطي بقراءتي عليه قدم علينا وأبو الفضل محمد بن يوسف النعماني إذنا واللفظ له قالوا أنبأنا أبو القاسم عبدالملك بن أبي سهل قراءة عليه ونحن نسمع قال أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي قال وقد إختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما إختلفوا فيما سوى ذلك من العلم هذ آخر كلامه
1
إختلافهم في قبول رواية المبتدعة
وقد إختلف أهل العلم في أهل البدع كالقدرية والرافضة والخوارج
أ فقالت طائفة لا يحتج بحديثهم جملة 38
صفحة ٣٥
ب وذهبت طائفة إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذي لا يعرف منهم إستحلال الكذب ولا الشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة
ج وذهبت طائفة إلى قبول غير الدعاة من أهل الأهواء فأما الدعاة فلا يحتج بأخبارهم
د ومنهم من ذهب إلى أنه يقبل حديثه إذا لم يكن فيه تقوية لبدعتهم
صفحة ٣٦
2 إختلافهم في عدد المزكي والجارح
واختلفوا أيضا في إشتراط العدد في المزكي والجارح والشاهد والراوي
1 فاشترط بعضهم العدد فيهما
2 ومنهم قال لا يشترط فيهما وإن كان الأحوط في الشهادة الإستظهار بعدد المزكي
3 وقال بعضهم يشترط في الشاهد ولا يشترط في الراوي لأن العدد ليس بشرط في قبول الخبر فلم يكن شرطا في الراوي بخلاف الشهادة فإن العدد يشترط في قبول الشهادة والحكم بها فكان شرطا في الشهادة
صفحة ٣٩
3 إختلافهم في قبول الجرح المفسر والمبهم
واختلفوا أيضا في المجرح إذا لم يفسر ما جرح به
1
فمنهم من قال لا يقبل الجرج إلا مفسرا
صفحة ٤٠
2 ومنهم من قال لا يستفسر الجارح إلا إذا كان عاميا لا يعرف الجرح فأما إذا كان الجارح عالما فلا يستفسر
صفحة ٤١