إن أنشدت شاهدا من الشعر فيجوز إن يكون له أروى، وإن ذكرت قولا من اقوال المتقدمين فلعله به أعرف واعتمادي على تفضله في الصفح عن الزلل واغتفاره.
القول في إياك
أما موضع الكاف فهو عارف بما قال للناس فيه والذي اعتقده مذهب الخليل وان الكاف في موضع جر لآنا وجدنا هذه اللفظة لا تنفرد بنفسها في حال وانما هي مضافة إلى الظاهر أو المضمور وليست كافها مناسبة لكاف ذاك والنجاك ورويدك وأرأيتك لان هذه حروف تنفرد فيقال ذا ورويد والنجا وأرأيت ويقال إن في مصحف ابن مسعود كافا زائدة في الخط في كل أرأيت في القرآن مثل قوله ﷿ أرأيت الذي يكذب بالدين وقوله أرأيت إن كذب وتولى وهو يروي قول الهذلي
رويد علياء جد ما ثدي أمهم ... الينا ولكن ودهم متماين
وقول الراجز:
إذا أخذت النهب فالجا النجا ... أخشى عليك طالبا سفنجا
فانفراد هذه الأشياء دل على إن مجيىء الكاف بعدها إذا كانت غير واقعة موقع المعربات إنما هو للمخاطبة وأما وزن إيا فان المتقدمين الذين وضعوا أحكام التصريف وزنوا الأفعال والأسماء بالفاء والعين واللام فجعلوهن أصولا في الأوزان ولم يحتاجوا في الثلاثي إلى غيرهن فلما جازوا الثلثة رأوا إن يكرروا أإلام وكانوا في تكريرها مضطرين وذلك اصطلاح وقع بين أهل القياس لأنهم إذا قالوا وزن جمل فعل ووزن جذع فعل لم يحتاجوا إلى غير الحروف الثلاثة فإذا وزنوا جعفرا ونحوه ضاقت الثلاثة إن تسعه فلزمهم إن يجيئوا بحرف رابع فكرهوا إن يجعلوه فاء من الفعل أو عينا فيجيئوا ببناء مستنكر فأضافوا إلى اللام مثلها لأنه قد ورد مثل ذلك في الملحقة من الأسماء الأفعال كقولهم قردد وشملل في مشيته.
والذي عليه المتقدمون إلا يزنوا الحروف التي جاءت لمعنى ولا الأسماء المضمرة لأنها لا تشتق فيحكم عليها بالحذف والسلامة من الزوائد أو كونها من المزيدات ولو قال قائل ما وزن إن وهو الأمر من آن يؤون أي رفق في السير لقيل وزنه فل ولأصله أفعل لأنه من باب قتل يقتل ولكن الهمزة لما تحركت في يؤون بحركة الواو استغنوا عن ذلك دخول ألف الوصل إذ كانت تدخل لسكون ما بعدها وحذفت الواو لأنها ساكنة لقيتها لام الفعل بعد إن سكنها حكم الأمر ولو نطق بذلك على الأصل لقيل أوون بواوين الأولى منهما كانت همزة فجعلت واوًا كراهة إن تلتقي همزتان كما فعل بالهمزة الثائية في قولك اوتمن لأن الواو والياء إذا كانتا بدلا من الهمزة خرجتا من حكم القلب ألا ترى انك إذا أمرت من أوى يأوي قلت إيو فلم تقلب وكذلك قالوا روية فجعلوا الهمزة واوا ومن قال رية في رؤية الزمه القياس إن يقول أو فيدغم وهذا النوع لم ينطق بمثله ولم يستعمل شيء منه على التمام.
ولو قال قائل ما وزن أنا من قولك أنا خير منك لم يجب إن يمثل له ذلك بالفعل إذ كانت هذه كلمة موضوعة بغير اشتقاق ولا يجوز إن يوزن إلا إن يكره على ذلك مجبر وكذلك أنت وهو وهي وما جرى مجراهن لما لم ينطق منهن بفعل وجب ألا يجرين مجرى زيد وعمر قال وضرب.
والناس في الاشتقاق فرقتان فطائفة تقول إن الأسماء والأفعال كلها مشتقة وطائفة تذهب إلى إن بعفض الأسماء مشتق وبعضها ليس بمشتق فأما الأفعال فيلزم أصحاب القياس اشتقاقها كلها من اسماء الفاعلين ومن المصادر واما الأسماء فبعضها مشقق من بعض ومن زعم ان الأسماء قبل الأفعال لزمه إلا يجعل اسما مشتقًا من فعل على إن أهل هذا الشأن يسامحون بالعبارة في ذلك.
واختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب ومن قال مثل هذا في أنا لزمه إن يقول إن أنت وزنه فعت لأن التاء إنما دخلت للمخاطبة وقد يجوز إذا أخرجنا أنا من الباب إن يقال وزنها فعى لأن بعض العرب قد قال إن بسكون النون في معنى أنا وهذا ما لا يصح حتى يخرج الحرف من الباب كما إن قائلا إذا قال لك ما وزن قد في قولك قد قام فلان لم يصح إن شت فها له حتى تخرجها من الباب فيضطرك إلى زيادة فيها تصغير أو جمع فأما اسماه الأضمار فجنسان متصلة ومنفصلة فالتاء في ضربت ليس لمدع إن يدعي أنها فاء من الفعل ولا عين ولا لام ولا أنها أخذت من لفظ آخر فجعلت في هذا الموضع، وكذلك أنا وأنت ما داما في باب الاضمار فلا يجوز إن يحكم عليهما بوزن كما لا يحكم إن تاء المتكلم هي التاء التي تلحق المضارع من ذوات الأربعة لأنها مضمومة ولا إن تاء المخاطب هي التاء التي تلحق المضارع المفتوح الأول لأنها مفتوحة وكان واجبا في حكم القياس إن يكون المنفصل من المضمرات بمنزلة المتصل لأنهم توصلوا إلى انفصاله بأن جعلوا عدته اكثر من عدة المتصل وليس مواففقه قولهم أنا لفظ أني بأني وما كان نحوه بدليل على انه مشتق وكذلك قولهم أنت مشابه قولهم أنت من الأنيت وهو نحوه الطحير والضمير المنصوب جار مجرى المرفوع، فالكاف في ضربتك لا يجوز أن يحكم عليها بوزن ولا بأنها مأخوذة من شيء وإياك جاريية مجراها إلا أن إياك مركبة من شيئين والكاف في ضربتك حرف واحد يسكن في الوقف ويحرك في الوصل فإذا سكن فهو شيء واحد وإذا تحرك فهو شيئان حرف واحد وحركة واحد الشئين الذين ركبت منهما اياك هو الكاف وحكمها في بنيتها لا في موضعها حكم الكاف في ضربتك والشيء الآخر إيا وعددها أربعة احرف لان فيها تشديدًا يحكم على الحرف بانه اثنان وقد خالفت المضمرات في الطول وذلك إنها لم تبلغ هذه العدة تقول هو فتجيىء بها على حرفين واللغة الفصحى تحريك الواو ومن العرب من، يسكن الواو كما قال النظار الأسدي: كأنما هو حبشي ماثل ... عار عليه من تلاد هدمان ولما طال الشيء قرب من الاشتقاق اعني من هذه الحروف التي وضعت للاضمار ولا أمنع إن يشذ شيىء من ذلك فأما اياك فخلافهم قد وضح ومن زعم إن الكاف لا موضع لها كانت على قياس رأيه ابعد من الاشتقاق والوزن لأنها أشد تحققًا بالمضمرات اذ كان المضمر لم تجر عادته إن يضاف ومن زعم إن اياك مضافة فللسائل إن يسسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض فإذا جرى الكلام في وزن ايا قال القائل يجوز أن يكون على فعلى وألفها للتأنيث أو فعلى وألفها للالحاق أو إفعل في وزن أصبع ثم يكون القياس مسلطًا بعد ذلك على اختيار أحد هذه الوجوه تسويته بينها في القوة. فمن قال إن ايا فعلى وألفها للتأنيث فانها تحتمل نوعين من الاشتقاق إحداهما إن تكون من اوى إلى المنزل وتكون من قوولهم أويت له أي رققت فإذا كان من اويت إلى المنزل جاز إن يعنى بها النفس التي تأوي إلى الجسد وجاز إن بها الجثة التي تأوي إلى الجسد وجاز إن يعني بها الجثة التي تأوي نفس الانسان اليها وتكون من الباب الذي يسمى فيه الشيء بتسمية ما صاحبه أو جاوره كما يقال للاناء كاس وللخمر كاس وظعينة للهوج وظعينة للمرأة وكما سميت المرأة بيتًا لأنها في البيت تكون قال الشاعر: هنيئاُ لأرباب البيوت بيونهم ... وللعرب المسكين ما يتلمس
فأصل إيا على هذا القول إويا فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كما قلبت في قيل وعيد واد غمت في الياء التي بعدها ولو بنيت من طويت اسمًا على مثال فعلى لقلت طيا وكذلك من غويتُ ورويت غيًا وريًا ولا يمتنع إن تكون إيا في الأصل فعل فيكون أصلها أويا إلا انهم لما قلبوا الواو إلى الياء لسكونها اختاروا الكسرة وهذا على قياس قولهم قرونٌ لي في جميع قرن ألوى فيضمون اللام على الأصل ويكسرونها من أجل الياء كما إنك لو بنيت اسمًا على فُعل من طويتُ لجاز إن تقول طُي الأصل وطي فتكسر. وذكر المازني انك لو بنيت اسمًا على فُعل من جاء يجيىء لقلت جيىء فان خففت الهمزة جاز لك إن تضم وتكسر فتقول جي وجي هذه على قياس قول الخليل وسيبويه فأما سعيد بن مسعدة فانه إذا بني اسمًا على فُعل من ذوات الياء قلبها إلى الواو في الواحد دون الجمع فيقول في فعل من البيع به بوع ومعيشه عنده مفعلة لا غير وهي عند الخليل وسيبوية مفعلة ولا يمتنع إن تكون مفعلة وسعيد بن مسعدة يذهب إلى إنه لو بني من العيش مثل مفعلة لقال معوشة ومن ذهب إلى هذا الرأي أجاز إن تكون مؤونة مفعلة من الأين ومضوفة مفعلة من ضاف يضيف في قول الهذلي: وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمرُ حتى ينصف الساق مئزري فاما قول العجاج: وقد نُرى إذ الحياة حيوإذ زمانُ الناس دغفلي فالحي الحياة والمعنى اذ الحياة حياة كما تقول إذ الناس ناس ويجوز إن يكون حي على فعلٍ أو على فُعل ثم كسرت الحاء لأجل الياء وكان الفراء يزعم إن الحي جمع حياة على حد قولهم خشبة وخشب وأكمة وأكم وساحة وسوح وكان يجيز الضم في الحاء كما قالوا قرون لي على الأصل ولي لأجل الياء. والوجه الآخر في إشتقاق أيا إن يكون من همزة وياءين فيكون أصلها من أصل اية والآية العلامة والشخص، ويقال خرج القوم بآيتهم أي علامتهم وجماعتهم. قال البرج بن مسهر: خرجنا من النقبين لا حي مثلنا ... بآيتنا نزجي العتاق المطافلا وذلك راجع إلى العلامة لأن جماعة الشيء هي التي بها حقيقته وقيل للشخص آية لأنه الذي يعلم به حقيقة الإنسان، وقالوا تأييت بالمكان مثل تمكثت والمعنى أني غادرت به علامة بنفسي وأظهرت فيه آيتي أي شخصي قال الكميت: قف بالديار وقوف زائر ... وتأي إنك غير صاغر وقالوا تآييت الشيء إذا تعمدت آيته قال لبيد: فتآيا بطرير مرهف ... جفرة المحزم منه فسعل فيكون معنى إياها هنا المعنى الأول معنى الشخص والحقيقة راجح إلى المعنى الأول فإذا قلت اياك أردت فالمعنى حقيقتك طلبت، لأن شخص الإنسان حقيقته ويجوز إذا قيل إن مركبة من همزة وياءين أن يكون اشتقاقها من أياة الشمس وأيائها وهو ضوءها فيراد باءيا النفس التي بها ضياء الجسد ومتى خلا منها ذهب حسنه ونضارته قال الاءيادي: حلت عليه إياة الشمس أوراقا
أياة الشمس راجع إلى اشتقاق الآية لأن نور الشمس علامة لها ولا يحكم على أن إياة الشمس مأخوذ من همزة وواو وياء لأنها لو كانت كذلك وجب أن تصح الواو لعلة الياء إذا كانوا لا يجمعون بين علة العين واللام ولذلك قالوا قوي وروي فأصحوا الواو ولم يصحوها في خاف وبابه لأنهم وجدوا الياء معتلة في المضارع إذ قالوا يقوى ويروى فلو عللوا الواو لخرجوا عن القياس ولا تجعل اياة الشمس مأخوذًا من همزة وياء وواو لأنه مفقود في كلامهم الياء بهدها الواو فأما حيوة وحيوان فمن الشاذ ولا تحمل الأشياء على ماشذ، ولكن تُحمل على ما كثر ولا يمتنع في هذا الباب إن تكون إيا فعلى بالضم على ما تقدم ويقوي ذلك زعم سيبويه إن ضيزى فعلى بضم الفاء وانهم فروا إلى الكسرة لتصح الياء وكذلك قال بعضهم الضوقي في معنى الضوقي وقرأ مكوزة الأعرابي طيبى لهم وحسن مآب فإذا جعلت ألف إيا للالحاق لم يمتنع أن يدعى فيها الضم فتكون مثل بهمي لأن إذا صح قول العرب بهماة جعلت من الملحقات، ولم يثبت ذلك، وقال بعضهم البهمي واحد وجمع فالألف عنده للتأنيث لأن فعلى بناء غلب على المؤنث وليس بجار مجرى ارطاة وعلقاة لأن الإلحاق كثر في فعلى وحكى المازني انه سمع أبا عبيدة يقول ما اكذب النحويين يزعمون أن التأنيث لا يدخل على التأنيث وأنا سمعت رؤبة بن العجاج يقول علقاة يعني الواحدة من العلقى وهو ضرب من الشجر مر ينبت في الرمل، قال الشاعر يخاطب جمله: فمت كمدًا أو كل على غير شهوة ... أفانين علقى مرة بأميل الأميل رمل يتعقد ويستطيل فيكون أميالا وربما كان مسيرة يومين أو ثلاثة وليس ما ذهب أبو عبيدة إليه مبطلا مذهب النحويين لان من قال علقاة بالهاء جعل الألف لغير التأنيث فلا يلزمهم ما قال. وإذا جعلت إيا على وزن اصبع وجب فيها من الاشتقاق ما وجب فيما قبلها إلا إن أحكامها مختلفة والقول الذي ذهب فيها أقوى لأنا إذا جعلناها على إفعل وجعلناها من أوى احتجنا إلى الجمع بين همزتين فتبدل، الثانية ياء وإذا أبدلت المهزة كان القياس ألا تدغم لأنهم قالوا في الأمر من أوى يأوي أبو فلم يدغموا وكذلك قال أكثر العرب روية لما خففوا رؤية فلم يدغموا وقد قال بعضهم رُيَّةٌ في رؤية ورؤية أيضًا فكسروا لأجل الياء فيكون اصل ايا إذا كانت على إفعل من أوى إئوى فجعلت الهمزة الثانية ياء بإجماع من العرب وأهل القياس ثم بقيت الياء المبدلة واوًا لازمة وهما في كلمة واحدة فقلبت وان كان أصلها غير ذلك كما قلبوا في مصدر احواويت، فقالوا احوياء والأصل احويواء وكان يجب ألا تدغم هذه الياء كما لم تدغم الواو في سوير وبويع ولكن لما بنيت في المصدر وهو جار مجرى الأسماء كان القلب فيها أولى وقصد ذكر السيرا في أن قوما من النحويين لا يدغمون في مصدر احواويت لأجل العلة الماضية والقول الأول أكثر، ولو قال قائل في أفعل من أويت ايوي فلم يدغم لكان قد ذهب مذهبا، إلا أن النحويين ذكروا أنك إذا بنيت من أوى مثل إوزة قلت إياة فدل ذلك على انهم يرون إدغام الياء التي كانت همزة واوزة عندهم إفعلة واستدلوا على أن الهمزة زائدة بقولهم وز وإذا قيل إن إيا على مثال اصبع وأنها مأخوذة من همزة وياءين اجتمعت فيها الهمزتان أولا فجعلت الهمزة الثانية ياء وكان الإدغام واجبًا لأن المثلين التقيا. ولمدع إن يدعي إن ايا جائز إن يكون من الوأى من قولك فرس وأى وقد اختلفوا في معناه فقيل المجتمع الخلق المقتدرة وقيل هو الطويل وقال أصحاب الاشتقاق الوأى الذي إذا نظرت إليه ذلك على أنه قوي وشديد الجري كأنه مأخوذ من وأيت أي وعدت أي هو يعد الجري فيكون أصله ايأي وخففت الهمزة الثانية تخفيفًا لازمًا كما خفقت في ذرية ونبي لان من كلامهم إن يتركوا الشيء الذي هو أصل في الكلمة فلا يستعملوه كما رفضوا همزة الخابية وهي من خبأت وكما قالوا يرى فلم يستعملوا همزة إلا عند ضرورة كما قال الشاعر: لما استبد بهم شيحان مبتجج ... بالبين عنك بهم يرآك شأنا الشيحان المجد في الأمور شآن فعال من الشأن من قولك شأن شأنة إذا فعل فعلة وإنما يذكر مثل هذا لأنه يجوز إن يقال والذي مضى في أول الاشتقاق هو القياس.
وأما ما ذكره أبو عبد الله بن خالويه ﵀ في إيا فقول يشبه أقوال النحويين إلا أنه يلزمه مثل ذاك في جميع ما ينطق به من الكلام لان القائل لو قال أمل أرطى راء ساكنة فلم يمكن النطق بها فأضافوا إليها طاء وزادوا في أولها الهمزة لسكونها وزادوا الألف في آخرها لبعد الصوت لكان مثل ما قيل في أيا وأصل النطق والله اعلم الهام سبق من الله سبحانه لأول الناطقين فقال القائل من العجم والعرب على حسب ما رُكب فيه وهو غير عالم بما نطق ولا منتقل في ذلك من رتبة إلى رتبة فكان القائل في أول البدء قام وجلس إنما هو كالغراب إذا نعب وكالفرس إذا صهل وإنما الفائدة فيما شرحه النحويون الدلالة على قدرة الله سبحانه لا أن ذلك وقع من العرب باعتماد، ومثل ذلك مثل الأعضاء التي يذكرالاطباء حالها في الشرح فتدل على قدرة من الله عظيمة والرجل يولد له الولد وهو جاهل بذلك كله وأما المطالبة بان تكون الهمزة إذا كان الامر على ما ذكره أبو عبد الله همزة وصل فلا تلزم بوجه لأنه ليس سكون الأول من الأصول علة لاجتلابهم ألف الوصل في كل السواكن باط قد يزيدون ألف الوصل تارة والف القطع اخرى والهمزة المقطوعة في الأسماء التي ليست جارية على الأفعال اكثر من همزة الوصل إذ كانت الهمزة الموصولة دخلت على أسماء معدودة وهمزة القطع لحقت أسماء لا يدركها العدد فافتنوا فيها بالحركات الضمة والفتحة والكسرة فقالوا في المضمومة أبلم واترج واسلوب وأسكوب فقالوا في المفتوحة أفكل وأيدع واحمر وأصفر والمكسورة نحو إصبع وإسنام وهو ضرب من الشجر فأوائل هذه الأسماء كلها إذا أخذ منه الأصلي ساكن وقد لحقها همزة القطع ولم يضنوا في ألف الوصل كافتنانهم في هذه الهمزة لأنها أمكن وأقوى وليس كل اسم سقط من آخره حرف أو من أوسطه تزاد فيه ألف الوصل ولم تجيء مضمومة في الأسماء غير المتمكنة على أن أهل اللغة حكى بعضهم أسم في اسم فان صح ذلك فهو شاذ وهذه الهمزات المقطوعات كلها زوائد منها ما يستدل على زيادته بالاشتقاق ومنها ما يحكم عليه بغلبة الباب مثل أفكل يحكم على همزته بالزيادة لأن العادة جرت بأن يجيء هذا الباب كله مزيدا في أوله ووضحت شواهد ذلك من الاشتقاق، فدل قولهم الحمرة والحمر على إن همزة أحمر زائد وحكموا على إن همزة افكل كذلك لأنهم الحقوه بالباب المطرد وان كانوا لم يقولوا الفكل ولا الفكل ولم يصرفوا منه الفعل فيقولوا فكل وجرى الإصلاح فيما سمع من كلامهم على أن الفات الوصل لا تدخل على الأسماء التي ليست جارية على الأفعال حتى تكون نواقص من أواخرها ولم يشذ ذلك فيها إلا في قولهم ايمن على رأي البصريين لأنه اسم لم يحذف من آخره شيء إلا انه قليل التمكن في بابه وهمزات القطع ليست كذاك لأنها تدخل على ذوات الثلاثة كثيرا فربما لم يكن في الاسم زائد غيرها وربما كان معها زيادة أخرى نحو قولهم إمليس وأملود وهاتان الهمزتان الزائدتان للقطع والوصل دخلتنا على الأسماء والأفعال الحروف. فأما ألف القطع فإنها دخلت على الأسماء الموضوعة اكثر من دخولها على الأسماء الجارية على الفعل إذ كانت لا توجد في القسم الفاعل وإنما توجد في ضرب واحد من المصادر وهو مصدر افعل مثل الإكرام والإحسان وإما الأفعال فإنها دخلت فيها إذا أراد المخبر أن يخبر عن نفسه وعم بذلك جميع أصناف الفعل ثلاثية ورباعية وما كان منه بزيادة أو متعريا من الزيادة ودخلت في الحرب في مثل إن الخفيفة التي تجزم وأن التي تنصب الفعل وغيرهما من الحروف.
وأما همزة الوصل فدخلت على صنوف الكلام الثلاثة فأما الأسماء فكان دخولها في المصادر منها كثيرا وذلك أنها لحقت ثلاثة أصناف من أصناف من المصادر. فالصنف الأول مصدر ما أصله ثلاثة وهو ثمانية أبنية إلا أنه مزيد فيه وذلك انفعل وافتعل واستفعل وافعوْعل وافعوَّل وأفعنلى وافعل وأفعال وتاسع ملحق هو افعنلل وافعنلى ملحق أيضًا والصنف الثاني ما كان من بنات الأربعة وهو بنا آن افعلل مثل اقشعرو افعنلل مثل احر نجم، والصنف الثالث همزة وصل تلحق مصدر تفاعلت وتفعلت وتفعللت وما زيدت فيه هذه التاء وبعدها حرف يصلح أن يدغم فتقول تدحرج تدحرجا وتطير تطيرًا وتثاقل تثاقلا فإذا أدغمت هذه التاء فيما بعدها لحقت همزة الوصل ضرورة، وفي الكتاب الزيز قالوا اطير نابك وبمن معك وقوله اثاقلتم إلى الأرض فإنما الأصل تطيرتا وتثاقلتم فإذا اردت أن تنطق بمصدر اطيرنا وبابه فلك فيه وجهان أحدهما أن تجيء به على لفظ التطير فتقول اطير إطرا واثاقل اثاقلا وكذلك حكي عن العرب أنها تقول اطوفتُ بالبيت اطوافا وأثاقلت اثقاقلًا والآخر أن تبنيه على التفعال لان من العرب ما يقول: تطيرت تطيارا أو تفرق القوم تفراقا وعلى هذا يروى بيت تأبط شرًا: طيف ابنة الحر إذ كنا نواصلها ... ثم اجتنبت بها بعد التفراقو وقال أبو زبيد الطائي: فثار الزاجرون فزاد منم ... تقرابًا وصادفهُ ضبيس فتقول على هذا في مصدر اطير واثاقل اطيار واثيفقال وان كان اثاقلت ليس على وزن اطيرت ولكنهما يتساويان في المصادر ووزن اثيقال اتفيعال ووزن اطيار اتفعال وأما الأفعال فإن ألف الوصل كثرت فيهن لأنها دخلت في الأمر بالثلاثية وهي أفعال هذه المصدر التي تقدم ذكرها، وأما الحروف فأن ألف الوصل لحقت لام التعريف لا ضير فقالوا الرجل والاحمر وإذا تحرك ما بعد ألف الوصل فسقوطها هو الوجه إلا انهم قالوا إذا القوا حركة الهمزه على لام التعريف الحمر فاثبتوا لما كانت الحركة ليست أصلا وانما هي منقولة من حرف إلى حرف وقد قال بعضهم لحمر فحذفوا الهمزتين همزة الوصل همزة القطع وعلى هذا تجمل قراءة أبي عمرو عادًا لولى إنما هي الأولى فلما حركت اللام بحركة الهمزة سقطت همزة الوصل وقولوا قالوا الآن جئت بالحق وما كان مثله يجوز فيه قالوا لان باظهار الواو وقالوا لان بحذفها فمن أثبتها كانت حجته انها حذفت لا لتقاء الساكنين فلما تحرك الساكن الذي حذفت للقائه وجب إن تثبت ومن حذفها فحجته أن الكلام بقي على حاله من قبل نقل حركة الهمزة إلى اللام ومن هذا الباب بيت أنشده الرماني: وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح وقرأ بعض الاعراب هياك نعبد فهدا أبدل الهاء من الهمزة كما قالوا أما والله وهما والله وهرقت الماء وأرقت وأنشد الكسائي في كتابه في القرآن: وأنت صواحبها فقلن هذا الذيمنح المودة غيرنا وجفانا يريد إذا الذي فجعل همزة الاستفهام هاء واحكام هياك في الاشتقاق والهمزة مثل أحكام إياك لان الهاء مبدلة من الهمزة إلا ان من قال ي إيا هي افعل لزمه ان يقول إذا ابدل الهمزة وزنها هفعل لان النحويين يمثلون حروف الزوائد على جهاتها فيقولون وزن عثمان فعلان فيزيدون الألف والنون لأنها زائدتان في عثمان وهفعل بناء مستنكر وقد ادعى بعض الناس ان قولهم في صفة الكلب هبلع على وزن وانه مشتق من البلع وليس يثبت مثل هذا. ولوا زعم زاعم ان هياك بناء آخر وان الهاء غير مبدلة من الهمزة لجاز ان يكون اشتقاقه من الهوى الذي هو هدي النفس ومن الهواء الذي هو هواء الجو. لان الفعل من ذلك هَوي وهَوِىَ فان بني منه فعلى أو فعلى فانك تقول هيا وهيا ويجز ان تكسر الهاء لجوار الياء كما كسرتها في قولك حي بالمكان أي حي فيه ويجوز أن يكون قولهم هويت وهويت مأخوذًا من الهوة فيكون أصله من وواين إلا انهم كرهوا اجتماعهما اذ كانوا لا يقولون هووت وثقل عليهم في التثنية أن يقولوا هو وان فقلبوه إلى الياء وليس لقائل أن يكون هياك إذا كانت للمضمر من لفظ هو وهي لان ذينك وضعا للمرفوعات وليس تشديد من شددهما بحجة على هذا القول لان من العرب من يقال هوَّ وهيَّ فيشدد قال طرفة: وكاين ترى من يلمعي محظرب ... وليس له عند العزائم جول
ومن مرثعن في الأمورموا كل ... وهو بسمل المعظلات نبيل ويروى إذا اشتد الزمان نبيل وبعضهم ينشد بيت طفيل بالتشديد إذهي أحوى من الربعي حاجبه ... والعين بالاثماد الحاري مكحول والتخفيف في بيت طفيل أجود وأكثر. ومن ادعى ان اياك جائز ان تكون من وايت وجعلها فعلى مع ذلك فانه يقول اصلها وئياك فجعلت الهمزة ياء وجعلت الواو المكسورة في أولها همزة لأن العرب يفعلون ذلك كثيرا فيقولون وساد وإساد، ووشاح واشاح فزعم الجرمي انه مسموع وزغم المارني انه مطرد ولا يفعلون ذلك في غير الواو الاولى لا يقولون في مساور مسائر وفي مخاوف مخائف ومن اللغة قول الهذلي: فلا وأبيك لا ينجو نجائي ... غداة لقيتهم بعض الرجال هواء مثل بعك مستميت ... على ما في اعائك كالخيال يريد وعائك فقلب فتكون الهاء في هيأك بدلا من الهمزة والهمزة بدلا من الواو ومن زعم أنها فعلى من الوأى فانه يحدث حادثتين قبل تصيير الواو الأولى همزة لأنه يخفف الهمزة في وؤيا ثم يكسر وزعم قطرب ان من العرب من يقول أياك فيفتح فإذا صحت هذه اللغة وجب ان يقال ان الأصل الكسر وانهم فتحوا استشقالا للكسر مع الياء كما فعلوا ذلك في ليان مصدر لويته بالدين ليانا إذا مطلته قال ذو الرمة. تريدي لياني وأنت ملية ... وأحسن ياذات الوشاح التقاضيا ومن زعم بدعواه ان إيا إفعل لم يمكنه ان يجعل أيا بفتح الهمزة أفعل لأنه توصل إلى الياء في الباب الأول، الذي يكون الاشتقاق فيه من أوى أو من الآية بكسر الهمزة ومن بنى أفعل من أوى قال آوى ولو بناه من آية لقال آيا لقال لأنه يجعل الهمزة الأصلية ألفًا لاجتماع الهمزتين ومن قال إيا من وأى على ما تقدم من الترتيب لم يمكنه مثل ذلك في المفتوح لأنه لو بنى مثل أفعل من وأى قال أو أي فإن جهلت فتحة الهمزة في أيا أصلا لها فللقائل أن يقول قد وجدناهم إذا بنو فعلى أسمًا في التأنيث من ذوات الياء يقلبون في الغالب إلى الواو فيقولون الشروى وهو من شريت والتقوى وهو من تقيت فان كانت أيا فعلى من أويت وجب أن تقول أوى لأن الواو إنما انقلبت في النوع الأول لأجل الياء فالجواب في ذلك انهم ربما استعملوا الأشياء على أصولها ليدلوا بذلك على حقيقة الاستعمال كما قالوا في اسم الرجل حيوة وضيون للهر وإنما القياس ان يقولوا حية وضين ومن هذا الباب القصوى ولو جاء على المطرد لقيل القصيا وقد قالته العرب على الوجهين ويجوز أن تكون أيا جاءت في أصل الوضع لمجيء الصفات كما قالوا الريا لأنثى الريان وهو من رويت فالصفة في هذا مخالفة للاسم ويجوز إن تكون إيا بالكسر فعيلا وترتيبه في الشرح على ما تقدم. القول في آية وغاية وثاية للنحويين في آية ثلاثة أقوال الأول قول الخليل وهو ان آية وزنها فعلة بتحريك العين وأصلها ايية فلما قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وحركتها في نفسا وجب ان تصبح الياء التي هي في موضع اللام. فان قيل فما يمنع ان تكون آية فعلة أو فعلة لأنا إذا بنينا شيئا على هذا الوزن لزمنا فيه القلب إذ كان الذي يوجبه حركة المنقلب وانفتاح ما قبله ولو بنينا مثل معدة من باع وقال لقلنا باعة وقالة وكذلك لو بنينا مثل لبؤة. فالألفاظ الثلاثة تستوي في الانقلاب على حال الضم والفتح والكسر قيل لا يمتنع مثل ذلك ولكن الحمل على الأكثر هو القياس لانا نجد فعلا في ذوات الياء والواو كثير، اومع هذا فان باب خشبة أشيع في الكلام من باب سبعة ومعدة ولم تنقلب الياء التي بعد الألف في آية همزة كما انقلبت الياء في سقاء ووشاء لأنه من سقيت وشيت إذ كانت العرب لا تجمع على الحرف الواحد علة العين واللام ولكن يقتصرون على علة أحد الحرفين. ولم يصرفوا الفعل من آية اعني فعل الثلاثة لانهم لو نطقوا به صاروا إلى ما يتثقلون إذ كانوا لو بنوه مثل بارع لزمهم ان يقولوا في الماضي آي فيجيئوا بآخر الفعل على هيئة لم تنطق بمثلها العرب ولو نطقوا بذلك لزمهم أن يردوا في المضارع الياء إلى اصلها كما ردوا في يبيع ويعيب وكانت تجتمع ياء آن في آخر الفعل المضارع ولا يجيز البصريون مثل ذلك وقد أجاز أهل الكوفة هو يحيى يعيى في يحيى ويعيى وانشد الفراء:
وكأنها بين النساء سبيكة ... تمشي بسدة بيتها فتعي ولو بنو من آية فعلا للزمهم ان يسقطوا فيها الجزم أو يدغموا كما أدغموا في يفر ومن شأنهم أن يتبعوا الشيء نظيره ليتجانس الكلام كما قالوا قام يقوم قياما فهو قائم فأعلوا في الألفاظ الأربعة فعلة قام كون الواو ألفا وعلة يقوم سكون الواو وعلة قيام كون الواو ياء وعلة قائم الهمزة ولو بنوا من آية على فعل يفعل للحقهم في ذلك أشد مما فروا منه في باع يبيع لأنهم لم يبنوا في هذا الباب شيئا على يفعل ولو رخمت رجلا أو امرأة اسمه آية لقلت فيمن قال ياحار يا آي فلم تقلب كما كنت فاعلا في شكاية ودراية إذا سميت بها الألف التي قبل الياء في آية معتلة ولان هذه الألف من نفس الحرف وألف شكاية ودراية زائدة وليست منقلبة عن شيء والقول الثاني في آية أصلها آية بالتشديد وأنهم فروا من المتشدد إلى الألف كما فروا إلى الياء في دينار وجمعه يدل على أن اصله دنار ولولا ذلك لقالوا ديانير ولم يقولوا دنانير واستثقالهم للياء أكثر من استثقالهم لغيرها من الحروف والألف أخف حروف اللين وكان القلب هاهنا أولى منه في قولهم حاري إذا نسبوا إلى الحيرة يقولون رجل حاري وانما القياس حيري ففروا إلى الألف قال امرؤ القيس: فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب وهذا القول في آية قول الفراء وقد حكاه سيبويه عن قوم من النحويين لم يسمهم ولاشك ان الفراء تبعهم في ذلك. والقول لثالث في آية قول ينسب إلى الكسائي وهو أن آية أصلها فاعلة فإذا صح ذلك فلا بد من حذف ولا يكون المحذوف الهمزة إلا أحد حرفين الهمزة أو الياء فإذا قيل ان المحذوف همزة فاصلها آئية فحذفوا الهمزة وكان حذفها هاهنا أقيس منه في قولهم هو شاك السلاح ومكان هار. وقد حكى الخليل ان العرب قالت سؤته سواية والأصل سوائة فحذوا الهمزة لما فيها من الكلفة وقد قالوا ناس وأصلها أناس فحذفوا الهمزة وحذفها في آية إذا كانت فاعلة أقيس لأنها وقعت بعد الألف والألف مجانسة للهمزة وقبل تلك الألف همزة وبعد الهمزة المحذوفة ياء فكان الطرحُ كالواجب على فعل أميت كأنه في وزن باع من آية فقيل آيت تئي مثل آمت تئيم فهي آثمة فاعتلت الألف في الماضي كما اعتلت في آم وباع فهمزت في اسم الفاعل لما التقى ساكنان وهما ألف فاعل والألف التي كانت معتلة بالقلب في الماضي ولم يكونوا ليردوها إلى أصلها وقد أعلوها قي الفعل لأنهم يرغبون ان تكون الأفعال وأسماء الفاعلين مستوية في العلة أو في صحة فإذا صح أنهم حذفوا في شاك وبابه كان الحذف هاهنا ألزم وأحسن. وإذا قيل ان المحذوف ياء فالعلة في ذلك انهم كرهوا اجتماع الحرفين المثلين اللذين يكره اجتماع مثلهما إذ كانا ليس ليسا كالدالين في راد وبابهلان الياء والواو لهما مزية في الإلقاء إذا كانتا مستثقلين ولم يجيء في كلامهم مثل حايية بالاظهار ولا مثل حاي بالادغام وفد كثر ذلك في غير الياء واستعملوا تضعيفا في الماضي دون المستقبل فقالوا حي وعي ولم يستعملوا مثل ذلك في الواو ولم يأت عنهم قو وان كان من القووة ولاحو إذا نطقوا الفعل من الحوة وكل ذلك لثقل الواو عليهم. فإذا جمعت آية على قول الخليل على مثل آكم جمع أَكمٍ وأكمٍ وأكمٌ وجمع أكمة قلت في الرفع الخفض هذه آي به يافتى وعجبت من آي قرأهن فلان ولو نصبت لقلت سمعت آييًا فاتعظت غير ان هذأ شيء لم ينطق بمثله إلا أنه على باب أظب وأنت قائل في النصب رأيت، أظبيا ولا يمكنك أن تدغم إذا نصبت في قولك رأيت آييا لأنك تصير بالاسم إلى ما يستثقلون ولكنك تخفي ان شئت ومن أدغم يحيي ويعي على رأي الفراء كان الإدغام في رأيه أيسر منه في رأي الخليل لأنه لا يرى الإدغام في قولك رأيت محييا ومعييا ولكنه يرى الإخفاء والإظهار والمخفى عنده في وزن المظهر وكذلك عند غيره من أصحابه ألا ترى أن سيبويه أنشد هذا البيت على الإخفاء. إني بما قد كلفتني عشيرتي ... من الذب عن أعراضها لحقيق يخفى الباء في الميم في قوله بما ولا تكون الباء عنده إلا محتركةّ لأن سكونها كسر في رأيه ورأي غيره وكذاك قول الراجز: وغير سُفعٍ مُثل يٍحامِم أنشده سيبويه على الإخفاء وهذا لا يجوز إلا أن تكون الميم المخفاه متحركة.
وإذا جمعت آياء على مثل أزمان وأجمال قلت آيا فقلبت الياء الآخرة همزة كما فعلت في سقاء وقضاء ولو صغرت على رأي الخليل لجاز لك أن تقول ثُديُّ وثديٌّ ولو صغرت على القول الآخر وهو مذهب من يرى أن أصلها إية بالتشديد لقلت كما قلت في القول الأول لأنه يرجع إلى مثل حاله فأما من زغم انها فاعلة في الأصل فيلزمه أن يقول في تصغيرها أوية لان الألف عنده الألف فاعلة وليست منقلبة عن الياء وإنما هي كألف ضارب وطالب وهذه الألف تصير واوًا في التصغير والجمع فتقول طُويلب وغويلب وإذا سميت رجلًا طالبا قلت في جمعية طوالب ولوا ان الاشتقاق دلا على ان آية من ذوات الياءين لجاز ان يدعى فيها انها من أوى كأنها علامة يأوى إليها الضل فتكون الفها منقلبة من الواو وتصح الياء لأجل علة العين ولو صغرت على هذا الرأي لقيل أوية ترد إلى الأصل كما ترد الساحة إليه. وغاية استدل على انها من ياءين بقولهم غييت غاية وهو نحو الراية وقالوا غياية للسحابة ولولا ذلك لجاز ان تقول في غاية إذا عني بها الراية انها من ذوات الواو مأخوذة من قولهم تغاوى القوم إذا اجتمعوا كأنهم يريدون الاجتماع إلى الراية المنصوبة. ورابة يذكرها النحويون في هذا الباب وقد همزها بعض العرب وإذا همزت فهي من رأيت وليست من باب آية لأنها حينئذ فعلة بسكون العين ولم يجتمع في آية من الحروف العلة. فإن قيل فقولهم للشجرة آءة وجمعها آء من قول زهير: لهُ بالسيّ تنومُ ووآء هل يجوز ان يكون مشتقا من أصل آية وقلبت الياء الآخرة همزة أو من اويتُ فقلب ت الواو الفًا واجتمعت في الحرف علتان قيل لا يجوز ذلك عند أهل القياس على ان شذوذ الحرف الواحد أو الحرفين لا ينبغي ان يمنع منه مانع بحال لأن الأشياء قد تخرج عن القياس والأقيس في آء ان يكون مبنيا من همزتين بينهما حرف عليل فيكون من باب غاغة وطاط وهو مما لما ينطقوا منه بالفعل لأنهم كرهوا ان يقولوا آء يوءوء مثل عاع يعوع وإذا اجتمعت الواو والياء في صدر الكلمة كرهوا ان يصرفوا منها الفعل وذلك مثل يوم وويح وويل وويس وويب والوين وهو العنب الأسود ويقال الزبيب لم يبنوا من هذا كله فعلا لأنهم لو فعلوا ذلك لم يكن لهم بعد من الاعلال فيقولون وآل بويل وواس بويس ويام ييوم ولعلهم كرهوا ذلك لأجل الهاء التي تلحق في المضارع ثم جعلوا حروف المضارعة تابعة للياء كما جعلوها تابعة لها في باب يعد ويزن ولم يفعلوا بالهمزة مثل ذلك ولكن أجروها مجرى الحروف الصحاح فقالوا آن الأمر يئين وآمت المرأة تئيم وآب الغائب يؤوب وكرهوا مثل ذلك في الأء لأنه أثقل من هذه الأشياء إذ كان طرفاه همزتين ولو صرفوا منه الفعل لوجب ان يقولوا في الأمر أؤفلم يكن لهم بد من تخفيف الهمزة فيجعلونها واوا لانضمام ما قبلها فيصيرون إذا خاطبوا الواحد بالأمر كأنهم خاطبوا الجماعة إذا أمروهم من وأى أي وعد لأنك تقول للواحد إو وعدأ حسنا كما تقول ق زيدا وللاثنين إيا وللجميع أو فكلما كثرت الحروف التي جرت عادتها بألا بدال والعلة كانوا في تركها أرغب ويحكم على آء انه من ذوات الواو لأنها الغالبة على هذا الباب وإذا جهل أصل شيء من ذاك فعليها يحمل فتقول في تصغير آءة أوية ولو جمعناء على مثال أبواب لقلنا آوآء ولو جمعناه على مثل انور لقلنا آوء ويا فتى فصححنا الواو كما صححناها في أنور وادور ومن كان من لغته ان يهمز هذه الواو فيقول أدور وأقوس فأنه لا يجوز له ان يهمز في آؤء لأنه يجمع بين همزتين ولكنه ان أراد ذلك خفف الهمزة الثانية فجعلها واوا ثم قلبها إلى الياء كما فعل في باب ادل وهذا لان الضمة التي اوجبت الهمزة للواو تحول إلى الكسرة ولو جمعت آء على مثل نيران لقلت إيآن فان حففت الخمزة الثانية قلت إو ان فرددت الياء اصلها ولو جمعت آيا على فعلان لقلت إيان فأما شاء فألفه منقلبة من واو وهمزته مبدلة من الهاء يدلك على ذلك قولهم شويهة في التصغير وشياه في الجمع وليس قولهم شوي في معنى شاء بدليل على ان الهمزة في شاء منقلبة من ياء لأنهم قد يخففون الشيء تخفيفا لازما كما فعلوا ذلك في برية ونبي وكأن العرب مجمعة على ترك الهمز في الشوي. قال الراجز: ان بني يربوع أرباب الشوي ... قوم يلبون السويق بالمني من يشرب المني يحبل بصيي
فكان الشوي اصله الهمز لأنه في معنى الشاء كما ان المعيز في معش المعز والضئين في معنى الضأن والشوي موافق فعيلا من شويت لأنا نقول شويت الحم فهو مشوي وشوي والقياس ان يجعل شوي من لفظ الشاء لا من لفظ شويت لأنه إذا جعل من لفظ الشاء كان مخصوصا بالتسمة ولة جعل من شويت لشركه في ذلك جميع المشويات لانه قد يُشوى لحم الجزور ولحم الضائنة ولحم الماعر ويدخل في ذلك الحيتان وغيرها من الطير وجميع ما يؤكل من أصناف الحيوان فإذا قيل إن شاء من لفظ شاة وان الهمزة فيه منقلبة من الهاء فيجوز إن يقال اشتقاق شاه من الشوه وهو من الأضداد يكون في معنى القبح وفي معنى الحسن فأما القبح فهو الظاهر في كلامهم يقولون شوه الله خلقه وشاه وجهه وأما كونه في معنى الحسن فقولهم فرس شوهاء أي حسنةٌ، وكذلك فسروا قول ابى داود: فهي شوهاءُ كالجوالق فوها ... مستجاف يضل فيه الشكيم وقيل الشوهاءُ الواسعة الفم ويقال للذي يصيب بالعين اشوَه ومن قال في تصغير شاة شويهة وجعل شاءً كالجمع لشاة فانه يجب إن تقول في التصغير شوية لأن شاة عند فعلة من شاه يشةه فحذفت الهاء الأصلية وأعلت الواو ومن زعم إن شاءً همزته ليست مبدلة من هاءٍ وانها اصل في الباب فانه يقول التصغير شوي إذا ذهب به مذهب قوم فان ذهب به مذهب إبل وخيل قال شوية وإذا كن على مذهب شاة لم يجزان يحمل في التصغير إلا على باب نخل وقبر وذلك ان ما كان بينه وبين واحده لهاء من المجموع جاز فيه التذكير والتأنيث فإذا صغر وجب انايلزم فيه التذكير ليقع الفرق بين التصغير الواحد والجمع فمن قال هذه نخل حسنة قال في التصغير نخيل ليفرق بين تصغيره ةتصغير نخلة. واما طاية وهي السطح فهي من باب آية في ان لامها صحت لأجل علة للعين وكأنها من طويت فانقلبت الواو الفا، قال الشاعر: كأن المحال الغر في حجراتها ... عذارى على طايات مصر فلو صغرت طاية لقلت طوية وثاية إذا أردت مراوح الابل وهي عازبة فإنها من هذا الباب ويجب إن يكون اشتقاقها من ثويت بالموضع إذا أقمت الا ان ثبت انها من ذوات الياء ولو جمعت طاية على طاي وثاية على ثاي ثم جمعته على أفعل مثل أزمن وآكم لقلت في الرفع والخفض هذه اطو ومررت بأطو وهذه اثو ومررت بأثو فإذا نصبت قلت رأيت أطويًا وأثويا إلا ان تثبت انها من ذوت الياء فتجريها مجرى آية وقد مر ذكرها وقد زعم قوم ان شاء شاذ فهذا يدل على جمعهم بين العلتين فأما الماء لمشروب فهو مثل شاء إذا قلنا إن همزته من الهاء وليس البدل عندهم كالعلة ولولا ذلك لم يجمعوا بين بدل اللام وعلة العين وحروف المعجم التي هي باء وتاء وثاء انما هي أصوات محكية في الأصل فإذا عُربت فإنما نُقلت من بأب إلى باب وإنما قالوا باء فنطقوا بلفظ الحرف ثم قووه بألف ليمكن النطق به ثم مدوا ارادة للبيان فلما اجتمعت الفان هُمزت الأخرى منهما فهذه الحروف ما دامت في بابها جارية مجرى الأصوات التي هي على هذا الوزن مثل غاق وواق ونحو ذلك فإذا أخرجتهن إلى باب الأسماء أجريت الألف مجرى المنقلبة كما انك إذا أخرجت ترخيم حارث في قول من قال يا حارُ إلى باب الأسماء أجريت الفه مجرى ألف باب ونار والراء اسم شجر يجري في التصغير مجرى غيره فيحكم على الفه بأنها واو في الأصل حتى يثبت السماع بغير ذلك همزته انها أصلية ليست بالمنقلبة.
وإذا نسبوا إلى آية فانهم يجيزون ثلاثة أوجه آئي بالهمزة وآوي بقلب الياء واوا وآبي على الأصل فبعضهم يرى إن الهمز هو الوجه وبعضهم يختار الياء لأنهم قد كثر في كلامهم مثل هذا إذ كانوا يقولون رجل عبي وحيى وهذا مكان محبيي فيه وأمر معيي به وأما قلبهم إلى الواو فلأجل الياآت والهمز فروا إليه لاجتماع الحروف التي جرت عادتها بان تعتل ولقائل أن يقول الأصل آيي بلا امتراء فالهمزة هل حدثت عن الياء أم عن الواو فيقال له كل ذلك يجوز فان شئت قلت قلبوا الياء واوا ثم همزوا الواو لأنها مكسورة كما قالوا في وشاح إشاح وكان هذا الزم لأن بعد الواو ياءين ألا ترى إن همزة بعدها ياء مشددة قد جاءت في كلامهم صدرا للكلمة فقالوا إياك وإيل للذي في الجبل وليس في كلامهم واو مكسورة بعدها ياء مشددة في صدر كلمة البتة وقد جاءوا بالهمزة المفتوحة وبعدها الياء المشددة في مواضع كثيرة ولما يفعلوا ذلك في الواو ألا تراهم قالوا للرجل أيم وللمرأة ايم وقالوا أي القوم معك ورجل ايد وايده الله وليس في كلامهم مثل ويل ولا ويرو أما قلبهم الياء إلى الهمزة فكما قلبوها في قولهم يدي وادي وهو العيش الواسع ويلنجوج وألنحوج والياء إذا كانت متحركة بالكسر وقبلها ما يُسكتُ عليه فهي جارية مجرى ما يبتدأ به في بعض الجهات ولا ريب في انهم آثروا الابتداء بالهمزة على الابتداء بالياء إلا ترى إن أفعل في الأسماء أكثر من يفعل فباب احمر وأصفر لا يقاس به في الكثرة باب يرمع ويلمع واليرمع حجارة رقاق تنفت باليد واليلمع البرق والسراب وقالوا إصبع أبلم ولم يقولوا يرمع وقد حكي يعفر على الاتباع وقال بعض أهل اللغة ليس في كلامهم اسم أوله ياء مكسورة إلا قولهم اليسار ليد هكذا قال ابن دريد وغيره يقول يسار بالفتح فإذا كان ذلك على ما تعرفه العامة فقد فقدت ياء مكسورة في أول الأسماء إلا إن يجيء في مصدر فاعلتُ فانهم يضطرون إلى ذلك إذا قالوا ياسرت الرجل يسارا وقد استغنوا بالمياسرة وكذلك قالوا يا منتُ أي أتيت اليمن ولعلهم يجتنبون اليمان في المصدر ويفرون منه إلى الميامنة ويدلك على ان الكسرة عندهم مع الهمزة أيسر منها مع الياء انهم يقولون إعلم وإستعين وإخال فيكسرون مع الهمزة كما يكسرون مع التاء والنون وقد قرأت بذلك القراء يحيى ابن وثاب وغيره ويروى انه قرأ فأمتعه قليلا ثم اضطره بكسر الهمزة من اضطره وكذلك يفعل في غيرها من حروف المضارعة فقرأ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وهذه لغة للعرب فيما كان على فعل يفعل وما جاوز الاربعة نحو اسود واقشعر وإذا صاروا إلى الياء فروا إلى الفتح فلم يقولوا يعلم كذلك يقول سيبويه وقد حكاها الفراء عن قوم مات العرب وأن صحت فهي شاذة وليس هذا من باب ينحل وقرأ أصحاب القراءة التي مر ذكرها إن تكونوا تيلمون فانهم يألمون كما تيلمون فكسروا مع التاء ولم يكسروا مع الياء فهذا يبين حال آية في النسب والحد لله وهذه الأسماء التي ظهرت فيها الياء وهي على مثل آية تجري في النسب مجراها. القول في اسم وحقيقة الحذف منهوكان أصل الأسماء ان تجيء غير محذوفات وانما يستدل على حذفها بالاشتقاق والتصغير والجمع والعلل الجارية عليها في أنحاء العربية فكأن قائلا في الأصل قيل له ما فرس أو ما رجلٌ فقال اسم فوقع للسامع أن الهمزة من الأصل لأنه سمع جرسا على مثل إذن وابط وادل والإدل اللبن الحامض فقال السامع هذه همزة أصلية فيجب ان يكون اشتقاقها من اسم ياسم فرجع إلى أصل الكلام وما روت الثقات منه فلم يجد فيه ذلك فقال يجب إذ فقدت هذه اللفظة ان يجعل اسم من وسم يسم كأنه وسم كأنه وسم ثم قلبت الواو همزة كما قالوا ولدة وإلدة ووطاء وإطاء فاستقر في نفسه ذلك ثم سمع الفصحاء تقول سمعت اسمك وهذا اسم زيد ويستمر على ذلك ولا يجريه لمجرى اذن وأزل وهو الكذب لأنها لو أجرته مجرى ذلك لنطقت بالهمزة في ادراج الكلام فقال السامع يجب ان يكون هذا لما كثر آثروا فيه الخفة ثم سمعهم يقولون في التصغير هذا سميك وسمي أخيك فانتقض عليه ما اعتقد لأن الامر لو كان كل توهم لوجب أن يقولوا أسم كما يقولون في اشاح اشيح فيثبتون الهمزة وزاده ريبا فيما فان ضن جمعهم اياه على أسماء فعلم أن ما ذهب إليه باطل ونظر فإذا العائد في التصغير لايخلو من أن يكون واوا أو ياء وان لالسين سكنت في أول النطق فنطقوا بالهمزة قبلها ليكون وصلة إليها واسقطوا عند الغناء واعتبر كلام العرب فرآهم يقولون سموت سموا وإذا أرادوا أن يخبروا أنهم جعلوا للرجل اسما قالوا سميته ورآهم لم يستعملوا السمى فحكم على أن الذاهب من اسم واو وانهم وضعوا هذه الكلمة وهم يريدون بها ظهور أمر الإنسان وعلوه وان يعرفوا به غيره لأن من لا يعرف له اسم فهو خامل مجهول وقالوا سم وسم في المسموع فدل ذلك على أنهم بنوه تارة على فعل وتارة على فعل وقد انشدوا أبياتا لوجهين منها قول الراجز: والله سماك سمًا مباركًا ... آثرك الله به ايثاركا وقال آخر: وعالمنا أعجبنا مقدمه ... يكنى أبا السوح وقرضاب سمه وأما قول الآخر: فدع عنك ذكر اللهو واعمد بمدحه ... لخير معد كلها حيث ما انتمى لأجودها كفأ واكرمها أبا ... وأحسنها وجها وأرفعها سما
فزعم قوم من أهل اللغة أن السما بعد الصيت والاجود أن يكون سم على ما تقدم وألفه للنصب وان لم يكن سمع في غير هذا البيت فلا وجه له إلا القول الايخر ولو كانت الألف في اسم أصلية لقالوا في جمعه آسام كما قالوا في جمع إرب وهو العضو آراب فان قيل فما ينكر من أن تكون همزة اسم مبدلة من واو ثم قلبت في الجمع لأنهم يستعملون التغير في المعتل فيقولون كاع وكائع وهار وهائر قيل الذي يمنع من ذلك انهم لم يقلبوها في الجمع وحده ولكن قلبوها في جميع ما صرفوه من اسم فقالوا سيمت وسمي وأسماء فدل ذلك على علة هذا القول ودلهم وصلها في غير الابتداء على انها كغيرها من الألفات التي لحقت الأفعال وهذا النوع من الأسماء فأما أسامة فليس من لفظ الاسم في الحقيقة وان كان مجانسا له في الجرس ويجب أن يكون اشتقاق أسامة من الاسم وهو ممات وقد يجوز أن يكون أسامة من الوسام وهو حسن الوجه فبني على فعالة وهمزت الواو لما ضمت في أول الكلمة وإذا حمل على هذا القول جاز ان يكون من الوسم إلا ان همزته في ذلك اصلية لأنها بدل من الواو وقلبهم الواو المضمومة همزة شائع كثير يقولون ولد له أولاد وألد له وفي الكتاب العزيز وقتت وأقتت وهو من الوقت وقولهم أد بن طابخة يجوز إن يكون اصله ود قلبت الواو همزة ويجوز ان يكون مأخوذا من الاد وهي القوة أو من قولهم أدت الإبل إذا حنت حنيا شديدا فأما قولهم أسماء في اسم المرأة فالنحويون المتقدمون يجعلونه جمع اسم وإذا سموا به الرجل لما يصرفوه لأنه اسم غلب عليه كونه للمؤنث كما أن زينب غلب عليه أن يكون اسم امرأة وليس فيه علم للتأنيث وليس أسماء عندهم بمنزلة حمراء فيلزم أصحاب هذا القول أن يقولوا مررت بأسماء واسماء أخرى فيصرفوها في النكرة لأنها ليست كحمراء عندهم وانما هي أفعال مثل أبناء وأحناء ولو كانت مثل حمراء لم تنصرف في النكرة ولا يمتنع في القياس إن تكون أسماء من الوسامة إلا ان الواو قلبت إلى الهمزة وقلب الواو المفتوحة إلى الهمزة قليل إنما جاء في أحرف معدودة كقولهم أحد وأصله وحد وكقولهم المرأة أناة وأصله وناة هذا في رأي من زعم انها من الوني وقد يجوز ان يكون مأخوذا من التأني في الأمر فتكون موصفة بالمصدر فيقال امرأة اناة أي ذات اناةٍ لأنها إذا كانت ثقيلة الجسم اداها ذلك إلى تأنيها فيما تمارس وقد قالوا الزكاة تذهب أبلة المال أي وخامته وذهبوا إلى إن اصلها وبلة وانها من قولهم كلأ وبيل أي وخيم وغيداء فيكون على هذا فعلاء ولا تصرف إذا نكرتها كما لاتصرف حمراء ولو نطق على هذا بالمذكر فجيء به على الأصل لقيل أوسم فان جيء به على القلب قيل آسم فخففت الهمزة الثانية لنه مثل لآدم ولو صغرت أسماء على هذا التصغير الترخيم لقلت أسيمة كما تقول في خنساء خنيسة والذي قوى رأي النحويين في إن أسماء إذا كان اسم امرأة جمع اسم قولهم في ترخيم التصغير سمية ولم ينقل في أسماء النساء أسيمة وبنوا سمًا وسُمًا على لغتين كما قالوا فعل وفُعل في أشياء كثيرة قالوا عُضو وعضو وجِرو وجُرو وطِي وطُي وإذا أجروا على بعض الأسماء حكماء من حذف أو زيادة لم يهجروه على نظيره وانما نُقل كلامهم بالسماع فقيس منه ما اطرد ورد ما خرج عن القياس إلى نقل السامعين فلا يلزمهم ان يقولوا في جِرو جِرُ وجر كما قالوا في اسم سم وسم ولا ان يدخلوا ألف الوصل في أوله فيقولوا اجر كما قالوا ابن واسم لأن هذه أشياء خصت بالحذف والزياد ولقو لزمهم مثل ذلك لوجب عليهم ان يكونوا قد نطقوا من الضرب باسم في وزن إثمد وجعلوه واقعًا في بعض الأشياء ولوجب ان يحذفوا الهمزة من أوائل أمير وأجير وأخير ونحو ذلك كما حذفوها من أناس لما قالوا ناس ولا يقبل أحد دعوى من يلزمه مثل ذلك وزعم ابو اسحق الزجاج إنه لم يتكلم قبله في اشتقاق اسم ولا مرية في انه كما قال لأنه الثقة في هذا وغيره أن شاء الله فان قيل فما ينكر ان تكون ألف اسم أصلية ثم حذفت لكثرة الاستعمال كما حذفت الهمزة في ويلمه قيل الذي منع من ذلك دلالة الاشتقاق على غيره وحكم على ان ألف أم ألف اصلية وان كانت قد حذفت في قولهم ويلمه لان الغالب على كلام العرب ان يقطعوا همزة أخ وكذلك ما صرفوه منها لأنهم قد قالوا الأمومة وقد ادعى بعض النحويين المتقدمين ان ألف أم قد توصل وليس ذلك لأنها ألف وصل وإنما هو اتفاق لضرورة كما قال حاتم:
أبوهم أبي والأمهات أمهاتنا ... فأنعم ومتعني نفيس بن جحدر وقد وصلوا الفات القطع في مواضع وانما ذلك في ضروره الشعر كما قال أبو زبيد الطائي: فأيقن أكدر إذ صاروا ثمنية ... ان قد تفرد أهل البيت بالثمن وإنما هو اكدر على مثال احمر واكدرها هنا اسم كلب وقال آخر: يا للرجال لحادث الأزمان ... ولنسوة من آل أبي سفيان وهذا مرفوض قليل وقد أفردوا أما بحكم ليس لغيرها من الأسماء وذلك ان الفراء وغيره يزعمون ان العرب يكسرون همزة أم إذا وقعت قبلها كسرة أو ياء وقد قرأ بذلك الكوفيون مثل قوله فلامه السدس وفي بطون إمهاتكم وليس وصلهم الهمزة في قولهم ويلم بديل على انها ألف وصل لأن هذه الكلمة شذت عن سائر الكلام ويجب ان يكون الاسم على رأي أبي اسحاق جاريا لمجرى الذبح الطحن لان المصدر فعل مفتوح إذا رُد إلى الأصل ولو كان اسم من الوسم أو من الاسم لقيل اسمتُ الرجل ووسمته وليس القلب من اسم إلى سما مثل القلب من رأى إلى راء ومن شأى إلى شاء لان المعتل كثر فيه ذلك وأمر؟ بابه ليس من هذا النحو وكذلك قولهم اسار في اسآر ليس من ذلك النحو لانهم كرهوا إن يقولوا اسآر فيجمعوا في الكلمة الواحدة بين همزتين فقالوا اسار لان المد ايسر واخف قال الشاعر وأنشده أبو عبيدة: إنا لنضرب جعفراٌ بسيوفنا ... ضرب الغريبة تركب الاسارا يريد ألأسار. وأنشد سيبويه: لقد لقيت قُريظة ما سآها ... وحل بدارها ذل ذليل يريد ساءها ولو بنيت من اسم مثل افعل لقلت اسمي يافتى على مثال اعمى والهمزة فيه همزة افعل ولو بنيت منه مثل إثمد قلت هذا اسم في الرفع ومررت باسم ورأيت اسميًا في النصب والفه زائدة ليست من ألف اسم في شيء لأن تلك زيدت على شرط من البنية إذا زال بطلت بلا اختلاف ولو بنيت منه مثل ابلم لقلت اسم في الرفع والخفض ورأيت اسميًا في النصب فقلبت واوه كما قلبت وأو أدد وأجر وإذا نسبت إلى اسم فحذفت الألف ورددت قلت سموي وانما يردون من المنسوبات فيما ذهب منه موضع اللام لأنها التي يلحقها التغيير والعين بعيدة من ذلك والفاء أبعد فلو نسبت إلى عدة وجهة إذا سميت بهما لقلت عدي وجهي فلم تردد وكذلك لو سميت رجلا بمذ لقلت في النسب مذي لأن الذاهب العين والنسب عندهم ارد من التثنية والجمع لأنه الزم، فأما التصغير فاجمع على قياسه فلا بد من الرد فيها لأنهُ يُضطر إليه الناطق فيقول في عدة وعيدة ولا يجد عن ذلك مندوحة ولو جمعتها جمع التكسير لوجب ان تقول وعد لأنك تردها إلى باب سدرة وكسرة، وقول الراجز: تلفه الرياح والسُميُّ لا يدل على ان اصل الكلمة من ياء، كما لايدل على قولهم الدلي على انهم قالوا الدلي إذا كانوا يجمعون ذوات الياء على هذا النحو فيقلبون. وكذلك قالوا عصي وُقفي (ا) وإنما يذكر مثل هذا ليعلم انه ليس في كلامي السمي إلا مماتا أو كالممات. وأما زعم ان الواو حذفت بعد سكونها لأنهم استثقلوا الكسرة أو الضمة عليها فلما لقيها التنوين وجب حذفها، فإن هذا القول قد يجوز ان يكون مثله وقد يجوز ان يمتنع وامتناعه أولى لأنهم لم يطردوا القياس عليه ولا فعلوا ذلك بكل ما كان على هذه الزنة، وليس هو جاريا مجرى أدل وقاض لأن هذين في بابهما اصلان ولهما نظائر كثير، وليس حذفهم في اسم مثل ذلك وانما تلك العلة شيء يتوصل به النحويون إلى تكثير المنطق ولا يعلم كيف سجبة حذفهم للواو إلا ان يدعي مدع انه في غريبزة الناطق بهذه الكلمة في بدء الخلق. وقد مضى القول في ان ألفاظ الآدميين التي جبلهم الله سبحانه عليها إنما كصياح الطير وصهيل الخليل على ان قول من زعم ان الواو حذفت منها الحركة ثم حذفت بعد ذلك يشبه اعتلال النحويين ولكننا وجدناهم يحذفون الحرف الصحيح من بعض الأسماء ولا يمكن الاعتلال بمثل هذه العلة فيه لأنهم إذا جاءوا بمثل قول زهير: يأبى لحار فلا يبغي به بدلا ... أبٌ بري وخالٌ غير مجهول
وقد علموا إن التاء حذفت لا محالة وفيها الحركة فهل يجوز ان يدعي مدع انهم اسكنوا الثآء لما أرادوا الحذف فلما اجتمعت مع التنوين حذفت لالتقاء الساكنين وهذا ما لا يحسن في القياس لأنه يؤدي إلى تكلف يشهد المعقول بخلافه ولأن الذين قالوا في مروان يامرو فحذفوا الألف والنون لا يجوز أن يدعى لهم أنهم استثقلوا الضمة على النون فحذفوها فالتقى ساكنان فحذفت النون ثم حذفت الألف. والنحويون يذكرون في الترخيم حذف الزيادتين اللتين زيادتا معا فان كانت زيادتهما وقعت في حال واحد فكذلك يجب أن يكون الحذف وعلى هذا يمضي القول على عثمن ومنصور وشراحيل إذا رخمت شيئا من ذلك في ضرورة وغير ضرورة بما كثرت المحدوفات دل ذلك على بطلان قول من زعم أن لواو سكنت في سمو لما استثقلت الضمة أو الكسرة عليها ولو صح ذلك لكانوا قد فروا إلى حذف الواو من جمعهم بين سواكن ثلاث لأن الميم في اصل البنية حظها السكون والواو سكنت لاستثقال الضمة ثم استقبلها التنوين بعد ذلك ورأى من زعم هذه المقالة يلزمه أن يكون حذفها في الوصل لان التنوين إنما يلحق في أدراج الكلام وإذا قال القائل سمو في الوقف فانه لا يضطر إلى حذف. إذ كانوا يجمعون في الوقف بين ساكنين بغير اختلاف ولا ينظرون أكان الساكن همزة أو واوا أم ياء أم حرفا هن غير هذه الحروف والقول في هذا يتسع وقد مر ما فيه كفاية. القول في اثنين واثنتين هذه الأسماء التي حذفت من أواخرها حرف العلة وزيدت في أوائلها همزة الوصل فخالفة لغيرها من الأسماء وهي موضوعة في أصل اللغة وضع الأصول وأكثرها لحقه التأنيث على حد التذكير فقالوا ابن وابنة واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة فأما اسم فلم يحتاجوا فيه إلى التأنيث لأنه جرى مجرى الصوت واللفظ والوجه والرأس وإنما يستنبط النحويون أصول المعتلات بالاشتقاق الحاكم على الأصول أو بالتصغير والجمع ولهم أيضًا بالنسب دلالة والعرب قالت اثنان فثبتوا على هذه البينة ولم ينطقوا بغير ذلك فلما صاروا إلى التأنيث قوي الاسم الناقص فاتسعوا فيه وقال أكثرهم اثنتان وهي اللغة التي جاء بها القرآن، وقال بعضهم ثنتان وهي كثيرة في الشعر أنشد ابن الأعرابي: فقلت مهلًا لا تلومي ياهنه ... أنا ابن ثنتين وسبعين سنة وقال آخر: لقيت ابنة البكري زينب عن عُفر ... ونحن حرام مسي عاشرة شر فقبلتها ثنتين كالثلج منهما ... وأخرى على لوح أحر من الجمر فقولهم ثنتان استدل به النحويون على أن أصل الثآء في قولهم اثنان أن تكون مكسورة واستدلوا بقولهم ثنوي على ان الثآء يجب أن تكون مفتوحة فتنازع في اثنين أصلان أحدهما أن يكون وأحدهما على فعل مثل ثني والآخر أن يكون على ثني مثل رحى إلا أنه لحقه التغيير وقد يجوز ان يجيء الاسم الواحد على فعل وفعل كما قالوا حرج وحرج وحلس وحَلَسُ وشبه وشبه واستدلوا بقولهم ثنيت وثني على أن المحذوف ياء وقد حكي أن بعض العرب تقول الاثن فيجيء به على لفظ ابن ووزن اثن على هذا القول إفع ووزن اثنين يجب أن يكون افعين واثنتان وزنهما افعتان وثنتان وزنهما فعتان، وقد حكي ثنوت في معنى ثنيت فإذا صح ذلك جاز ان يكون المحذوف واوا فأما ابن فبعض الناس يذهب إلى ان الذي حذف منه واو وذلك اختيار سعيد بن مسعده وكان يستدل على ذلك بقولهم البنوة وكان غيره يذهب إلى ان الساقط من ابن ياء لأنه من قولهم بنى الرجل على امرأته يبني وكان بعض النحويين يجيز إن يكون الذاهب واوًا وان يكون ياء وذلك رأي أبي اسحاق الزجاج وقولهم بنت يدل على أن أصل ابن فعل وقولهم بنون وبنات يدل على أن اصله فعل وقولهم أبناء يستدل به على انه ليس بفعل ساكن العين حملا على الأكثر من الكلام إذ كان جذع واجذاع وحمل وأحمال أشيع قي اللغة من زند وازناد وفرخ وافراخ وإنما تحمل الأشياء على ما كثر وليس لقائل ان يقول وكيف لا نجيز ان يكون اصل ابن والواحد من أثنين على فعل لأنا قد وجدنا ما يدل على كسر الأول وفتحه ودليلا ينبيء عن حركة الأوسط إذا فتح الأول وهو ان أفعالًا جمع فَعل وفِعل مثل جمل وزمن وِجذع وِحسل ويقوي مذهب من زعم ان الساقط من ابن الواو تشبه النحويين المتقدمين قولهم أشياء بقولهم أبينون من قول الشاعر:
زعمت تماضر أنني إما أمتيسدد أبينوها الأصاغر خلتي ومعنى تشبيههم أشياء بابينون ان الواو نقلت من أخر الاسم إلى أوله فصار وُبينون فقلبت الواو همزة لأنها مضمومة كما نقلوا الهمزة من شيئاء إلى أول الاسم فقالوا أشياء ولو قال قائل إنهم جمعوا أبناء على افعل كما قالوا جرو وأجر ثم جمعوه بعد ذلك بالواو والنون لكان مذهبا حسنًا كما قال الراجز: قد وردت إلا الدهيدهينا ... إلا ثلاثين وأربعينا قليصات وأبيكرينا فجمع أفعلا بالياء والنون وذلك في ابن أقيس لأنه لما يعقل وليس ألف ابن من ألف ابناء ولا أبينين في شيء لأن تلك همزة الجمع وهذه همزة وصل وقطعهم اياها في كل المواطن يدل على مخالفتها الهمزة في أول ابن وإذا قالوا ثنتان فالأقيس أن تكون التاء للتأنيث فأما بنتٌ ففي تائها قولان أحدهما أنها بدل من واو والآخر انها تاء التأنيث فإذا قيل ان تاءها تاء التأنيث فوزنها فعت وإذا قيل انها مبدلة من واوا وياء فوزنها فِعلُ والتأنيث في ثنتين أقوى لأنم قد دلوا على انه جاء مؤنثا على حد التذكير إذ قالوا اثنتان واثنتان ولم يقولوا اثنة ولا أدفع أن تكون تاؤه مبدلة من حرف علة وتاؤه أشبه التاآت بتاء بنت ودلوا بقولهم ابن وابنة على ان تأنيث ابن على حد التذكير إنما هو بقولهم ابنة ومن شأن تاء التأنيث ان يكون ما قبلها مفتوحا مثل طلحة وثمرة إلا أن يكون الفا فتسكن مثل ارطاة ومدعاة وهذه الألف وان كانت ساكنة فان حركتها الأصل إلا انه قد يجوز أن يشذ الحرف بعد الحرف لاسيما فيما غُير عن سبيل غيره كما شذ الكسر قبل هاء التأنيث في قولهم هذه ولم يحك عن العرب انهم قالوا ثن ولا ثنان ولا بنٌ في ابن فأما قولهم بناتٌ فدليلٌ على ان أصل ابن فعل فان كان من ذوات الواو فاصلها بنواتُ وان كان من ذوات الياء فالأصل بنيات وأما بنون فيدل على ان اصل ابن بنى ولأن الباء تنفتح وتتحرك النون فتجعل مثل رحى وعصًا ولا تُجعل مثل سبع وكتف لأن باب فَعَل أكثر من فَعُل وفَعِل، وهذا رأى المتقدمين. ولو ذهب ذاهب إلى أن أصله فعِلُ أو فِعلُ لم يكن مخطئا وله في ذلك وجهٌ من القياس وذلك انهم إذا جعلوا أصل ابن بنى فجمعوه على ما يجب في الألف التي في مُثنى ومُعلى وجب أن يقولوا بنون كما قالوا مصطفون وكذلك الحكم في كل اسم آخره ألف مشورة تجري مجرى ألف رحى وعصا ولو سمينا رجلا رحى وعصا جمعناه الجمع السالم لقلنا رَحوْن وَعصون. لو بنيا اسما على فعل من الغزو أو على فعل لقلنا في الجمع غزون فهذه حجة قوية لمن يعتقد إن أصل ابن فَعِلٌ أو فغل ووأنه يستعمل على باب شج وعم إلا إن المتقدمين أجازوا فيه التغير في جميع وجوهه لأنه جاء مخالفا للباب فيكون حذفه في القول الأخير كالحذف الذي يقع في قولك شجون وعمون إذا عنيت جمع شج وعم وهو في الباب الأول كيد ودم. فأما اثنان إذا أردت أن تبني على وزنهما من ضرب فانك تقول اضران على رأي من يجيز ذلك لأن بعض النحويين يرى انه إذا قيل له ابن لنا اسما على وزن كذا مما لم تبن مثله العرب وجب أن تأتي بمثل ذلك البناء وإلى نحو من هذا ذهب سعيد بن مسعدة في بنائه الأعجمية التي لا فطير لها من كلام العرب فإذا قيل له ابن مثل إبراهيم واسماعيل من ضرب تكلف بناء ذلك فقال اضرابيب والخليل وسيبويه لا يريان ذلك فلاُ يبنى على مذهبهما من ضرب مثل اثنين لأن ضرب ليس يخه حرف معتل كما اعتل الحرف الذي في آخر اثنين ويقرب على قياس مذهبهما ان يبنى مثل اثنين من غزا وقضى فتقول اغزان واقضان وإذا أنثت قلت اغزتان واقضتان واكثر ما يحذف من أواخر الأسماء الناقصة الواو والياء لأنهما ضعيفتان. وقد يجوز حذف الهمزة ويطرد في التخفيف فيقول هذا خَب وُجز وردوُّ ورأيت خبا وجزا وردا ومررت بخب وُجز وردد في تخفيف خب وُجزء وردء فيكون حاله كحال دم ويد إلا أنك إذا صغرت أو جمعت رَدَدْت ضرورة قال حسان: ورهنتُ اليدين عنهم جمعيا ... كل كف لها ُجز مقسوم
ويحذفون الهاء من الأواخر لأنها خفية كما فعلوا فس سنة ويجوز إن يحذف أخد حر في التضعيف وكذلك يقول النحويون في رجل سُمي بان التي للجزاء ثم صُغر أنين فيزيدون حرفا من جنس الحرف الأخير وكذلك لو سموا بقد من قولك قد كان كذا قالوا هذا قُديد وكان الفراء يجيز فيما جُهل من هذا ان يجاء به على التضعيف أو يجعل المحذوف منه هاء أو ياء أو واوا وتقول في تصغير ان التي للجزاء إذا سمي بها أنين على أن المحذوف واو أو ياء وأنية على ان المحذوف حرف التضعيف وأنيُّ على أن المحذوف هاء وقال أبو صخر الهذلي في تخفيف التضعيف: إذا اختصم الصبى والشيب عندي ... فأفلجتُ الشباب فلا أبالي حلول الشيب ما لم أجن ذنبا ... يكون سواه أتوا حل حلاحل يريد أتوحل حلال فخفف وقد كثر اجتراؤهم على تخفيف المشدد في قوافي في الشعر فيقولون معْد في معَدً وأضل يريدون أضل قال أبو دواد: وشباب حسن أوجههم ... من اياد بن نزار بن نعد فلا يجوز إن تكون الدال هاهنا إلا مخففة ومثله كثير فأما قولهم ابنم فانهم زادوا الميم في آخره وهم يتبعون ما قبلها حركتها فيضمون النون إذا كانت الميم مرفوعة ويفتحونها في حال النصب ويكسرونها في حال الجر ويجرونها مجرى امرئ في الوجوه الثلاثة فإذا ثنوا لزموا الفتحة لان الميم يلزمها الفتح بكونها قبل ألف التثنية وقال الكميت: ومنا لقيطٌ وانماهُ وقعنبٌ ... مورث نيران المكارم لا المجني وقال الهذلي: فلا اعرفن الشيخ يصبح قاعدا ... بأوحد لا مال لديه ولا ابنم فالنون في هذا مضمومة لان الميم مرفوعةُ ويكسرونها في قول العجاج: ولم يلحها حزن على ابنم ويفتح في قول المتمس: أبى الله إلا ان اكون لها إنما وقياس النحويين يوجب أن يكون وزن ابنَم افعما ولو قيل إن ميمه بدل من الواو والتي في البنوة لكان قولا حسنا لان الميم تقاربُ الواو في الشفة ولانهم أبدلوا الميم من الواو في فمِ فوزن ابنم على هذا إفعل وتكون ميمه من نفس الحرف إلا أنها مبدلة من واو وتكون حاله كحال امرىء ومن ثني ابنما وجب ان يجمعه جمع السلامة فيقول ابنمون في الرفع وفي النصب والخفض رأيت ابنمين ومررت بابنمين قال الشاعر: أتظلمُ جارتيك عقال بكرٍ ... وقد أوتيت مالا وابنمينا فهذا ينشد بفتح النون وكسرها وقد يجوز ان يكونوا يقرون الفتحة فيه في الرفع والنصب والخفض كما قال بعضهم هذا امر أو رايت امر أو مررت بامرإ وأنشد الفراء: بأبي امرأ والشام بيني وبينه ... أتتني ببشرى برده ورسائله ولو صغرت ابنما على مذهب النحويين لقلت بني تحذف الميم في الوزن كحال ابن لا فرق بينهما في ذلك إلا أن الميم زيدت فيه وأما امرؤ فالعرب إذا أدخلت الألف واللام حذفوا الهمزة فقالوا هذا المرء ورأيت المرء فإذا حذفوا الألف واللام جاؤا بهمزة هذا معظم كلامهم ويقولون هذا مرء فيضمون الميم في الرفع ورأيت مرءًا فيفتحونها في النصب ومررت بمرء فيكسرونها في الخفض واجود اللغتين إقرارها على الفتح لان الفرآء مجمعون على قراءة هذا الحرف بين المرء وقلبه. وقد حكي عن بعضهم بين المرء وقلبه بكسر الميم ووزن المرء الفعل وقد ثبت أن الراء تتحرك في قولهم أمرؤ فتبتع حركة الهمزة فيجوز أن يكون المرء مما فيه لغتان في الأصل فَعل وفَعْل مثل سطر وسطر ونهر وقالوا امرأة فلزمت الراء الفتحة فدل ذلك على إنها متحركة في الأصل فإما الميم فلا يجوز أن تكون ساكنة لأنها أول الكلمة وإنما طرأ عليها السكون فوزن امرأة افعلة فإذا حقرتها قلت مريئة مثل ما تصغر اكمة ونحوها وتحذف همزة الوصل كما حذفتها في بني وسمي وقول العامة امرأة ضعيف جدا إلا انه يجوز على قول من قال كلاك الله وهناك الطعام وإذا صغرت على قول من خفف قلت مرية كما تقول في حصاة حصية وإذا أدخلت الألف واللام قلت المرأة وقد حكى الفراء أن المعرب ربما جمعوا بين الألف واللام والهمزة وهو رديء وقلما يقولون رأيت مرأ صالحا وإنما يقولون زأيت امرءا وقد استعملوا ذاك قال الشاعر: ولست أرى مرءأ تطول حياته ... فتبقي له الأيام خالا ولا عما
فإما الذين قالوا المو فشددوا فإنها لغة العرب إذا أرادوا تخفيف الهمزة القوها وشددوا الحرف الذي قبلها وقد قرأ بعض الناس ما يفرقون به بين المر وزوجه وتنسب هذه القراءة إلى الحسن ولو حقرت على هذه اللغة لوجب أن تردد فتقول مريء إلا ان يدعي مدع أن قولهم المر بتشديد الراء أصل آخر سوى المرء فيقول في التصغير مربر فإما تشديد الحرف الذي قبل الهمزة الملقاة فقد حكي ومنه قول الشماخ: رأيت عرابة اللوسي يمو ... إلى الغايات منقطع القرين واشتقاق المرء والله اعلم من المروءة والمعنى في ذلك أن المرء وهو الواحد من بني آدم يميز بفعله من أصناف الحيوان كما تقوا في فلان إنسانية أي يفعل أفعالا جميلة وكذلك قولهم فيه مروءة أي هو أمروء وهذا يحتمل وجهين أحدهما ان يكون أريد به في الأصل تفضيل ابن آدم على غيره من حيوان الأرض والثاني أن يكون أريد به التفضل في النية كما يقولون فلان رجل وقد علم ان الرجال كثير وأنه كغيره منهم وإنما اراد أنه ممن يحكم بالتفضل وهدا يشبه قولهم ما كل زيد زيدا ما كل عمرو عمرا وفي الحديث ان يهوديا رأى عليا ﵇ يبتاع جهازا فقال له بمن تزوجت فقال بفاطمة بنت محمد (فقال اليهودي لقد تزوجت بامرأة فهذا على معنى التعظيم والخوصية كما قال الهذلي: لعمر أبي الطير المربة بالضحى ... على خالد ان قد وقعن على لح وأما دم فإن المحذوف منه ياء وبعض الناس يرى أن وزنه دمي على مثال ضرب وإنه مسكن الأوسط في الأصل ولا يلزم أنه محرك الأوسط لأجل قول الشاعر: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين لأن سيبويه إذا رد الساقط ترك الحركة اللازمة على حالها قبل الرد وكذلك رأيه في عدة وجهة إذا رد الواو يقول وعدة ووجهة ورأي أبي الحسن سعيد في مسعدة إن يقول وعدة ووجهة فيرد البنية إلى ما يجب من قبل الحذف وقال بعض النحويين دم أصله فعل وجعله كالمصدر لدمي يدمى دمى كما يقال عمي يعمى عمى ولِمى يلمى لمىً من لمى الشفة وهو سمرتها وسوادها وقد حكى أبو زيد أنه يقال دمى على مثال رحى فإذا صح ذلك فقد بطل الكلام وقد أنشدوا هذا البيت: ولكن على أعقابنا يقطر الدَّما على أن الألف أصلية ليست للاطلاق وأنشد أبو زيد: كأطوم فقدتُ برغزها ... أعقبتها الغبس مُنه عدما غفلت ثم أنت تطلبه ... فإذا هي بعظام ودما فان كان هذا صحيحا فقد يجوز أن يستعمل الشيء ناقصا وتاما كما قالوا أبٌ وقال بعضهم أبا. يد فعل بسكون العين واستدلوا على ذلك بقولهم أيد قاسوه على كلب وأكلب وشهد على أن أصله الياء قولهم يديت إلى الرجل ولو لم يُسمع يديت لوجب أن يكون الذاهب ياء لأنه لم يأت في كلامهم فعل ثلاثي أوله ياء وآخره واو وقد أتى ضد ذلك ما أوله واو وآخره ياء مثل وعيت وونيت ووقيت فوزن يدفع وقالوا يدي في الجمع فجاءوا به على مثل كلب وكليب وعبد وعبيد وأنشد أبو زيد لضمرة بن ضمرة: فلن أذكر النعمان الا بصالح ... فإن له عندي يديا وأنعما فقيل يدي جمع يد على مثال عبد وعبيد وأجاز الفراء ان يكون على مثال بردي وفروا إلى الفتحة من أجل الياء وأقيس من هذا ان يكون يدي فعيلا في معنى مفعول كأنه قال يديتُ الجميل فهو ميدى ويدي كما يقال مرمي ورمي وقالوا هوفي عيش يدى أي واسع فيجوز أن تكون بيت ضمرة من هذا أيضًا وكل ذلك يرجح إلى معنى واحد وأنشد الفراء: جزاني يديي أنني كنت رُبما ... جفوت له في الزاد بعض عياليا وحكى بعضهم يدى على مثال رحى وأنشدوا أبياتا تجوز ان تكون مصنوعة منها: قد أصبحوا لا يمنحونك نُقرة ... حتى تمد اليهم كف اليدا وقول الراجز: يارب سار بات ما توسدا ... الاذراع العنس أو ظهر اليدا فان صح ذلك فهو فعَلُ لا غير إلا أنه قد يجوز في الشيء لغتان فعْلُ وفعَل فأما قول الآخر: (١) رواه فى اللمسان: يديان بيضاوان عند محرّق ... قد تمنعانك أن تُضام وتُضهدا
فمن أنشده بتحريك الدال يجوز إن يكون على مذهب من قال يدى على مثال رحى وعلى مذهب من قال يد يافتى لانه يجعل مثل قوله دميان في دم على رأي من زعم أن وزن دم فعلُ بسكون العين في الأصل فهذا مما حذفت منه الياء. وأما الواو فحذفت من غد وقُلة وغيرهما وحذفها كثير وقالوا غد في معنى غد ومن ذهب إلى أن الرد يجب أن تقر معه الحركة ة لزمه ألا يجعل غدوًا مردود غد ولكن يجعله لغة أخرى لأنه لو رد غدا على رأي من يقول أن دما فعل ويقول في تثنيته دميان لوَجب إن يقول غدا في وزن عصا فيقلب الواو ألفا لآن قبلها فتحة وهي طرف. وأما الهاء فحذفها أقل من حذف الواو والياء لأنهم قالوا سنة وقالوا في تصغيرها سُنيهة وقالوا نخلة سنهاء إذا أصابتها سنة شديدة فدلوا بذلك على أنها من ذوات الهاء وقد ذهب قوم إلى أن المحذوف منها واو استدلوا بقولهم سنوات إلا أن الهاء تحذف لخفائها ولأنها تُجانس حروف المد واللين لأنهم يجعلونها وصلا في الشعر كما يجعلون الواو والألف والياء ويزيدونها في الوقف على معنى الاستراحة في أشباه كثيرة وقد أبدلت منها الياء في قولهم دُهديته وأصلها دهدوهة والدهدوهة ما دُحرج يقال دهدوهةُ الجُعل ودُهديته لما حرجه وشبهت الحاء بالهاء لأنها تقاربها في المجرى فحذفت في حرف واحد. القول في سيد وميتٍ الترخيم لا يجب أن ترد به الآمثله إلى أصولها لأن الرد إنما يقع فرارًا من مجيء شيءعلى غير أمثله العرب وليس ذلك في سيدٍ وبابه لأن سيدا وميتًا على وزن فيعل في رأي البصريين وزعم الرؤاسي أن أصله فيعل فنقل إلى فيعل وهذا راجع إلى القول الأول وزعم الفراء أن أصله سويد ومويت وكذلك يزعم في جميع هذه المعتلات وكأن مذهبه أن الواو سكنت وأدغمت في الياء والإدغام يغير الأول إلى حال الثاني فأصل سيد على القولين الأولين سيودٌ وأصله على القول الثاني سويدُ ثم نُقل إلى سويد والفراء يعتل لمذهبه بقولهم طّيبٌ وطُياب فجاؤا به على فعيل وفُعال كما قالوا طويلٌ وطوّال وأنشد: إنا بذلنا دونها الضرابا ... لما وجدنا ماءها طُيابا وقال الآخر: جاء بصيد عجب من العجب ... ازيرق العينين طُوّال الذنب
وكل هذه المذاهب في الترخيم تجتمع على قول واحد لأنهم إذا قالوا يا حار تركوه على حاله قبل الحذف فقالوا يا سيِ ويا مي بكسر الياء وإذا قالوا يا حار ردوه إلى باب حي وطي فضموا الياء فقالوا ياسيُّ وياميُّ وكلما قربت الياء من الطرف كانت أقوى وكان قلب الواو اليها أوجه وذلك أنهم قالوا مَغزِيُّ وهو من الغزو ومجفي وهو من الجفوة ولكن رخوا ضيونا إذا سموا به وحيوة إذا كان اسما لوجب إن يقولوا في قوال من قال لا حار بالإظهار. ومن قال يا حار وجب أن يدغم لأنه ليس في كلامهم مثل ضيو وحيو لأن الواو تضعف في الطرب إذا كانت على هذا المثال وكنت تقول يا ضي أقبل ويا حي أقبل وهذه أسماء فيها الياء تذكر مع سيد وميت إذا كانت لها حكم في الترخيم فمن ذلك أنهم لو رخموا صايدًا وهو فاعل من صيد البعير وهو داء يصيبه في رأسه لقالوا يا صاي في قول من قال يا حار ومن قال يا حار فانه يخرجه إلى باب الأسماء التي لم يُحذف منها شيء فيقول يا صاءُ فنقلب الياء همزة لأنه يجعل الألف كأنها من نفس الحرف فتخرجها إلى باب ما اعتلت علينه ولامه همزة مثل حاء وبابه ويجعل الهمزة في هذا كالأصلية لأنه إذا قال يا حارُ فالألف قد صارت عنده مثل العين وليست كالزائدة فهو حينئذ على وزن باب وجار لأنها لو كانت زائدة لكان على مثال فاع ولو جمعته لقلت أحوار كما كنت قائلا في حار وباب ولك في صايد وجه آخر وهو إن تخرجه إلى باب آي وغاي فتقر الباء على حالها وتجعل الألف معتلة ولا تقلب الياءُ مخافة إن تجمع بين علتين كما فعلت ذلك في آية وبابها ولو قال قائل لا يجوز ترخيمه في قول من قال يا حار لكان قد ذهب مذهبًا لانه إن أقر الياء فقد اثبت ياء قبلها ألف زائدة قلبها فكأنه قد أعل العين بالقلب إلى الألف والياء بالقلب إلى الهمزة فأما معايش لو سميت بها ثم رخمتها على قول من يقول يا حار لقلت يامعاءُ فقلبت الياء همزة لأن الألف زائدة إلا أنك تخرجها إلى باب مفعل مثل مجاء من جاء ولا يجوز أن يجمع بين علة الألف وعكلة الياء فان جعلت الألف زائدة فقد أخرجتها إلى باب فعال وجعلت الميم من معايش أصلية ولولا ذلك لم يجز القلب في الياء لأنك لو قلبتها واعتقادك في الألف أنها كألف مفعل إذا قلت مفاء ومجا ولكنت قد جمعت بين علتين في العين واللام فخرجت إلى ما كرهوه في آية وغاية والقول في معايش كالقول في صايد ولو جمعت سيدا جمع التكسير لقلت سيائد فهمزت لاجتماع ياءين بينهما ألف وكان بعض النحويين المتقدمين يرى ألا يهمز في هذا الباب فمن همز فانه يقر الهمزة على حالها في الكسر ويضمها في قول من قال يا حارُ وكان رأيه ألا يهمز فانه إذا قال يا حارُ همز ولا تخلو في هذه الأسماء من أن تجعل الزائد كالأصلي لأنك إذا قلت سيائد فوزنه فياعلُ فإذا رخمت في قول من قال يا حارُ فقلت يا سياء فلا يخلو من أحد أمرين إن زعمت أنك أخرجته إلى باب فعال فقد جعلت الماء الزائدة أصلية وإن قلت هو فياع فقد أخرجته إلى بناء مستنكر لا يعرف مثله في الأوزان العربية الا أن يكون نادرأ والأصل في سيائد سياود على رأي من قال انه فيعل ومن زعم أنه فعيل فاصل سيائد عنده سوائد وكأن الهمزة إذا قيل إن أصله سويد يكون مثل همزة عجائز لأن الياء زائدة وإذا قيل إن الياء هي المنقلبة عن الواو التي في سيود فهي أصلية وليس همزه إذا قيل سيائد على منهاج همزه إذا قيل إن الأصل سويد لأن الهمز وقع هاهنا لأجل اجتماع حروف العلة التي جرت عادتها بالتغيير وأقرت الياءُ على حالها ليكون الجمع على منهاج الواحد ولو ردت إلى أصلها لقيل سياود. وعجائز ولا يجوز إن تجعل همزتها ياء على رأي سيبويه ولكن في تجعل همزتها بين بين وحكى أبو عمر الجرمي إن ذلك جائز وقد حُكي همز مدائن وهو إلا كثر وحُكي الهمز فان كانت من مدن فلا كلام فيه وان كانت من دنت ة كص فهزها رديء كهمز معايش وإذا قيل إن مدائن من المدن ووزنها فعائل وإذا قيل انهما من دنت فهي جمع مدينة والميم زائدة فإذا قيل أن اصلها على مديونة ففيها القولان المعرفان أحدهما رأي الخليل وسيبويه أن المحذوف واو مفعول فمدينة عندهم مفعلة ومدائن مفاعل والآخر رأي سعيد بن مسعدة وهو أن المحذوف الياء الأصلية ويعتل في ذلك بان الأصل مديونة فسكنت الياء لأن ضمتها القيت على الدال استثقالا للضمة عليها وحولت ضمة الدال
كسرة لتصح الياء أو سكنت الدال والياء فكسرت الدال لالتقاء الساكنين والتقت الياء والواو وهما ساكنتان فحذفت الياء واستقبلت واو مفعول كسرة الدال فصارت ياء فمدينة على رأيه مفولة وان جئت بها على ما صارت اليه من القلب قلت مفيلة ووزن مداين على هذا مفايل والقول فيها كالقول في معايش على رأي الخليل إذا كانت من دنت فأما عائش وبائع إذا سميت به ثم رخمته فانك لا تغيره الا بالضم في قول من قال يا حار ويلزم فيه مثل العلة اللازمة فيما قبله لأنك إن جعلت الألف زائدة أخرجت إلى باب فاعٍ وان جعلتها كالأصلية أخرجته إلى باب تعتل فيه العين واللام الا انك إذا جعلت الفه كالأصلية جعلت همزته كهمزة جاء فعلى هذا يصح إن تقوله والذين وضعوا قياس الترخيم إذا حملت هذه الأشياء على ما وضعوه وجب أن يمتنع كثير من الأسماء من ترخيم على قول من قال يا حار كما امتنع من ذلك طيلسان فيمن كسر اللام وحلبوي ونحوه ولو سميت رجلا قاضيا تريد النسب إلى قاض وناجيا تريد النهب إلى ناجية لقلت في قول من قال يا حار يا ناجي أقبل فسكنت وكذلك يا قاضي أقبل لانك نسبته إلى قاض وناجية فوجب أن يجيء على فاعلي فكأنه في الأصل ناجي وقاضى فاستثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت ثم حذفت الياء لاتقاء الساكنين والساكنان الياء الأولي الأصلية والياء التي هي إحدى ياءي النسب وهي الأولى منهما فان حذفت ياءي النسب رجعت الياء الأصلية وسكنتها كما كنت فاعلا في قولك مررت بالقاضي وياقاضي أقبل ومن قال يا حار فكذلك لان تسكين الياء المكسورة والمضمومة في هذا الموضع لازم إلا أن يضطر اليه شاعر وهذا موضوع النحويين في هذه المسالة ولو ذهب ذاهب إلى حذف الياءين وترك الرد لكان قد ذهب مذهبًا. رة لتصح الياء أو سكنت الدال والياء فكسرت الدال لالتقاء الساكنين والتقت الياء والواو وهما ساكنتان فحذفت الياء واستقبلت واو مفعول كسرة الدال فصارت ياء فمدينة على رأيه مفولة وان جئت بها على ما صارت اليه من القلب قلت مفيلة ووزن مداين على هذا مفايل والقول فيها كالقول في معايش على رأي الخليل إذا كانت من دنت فأما عائش وبائع إذا سميت به ثم رخمته فانك لا تغيره الا بالضم في قول من قال يا حار ويلزم فيه مثل العلة اللازمة فيما قبله لأنك إن جعلت الألف زائدة أخرجت إلى باب فاعٍ وان جعلتها كالأصلية أخرجته إلى باب تعتل فيه العين واللام الا انك إذا جعلت الفه كالأصلية جعلت همزته كهمزة جاء فعلى هذا يصح إن تقوله والذين وضعوا قياس الترخيم إذا حملت هذه الأشياء على ما وضعوه وجب أن يمتنع كثير من الأسماء من ترخيم على قول من قال يا حار كما امتنع من ذلك طيلسان فيمن كسر اللام وحلبوي ونحوه ولو سميت رجلا قاضيا تريد النسب إلى قاض وناجيا تريد النهب إلى ناجية لقلت في قول من قال يا حار يا ناجي أقبل فسكنت وكذلك يا قاضي أقبل لانك نسبته إلى قاض وناجية فوجب أن يجيء على فاعلي فكأنه في الأصل ناجي وقاضى فاستثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت ثم حذفت الياء لاتقاء الساكنين والساكنان الياء الأولي الأصلية والياء التي هي إحدى ياءي النسب وهي الأولى منهما فان حذفت ياءي النسب رجعت الياء الأصلية وسكنتها كما كنت فاعلا في قولك مررت بالقاضي وياقاضي أقبل ومن قال يا حار فكذلك لان تسكين الياء المكسورة والمضمومة في هذا الموضع لازم إلا أن يضطر اليه شاعر وهذا موضوع النحويين في هذه المسالة ولو ذهب ذاهب إلى حذف الياءين وترك الرد لكان قد ذهب مذهبًا.
فأما قيوم فانك إذا رخمته في الوجهين جميعًا جئت به على لفظ واحد إلا إن الضمة مختلفة لانك إذا قلت ياقي في قول من قال يا حار فالضمة للبناء كالضمة وهي التي كانت في قيوم وإذا قلت ياقي في لغة من قال يا حار فالضمة للنداء كالضمة في قولك بازيد وطرأت على الضمة الأصلية فزالت تلك وصارت هذه في موضعها وهذا يشبه قولك قنديل هي غير الكسرة التي في قناديل ويلك على ذلك إن الدال في قناديل وما كان مثلها مما يقع موقعها لو كان مضموما أو مفتوحًا لم يكن له بد من الكسر في الجمع فلو جمعت سرداحًا لقلت في الجمع سراديح وكسرت الدال ولو جمعت قردودا لقلت في الجمع قراديد فحولت الضمة والفتحة إلى الكسرة لأن ما بعد الألف من هذا الجمع لا يكون إلا مكسورا وحكها في ذلك حكم ما بعد ياء التصغير فإذا قلت زبرج ثم قلت في تصغيره زبيرج فكسرة الراء في التصغير غير الكسرة التي كانت في زبرج لانك إذا جمعت شيئا على هذا الوزن والذي في موقع الراء منه مضموم أو مفتوح فانك تكسره لا غير فتقول في درهم دريهم وفي جلجل جليجل وكذلك حكم أول جمع التكسير وأول المصغر فإذا قلت مساجد فالفتحة في الميم غير الفتحة التي كانت في مسجد لانك لو جمعت مخدعا أو مفتحا لقلت مخادع ومفاتح ففتحت وكذلك ضمة سدوس فيمن ضم السين إذا اردت به الطيلسان هي غير الضمة في تصغيره إذا قلت سديس لانك لو صغرت عروسًا وذراعا وقلت عريس وذريع فضمت ولو رخمت أبيًا في قول من قال يا حار لقلت يا أبي اقبل فحذفت الياء التي هي آخر الاسم وأقررت الياء التي قبلها على حالها ومن قال يا حار قال يا أبا فقلب الياء ألفًا لان الياء لا تقع طرفًا وقبلها فتحة في الأسماء ومن كان من لغته أن يقول في الوقف هدي ورحي ويصل على ذلك فاله يجوز إن يقول في الترخيم يا أبي لانه إذا كان يقلب فيما لم تجر العادة فيه بالقلب فاقراره هذه الياء أولى من قوله هدي إذا وصل ومن ذلك القراءة التي تروى عن أبي إسحاق فمن تبع هُدي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون هذه على لغة من قال هدي وعال هذا ينشد قول أبي ذؤيب: تركوا هَوَيَّ واعنقوا الهواهم ... فَتُخُرِّموا ولكل جنب مصرع ولو أنشد هواي لم يكن بالوزن باس والاستشهاد بالشعر على نوعين أحدهما لا مزية فيه للمنظوم على المنثور والآخر يكون حكم الموزون فيه غير حكم ما نُثر فالضرب الأول كبيت أبي ذؤيب الذي مر وكقول الآخر: أنا ابنُ التارك البكريّ بشر ... عليه الطير ترقبهُ وقوعا فخفض بشر ونصبه لا فضلية فيه للوزن وكذلك خفض البكري ونصبه لأنه قويم في الحالين ومثله كثير. والضرب الآخر هو الذي يكون الوزن إن غير عما استشهد به عليه لحقه إخلال كقوله: ألا مَن مبلغُ الحرين عني ... مغلغلةً وخُص بها أبيا يُطوّفُ بيِ عكبُّ في معد ... ويطعنُ بالصملة في قفيا فهذا لا يمكن إلا على لغة من قال قفى. ولو رخمت حسينا وعبيدا لا جريتهما مجرى أبي فى الوجهين وكذلك سهيل وفي السماء النجم المعروف بهذا الاسم اذا رخمته على قول من قال يا حارُ صار اسم نجم آخر فيكون اذا رخمته كأنك ناديت النجم الآخر على كماله فتقول اذا رخمت على لغة من ضم يا سُهى أقبل فكأنك ناديت السهى النجم. ولو رخمت أعين إذا كان أسمًا لقات في قول من قال يا حار يا أعي فجعلت إلهمزة في أعين كظاء ظبي وأعيُ أفع في الحقيقة ولو رخمت أسيد لقلت في قول من قال يا حار يا أسيّ وفيمن قال ياء حار يا أسي والاقيُس في الهمزة أن تجعلها بمنزلة فاء الفعل ليخرج إلى بناء يكثر.
ولو رخمت هبيخا إذا سميت به هو الوادي الواسع لقلت يا هبي وزن هبيخ فعيّل وكنت تخرجه إلى باب معدٍ وقد حكى يبويه عن أبي الخطاب آنهم يقولون للصبي هي فهو فعل وإلى مثل ذلك كنت تُخرجُ مرخم هبيخ لأن فعيا بناء مستنكر ولاجل استنكار البناء كره النحويون إن يخففوا ما نُسب إلى مهيم وهو اسم الفاعل من هيمت وهذا باب ويتسع ولو طولب النحويون بالثبات على البناء المعروف لضاق عليهم كثير من الأشياء لأنهم قد أخرجوا ميا إلى بناء مستنكرواذا قالوا في النسب ميتي فخققوا فهو أيضا بناءُ مستنكر ومن قال إما أن يكون الذي حذف هو الواو الأصلية فيكون البناء قد صار على مثل فيْل وهذا بناء متنسكر وإما أن يكون المحدوف هو الياء الزائدة ثم استثقلت الكسرة على الياء التي أصلها واوفسكنت وخشي عليها القلب إذا أقرت حركتها وقبلها فتحة وهذه دعوى لا تصح والقول الأول أقيمس ومن زعم أن سيدا فعيلٌ ثم قال سيدُ فخفف فانه إن كان حذف الياء التي اصلها الواو فقد بقي البناءُ على فيل أيضا وهو راجعُ إلى مثل القول الأول ولو رخمت رجلًا اسمه إربيان وهو ضربُ من السمك لأقررت ياءه في قول من قال ياحار على الفتحة وسكنتها في قول من قال يا حارُ كما سكنت ياء أظب ونحوه. القول في ترك القُراء إمالة يا إذا كان حرف النداء الإمالة اصلها للأفعا لأنها كثيرة التغير لأنك تقول مضى ويمضي ويبنى الفعل على أبنية مختلفة فتظهر حالُ الياء ثم اتسعوا في ذلك فأجروا الاسماء لقوتها مجرى الافعال والامالة توجد في كلامهم على سبعة انحاء إمالة لياء موجودة كإمالة شيبان وعيمان وإمالة لياء غير موجودة في الللفظ وهي في البناء منقلبة كإمالة باع وسار لأنه من البيع والسير وإمالة لكسرة موجودة كإمالة كإمالتهم ألف عماد وكافر وإمالة لكسرة غير موجودة ولكنها مقدرة في أصل ابناء كإمالتهم خاف لأجل الكسرة التي في خفت وإمالة لإمالة كقولك رأيت عمادا فأمالوا الألف التي بعد الدال إذا وقفوا لإمالتهم الألف التي بعد الميم وإمالة للتشبية وهى إمالة ألف غزا والمكا كأنهم شبهوا ذوات الواو بذوات الياء. وإمالة شاذة نحو قولهم الحجاج أمالوا الاسم من هذا النوع دون الوصف.
وليست حروف المعاني مما تجب فيه الإمالة وإنما حكى النحويون يا زيد لأن يا عندهم في هذا الموضع واقعة موقع الفعل فكأنهم قالوا أدعوا زيدا فأمالوا هذا الحرف كما أمالوا الفعل إذ كان واقعا موقعه وقوى الإمالة أن فيه ياء موجودة وقد قالوا في حروف التهجي باتا فأمالوا ليفرقوا بينها وبين غيرها ولأنهم حكوا بييت باء فذلوا بذلك على أنها من ذوات الياء والقراءة سماع وقياس واختيار فإذا سُمع الحوف وكان السامع له من أهل المعرفة قاسه على نظائره بعد صحة الخبر فيه فإذا وضح له انه مستقيم كان الاختيار بعد ذلك اليه فنقول إن القراء تركوا إمالة يا لان الحروف أصلها الا تدخلها الامالة ولم يطالبوا بأن يحملوا القراءة على ما يجوز في كلام العرب كما انهم لايطالبون بان يقرؤوا ولله على الناس وحجٌّ البيت بالتنوين ولا يلزمهم إذا كان الحرف من الكتاب لغتان أو ثلاث أن يستعملوا ذلك كله بل قراءتهم مردودة إلى الرواية كما إن قياس الفقهاء معلق بالكتاب والخبر وهم مجمعون على قراءة المشعر الحرام بالفتح وقد حُكي أن كسر الميم منه أكثر في كلام العرب وإنما تحمل القراءة على معظم الكلام وأقومه في قياس العربية والممالُ عند البصريين هو الألف فيجعلونها ثلاثة أنواع ألف تفخيم وألف نرخيم وهي ألف الامالة وكذلك سماها سيبويه في كتابة والفُ بين بين وإنما سمى تلك ألف ترخيم لأن النطق بها أخف من النطق بالمفخمة وأما الفراء فدل كلامه على أن الممال هو الحرف الذي قبل الألف لأنه جعل النون هي المكسووة في قولهم إنا لله وهذا قول حسن وإنا لله من الإمالة الشاذة لا نه ليس موضع إمالة وإنما كثر استعماله ولزمته اللام المكسورة التي في اسم الله سبحانه فشبه بألف فاعل ومفاعل وأمالوا إمالا وهذا أيضا شاذو وإنما ذلك لأن الاستعمال كثرفآ ثروا التخفيف وقد مضى القول في أن الإمالة أخف من التفخيم وقول الفراء يقوى في إن الممال هو حرف الذي قبل الألف لأن الامالة تبين في الحرف حدثا ليس في التفخيم والألف لا تحتمل ذلك لأنها ضعيفة جدا وغيرها بالتغيير أليق وهو له اجمل وقد أملواا الفتحة في الحجر والضرر فدل ذلك على أن المالة إنما هي في الحرف الذي قبل الألف وكذلك قول بعضهم نعمة في الوقت الكسرة على الميم بينة فأما الهاء فبرية من ذلك وليست الهاء بأضعف من الألف بل لها مزية في القوة لان الهاء تمكن حركتها والألف لا تحتمل شيئا من الحركات وأنت إذا جئت في الفواصل ألا ترى أنك إذا قلت في المثل أنكحنا الفرا فسترى ففخمت الفرا وأملت ترى فقد جئت باللفظين متباينين ومن تفقد ذلك وجده كثيرا في فواصل السجع وقوا في الشعر ويقوى ترك الامإلة في الحروف التي ليست مشتقة فيحكم على الفاتها بأنها منقلبات عن ياءات ولو قويت الامالة في شيء منها لقويت في لكن لانها على هيئة فاعل وبعد الفها كسرة واختلف النحويون فحكي عن المازني أن لكن الخفيفة مأخوذة مغ الثقيلة وقال غيره بل هي على حالها وقد زعم الفراه أن أصلها لاكِئن واحتج بدخول اللام في الخبر وأنشد: ولكنني من واحد لكميد وهذه دعوى لا تثبت وإن صح دخول اللام في خبر لكن فيجوز أن يكون شاذًا وقد زادوا اللام في مواضع كما قال الراجز: أم الحليس لعجوز شهر به وهي المسنة التي فيها بقية والبيت معروف وقد حكى الفرآء دخول اللام على اللام في قول الشاعر: لددتهم النصيحة أي لدٍ ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاوٌا فلا والله لا يرجى لما بي ... ولا للما بهم أبدًا داءُ ويروي شفاه وفي قول الآخر فلئن قوم أصابوا غرة ... وأصبنا من زمان رنقا للقد كنا لدى ارحلنا ... لصنيعين لباس وتقى إلا أن قول الفراء يقوي ترك الامالة في لكن لأن صدرها لا النافية وقراءة الكسائي جرت على هذه العلة وترك الامالة في مثل قولك يخرج وأنت تريد يا فلان أخرج وفي مثل قوله ألا يا سجدوا وفي مثل قول الشاعر: ٤ا - لا يا سلمي ثمت اسلمي ... ثلاث تحيات وان لم تكلمي
واجب على رأي البصريين لان الألف ذهبت لالتقاء الساكنين وإنما تكون الامالة للالف فمن أمال في قولك يا زيد لم يمكنه إن يميل في هذا الموضع لان الألف قد ذهبت فاذا وقف الواقف فأظهر الألف فالواجب الا يميل ليكون حال الوصل كحال الوقف وإذا سقطت الألف لم يبق للامالة مدخل لان أصل الامالة إنما وضع لهذا الحرف وان كانوا قد أمالوا أشياء إلى الكسرة والى الضمة إلا أن معظم الباب للألف على رأي البصريين فأما على رأي الفراء إذا كان إعتقاده إن الامالة للحرف الذي قبل الألف فلا تجب بعد سقوطها لأنها من أجل الألف تحدث فمن قال طما رأيه يا زيد فأمال لم يبق له إلى الامالة سبيل اذ قال يا اشكر محمدًا وهو يريد يا فلان اشكر محمدًا ومن زعم أنك تميل إذا قلت يا زيد لأن الحرف مشبه بالفعل قويت عنده الامالة في قول الشاعر: يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والطيبين على سمعان من جار لأنه قد جعل يا كالمستغنية ولم يجعلها كغيرها من الحروف لانك إذا قلت إن وليت ونحو ذلك لم يكن بد من أن تجيء بالاسم ويا هذه قد خالفت الحروف في أنها تحذف تارة ويحذف اسمها أخرى والذي أذهب اليه أنهم أمالوا يا زيد لاجل الياء الموجودة وإذا قيل ذلك فامالتهم يا جذع أقوى من إمالتهم يا عمرو لان الجيم من جذع مكسورة والعين من عمرو مفتوحة والياء المنقلبة أجذب إلى الامالة من الياء الموجودة. القول في قول الراجز أين الشظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة الجلنفعه الابيات التي يسال عنها على أربعة أضرب بيت فارد وهو الذي ليس بعده شيئ ولا قبله وبيت فاتح وهو المبتدأ به وبعده بيت اخر وبيت واسط وهو الذي قبله بيت وبعده بيت وبيت خاتم وهو الذي يكون آخر الأبيات وكل بيت يسأل عنه فانه لا يخلو من أحد امرين اما إن يكون معناه قد كمل فيه واما أن يكون معناه يكمل في الذي بعده أو الذي قبله أو فيهما جميعًا وإنما قدمت ذلك لان هذا الشعر الذي سأل عنه يتردد في كتب اللغة وهو على ما ذكر ليس قبله شيء ولا بعده وهو بيتان لان قوله: (أين الشطاظان وأين المرْبعَه) بيت على رأي النحويين المتقدمين والمتأخرين ألا ترى الذين عدوا شواهد كتاب سيبويه عدوا قول العجاج: قواطفا مكة من ورق الحمي بيتا وكذلك قول الآخر ... دار لسعدى إذه من هواكا وعدوا قول الآخر: رُبَّ ابن عم لسليمى مُشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل بيتين وكذلك جميع ما تسميه العرب رجزا إذا عده أهل العلم بالعربية جرى عدده على ما تقدم ذكره والشظاظان تثئية شظاظ وهو عود يُدخل في عروة الجوالق قال الراجز: نهبت يممونا بأشمذين ... فقال لي وأن أنتين أماترى ما قد أصاب عيني ... من الشظاظ ومن الحنوين والمربعة عصا قصيرة تدخل تحت الجوالق ويأخذ الرجلان برطفيها إذا أراد رفعه يقال ربعنا الحمل وارتبعناه. وفي الحديث أنه مر بقوم يرتبعن حجرأ يرفعونه ويقال رابعتُ الرجل والمرأة إذا فعلت أنت وأحدهما ذلك بحمل أو حجر وأنشد ابن الاعرابي: يا ليت أم الغمر كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الركائب ورابعتني تحت ليل ضارب ... بساعدٍ فعمٍ وكفّ خاضب وقيل رابعتنى أي أخذت بيدي. والوَسق الحمل وفيه لغتان فتح الواو وكسرها والجلنفعة الغليظة الجافية ومن روى المطبعة فانه يعني التى قد أثقل حملها يقال طبعتُ الناقة والسفينة إذا أوقرتهما ولذلك قالوا للنهر المملوء ماء طبع قال الهذلي: وما حمل البختي عام غياره ... عليه الوسوق بُرها وشعيرها أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كرفع التراب كل شيء يميرها فقيل تحمل فوق طوقك إنها ... مطبعة من يأتها لا يضيرها يعني أن هذه القرية مملوؤة من الطعام ويجوز أن تكون المطبعة في البيت قد وقعت في طبع وهو النهر لأن الابل قد توحل كما جرت عادتها ألا ترى إلى قول لبيد: فتولوا فاترًا مشيهم ... كروايا الطبع همت بالوحل القول في قراءة ابن عامر على ما حكى في بعض الروايات من قوله أفئيدة
اختلف أهل العلم في مستنكر القراآت فكان بعضهم يجترئ على تخطئة المتقدمين وكان بعضهم لا يقدم على ذلك ويجعلُ لكل شيء وجهًا وإن كان بعيدًا في العربية واحتج من أجاز غلط الرواة بأن الذين نقلوا كان فيهم قوم قد أدركوا زمن الفصاحة فجاؤوا بها على ما يجب وقوم سبقتهم الفصاحة ولم يكن لهم علم بقياس العربية فلحقهم الوهم الذي لا يتعرى منه ولد آدم ﷺ وأفئيدة بناء مستنكر لم يجيء مثله في الآحاد ولا في الجموع ولم يحك سيبويه ولا غيره فيما أعلم شيئًا على مثال أفعيلة بفتح الهمزة ولا على مثال أفعيل إلا ما روي في قراءة الحسن من أنه كان يفتح همزة الإنجيل وهذا في الشذوذ يشبه قراءة ابن عامر هذه والإنجيل قد وافق ألفاظ العربية فان كان له فيها حظ فقد زعموا أن اشتقاقه من قولهم استنجل الوادي إذا ظهر فيه نجلُ وهو الماء المستنقع ويجوز أن يكون اشتقاقه من النجل وهو الولد كأن هذا الكتاب ولد للكتاب المتقدمة وقد جاءت الألفاظ كلها يشبه أن يكون الإنجيل مشتقا منه لأن النجل السعة في العين فيجوز أن يكون هذا الكتاب سعة في الدين وكذلك قولهم نجلت الإبل الكمأة إذا استثارتها بأخفافها فيجوز أن يكون الانجيل استثير من العلم القديم وكل نون وجيم ولام في العربية وان أتسع ذلك لا يمتنع أن يكون اشتقاق الإنجيل منه وقيل الإنجيل الأصل وهو م جائز عليه أن يكون أعجميًا وافق ألفاظ العربيةوذلك به أشبه كما أن يعقوب اسم النبي (لا يحمل على انه مأخوذ من اليعقوب الذي هو ذكر الحجل وأما فتح الهمزة في إنجيل فمل يقول بعض الناس أنه غلظ، لأنه لا قياس له ولم ينقل مثله في الشعر الفصيح ولا الآثار الثابية. وأما أفئيدة فان أنها قرأ بها موثوق به في الفصاحة فإنها والله أعلم أفئدة في الأصل كما قرأت الجماعة ثم ريدت الياء بعد الهمزة لأن الكسرة فيها الازمة فتكون هذه الفراء مشاكلة لقراءة من قرأ فذانيك بُرهانان وزيادة الياء في أفئيدة منها في ذانيك لأن نون التثنية ليست ثابتة كثبات غيرها من حروف الاسم اذ كانت تسقط في الواحد وفي الاضافة وقد وجدنا العرب زادوا الألفات والياءآت والواوات وقد حملوا قراءة كثير إنه من يتقي ويصبر على أن الياء التي بعد القاف حدثت لتمكين الكسرة كأنه كان أنه من يتق ويصبر كقرإءة الجماعة ثم زيدت الياء لأجل الكسرة وإلى هذا الرأي ذهب الفارسي فأما المتقدمون فكانوا يحملون هذا على أنه من رد الأشياء إلى أصولها فالياء في يتقيعلى رأي من تقدم هي أصلية لأنها لام يفتعل وعلى قول الفارسي تكون زائدة وعلى هذين القولين يجرى قول الشاعر: ألم يأتيك وإلأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد ويقوي قراءة ابن كثير إن قراءة الجماعة اجتمعت فيها متحركات أربعة وهي التاء الثانية من يتق والقاف والواو والياء وهم يستثقلون الجمع بين متحركات في هذا العدد ولذلك لم يجئ توالي هذه العدة من المتحركات في الشعر الاعند زحاف وليس في أصل أبنيتهم أن يجتيء مثل ذلك فأما قولهم عُلبط وهو الغليظ والكثير يقال قطيع من الغنم عُلبط إذا كان كثيراُ مترا كبا وهُدَبدُ وهو العشاء في العين ويقال هو اللبن الغليظ وما كان مثلهما جاء على حذف والاصل عُلاِبطُ وهُدضابدٌ وقد زادوا الياء للزوم الكسرة في مواضع كثيرة قالوا سواعيدُ في جمع ساعدٍ وإنما المعروف سواعدُ قال التغليُّ: وسواعيد يختلين اختلاء ... كالمغالي يطرن كل مطير يختلين يقطعن مثل ما يختلي الزرع والمغالي السهام التي يغلي بها أي يرمى بها فهذه ضرورة وأنشد الفرآء قول زهير: عليهن فرسان كرام لباسهم ... سوابيغ زغف لا تخرقها نبل
فهذه زيادة بغير ضرورة لأنه لو حذف الياء لم يضر بالبيت وكذلك قولهم حواجيب في جمع حاجب وتوابيل في جمع تابل هو من هذا الباب وقياس قول الفراء انك إذا قلت فواعل كان دخول الياء فيه أصلح من دخولها في غيرها لأنه قد جاء فاعول في معنى فاعل كقولك رجل حاطوم وقاشور ويجب على قياس قوله أن يكون دخول اليآء في مثل مذاود أقوى منها في فواعل لأن مفاعل ومفاعيل تشتركان كثيرا ولأن مفعلًا مقصور من مفعال وقولك في منخير أقوى من قولك في مسجد لأن مفعيلًا قد كثر محو المعطير والمحضير ومفعيل قليل على إن الفراء قد حكى مسكين بفتح الميم في كتاب التثنية والجمع وحكى أبو مسحل منديل في منديل وهذه نوادر لا يطرد عليها القياس وقولنا مفاعيل في مفاعل عند الضرورة أقوى من قولهم افاعيل في أفاعل إذا كانت أفاعل جمع افعل مثل أحمر وأحامر لانه لا يجيء مثل افعال في الواحد إلا وهو يراد به الجمع فمن باب أفئيدة قول عبد مناف بن ربع الهذلى: وللقسي أزاميل وغمغمة ... حسن الشمال تسوق الماء والبردا فازا ميل جمع ازمل وهو الصوت وإنما القياس أزامل وقولهم في الضرورة ازانيد أسوغ من قولهم أزميل لانهم قالوا زند وازند وجاء أزناد فاذا قيل أزنيد كان على ازناد وإذا قيل ازاند وهو الوجه كان على ازند قال ابو ذؤيب: اقبا الكشوح أهضمان كلاهما ... كعالية الخطي واري إلازاند ومن هذا البيت الذي أنشده سيبويه: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهم تنفاد الصاريف فهذا البيت ذكره في ضرورة الشعر والأشبه أن يكون المراد به زيادة الياء في التصاريف لأن الواحد صيرف والباب صيارف كما انك إذا جمعت جيدا وهو القصير قلت جيادر ومن روى الراهم فانه يحتمل وجهين احدهما لن يكون من باب سواعيد وهو اقواى منه لان فعلالا كثير ويجوز إن يكون على قول من قال درهام فان كان درهام نطقوا به في غير الضرورة فليس في قول الفرزدق الداهيم شيء يحمل على الاضطرار لأن الباب على ذلك كما تقول عرزال وعرزازيل وقناطر وقناطير وان كانوا لم يقولوا درهام اللا في الضرورة كما قال الراجز: لو إن عندي مائتي درهام ... لابتعت داراُ في بني حرام وعشت عيش الملك الهمام ... وسرت في الأرض بلاخاتام فأن دراهيم يجوز أن يشبه بما ذكره النحويون من الضروة التي يلتزمها الشاعر خشية النقص على الوزن وان لم يكن استعمال غيرها مخلًا بالنظم كما أنشدوا للهذلي: أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط فزعموا أنه فتح الياء للضرورة ولو قال على معار فاخرات لم يخل بالبيت وانما كان ينقصه حركة لا يشعر بها في الغريزة ولا تعدم قصيدة من قصائد العرب والمحدثين اذا كانت على وزن يبت الهذلي الذي قافيته العباط إن تجيء فيها مواضع كثيرة قد حذفت منها الحركات والأبيات قويمة في الغريزة ومما زادوا فيه الياء كما زيدت في أفئيدة قولهم شيمال في شمال وبعضهم ينشد بيت امرئ القيس: كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... دفوف من العقبان طأطأت شيمالي يريد شمالي وأما قول الراجز: لا عهد لي بالنيضال ... كأنني شيخ بال فانه أراد النضال فزاد الياء وهذا مردود إلى الأصل فهو اقوى من أفئيدة لأنك إذا قلت قاتلتُ وضاربت فأصل المصدر أن يجيء على فيعال مثل ضيراب وقيتل ليكون على عدة مصادر ذوات الأربعة بالزيادة وغير الزيادة نحو الإكرام والدحراج والكذاب وأما زيادتهم الألف فكقولهم العقراب في العقرب وهذا رديء لأنه يخرج إلى بناء مرفوض وانما يجييء فعلال في المضاعف مثل الزلزال والبلبال، والسلسال وقد جاء منه حرف واحد في غير المضاعف قالوا بالناقة خزعال أي ظلع وحكم الضرورة ليس كحكم غيرها في الأبنية ألا تراهم يقولون فعل لم يجيء منه إلا شيء قليل مثل إبل وإطل للخاصرة وبلز وهي المرأة الضخمة في أشياء نوادر ولا يعتدون بقولهم في الضرورة دبس وبكر يريدون الدبس والبكر في أشباه لهما كثيرة قال أبو زبيد: فنهزة من لقوا حسبنهم ... أشهى اليه من بارد الدبس وقال أوس بن حجر: لنا صرخةٌ ثم إصماتةُ ... كما طرقت بنفاس بكر وقال الراجز في العقراب:
أعوذ بالله من آل العقراب ... المصغيات الشايلات الأذناب وقد ادعى قوم أن قولهم استكان إنما هو من استكن أي افتعل من السكون ثم زيدت عليه الألف وهذا نقص للقياس لا يجوز أن يذهب اليه ذاهب عرف أصول العربية لأنهم لم تجرعادتهم بمثل ذلك ولو فعلوه في موضع لم يجعلوه أصلا يقاس عليه وقد قالوا يستكين ومستكين قال ابنُ أحمر: ولاتصلي بمطروق إذا ما ... سرى في القوم أصبح مستكينا وإنما استكان الستفعل ومُستكين مستفعل وهوه مأخوذ من قولهم كان كذا وكذا أي المسكين كأنه شيء قد كان أي ذهب ومضى ويجوز أن يكون مأخوذا من الكين وهو لحم الفرج يراد أنه قد ذل وضعف كأنه قد صار من ذلك فاذا كان من الكون فألفه منقلبة من الواو وإذا كان من الكين فهو من ذوات الياء واستكان على القول الذي حُكي وزنه افتعال ويستكين وزنه افتعال ويستكين وزنه يفتعيل ومستكين ونه مفتعيل وهذه أبنية مستنكرة وإنما يستعمل مثلها في الضرورة فأما في عمود اللفظ فلا يجوز أن تقع وقد روي أن الحسن قرأ واعتدت لهن متكآءً بالمد فهذا مُفتعال وهو يضاهي في الألف باب افئيدة في الياء ومن مفتعال المستعمل في الضرورة قول الشاعر أنشده الفارسي: وعن شتم الرجال بمنتزاح يريد بمنتزح وما أعتقد أن شاعرًا قويًا في الفصاحة يريد مثل هذه الزيادات وإنما هي شواذ ونوادر وقد ينطق بها غير فصيح لأن البيت إذا قاله القائل حمله الراشد والغوي وربما أنشده من العرب غير الفصيح فغيره بطبعه الرديء ومن زيادة الألف على رأي أبي علي قول الراجز: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق فهو يرى أن هذه الألف زيدت بعد الجزم وليست الألف التي في قولك هو يترضاها والمذهب القديم أن الألف هي الأصلية لأن ردهم الأشياء إلى أصولها عن الضرورات أشبه من اجتذاب ما يستحدث من الزيادات وعلى هذا يجرى القول في بيت عبد يغوث إن وقاص: وتضحك مني شيخةٌ عبشميةٌ ... كأن لم تريْ قبلي أسيرا يمانيا فمن روي تري على المواجهة فلا ضرورة في البيت ومن روى ترى على الغائب المؤنث فهو مردود إلى الأصل على القول المتقدم والألف فيه هي الياء التي كانت في رأيتُ وهي من نفس الحرف وهي على رأي الفارسي مجتلبة لأنجل فتحة الراء والقول الأول أقيس لأنهم قد ردّوا الأشياء إلى أحكامها في أصول الأبنية كما قالوا رادد في راد وقاضي في قاض فاذا فعلوا ذلك جاز أن تلحق الألف بالهمزة، كما قان الشاعر: وكنت أرجي بعد نعمان جابرا ... فلوّأ بالعينين والألف جابر وإنما هو لوى بعير همز فكأنه قال لوّى فلم يستقم ذلك فعدل إلى الهمزة لمجانستها الألف. وأما زيادتهم الواو لأجل الضمة فكقولهم القرنفول قال الراجز: خود أناة كالمهاة عطبول ... كأنما نكهتها القَرَنفُزل ويقال إن طيئا تقول أنظور في معنى أنطر وقد أنشد الفراء: لو أن عمرًا هم أن يرقودا يريد يرقد ويجب أن يكون من هذه اللغة قول الوليد بن يزيد: إني سمعت بليل ... نحو الرصافة رنه خرجت اسحب ذيلي ... أنظور ماشأ نهنه وقد ينشد أنظر بغير واو ذلك كسر في البيت. وأما قول من يحتج لأفئيدة أنها من الوفود فلا فائدة فيه لأنها لا تخرج بذلك إلى وجه محتمل وإنما جعلها رديئة كونها في وزن مستنكر فمن أي شيء اخذت على ذلك فهي مستكرهة وليس معنى القراءة إذا كانت بالياء إلاكمعناها بغير ياء وإذا جعلوا أفئيدة من الوفود لزمهم في ذلك أشياء أولها، أنهم همزوا واو وفود لضمتها همزا لازما جمعوها على أفعلة لأن فعولًا وفعالًا قد يجمعان على أفعلة اما فُعول فيشبه بفعول مثل عمود، وأما فعال فيسبه بحمار وبابه، وقد قالوا استرة في جمع ستر كأنه جمع ستور أو ستار وقالوا افرخة في جمع فرخ كأنه جمع فروخ أو فراخ فهو جمع، فال الشاعر: أفواه أفرخة من النغران
فكأنهم قالوا أفود أو وفادٌ على مثل كعب وكعاب ثم همزوا الواو في وفاد للكسرة ثم جمعوا ثانية فكان القياس أن يقولوا آفدة، كما قالوا إناء وآنية وإهاب وآهبة ثم كرهوا أن يجيئوا بأفعلة التي للجمع في لفظ فاعلة فأخروا الهمزة، كما قالوا رآء ورأى فقالوا أفئدة ثم زادوا الياء بعد ذلك لمكان الكسرة، كما زادوها فيما تقدم ذكره وإذا جعلوا أفئيدة في معنى أفئدة جمع فؤاد فقد استغنوا عن هذا الاحتيال فى الهمزة وتغييره وتكون العلة واحدة في زيادة الياء للكسرة، وقد روى عطاء بن أبي زباح عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى أفئدة من الناس تهوي اليهم ما يدل على أنه جمع فؤاد لأنه فسر تهوي تحن وهذا هو قياس التفسير ويجوز أن يكون قوله أفئدة يراد به أصحاب الأفئدة ثم حذف كما يحذف المضاف ومثله في القرآن كثير كقوله واسأل القرية ونحوه وكقول الشاعر: حسبت بغام راحلتي عناقًا ... وما هو ويب غيرك بالعناق أراد بغام عناق ولو كانت أفئيدة كلمة موحدة لجاز إن يكون اشتقاقها من الأفد وهو السرعة إذ كانوا قد قالوا هو افد أي عجل، وقد افد البين أي حان قال ابن أبي ربيعة: يا أم طلحة إن البين قد أفدا فكان يكون معناه جماعة عجلة وهو على انه جمع لا يمتنع من مثل هذه الدعوى وكونه من إفد أقيس من كونه من الوفود لأنه إذا كان من أفد نقص رتبة في التغيير لأن الهمزة فيه غير منقلبة. القول في المسألتين اللتين ذكرهما النحويون من قولهم أزيبدًا ثم يضربه إلا هو وأزيد لم يضرب إلا اياه جعل النحويون المنفصل في هذا الباب من الضمير بمنزلة الاجنبي فقالوا أزيدًا لم يضربه ألا هو كما قالوا أزيدًا لم يضربه إلا عمرو وهذا بين واضح لأنهم جعلوا ما قرب إلى الاسم أولى به وإذا قالوا أزيد لم يضرب الا اياه فكأنهم قالوا أزيد لم يضرب إلا عمرا فارتفاع زيد في إحدى المسالتين بفعل مضمر يفسره الفعل الذي بعده وانتصابه كذلك والتفسير فيما ظهر من الفعل وقال قوم يرفع على الابتداء ويتصل بهذه المسألة انهم لا يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضرب نفسه وقليل في كلامهم زيد ضرب اياه لانهم استغنوا بنفسه عن ذلك ولانه كان الأصل إن يتعدى فعله إلى الهاء ثم انهم رفضوه كما رفضوا غيره مما فيه لبس لانهم قالوا زيد ضربه وهم يريدون ضرب نفسه لا لتبس بقولهم زيد ضربه وهم يريدون الكناية عن غائب فينبغي أن يجرئ اياه في المسألة مجرى الاجنبي وكذلك هو لانا لو وضعنا في موضعهما أجنبيين لصلح الكلام فكنا نقول أزيد لم يضرب إلا عمرًا وهذا كلام لا خلاف في حسنه وكذلك نقول أزيدا لم يضربه إلا عمرو فلا مرية في جوازه وإنما يقوى المنفصل ها هنا لأن حرف الاستثناء حال بينه وبين ما قبله فالمسألتان واضحتان ليس فيهما اشكال. القول في المسألة التي ذكرها أبن كيسان في كتابه المهذب وهو قوله هذا هذا هذا هذا أربع مرات فذكر على قول الكوفيين إن الأولى تقريبٌ والثانية مثال وهو اسم الفاعل والثالثة فعلٌ والرابعة مفعول وهذه المسالة بينة وأما قوله تقريب فهو من قرب الشيء كقولهم من كان يريد الماء، فهذا النهر، ومن كان يريد الكسوة فهذه البرودُ ومنهُ، قول جرير: هذا ابنُ عُمي في دمشق خليفةٌ ... لو شئت ساقكم إلي قطينا
وقوله مثالٌ يريد أنه على معنى التشبيه الذي أسقطت منه مثل كما تقول زيدٌ عمروٌ أي مثل عمر ثم يحذف فكأنه يريد هذا مثل هذا أي نائب منابه وقوله هو اسم الفاعل كلام صحيح وليس مراده به ان الفعل تقدمه كما تقدم في قولك قام زيدٌ وانما يريد به أن الفعل وقع منه ولا يُبالي أمتقدما كان أم متأخرا كما انك إذا قلت زيد ضرب عمرا فزيد اسم الفاعل وإن كان مرفوعا بالابتداء وقد بان أمر المسألة فيما ذ كر وهو جلي لا يفتقر إلى إطالة وقد يقع في الكتب الفاظُ مستغلقةُ فمنها ما يكون تعذر فهمه من قبل عبارة واضع الكتاب لأنه يكون مستورا على ما بعده من الألفاظ وعلى ذلك جاءت عبارة سيبويه في بعض المواضع ومنها ما يستبهم لأن صاحب الكتاب يكون قاصدا لإبهامه ويقال إن النحويين المتقدمين فعلوا مثل ذلك ليفتقروا اليهم في إيضاح المشكلات ومن ألفاظ الكتب ما يستعجم لتصحيف يقعُ فيه فان الحرف ربما زاغ عن هيئته فأتعب الناظر وشغل قلب المفكر وربما كان الكلام قد سقط منه شيء فيكون الإخلال به أعظم ومعناه أبعد من الإبانة. القول في قول الراجز يا أيها الضب الخذوذان هذا البيت ينشد على أنه خاطب الواحد ثم خرج إلى خطاب اثنين وهو على معنى قوله رب أرجعون ومثل ذلك موجود إلا أن هذا البيت قبح فيه مثل ذلك لأن التثنية وقعت موقع النعت فتبين الخلل في اللفظ وإذا أنشدوا الخذوذان فاشتقاقه من الخذاذات وهي ما يقطع من أطراف الفضة والمعنى أن هذين الضبيين يحتفران فيقطعان الصخر والجندل كما تقطع الفضة، والضبّ معروف بالحفرو لذلك قالوا ضب دامي الأظافير، قال الشاعر: كضب الكدى أدمى أنامله الحفر (٥) وإذا قيل الخذوذيان فهو تثنية خذوذى مأخوذ من الخذاء وهو الاسترخاء يقال وقعوا في ينمة خذواء وهي ضرب من النبت، أي قد طالت واسترخت ومنه قيل الخذا في الأذن ووزن خذوذ فعول ووزن خذوذى على رأي سيبويه فعوعل وعلى رأي غيره فعلعل وكلا الوجهين له مذهب وجهة. القول في مهيمن جاءت في القرآن أشياء لم يكتر مجيئها في كلام العرب فمنها مهيمن وأجمع الناس على أنه مفيعل وانه مكبر وإن رافق لفظه لفظ التصغير وهو جار على فيعل وإذا حمل على الاشتقاق فانه لا يخلو من أمرين أحدهما أن يكون من همن وهذا فعل ممات وان كان كذلك فليس يجب إن يخرج من كلام العرب لأن اللغة واسعة جدا ولا يمكن أن يدعي حصولها في الكتب عن آخرها وقد تكون الكلمة حقيقة في اللفط ولم ينطقوا بها فيما اشتهر من الكلام كقولهم المدع فهذه الكلمة تشبه كلام العرب ويذكر المتقدمون انهم نطقوا بها وكذلك الرمج في أشياء كثيرة إذا تصفح ما ينقلب من الثلاثي وجدت فيه لأن الأشياء التي هي أصول الأسماء ثلاثة الثلاثي والرباعي والخماسي. فالثلاثي على ثلاثة أضرب أولها إن " يستعمل بكليته في حال انقلابه وذلك ستة أبنية مثل القاف والراء الميم فقد استعمل قرم وقمر ومقر وهو دق العنق ومرق وهو النتف ورمق وهو مصدر رمقه يرمقهُ ورقم مصدر رقم يرقم إذا كتب، والثاني أن يستعمل بعضها ويهمل بعضها مثل القتل استعملت هذه اللفظة ولم يستعمل التلق ولا اللتق ولا اللقتُ واستعملوا القلت والثالث من الثلاثي بناء أهمل بكليته مثل الخاء والظاء والراء نحو الخظر لم تجىء هذه الكلمة ولا شيء من وجوهها. والثاني من الأصول هو الرباعي وهو ينقلب أربعا وعشرين قلبة ولم يستعمل منه إلا الأقل. والثالث الخماسي وهو أقل في الاستعمال من الرباعي لأنه ينقلب مائة وعشرين قلبة وإنما تجد اللفظة منه وحدها في الباب كقولك سفرجل فلم يستعمل من مائة وعشرين بناء غير هذه اللفظة وكذلك أكثر الخماسي. وهمن هو من الباب المتوسط من أبواب الثلاثي ولم يذكره أحد من المتقدمين فيما أعلم وقد كان في أصحاب النبي (امرأة يقال لها هُمينة وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة وهذه من الهمن لا محالة وموضع يعرف بهمانية وهو من الهمن أيضًا.
والوجه الآخر في مهيمن أن يكون من الأمن والأمانة وقد أبدلت الهاء من الهمزة وقد يبدلونها من الهمزة كثيرا كما قالوا هبريةٌ وإبريةٌ لما يتساقط من وسخ الرأس وهرقتُ وأرقتُ وهرحتُ الدابة وأرحتها وهما والله وأما والله ولما سُمع في القرآن مُهَمْين اعتبره أيهل النظر فوجدوه يحتمل امرين التكبير والتصغير فلم يجز إن يحمل على التصغير لأنه جاء في صفات الله سبحانه وعزت صفاته عن ذلك فلما لم يكن أن يجعل مثل مخيدع تصغير مُخدع ولا مثل مفيتح تصغير مفتح ولا مثل مُديخِل تصغير مدْخل ولا أن يحمل شيء من هذه المصغرات وجب أن يُحمل على مكبرات الأسماء فوجدوا حروفه كلها من الحروف التي يمكن زيادتها لأن الذين حصروا حروف الزيادة جمعوها في قولهم اليوم تنساه وهويت السمان وسألتمونيها ونحو ذلك. فلما نظروا في حروف مُيهمن وجدوا ما حُصر من حروف الزيادة يتناول جميعها في الظاهر فعلموا أن جميع حروف الشيء لا يمكن أن تكون زوائد فابتدوءا بالنظر في الميم التي هي أول حروفه فعلموا أن لها ثلاثة موضع إذا كانت لها زوائد تُزاد أولًا ووسطا وآخرًا فإذا كانت أول الاسم بعدها ثلاثة أحرف من الأصول حكم عليها بالزيادة ولم ينظروا إلى الحروف الأصلية أمعها زائد غير الميم أم لا فإذا كانت الحروف الأصلية مجردة من الزيادة سوى الميم فهي مثل قولك المخدع والمرسن والمدخل والمدهن وإذا كان في الأصلية زائد آخر فهو مثل قولك المرداس والمفتاح والمعلوق لواحد المعاليق وحكموا على ميم مغرود بالزيادة وهو ضرب من الكمأة لأنهم حكوا مَغرودا أو مُغرودا فقولهم مغرود بفتح الميم يحكم على أنه مفعول لأن هذا المثال كثر في مثل مضروب ومقتول وان لم يصرفوا من مغرود الفعل إلا انهم قد قالوا الغرد والغرد لضرب من الكمأة وقالوا في الجمع الغردة قال الشاعر: تنفي الحصى زيما أطراف سنبكها ... نفي الغراب بأعلى انفه الغرده وإذا حكموا على أن الواو زائدة في مغرود وهي كذلك بقي على ثلاثة أحرف من الأصول وفي أوله الميم فالحقوه بغيره من الأبنية في الحكم ولم يجعلوه مثل فعلول لان ذلك بناء مستنكر وإنما جاء في صعفوق لواحد الصعافقة ويقال انهم قوم يحضرون الأسواق بلا رؤوس أموال أموال وآل صعفوق خول باليمامة وإنما قالوا مغرود فضموا للاتباع كما قالوا منخر فكسروا لذلك. وإذا كان بعد الميم ثلاثة أحرف فيها ألف نظر في أمرها إن كانت للتأنيث أو منقلبة من واو أو ياء أو ملحقة فإن كانت للإلحاق أو للتأنيث فالميم أصلية وإن كانت منقلبة فالميم زائدة فالملحقة مثل معزى يستدل على إن الميم من الأصل بقولهم معيز ومعر ويستدل على أن الألف للإلحاق بأنها تنون فتقول مررت بمعزى أمس وكذلك ينشد هذا البيت: ومعزىً هدبًا يعلو ... قران الأرض سودانا ولو بنيت الفعلى من قولك هذا أمجد منك لقلت في التأنيث المجدى فحكمت على أن الميم أصلية وأن الألف للتأنيث لأنه من المجد. واما المنقلبة من الواو والياء فمثل قولك المغزى والمقضى لأنه من غزوت وقضيت فهذا يحكم على أن ميمه لأن بعده ثلاثة أحرف من الأصول وكذلك يحكم على قولهم مراجل لضرب من الثياب بأن الميم فيه زائدة في أصح الأقوال فأما قول الراجز: بشية كشية الممرجل فان الميم لما كثر لزومها البناء أدخلوا عليها الميم التي تلحق المفعول في مثل مدحرج وبابه كما قالوا تمسكن فجعلوا الميم كأنها من الأصل وإنما هو من السكون وكذلك قالوا تمدرع من المدرعة وإنما القياس تدرع لأنها من الدرع. وعلى ذلك يحمل موسى إذا أريد به موسى الحديد فإذا جعل مفعلا فالميم فيه زائدة وان جعل فعلى فالميم فيه أصلية فأما موسى اسم النبي (. فليس من العربية وان كان قد وافق لفظ موسى الحديد كما أن لوطًا ونوحًا ليسا من أسماء العرب وان وافقا فعللًا من ناح ينوح ولاط الحوض يلوطه إذا طلاه بالطين. وإذا كان بعدها أربعة أحرف من الأصول مجردةً أو غير مجردة وكانت على زنة أسماء الفاعلين أو المفعولين حكم عليها بالزيادة مثل مدحرج ومسرهف وهو الحسن الغذاء فهذا فيه بعد الميم أربعة أحرف جردت من الزيادة وأما مقشعر ومحرنجم فبعد الميم أربعة أحرف معها زيادة فأحد الراءين في مقشعر زائدة وكذلك نون محرنجم.
وإذا كان البناء الذي في أوله الميم على غير أبنية الفاعلين والمفعولين حكمت على الميم التي في أوله بغير الزيادة إذا كان بعدها أربعة أحرف من الأصول مجردة أو غير مجردة مثل قولك المردقش والمردقوش وهو ضرب من النبت ويقال إنه الزعفران قال الشاعر: وريح المرد قوشة والشهودا فالميم ها هنا من الأصل لأن بنات الأربعة لا تلحقها الزوائد في أولها لا أن تكون أسماء فاعلين أو مفعولين أو ازمنة أو امكنة أو مصادر لأن الفعل إذا كان عدده أربعة فما زاد جاء مصدره في لفظ مفعوله وكذلك اسم الزمان والمكان منه فنقول أكرمت زيدًا مكرمًا وانت تريد إكرامًا وكذلك هذا مكرم بني فلان أي الموضع الذي أكرموا فيه وجئتك مكرم بني فلان أي وقت أكرموا وقوله تعالى بسم الله مجراها ومرساها يجوز أن يكون المجرى والمرسى مصدرين في معنى الإرساء والاجراء ويجوز أن يكونا اسمين للزمان ويكونا في موضع نصب تقديره اركبوا فيها بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها وإذا كانت الميم متوسطة حكم بأنها أصل ختى يدل الاشتقاق على غير ذلك وإنما تزاد وسطا في مواضع قليلة من ذلك قولهم دلامص وهو البراق يحكم على أن الميم فيه زائدة وكذلك يروى عن الخليل لأنهم قالوا دليص في معنى دلامص قال امرؤ القيس: كنائن يجرى فوقهن دليص وقال أبو دوءاد: ككنانها الزغري جللها من الذهب الدلامص وزعم غير الخليل أن ميم دلامص أصل وأنها لفظة قاربت لفظ دليص كما قالوا سبط وسبطر وجحد وجحدل إلا إن معنى جحد أنكروا معنى جحدل صرع وحكى عن الأصمعي أنه كان يجعل قولهم للأسد هرماسٌ من الهرس فالميم فيه زائدة على هذا القول ووزنه فعمال ووزن دلامص إذا كانت الميم زائدة فعامل. وأما زيادة الميم في الأواخر فهي أكثر من زيادتها في الأوساط إلا انه لا يحكم عليها بذلك إلا بعد اشتقاق كقولهم للأزرق زرقم لأنه من الزرق وللمرأة الخدلة الساق خدلم ومن ذلك قولهم للبعير شدْقم لأنه من سعة الشدق قال الشاعر: تمشي الدفقي من مخافة شدقم ... يمشي العجيلى والخنيف ويضبر فلما نظروا في زيادة الميم أوجبت الصورة أن تكون ميم مُهيمن الأولى زائدة لأنه على مثال مُهينم وهو الذي يتكلم كلاما خفيًا. قال أوس بن حجر: هجاوءك الا إنما كان قد مضى ... عليَّ كأثواب الحرام المهينم ثم نظروا إلى الهاء فعلموا أنها من الأصول لأن زيادتها تقع في الأواخر للسكت وللتأنيث إذا وقفت كقولك أغزه في الوقف وطلحة ونحو ذلك فأما قولهم مُهراقُ فان الهاء بدل من الهمزة فكأن أصله موءراق فالهاء زائدة لأنها وضعت موضع الهمزة وليس ذلك إلا في هذا البناء وحده وتقول مُهَرِيق ومُهَريق ومهَراق ومِهْراق فتحرك وتسكن ومن ذلك قول امرىء القيس: فان شفائي عبرة مُهراقة وقال آخر. فكنت كمهريق الذي في سقائه ... لرقراق آل فوق رابية صلد ومثل مُهرق هرحت الدابة وهنرتُ الثووب إن صحا فالبناء واحد على افعَلْتُ وقد زادوا لهاء في أمهات وهو نادرو فحكموا على أن هاء مُهيْمن من الأصل وهي مع ذلك يجوز أن تكون مبدلة من همزة ولما صاروا إلى الياء علموا أنها زائدة لأنها مع ثلاثة أحرف من الأصول وهي تزداد أولا أولا ووسيطًا وآخرا فإذا زيدت أولا جاءت مع التجريد في مثل يرمع ويلمع ومع غير التجريد في مثل يعسوب ويعقوب ويعضيد وإذا زيدت وسطا افتنت في الزيادة فجاءت في فيعل مثل بيطر وصيرفٍ وفي فعيل مثل ظريف وكريم وغير ذلك وتكون وحدها زائدة في الاسم وتكون معها غيرها كقولهم مسكين ومحضير ومريح وخمير وإذا كانت زائدة في الطرف فإنها تقلب وتصير للإلحاق وقد اختلف في الياء الملحقة فقيل إن الهمزة تقلب عنها وهو أقيس وقال قوم بل تكون الهمزة هي الملحقة وعلى ذلك يجري القول في علباء وبابه ويحكم على ياء دِرْ حاية بالزيادة وهي في الطرف وإن كان بعدها هاء التأنيث لأن حروف التأنيث لا يحتسب به الا أنه قد عمل ها هنا في ظهور الياء ولو حذفت منه لقيل در حاء بالهمز. وهذه حال الياء مع الأصول الثلاثة فإذا كانت بعدها أربعة من الأصول ولم تكن في أول فعل مضارع مثل قولك يدحرج، ويسرهف فهي أصلية كقولهم يستعور وهو اسم موضع قال عروة بن الورد: أطعت الآمرين بصرم سلمى ... فطاروا في عضاه اليستعور
فهذا طرف من أحكام الياء ولما صاروا إلى الميم الثانية من مهيمن علموا أنها من الأصل ولم يحتاجوا في ذلك إلى اشتقاق لأنهم م لو جعلوه مشتقا من هاء وياء ونون لصاروا بالميمين إلى بناء مستنكر لأنهم كانوا بذلك يجعلون الميم الثانية من الزوائد فيصير وزن الفعل منه فعمل وليس ذلك من أبنية الأفعال ولما بلغوا إلى النون حكموا بأنها أصلية لأن فعلن ليس من الأبنية المذكورة في الأفعل وقد ذهب قوم إلى أن النون في قولهم ارحجن زائدة لأنهم أخذوه من الرجحان وليس ذاك على رأي البصريين لأنهم يجعلون ارجحن افعلل ولا يجعلون في أبنية الأفعال افعلن وإنما تزاد النون في أواخر الأسماء بالقياس الصحيح أو بالاشتقاق الذي يجرى مجرى القياس فيحكم على نون سكران وبابه بأنها زائد لأنه ليس في كلامهم مثل فعلال غير المضاعف نحو الزلزال والبلبال وما كان مثله إلا في قولهم خزعل وقد مر. فإذا رأوا النون في شيء من هذه الأمثلة حكموا عليها بالزيادة ولا يحكون على نون فعلان بذلك وإن كثرت الزيادة في موقعها حتى يثبت الاشتقاق لأن فُعلا لا قد كثر فقالوا قُرطاس ر في قرطاس وقسطاس وحكى أبو ملك حملاق العين في حملاق وهذا حكم المتقدمين والذي يوجب القياس أن يحكم على نون فعلان بالزيادة إلى أن يثبت أنهما أصل لان هذا البناء لم يكثر كثرة غيره فثُعبان فعُلان لأنه من الانثعاب وعثمان كذلك لأنه من العثم يقال جُبرت يده على عثم إذا لم يستوجبرها فكثرت زيادة هذه النون في الجمع والمصدر مثل القضبان والكثبان والكفران والرُّجحان فأما فعلان فينبغي أن يتوقف عن الحكم في نونه أكثر من التوقيف عن نون فُعلان وإن كانت تكثر زيادة في هذا الموضع لأنها جاءت في الجمع والمصدر اللذين كثرا في المسموع مثل الغربان والغلمان والحرمان والعصيان وفِعلال كثير موجود وكلُّ فعل في آخره نون وعدده أربعة أحرف وليس في أوله همزة فان النون تجيء في مصدره ملتبسة بنون فعلان حتى يكون الاشتقاق مميزا بين النونين فيقول في مصدر سلعن وهو ضرب من المشي السعلنة والسلعان فيلتبس السلعان والنون فيه أصلية بالسلعان إذا جعلته جمع سلع وهو ضرب من الشجر مُرُّ والنون فيه زائد. ولو استعملت المصدر من هيمن يهيمن لقلب الهيمان فكانت النون تشبه نون فعلان من هام يهيم وجاءت أشياء في آخرها النون ملتبسة بنون فعلان منها الشيطان فسيبويه وأهل النظر يجعلون النون في أصلية ويأخذونه من الشطن وهو من قولك شطن إذا بعد فكأنه بعد من الخير وهذا البيت ينشد على وجهين بالسين والشين: فاذا ساطن عصاه عكاه ... ثم يرتوُ عليه بالاغلال فإذا قيال شاطن فهو في معنى الشيطان وإذا قيل ساطن فهو الذي أعيا خبشًا والمعنى متقارب واستدلوا على النون في شيطان أنها أصل بقولهم تشيطن لانه لو كان الشيط لامتنع هذا البناء كما يمتنع هيمان من أن تقول الفعل تهيمن لان تفعلن بناء لم يذكره المتقدمون في ابنية الفعل ولو سميت رجلًا بشيطان لصرفته على هذا القول لأنه مثل بيطار ومن جعله من شاط يشيط لم يصرفه إذا كان اسما وقد سمت العرب شيطانَ وشيطانُ بن مُدلج في هوازن وشيطان بن الحكم في غنى وقد جاء به طُفيل غير مصروف فقال: لقد منت الخذواء منًا عليهم ... وشيطان اذ يدعوهم ويثوب وكان الفارسي يأبى ترك صرفه ههنا إلا بعلة فيجعله اسمًا لقبيلة والرواية على غير ما قال والأخبار تدل على خلافه وقال بعض من يحتج لهذا المذهب يجوز أن يكون نون شيطانا وأو قع على التنوين حركة الهمزة في إذ هذا لا يمتنع ولكن فيه تكلف وقد كثر من يقول إن الشيطان يحتمل أن يكون من الشطن ومن الشيط فكأنه في بيت طفيل من الشيط واستدلوا على أن شيطانًا فيعال بقولهم شيطانةٌ لأن الهاء قلما تدخل على فعلان الا أن هذأ ينتقص لأنهم قد قالوا رجل سيْفانٌ وامرأة سيفانة وهو الضامر البطن الممشوق وقالوا كل موتان الفؤاد ولأنثى موتانة قال الشاعر: هي البازل الكوماء لا شيء غيره ... وشياطين قد جُن منها جنونها
وقولهم في الجمع شياطين يدل على أن شيطانا فيعال لأنهم لا يكسرون فعلان على فعالين وقد حكى الفراء غرثان في جمع غرثان وذلك قول مستنكر فأما قولهم للنخل الطوال عيدان فهو من باب شيطان وقد حكوا عيدنت النخلة إذا صارت عيدانة فإذا حمل على هذا التصريف وجب أن يكون عيدنت على فيعلت لأن فعلنت مستنكرة واشتقاقها على هذا من العُدون من قولهم عدن بالمكان إذا قام به وقولهم للواحدة عيدانة يدل على أنها فيعالة لأن الغالب على فعلان ألا تدخل الهاء في واحدته ولو لم يقولوا عيدنت لجاز أن يكون العيدان من العود ويكون جاريا مجرى الريحان فيقال أصله عيدان مثل التيحان والهيبان ثم خفف كما قالوا ميت وميْت وهّين وهيْن فأن قلنا إن المحذوف الواو التي انقلبت إلى الياء كما انقلبت في ميت فوزن عيدان على هذا فيلان لأن العين ذهبت وان الياء الزائدة هي الساقط ثم أقرت الياء الثانية على حالها في القلب وسكنت لثقل الحركة فوزنه فعلان وحكم ريحان حكم عيدان لأنه من الروح إلا إن العيدان ينتزعه أصلان والريحان ليس له إلا اصل واحد وقولهم للأتان الوحشية بيدانة إن كانت من البيد ولزومها الأرض القفر فهي فعلانةٌ وان كانت من البدن وغلظه ومن البُدْ فهي فيعالة والأحسن فيها أن تكون من البيد ونونها زائدة لم يقولوا للذكر لبيدان وذلك نظير قولهم للتاقة عيرانة ولم يقولوا للذكر عيران ولم يقولواللذكر عيران وأصحاب الاشتقاق يزعمون أنها سميت عيرانة تشبيها بعير الفلاة في شدته وصلابته ولو قال قائل إنها فيعالة من قولهم عرنت الناقة إذا جعلت في أنفها العران وهو عود يُدخل في انفها لكان ذلك مذهبا سائغًا وكان يزيده قوة دخول لهاء في آخرها فأما فَعلان وفُعلان وفِعلان فيحكم على النون فيها بالزيادة من غير اشتقاق لأن فعلا لا ليس في كلاهم وكذلك فَعِلال وفَعُلال فعلى هذا يجري بابه فإذا سئلت عن وزن ورشان ونحوه فقل فعلان من غير ائتمار. وإذا كانت النون أخيرا في مثل فعال وفعول وفعيل حكمت عليها بالأصل لان الاشتقاق يضطر إلى ذلك وكذلك جميع هذه الأبنية التي يتكون فيها حرف لين وحرفان أصليان مع النون مثل قولك عُمان وعران وفُتون وجُمعان وأَمون وأمين. فإذا كان قبل الألف التي النون أربعة أحرف من الأصول حكمت عليها بالزيادة مثل قولك الزعفران والشبرمان لضرب من النبت والعُقربان لذكر العقارب وكذلك إن كان في الأربعة التي قبل الألف حرف من حروف الزيادة فإن الغالب على النون أن تُحسب زيادة كقولك الضميران لضرب من النبت والكيذبان للكذاب.
فأما الواو إذا كاتن بعدها النون وقبل الواو ثلاثة أحرف من الأصول فان النون تجعل من الأصل حتى تثبت أنها زائدة مثل قولهم بردون تجعل نونه اصلية لأنه على مثال فهلول ولأنهم قالوا برذن يبرذنُ فجاءوا بالفعل على فعلل وفِعْلوْلٌ موجود وفِعْلوْن مفقود والكيون عكر الزيت على فعلول ومن قال بزيون بكسر الباء وفتح الياء فهو جار مجرى الكديون وهو أعجمي معرب فجرى مجرى العربي فأما زيتون فقد أختلف فيه فذكر أبن السراج أنه من الأبنية التي أغفلها سيبويه وكان الزجاج يأبى ذلك لأنه لا يجعل سيبويه أغفل إلا الثلاثة أبنية شميضير وهو اسم موضه والهنلع وهو اسمم بقلة ودرداقس وهو عظيم يصل العنق بالرأس فمن جعل زيتونا من الزيت فوزنه فعلون ومن جعله من أصل ممات وهو الزتن فهو عنده فيعول وقد ذهب قوم إلى أنه كالجمع لزيت كما تقول زيد والزيدون إلى ذلك ذهب الزجاج فأما القيطون وإن كان أعجميًا فإنك لا تجعل ياءه إلا زائدة لأن فيعولا أكثر من فعلون وكذلك زرجون تجعله فعلولا لانه أغلب من فعلون فأما الديدبون وهو اللهو والحيزبون وهي العجوز التي فيها بقية فتجعل النون فيهما من الأصل حتى يثبت الاشتاقا بغير ذاك لان فيعلولا أكثر من فيعلون فأما السيلحون فإن نونها تثبت زيادتها بقولهم في النصب والخفض السيلحون فأجروها مجرى قنسرين وفلسطين والياء إذا كانت قبل النون فحكمها حكم الواو فتقول إن الكرزين وهو الفاس الغليظة نونه أصلية لأن وفعليلا كثير وفعلين قليل فأما غسلين فقد أختلف فيه وقيل إنها لفظ من الفاظ الاعاجم جاءت في القرآن وانها ليست مما كان يكثر في كلام العرب ومنهم من يجيز غسلون في الرفع فيجعلها بمنزلة عشرين إلا إن إجماع القراء على كسر النون فدل ذلك على أنها ليست نون جمع و؟ إن كانوا قد عربوا بعض هذه النونات وأثبتوها في الإضافة قال الراجز: مثل القلات ضربت قُلينها نون وعدده أربعة أحرف وليس في أوله همزة فان النون تجيء في مصدره ملتبسة بنون فعلان حتى يكون الاشتقاق مميزا بين النونين فيقول في مصدر سلعن وهو ضرب من المشي السعلنة والسلعان فيلتبس السلعان والنون فيه أصلية بالسلعان إذا جعلته جمع سلع وهو ضرب من الشجر مُرُّ والنون فيه زائد. ولو استعملت المصدر من هيمن يهيمن لقلب الهيمان فكانت النون تشبه نون فعلان من هام يهيم وجاءت أشياء في آخرها النون ملتبسة بنون فعلان منها الشيطان فسيبويه وأهل النظر يجعلون النون في أصلية ويأخذونه من الشطن وهو من قولك شطن إذا بعد فكأنه بعد من الخير وهذا البيت ينشد على وجهين بالسين والشين: فاذا ساطن عصاه عكاه ... ثم يرتوُ عليه بالاغلال فإذا قيال شاطن فهو في معنى الشيطان وإذا قيل ساطن فهو الذي أعيا خبشًا والمعنى متقارب واستدلوا على النون في شيطان أنها أصل بقولهم تشيطن لانه لو كان الشيط لامتنع هذا البناء كما يمتنع هيمان من أن تقول الفعل تهيمن لان تفعلن بناء لم يذكره المتقدمون في ابنية الفعل ولو سميت رجلًا بشيطان لصرفته على هذا القول لأنه مثل بيطار ومن جعله من شاط يشيط لم يصرفه إذا كان اسما وقد سمت العرب شيطانَ وشيطانُ بن مُدلج في هوازن وشيطان بن الحكم في غنى وقد جاء به طُفيل غير مصروف فقال: لقد منت الخذواء منًا عليهم ... وشيطان اذ يدعوهم ويثوب وكان الفارسي يأبى ترك صرفه ههنا إلا بعلة فيجعله اسمًا لقبيلة والرواية على غير ما قال والأخبار تدل على خلافه وقال بعض من يحتج لهذا المذهب يجوز أن يكون نون شيطانا وأو قع على التنوين حركة الهمزة في إذ هذا لا يمتنع ولكن فيه تكلف وقد كثر من يقول إن الشيطان يحتمل أن يكون من الشطن ومن الشيط فكأنه في بيت طفيل من الشيط واستدلوا على أن شيطانًا فيعال بقولهم شيطانةٌ لأن الهاء قلما تدخل على فعلان الا أن هذأ ينتقص لأنهم قد قالوا رجل سيْفانٌ وامرأة سيفانة وهو الضامر البطن الممشوق وقالوا كل موتان الفؤاد ولأنثى موتانة قال الشاعر: هي البازل الكوماء لا شيء غيره ... وشياطين قد جُن منها جنونها
وقولهم في الجمع شياطين يدل على أن شيطانا فيعال لأنهم لا يكسرون فعلان على فعالين وقد حكى الفراء غرثان في جمع غرثان وذلك قول مستنكر فأما قولهم للنخل الطوال عيدان فهو من باب شيطان وقد حكوا عيدنت النخلة إذا صارت عيدانة فإذا حمل على هذا التصريف وجب أن يكون عيدنت على فيعلت لأن فعلنت مستنكرة واشتقاقها على هذا من العُدون من قولهم عدن بالمكان إذا قام به وقولهم للواحدة عيدانة يدل على أنها فيعالة لأن الغالب على فعلان ألا تدخل الهاء في واحدته ولو لم يقولوا عيدنت لجاز أن يكون العيدان من العود ويكون جاريا مجرى الريحان فيقال أصله عيدان مثل التيحان والهيبان ثم خفف كما قالوا ميت وميْت وهّين وهيْن فأن قلنا إن المحذوف الواو التي انقلبت إلى الياء كما انقلبت في ميت فوزن عيدان على هذا فيلان لأن العين ذهبت وان الياء الزائدة هي الساقط ثم أقرت الياء الثانية على حالها في القلب وسكنت لثقل الحركة فوزنه فعلان وحكم ريحان حكم عيدان لأنه من الروح إلا إن العيدان ينتزعه أصلان والريحان ليس له إلا اصل واحد وقولهم للأتان الوحشية بيدانة إن كانت من البيد ولزومها الأرض القفر فهي فعلانةٌ وان كانت من البدن وغلظه ومن البُدْ فهي فيعالة والأحسن فيها أن تكون من البيد ونونها زائدة لم يقولوا للذكر لبيدان وذلك نظير قولهم للتاقة عيرانة ولم يقولوا للذكر عيران ولم يقولواللذكر عيران وأصحاب الاشتقاق يزعمون أنها سميت عيرانة تشبيها بعير الفلاة في شدته وصلابته ولو قال قائل إنها فيعالة من قولهم عرنت الناقة إذا جعلت في أنفها العران وهو عود يُدخل في انفها لكان ذلك مذهبا سائغًا وكان يزيده قوة دخول لهاء في آخرها فأما فَعلان وفُعلان وفِعلان فيحكم على النون فيها بالزيادة من غير اشتقاق لأن فعلا لا ليس في كلاهم وكذلك فَعِلال وفَعُلال فعلى هذا يجري بابه فإذا سئلت عن وزن ورشان ونحوه فقل فعلان من غير ائتمار. وإذا كانت النون أخيرا في مثل فعال وفعول وفعيل حكمت عليها بالأصل لان الاشتقاق يضطر إلى ذلك وكذلك جميع هذه الأبنية التي يتكون فيها حرف لين وحرفان أصليان مع النون مثل قولك عُمان وعران وفُتون وجُمعان وأَمون وأمين. فإذا كان قبل الألف التي النون أربعة أحرف من الأصول حكمت عليها بالزيادة مثل قولك الزعفران والشبرمان لضرب من النبت والعُقربان لذكر العقارب وكذلك إن كان في الأربعة التي قبل الألف حرف من حروف الزيادة فإن الغالب على النون أن تُحسب زيادة كقولك الضميران لضرب من النبت والكيذبان للكذاب.
فأما الواو إذا كاتن بعدها النون وقبل الواو ثلاثة أحرف من الأصول فان النون تجعل من الأصل حتى تثبت أنها زائدة مثل قولهم بردون تجعل نونه اصلية لأنه على مثال فهلول ولأنهم قالوا برذن يبرذنُ فجاءوا بالفعل على فعلل وفِعْلوْلٌ موجود وفِعْلوْن مفقود والكيون عكر الزيت على فعلول ومن قال بزيون بكسر الباء وفتح الياء فهو جار مجرى الكديون وهو أعجمي معرب فجرى مجرى العربي فأما زيتون فقد أختلف فيه فذكر أبن السراج أنه من الأبنية التي أغفلها سيبويه وكان الزجاج يأبى ذلك لأنه لا يجعل سيبويه أغفل إلا الثلاثة أبنية شميضير وهو اسم موضه والهنلع وهو اسمم بقلة ودرداقس وهو عظيم يصل العنق بالرأس فمن جعل زيتونا من الزيت فوزنه فعلون ومن جعله من أصل ممات وهو الزتن فهو عنده فيعول وقد ذهب قوم إلى أنه كالجمع لزيت كما تقول زيد والزيدون إلى ذلك ذهب الزجاج فأما القيطون وإن كان أعجميًا فإنك لا تجعل ياءه إلا زائدة لأن فيعولا أكثر من فعلون وكذلك زرجون تجعله فعلولا لانه أغلب من فعلون فأما الديدبون وهو اللهو والحيزبون وهي العجوز التي فيها بقية فتجعل النون فيهما من الأصل حتى يثبت الاشتاقا بغير ذاك لان فيعلولا أكثر من فيعلون فأما السيلحون فإن نونها تثبت زيادتها بقولهم في النصب والخفض السيلحون فأجروها مجرى قنسرين وفلسطين والياء إذا كانت قبل النون فحكمها حكم الواو فتقول إن الكرزين وهو الفاس الغليظة نونه أصلية لأن وفعليلا كثير وفعلين قليل فأما غسلين فقد أختلف فيه وقيل إنها لفظ من الفاظ الاعاجم جاءت في القرآن وانها ليست مما كان يكثر في كلام العرب ومنهم من يجيز غسلون في الرفع فيجعلها بمنزلة عشرين إلا إن إجماع القراء على كسر النون فدل ذلك على أنها ليست نون جمع و؟ إن كانوا قد عربوا بعض هذه النونات وأثبتوها في الإضافة قال الراجز: مثل القلات ضربت قُلينها وإنما هو جمع قلة وإنما كان يجب ضربت قُلوها ومثله قول الآخر: دعاني من نجد فان سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيّبننا مُردا فإذا كانت النون في آخر الاسم وليس قبلها ألف ولا واو ولا نون فهي من الزيادة أبعد وإنما تجيء مزيدة في أشياء قليلة وليس زيادتها بمجمع عليها كقولهم الفرسن وعندهم انه فعلن وانه من الفرسن وكقولهم امرأة سمعنه نِظَرَنة وهو من السمع والنظر وكقولهم في الرجل خلفْنة أي خلاف فمن حمل القياس على ما أصله المتقدمون لم يجز له أن يجعل نون مهيمن زائدة ولا مبدلة من ياء لان حروف الإبدال أحد عشر حرفا يجمعها قولك يوم نطوءها تجد وليس تبدل النون من الياء على هذا الشرط ولا امنع إن يخالف الأول مخالف إذا أقام الحجه وأبان الدليل ولو بنوا من همى يهمي مثل مفعيل لقالوا في النصب رأيت مهيمنا وفي الرفع والخفض هذا مهيم مثل قاض في الحكم ولو رخموه ترخيم التصغير لقالوا هُميُّ ولو فعلوا ذلك بمهيمن من صفات غير الله سبحانه لقالوا هُمينٌ فأما هيمان فاشتقاقه من الهمى النون فيه زائدة لأن فعلانا أكثر من فعيال والهمى اكثر من الهمن ويقال همُ بهميان كذا أي بإزائه قال الشاعر أنشده أبو عمرو الشيباني: وماشن من وادي الفتين مشرقا ... فهميانه لم ترعه أم كاسب وإنما قالوا للذي يشد في الوسط هميان لأنه يكون بازاء وسط الإنسان فلو جعل اشتقاق هميان من الهمن لكان في الأصل موافقا لمهين يستويان في ترخيم التصغير فمهيمن إن كان من الهمن أو من الأمن والأمانة فوزنه مُفعيل وهو قول المتقدمين. واذكر بعد ذلك شيئا مما يجوز أن يقال قد يدخل في قياس العربية أن يكون مُهيمنٌ على وزن مُهفعل وتكون هاؤه بدلا من همزة كما قالوا هراق وأراق كأنهم بنوا فعلا على أفعلَ من اليمن فقالوا أيمن ثم كرهوا أن يأتوا به على الأصل كما قالوا مؤرنب وكما قال الراجز: فانه أهل لأن يؤكرما
فأبدلوا من همزة أفعل هاء فقالوا مُهيمنٌ والأصل مؤيمن من اليمن والأسماء التي يراد بها المدح لا يمتنع أن تشق من كل محمود ثم تنقل من موضع إلى موضع وان ظن السامع انّ ما نُقلت اليه بعيد مما نقلت عنه وانما قلتُ ذلك لأن مهيمنا في جميع مواضعه لا يمتنع أن يكون من الأمن والأسماء التي يراد بها المدح لا يمتنع إن تشتق من كل محمود ثم تنقل من موضع إلى موضع وان ظن السامعُ إن ما نُقلت اليه بعيد مما نقلت عنه وإنما قلت ذلك لأن مهيمنا في جميع مواضعه لا يمتنع إن يكون من الأمن ومن اليمن كما انا نقول إن الإله اسمُ اشتق من أحد أمرين إمامن الوله لأنه يوله اليه في الحوائج وعند التشدائد التي تُوله أي تذهب العقل وإما من ألهت العين تأله إذا حارت فيراد به أنه يحار في أمره وعجائبه ثم أبدلت من الهمزة اللام فقالوا الله وكأنهم لما قالوا الله جعلوا الألف واللام بدلا من الهمزة هكذا عبارة، المتقدمين ويجوز أن تكون حركة الهمزة ألقيت على اللام فقيل أللاه وهي لغة كثيرة وبها قرأ ورش عن نافع في مواضع كثيرة من القرآن وقال الشاعر: وجدت أبي قد أورثه أبوه ... خلالا قد تُعدُّ من المعالي ثم أدغموا اللام الأولى في الثانية فقالوا الله وهذا أقيس من أن يكونوا حذفوا الهمزة من غير أن ينقلوا حركتها إلى اللام وإنما ذكرت ذلك لأن الأسماء قد تجيء فيما يختص بشيء ليس هو لغيره فيجوز أن تكون مهيهن اختص بأن هاءه ة بدلٌ من همزة أفعل كما خُص اسم الله سبحانه بهذا التغيير وانما كان ينبغي أن يُجعل نون مُهيمن بدلا من ياء لو كانوا استعلموا المهيمي في صفات الله غز وجل ولم يفعلوا ذلك ولم تجدهم بنوا فيعَل في الماضي من ذوات الياء ولا الواو اللتين هما لامان لم يقولوا غيزى من غزا ولا قيضي من قضى فأما قولهم كميتُ وكمنت فليس هو إبدالا تصريفيا وإنما هوا ابدالُ سماع يبدل، فيه الحرف مما قاربه وباعدهُ فان قيل فما تنكر أن يكون قيل مهيم وهو مفعيل من الهمي ثم قوي التنوين فجعل نونا قيل يمتنع ذلك من وجهين أحدهما انهم ينطقوا بالمُهيمي فيدعي ذلك فيه والآخر أن هذا شيء يزعمه بعض الناس في ضرورة الشعر كأنهم يقولون مررت بعمر وثم يقولون مررت بعمر وثم يقوون التنوين وقد اجترؤا على زيادة النون في القوافي كما اجترؤا على تنوين ما فيه الألف واللام منهن وذلك حُكى لا يجوز في الكلام المنثور لأن الألف واللام والتنوين لا يجتمعان وقد حكى المتقدمون التنوين في القوافي وان كانت الكلمة غير منونة اسما كانت أو فعلا فحكوا عن العرب أنهم يقولون من طلل أقفر ثم أنهجا فينونون وينشدون: يا بتا علك أو عساكا بالتنوين وكذاك ينشد بعض العرب قول امرئ القيس: بريا القرنفل منونا فلما كانوا يفعلون ذلك رأوا النون قال الراجز: قد تعلمُ العيسُ العتاقُ أني ... أحدو بها منقطعًا شِسْعَنّي يريد شسعى وقال آخر: وأنت يابني فاعلم أني ... أحب منك موضع الوُشحن موضع الإزار والقفن فكان لغة هذا الراجز أن ينون القوافي فيقول القفًا ثم اجترأ فشدد وأنشد ابن الأعرابي عن المفضل. لم يبق منها غير موقدنه ... وغير آثار بها سفعنه وفي هذه الأبيات: لاتهزئي منا سليمى انه انا لوقافون بالثغرنه والكلام في هذا يتسع والقول يطول ولا أمنع أن يجيء الفعلُ على فعلن وان كان المتفدمون لم يذكروه لأن الاسم أذا جاء على ذلك وجب أن يجيءعليه الفعل إذا كان ألاسم أصلا والفعل متفرغ منه وقد قالوا ناقة رعشن وهو من الارتعاش وامرأة خلبن وهي من الخلابة واختلفوا في الضيفين فروى عن الخليل أنه كان يجعل النون فيه زائدة ويأخذه من الضيف وحكى عن أبي زيد أنه قال ضفن الرجل إذا جاء مع الضيف وهو على رأي أبي زيد فيعل وعلى رأي الخليل فعلن ويقوي قول أبي زيد أنهم قالوا رجل ضفن وامرأة ضفنة قال جرير: تلقى الضفِّنَّةُ من بنات مجاشع ... ولها إذا إنحل الإزار حران
وأنما قات ذلك لأن مُهيْمِنًا يجوز أن يجعل مفعلنا ويكون من الهيم كأن الإنسان من خوفه الله يهيم في الأرض وهذا مناسب لقولهم إله لأنه يوله من من الوله أو يأله الإنسان فيه أي يحارُ ويجوز بعد هذا كله أن يكون المهمين اسما أصله غير عربي ولكنه وافق ألفاظ العربية كما وافقها يعقوب واسحق وعُزيرٌ لأن ماظهرمن لفظ يعقوبُ مساو لفظهم باليعقوب الذي هو ذكر الحجل أو القطا وواحد اليعاقيب من قولهم طير يعاقيب إذا جاءت في عقب الجيش وخيل بعاقيب أي ذواتُ أعقاب في الجري، قال سلامةُ بن جندل: ولى حثيثا وهذا الشيب يطلبه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب وإسحاق يواطىء مصدر اسحقه الله اسحاقًا وعُزير موافق تصغير العزر وهو أصلُ بناء التعزير ويقوي مجيء فعلن في أبنية الأفعال الماضية قول من يزعم أن أرجحن افعلن وأن اصله رجح ولو بنيت من المضاعف مثل مهيمن لا وجب قياس التصريف أن تدغم فتقول في مثل مهيمن من سر إذا كان مفيعلا على القول القديم مُسير فتدغم وتجمع بين ساكنين وان كان الأول منهما لم يكمل فيه للين كما قالوا أصيم فجمعوا بينهما وإن كان ما قبل الياء مفتوحا حكموا المعيدي بتشديد الدال فأما حكاية بعضهم هيلل إذا قال لا إله إلا الله فإذا صح ذلك عن الفصحاء جاز فيه وجهان أحدهما أن يكون جاء ظاهر التضعيف على الشذوذ من بابه كما قالوا ألل السقاء وذبب المكان والآخر أن يكون أصله هلل فأبدلوا الياء من اللام لما اجتمعت ثلاثة أحرف متجانسة والبدل هنا أقيس منه في أما إذا قالوا أيما كما قال ابن أبي ربيعة: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر ورأى سيبويه أن يظهر في سيرر ويدغم في مثل اغدودن من سر وفي ذلك نظر ولم يسمع مثل اغدودن من المضاعف مدغما ولا مظهرا وقولهم هلل إذا قال لا إله إلا الله كلمة استعملت في الاسلام ولا تعرف من قبله وهي مأخوذة من حروف لا إله إلا الله عزل وجل استعملت اللامات منها والهاء وُحذفت ماسوى ذلك وقد جاءت الفاظ ممتزجة من كلمتين كما حكى بعضهم إذا قال حي على الصلاة وفي كتاب العين هذا البيت: أقول لها وضوء الصبح باد ... ألم تحزنك حيعلة المنادي ولا أدفع أن يكون هذا الشعر مصنوعا وقد أنشدوا بيتا آخرا: وما إن زال طيفك لي عنيقًا ... الي أن حيعل الداعي صباحا وقالوا حمدل إذا قال الحمد لله وجعفل إذا قال جعلني الله فداك وبسمل إذا قال بسم الله وأنشدوا بيتًا يجوز أن يكون مولدا ولا أحكم عليه بالتوليد: لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فياحبذا ذاك الحبيب المبسمل
فهذه الألفاظ تشبه قولهم عبشمي في النسب إلى عبد شمس وعبدري في النسب إلى عبد الدار وعبقسي في النسب إلى عبد القيس، فإذا قيل ما وزن عبشمي فان النظر يوجب وجهين أحدهما وهو الأقيس إن تخرجه إلى باب جعفر فتقول فعللي كما انك إذا قلت ياحار فضممت أخرجته إلى باب حار ودار وجعلته كالمعتل الألف والآخر إن تقول وزنه فعفي لأنك أخذت من عبد العين والباء ومن شمس الشين والميم وعبدري على هذا القول فعفلي لأنك خذفت الألف من الدار وهي مكان العين وعبقسي فعفلي أيضا فأما قولهم حمدل إذا قال الحمد لله فعلى أي الوجهين حملته قلت وزنه فعلل لأنك إن أخرجته إلى باب دحرج فالنطق به كذلك وان جعلت اللام زائدة فهو على الفظ الأول ونظيره من الأسماء عبدل إذا جعلت اللام زائدة ووزنه فعلل وكذلك لو جعلتها من الأصل وقولهم جعفل إذا أرادوا جعلني الله فداك فكأنه مبني من جيم جعل وعينه ثم جاؤوا بفاء فداك ثم ردوا لام جعل فكأنه إذا جملت على قولك فعفي في عبشمي فعفل وعلى هذا النحو يجرى حكم هذه الأسماء فأما هلل فأحسن ما يقال فيه أنه فعل لأنك إذا حكمت عليه بهذه الأحكام احتجت إن نأخذ الهاء من إله وهي موضع اللام ثم تجيء بثلاث لامات لاتدري من أين اجتلبن إلا إن أقيس ذلك أن يكون ممتزجات من لامات إلا واسم الله ﷿ والا غير محكوم على وزنها ما دامت في الباب كما مضى في إياك ويدلك على رأي النحويين انك إذا بنيت من سر مثل مهيمن قلت مُسير على غير قول سيبويه انهم قالوا لو بنيت من رد مثل اغدودن لقلت اردود يافتى فادغمت والادغام في مفيعل أقيس لأنه أقل لفظا من اغدودن ولأن وقوع الياء المفتوحة قبل المدغم مستعمل في تصغير أفعل من المضاعف مثل أجمَّ وأحمَّ وأمرَّ وأبرَّ ولانجد في مفرد كلامهم حرفا مدغما قبله واو مقتوح ما فبلها وانما تجد ذلك في المنفصلين مثل قولك قدت الخيل قود دريد فأما المضموم ما قبلها فتجيء قبل المدغم في فعل ما لم يسم فاعله إذا كانت فيه قبل الرد ألف مثل قولك تذام القوم وتمادوا الثوب بينهم واحماروا في المكان فإذا رددته إلى ما لم يُسم فاعله قلت تثذوم بلادكم وتمود الثوب واحمور بمكان كذا ول بنيت من اقشعر مثل مهيمن لجاء على الوجهين الماضيين أحدهما أن يمتنع من ذلك لأنك إذا مثلته لم يكن لك بد من حذف حرف من الأصول والآخر إن تبنيه لأنك انما قيل لك مثل كذا ولم يقل لك اجعله من كلام العرب فالمسألة صحيحة فكنت تقول مقشع فتحذف حرفا من الأربعة لأن اقشعر وان كان ستة أحرف فهو مأخوذ من قشعر وان لم ينطق به ويقوي هذا القول انهم قالوا في تصغير سفرجل سفيرج وفي جمعة سفارج فاسقطوا الأصلي لما احتاجوا إلى ذلك ويوقيه أيضا قولهما في حكاية صوت العندليب وهو البلبل العندلة فحذفوا الباء لما اضطروا إلى ذاك كما حذفوا آخر الخماسي في التصغير والتكسير ولا يقول أحد من أهل القياس إن مُبيطرا وبابه مصغرات وانما يقال انهن وافقن لفظ المصغر وهذه الحكاية التي يجعل فيها مبيْطرُ ومُسَيْطرٌ من ذوات التصغير ذكرها أهل اللغة وهم يتجوزون في العبارة ولا يوفون التصريف ما يجب له كما ذكر بعضهم إن أولًا فوْعل وذلك ما لايجوز في حكم التصريف حتى كأنه لا يشعر انه لا ينصرف في بعض الجهات وانما أول افعلُ بلا مرية وبناؤه في الأصل عند أهل البصرة من واوين ولام فكأنه مأخوذ من الوءوْل وان كانت هذه كلمةً لا ينطق بها ولو تكلفوا ذلك لجعلوا الواو الأولى همزة واختلف النحويون إذا صغرت مُبيطرا وبابه فقال قوم تقولُ مُبيطيرُ فتحذف الياء وتجيء بالمصغر على لفظ المكبر وان شئنا عوضنا فقلنا مُبيطر وقال اخرون إذا صغرنا مبيطرأ لم يكن لنا بدُّ من التعويض ليقع الفرق، بين التصغير وغيره وهذا وجه خسنُ ولقائل إن يقول أنا إذا صغرنا مبيطرأ وبابه وجب إن نحذف الميم فنقول ببيطرُ لأنا قد حذفناها من مدحرج ومسرهف فإذا كانت تحذف في بعض المواضع كان حذفها ههنا أولى لأن الياء في بيطر وان كانت زأئدة فهي ملحقه بحاء دحرج وما ألحق بالشيء فهو مثله في الحكم وقياس مبيطر وبابه إن تقول في جمعه مباطر ومهامن في مهيمن فان عوضت قلت المباطيرُ والمهامين وليس في الجمع لبي كما كان في التصغير فأما قولهم البياطرةُ فهو جمعُ بيطر أو بيطار أو بيطر لأنهم قد قالوا ذلك كله ومن ذهب إلى إن يقول في تصغير مُبيطرٍ بُييطرُ جاز
إن يجعل بياطرة جمع مُبيطر على حذف الميم. إن يجعل بياطرة جمع مُبيطر على حذف الميم. ومهيمن إذا كان لغير اسم الله سبحانه فقياس جمعه مهامن ومهامين ومهامنة لأن هذه الهاء تجيء عوضا من الياء ومن ذهب إلى أن مُهيمنا مهفعل فليس كذلك يجب أن يقول لأن الهاء ليست بحذاء دال دحرج ولو صح ذلك لجاز أن يقال في جمعه ميامن إذا كان من اليمن كما أنك لو جمعت مُؤرنبا لقلت مرانبُ وقد ذهب قوم إلى إن همزة مؤرنب وأرنب وأفكل أصلية لأنهم فقدوا الرنب والفكل في الكلام ومن ذهب إلى هذا الوجه وجب إن يقول في تكسير مدحرج دحارج لأن الهمزة عنده أصلية والبصريون لا يرون ذلك ولكن يحملون أفكلا واثلبا على ما كُثر من زيادة الهمزة ولو بنيت من اقعنْس مثل مهيمن لوجب أن تقول مقيعس لأن النون واحدى السينين زائدتان وكذلك الميم في أوله فكأنك قلت في الأصلقيعس فهو مُقيعسٌ وسيبويه يقول في تصغير مُقعنْسيس مُقيعس فيجيء على لفظ اسم الفاعل من فيعل والمبراد يختار إن تقول قعيس وانما استجاز اهل اللغة إن يتجوزوا في عبارتهم عن مهيمن وبابه فيجلوه مصغرا لأنهم رأوا كثيرا من المصغرات على اختلاف الأبنية يجيء على مفيعل وكل مافي أوله ميم زائدة وكذلك ما صغرته من باب مفتعل ومنفعل فانك تقول فيه مفيعلٌ مثل منطلق ومنكسر ومقتدر ومعتذر تقول مطيْلق ومعيذر ومكيسر ومقيدر ومن بني على القياس من مقشعر وغيره من الرباعيات مثل مُهيمن وجب أن يمتنع من بناء مثل ذلك من الخماسي مثل سفرجل وهمرجل لأنهم قد حذفوا الخماسي حتى صار على أربعة ولم يحذفوه حتى صار على ثلاثة وليست الأصول جارية مجرى الزوائد لأن قولهم يامرو في مروان ليس في هذا الباب وان احتج محتج بقول لبيد: دَرَس الَمنا بمتالعٍ فأبانِ يريد المنازل وبقول أبي دوءاد: يلدْسنَ جندل حائر لجنوبه ... فكأنما تنقي سنابكها حبا
يريد حُبا حبا فان هذا شاذ لا ينبغي أن يجعل أصلا يُرجع اليه وإذا كان الغرض في قول القائل ابنوا من هذه الكلمة مثل هذه وهو لا يحفل أنطقت به العرب أم لا انما هو بناؤه الكلمة على معنى التمثيل فذلك لا يمتنع منه شيء فلو بنيت على هذا الرأي من سفرجل مثل مهيمن لقلت مسيفرُ فحذفت الجيم واللام وكان الخماسي أشد احتمالا للحذف من الرباعي لأنك لما حذفت منه حرفين بقيت ثلاثة أصول ولما حذفت منه الرباعي حرفين بقي حرفان أصليان إلا أنهم اعتمدوا على الألف في حذف الحباحب وجعلوها كالأصلي وكذلك ميم منازل وألفها جهلوهما بمنزلة ما هو ففي نفس الحرف، وكذلك لو قيل لك إبن من زلزلت مثل مُفيعل لا متنعت من ذلك على رأي الخليل وسيبويه لأنك لا تجد له نظيرا في كلامهم وان كان غرضك إن تأتي باللفظة في نطقك مثل تنطق بالظاءين ابتواليتين وان كانت العرب قد رفضت ذلك وكما تنطق بالضاد بعد الظاء فانك تجدهم قد اختلفوا في بناء زلزال فقال المتقدمون من البصريين وزنه فعلل وليس هو من الزليل بل هو بناء آخر كما أن سبطرا ليس من السَّط: وقال المتقدمون من أصحاب اللغة وزن زلزل فعفع وقال بعضهم وزن زلزل فعفل والى ذلك ذهب الزجاج فإذا قيل إن زلزل فعلل فاستكرهت البناء على مهيمن من زلزل قلت مزيلز فحذفت اللام الآخرة كما حذفت جيم دحرج كما حذفت باء عندليب لما قلت العندلة ومن قال إن زلزل وزنه فعفع فان مثل مفعل لا يتهيأ منه لأن مفيعلا فيه لام أصلية وليس ذلك في فعفع ومن زعم أنه فعفل فانه يحذف الزاي الثانية حتى يخلص له من ذلك فعل ثم يقول في وزن مهيمن منه مزيل فيدغم كما قال مُسير أو يظهر فيقول مُسيرر ومزَيلل على رأي سيبوية ومن ذهب إلى أن مهيمنًا مفعلن وأنه من هام يهيم فانه إذا بنى مثله من ضرب قال مُضرْبِن ومن قام مُقوْمن ومن باع مبيعن ويبعد أن يبنى مثله من دحرج إلا على قياس قولهم الجعفلة والحمدلة وذلك شذوذ لا يطرد لأنك لو بنيت مثل مُفَعْلنُ لحذفت الجيم الأصلية وجئت بالنون الزائدة وكذلك حالهُ في زلزل وبابه إلا انك إذا استكرهت الكلمة قلت في مثل مُهيمن من زلزل إذا جعلته فعلل مزلزن وإذا جعلته فعفع لم يمكنك ذلك لأنه لالام فيه وإذا جعلته فعفل مُزلن لأنك تحذف الفاء وتجمع بين العين واللام ومن زعم أن مُهيمنًا مهفعيل وبنى مثله من ضرب قال مهضرب ومن عدَّ وسر مهعد ومهسر ومن قام وباع مهقم ومهسع على مثال مهريق وهذه قياسات تنبسط وفيما ذكر كفاية. القول في اللفظ المنقول من كتاب المراغي إذا أشكلت الألفاظ في كتب والغرض معلوم فما ينبغي للناظر أن يحفل بذلك وليقصد أخذ المعنى والفاء ما يظهر من اللفظ الفاسد وان كان الغرض غير مفهوم فعند ذلك يجب التوقف والذي قصده المراغي بين واضح والكرم الذي نقل قد سقط منه شيء يحتمل أن يكون عبارة من عبارات مختلفةٍ ولا يفتقر إلى تمثيله لأن الباب في هذا إن الياء إذا كانت في الواحد مخففة فهي في الجمع كذلك وإذا كانت مشددة في الآحاد رجع التشديد في الجموع مثال ذلك أنك تقول أضحية وأمنية وتقول في الجمع أماني وأضاحي وقد يجوز في مثل ذلك التخفيف وان كانوا لم يخففوا الواحد لأنهم قد قالوا الأماني بالتخفيف والتشديد هو اللغة العلية قال الشاعر في التخفيف: فيا زيد عللنا بمن يسكن الغضا ... وان لم يكن يازيد إلا أمانيا وقال جرير: تراغيتم يوم الزبير كأنكم ... ضباغ بذي قار غنلا الأمانيا وكذلك قالوا أثفيه بالتشديد وقالوا في الجمع أثافيُّ فكان تشديد الياء هو الوجه كما قال زهير: أثافي سفعا وقد يجيء مخففة قال الراعي: نصبت لها بعد الهدو الأثافيا
وقال قوم إن العرب تلزم تخفيف الأثافي الجمع والقول في هذا أن الواحد إذا كان مشددا فالوجه تشديد الجمع ويجوز تخفيفه وهو إذا شد دتام وإذا خفف ناقص وإذا كان الواحد مخففا فالتخفيف في الجمع واجب ولا يجوز إلا ذلك تقول جارية وجوار وجوار ومارية وموار فهو ناقص في الرفع والخفض فإذا نصب تم فقلت رأيت جواري وقد يجيء التشديد في الجمع إذا كان الواحد ممدودا كما قالوا صحراء وصحاري وعلباء وعلابي وكذلك لو جمعت مفعالا مثل معطاء ومهداء لقلت في الجمع معاطي ومهادي كما تقول في جمع مطعام مطاعيم ولو بنيت مفعيلا من أتيت ونحو ثم جمعته كما تجمعت مسكينا على مساكين لقلت مآتي فالتشديد في هذا الباب ليس له مزية على غيره من باب مفتاح وأما التخفيف فانه إذا وجد في الواحد وجب إن يكون الجمع مخففا فنقول سارية وسوار والسواري فتثبت الياء مع الألف واللام ويكون هذا الوجه كما كان الوجه إذا جمعت ضاربة إن تقول ضوارب وكره إن تقول ضواريب ألا عند الضروة فهذا نظير لقولك الجارية والجوادي وقولك الكافور والكوافير والمساكين والملعلون والملاعين نظير لقولك بختي وبخاتي لأنك تنظر في الزائد الذي قبل الحرف الآخر وكره تخفيف المشدد في الأثافي والأماني كراهة غير شديدة لان التضعيف مكروه في الياء إذا كانت حرف علة واستثقال فآثروا فيها التيسير ويدلك على كراهتهم أن يجمعوا بين الياءين أنهم قالوا حي الرجل وعي بالأمر ولم يستعملوا من الأفعال الماضية ما يجتمع فيه الياءآن غير هذين النوعين وما تصرف منها ومن قال في جمع مصباح مصابح وفي مفتاح مفاتح فهو الذي يخفف ياء أثافي وبخاتي قال الشاعر: بخاني قطار مدا عناقها السفر ومن حذف في الجمع لم يحذف في الواحد لأن الجمع تحذف الزوائد فيه ومن العبارات التي يصلح بها الكلام لذي في كتاب المراغي وهي كثيرة أن يقال وليس كذلك بخاتي لأن الياء فيه مشددة وكذلك في واحدة وبتشديد الياء وتخفيفها يجب القياس في الناقصة والتامة فان قيل فما تصنع فقل.
واختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب ومن قال مثل هذا في أنا لزمه إن يقول إن أنت وزنه فعت لأن التاء إنما دخلت للمخاطبة وقد يجوز إذا أخرجنا أنا من الباب إن يقال وزنها فعى لأن بعض العرب قد قال إن بسكون النون في معنى أنا وهذا ما لا يصح حتى يخرج الحرف من الباب كما إن قائلا إذا قال لك ما وزن قد في قولك قد قام فلان لم يصح إن شت فها له حتى تخرجها من الباب فيضطرك إلى زيادة فيها تصغير أو جمع فأما اسماه الأضمار فجنسان متصلة ومنفصلة فالتاء في ضربت ليس لمدع إن يدعي أنها فاء من الفعل ولا عين ولا لام ولا أنها أخذت من لفظ آخر فجعلت في هذا الموضع، وكذلك أنا وأنت ما داما في باب الاضمار فلا يجوز إن يحكم عليهما بوزن كما لا يحكم إن تاء المتكلم هي التاء التي تلحق المضارع من ذوات الأربعة لأنها مضمومة ولا إن تاء المخاطب هي التاء التي تلحق المضارع المفتوح الأول لأنها مفتوحة وكان واجبا في حكم القياس إن يكون المنفصل من المضمرات بمنزلة المتصل لأنهم توصلوا إلى انفصاله بأن جعلوا عدته اكثر من عدة المتصل وليس مواففقه قولهم أنا لفظ أني بأني وما كان نحوه بدليل على انه مشتق وكذلك قولهم أنت مشابه قولهم أنت من الأنيت وهو نحوه الطحير والضمير المنصوب جار مجرى المرفوع، فالكاف في ضربتك لا يجوز أن يحكم عليها بوزن ولا بأنها مأخوذة من شيء وإياك جاريية مجراها إلا أن إياك مركبة من شيئين والكاف في ضربتك حرف واحد يسكن في الوقف ويحرك في الوصل فإذا سكن فهو شيء واحد وإذا تحرك فهو شيئان حرف واحد وحركة واحد الشئين الذين ركبت منهما اياك هو الكاف وحكمها في بنيتها لا في موضعها حكم الكاف في ضربتك والشيء الآخر إيا وعددها أربعة احرف لان فيها تشديدًا يحكم على الحرف بانه اثنان وقد خالفت المضمرات في الطول وذلك إنها لم تبلغ هذه العدة تقول هو فتجيىء بها على حرفين واللغة الفصحى تحريك الواو ومن العرب من، يسكن الواو كما قال النظار الأسدي: كأنما هو حبشي ماثل ... عار عليه من تلاد هدمان ولما طال الشيء قرب من الاشتقاق اعني من هذه الحروف التي وضعت للاضمار ولا أمنع إن يشذ شيىء من ذلك فأما اياك فخلافهم قد وضح ومن زعم إن الكاف لا موضع لها كانت على قياس رأيه ابعد من الاشتقاق والوزن لأنها أشد تحققًا بالمضمرات اذ كان المضمر لم تجر عادته إن يضاف ومن زعم إن اياك مضافة فللسائل إن يسسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض فإذا جرى الكلام في وزن ايا قال القائل يجوز أن يكون على فعلى وألفها للتأنيث أو فعلى وألفها للالحاق أو إفعل في وزن أصبع ثم يكون القياس مسلطًا بعد ذلك على اختيار أحد هذه الوجوه تسويته بينها في القوة. فمن قال إن ايا فعلى وألفها للتأنيث فانها تحتمل نوعين من الاشتقاق إحداهما إن تكون من اوى إلى المنزل وتكون من قوولهم أويت له أي رققت فإذا كان من اويت إلى المنزل جاز إن يعنى بها النفس التي تأوي إلى الجسد وجاز إن بها الجثة التي تأوي إلى الجسد وجاز إن يعني بها الجثة التي تأوي نفس الانسان اليها وتكون من الباب الذي يسمى فيه الشيء بتسمية ما صاحبه أو جاوره كما يقال للاناء كاس وللخمر كاس وظعينة للهوج وظعينة للمرأة وكما سميت المرأة بيتًا لأنها في البيت تكون قال الشاعر: هنيئاُ لأرباب البيوت بيونهم ... وللعرب المسكين ما يتلمس
فأصل إيا على هذا القول إويا فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كما قلبت في قيل وعيد واد غمت في الياء التي بعدها ولو بنيت من طويت اسمًا على مثال فعلى لقلت طيا وكذلك من غويتُ ورويت غيًا وريًا ولا يمتنع إن تكون إيا في الأصل فعل فيكون أصلها أويا إلا انهم لما قلبوا الواو إلى الياء لسكونها اختاروا الكسرة وهذا على قياس قولهم قرونٌ لي في جميع قرن ألوى فيضمون اللام على الأصل ويكسرونها من أجل الياء كما إنك لو بنيت اسمًا على فُعل من طويتُ لجاز إن تقول طُي الأصل وطي فتكسر. وذكر المازني انك لو بنيت اسمًا على فُعل من جاء يجيىء لقلت جيىء فان خففت الهمزة جاز لك إن تضم وتكسر فتقول جي وجي هذه على قياس قول الخليل وسيبويه فأما سعيد بن مسعدة فانه إذا بني اسمًا على فُعل من ذوات الياء قلبها إلى الواو في الواحد دون الجمع فيقول في فعل من البيع به بوع ومعيشه عنده مفعلة لا غير وهي عند الخليل وسيبوية مفعلة ولا يمتنع إن تكون مفعلة وسعيد بن مسعدة يذهب إلى إنه لو بني من العيش مثل مفعلة لقال معوشة ومن ذهب إلى هذا الرأي أجاز إن تكون مؤونة مفعلة من الأين ومضوفة مفعلة من ضاف يضيف في قول الهذلي: وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمرُ حتى ينصف الساق مئزري فاما قول العجاج: وقد نُرى إذ الحياة حيوإذ زمانُ الناس دغفلي فالحي الحياة والمعنى اذ الحياة حياة كما تقول إذ الناس ناس ويجوز إن يكون حي على فعلٍ أو على فُعل ثم كسرت الحاء لأجل الياء وكان الفراء يزعم إن الحي جمع حياة على حد قولهم خشبة وخشب وأكمة وأكم وساحة وسوح وكان يجيز الضم في الحاء كما قالوا قرون لي على الأصل ولي لأجل الياء. والوجه الآخر في إشتقاق أيا إن يكون من همزة وياءين فيكون أصلها من أصل اية والآية العلامة والشخص، ويقال خرج القوم بآيتهم أي علامتهم وجماعتهم. قال البرج بن مسهر: خرجنا من النقبين لا حي مثلنا ... بآيتنا نزجي العتاق المطافلا وذلك راجع إلى العلامة لأن جماعة الشيء هي التي بها حقيقته وقيل للشخص آية لأنه الذي يعلم به حقيقة الإنسان، وقالوا تأييت بالمكان مثل تمكثت والمعنى أني غادرت به علامة بنفسي وأظهرت فيه آيتي أي شخصي قال الكميت: قف بالديار وقوف زائر ... وتأي إنك غير صاغر وقالوا تآييت الشيء إذا تعمدت آيته قال لبيد: فتآيا بطرير مرهف ... جفرة المحزم منه فسعل فيكون معنى إياها هنا المعنى الأول معنى الشخص والحقيقة راجح إلى المعنى الأول فإذا قلت اياك أردت فالمعنى حقيقتك طلبت، لأن شخص الإنسان حقيقته ويجوز إذا قيل إن مركبة من همزة وياءين أن يكون اشتقاقها من أياة الشمس وأيائها وهو ضوءها فيراد باءيا النفس التي بها ضياء الجسد ومتى خلا منها ذهب حسنه ونضارته قال الاءيادي: حلت عليه إياة الشمس أوراقا
أياة الشمس راجع إلى اشتقاق الآية لأن نور الشمس علامة لها ولا يحكم على أن إياة الشمس مأخوذ من همزة وواو وياء لأنها لو كانت كذلك وجب أن تصح الواو لعلة الياء إذا كانوا لا يجمعون بين علة العين واللام ولذلك قالوا قوي وروي فأصحوا الواو ولم يصحوها في خاف وبابه لأنهم وجدوا الياء معتلة في المضارع إذ قالوا يقوى ويروى فلو عللوا الواو لخرجوا عن القياس ولا تجعل اياة الشمس مأخوذًا من همزة وياء وواو لأنه مفقود في كلامهم الياء بهدها الواو فأما حيوة وحيوان فمن الشاذ ولا تحمل الأشياء على ماشذ، ولكن تُحمل على ما كثر ولا يمتنع في هذا الباب إن تكون إيا فعلى بالضم على ما تقدم ويقوي ذلك زعم سيبويه إن ضيزى فعلى بضم الفاء وانهم فروا إلى الكسرة لتصح الياء وكذلك قال بعضهم الضوقي في معنى الضوقي وقرأ مكوزة الأعرابي طيبى لهم وحسن مآب فإذا جعلت ألف إيا للالحاق لم يمتنع أن يدعى فيها الضم فتكون مثل بهمي لأن إذا صح قول العرب بهماة جعلت من الملحقات، ولم يثبت ذلك، وقال بعضهم البهمي واحد وجمع فالألف عنده للتأنيث لأن فعلى بناء غلب على المؤنث وليس بجار مجرى ارطاة وعلقاة لأن الإلحاق كثر في فعلى وحكى المازني انه سمع أبا عبيدة يقول ما اكذب النحويين يزعمون أن التأنيث لا يدخل على التأنيث وأنا سمعت رؤبة بن العجاج يقول علقاة يعني الواحدة من العلقى وهو ضرب من الشجر مر ينبت في الرمل، قال الشاعر يخاطب جمله: فمت كمدًا أو كل على غير شهوة ... أفانين علقى مرة بأميل الأميل رمل يتعقد ويستطيل فيكون أميالا وربما كان مسيرة يومين أو ثلاثة وليس ما ذهب أبو عبيدة إليه مبطلا مذهب النحويين لان من قال علقاة بالهاء جعل الألف لغير التأنيث فلا يلزمهم ما قال. وإذا جعلت إيا على وزن اصبع وجب فيها من الاشتقاق ما وجب فيما قبلها إلا إن أحكامها مختلفة والقول الذي ذهب فيها أقوى لأنا إذا جعلناها على إفعل وجعلناها من أوى احتجنا إلى الجمع بين همزتين فتبدل، الثانية ياء وإذا أبدلت المهزة كان القياس ألا تدغم لأنهم قالوا في الأمر من أوى يأوي أبو فلم يدغموا وكذلك قال أكثر العرب روية لما خففوا رؤية فلم يدغموا وقد قال بعضهم رُيَّةٌ في رؤية ورؤية أيضًا فكسروا لأجل الياء فيكون اصل ايا إذا كانت على إفعل من أوى إئوى فجعلت الهمزة الثانية ياء بإجماع من العرب وأهل القياس ثم بقيت الياء المبدلة واوًا لازمة وهما في كلمة واحدة فقلبت وان كان أصلها غير ذلك كما قلبوا في مصدر احواويت، فقالوا احوياء والأصل احويواء وكان يجب ألا تدغم هذه الياء كما لم تدغم الواو في سوير وبويع ولكن لما بنيت في المصدر وهو جار مجرى الأسماء كان القلب فيها أولى وقصد ذكر السيرا في أن قوما من النحويين لا يدغمون في مصدر احواويت لأجل العلة الماضية والقول الأول أكثر، ولو قال قائل في أفعل من أويت ايوي فلم يدغم لكان قد ذهب مذهبا، إلا أن النحويين ذكروا أنك إذا بنيت من أوى مثل إوزة قلت إياة فدل ذلك على انهم يرون إدغام الياء التي كانت همزة واوزة عندهم إفعلة واستدلوا على أن الهمزة زائدة بقولهم وز وإذا قيل إن إيا على مثال اصبع وأنها مأخوذة من همزة وياءين اجتمعت فيها الهمزتان أولا فجعلت الهمزة الثانية ياء وكان الإدغام واجبًا لأن المثلين التقيا. ولمدع إن يدعي إن ايا جائز إن يكون من الوأى من قولك فرس وأى وقد اختلفوا في معناه فقيل المجتمع الخلق المقتدرة وقيل هو الطويل وقال أصحاب الاشتقاق الوأى الذي إذا نظرت إليه ذلك على أنه قوي وشديد الجري كأنه مأخوذ من وأيت أي وعدت أي هو يعد الجري فيكون أصله ايأي وخففت الهمزة الثانية تخفيفًا لازمًا كما خفقت في ذرية ونبي لان من كلامهم إن يتركوا الشيء الذي هو أصل في الكلمة فلا يستعملوه كما رفضوا همزة الخابية وهي من خبأت وكما قالوا يرى فلم يستعملوا همزة إلا عند ضرورة كما قال الشاعر: لما استبد بهم شيحان مبتجج ... بالبين عنك بهم يرآك شأنا الشيحان المجد في الأمور شآن فعال من الشأن من قولك شأن شأنة إذا فعل فعلة وإنما يذكر مثل هذا لأنه يجوز إن يقال والذي مضى في أول الاشتقاق هو القياس.
وأما ما ذكره أبو عبد الله بن خالويه ﵀ في إيا فقول يشبه أقوال النحويين إلا أنه يلزمه مثل ذاك في جميع ما ينطق به من الكلام لان القائل لو قال أمل أرطى راء ساكنة فلم يمكن النطق بها فأضافوا إليها طاء وزادوا في أولها الهمزة لسكونها وزادوا الألف في آخرها لبعد الصوت لكان مثل ما قيل في أيا وأصل النطق والله اعلم الهام سبق من الله سبحانه لأول الناطقين فقال القائل من العجم والعرب على حسب ما رُكب فيه وهو غير عالم بما نطق ولا منتقل في ذلك من رتبة إلى رتبة فكان القائل في أول البدء قام وجلس إنما هو كالغراب إذا نعب وكالفرس إذا صهل وإنما الفائدة فيما شرحه النحويون الدلالة على قدرة الله سبحانه لا أن ذلك وقع من العرب باعتماد، ومثل ذلك مثل الأعضاء التي يذكرالاطباء حالها في الشرح فتدل على قدرة من الله عظيمة والرجل يولد له الولد وهو جاهل بذلك كله وأما المطالبة بان تكون الهمزة إذا كان الامر على ما ذكره أبو عبد الله همزة وصل فلا تلزم بوجه لأنه ليس سكون الأول من الأصول علة لاجتلابهم ألف الوصل في كل السواكن باط قد يزيدون ألف الوصل تارة والف القطع اخرى والهمزة المقطوعة في الأسماء التي ليست جارية على الأفعال اكثر من همزة الوصل إذ كانت الهمزة الموصولة دخلت على أسماء معدودة وهمزة القطع لحقت أسماء لا يدركها العدد فافتنوا فيها بالحركات الضمة والفتحة والكسرة فقالوا في المضمومة أبلم واترج واسلوب وأسكوب فقالوا في المفتوحة أفكل وأيدع واحمر وأصفر والمكسورة نحو إصبع وإسنام وهو ضرب من الشجر فأوائل هذه الأسماء كلها إذا أخذ منه الأصلي ساكن وقد لحقها همزة القطع ولم يضنوا في ألف الوصل كافتنانهم في هذه الهمزة لأنها أمكن وأقوى وليس كل اسم سقط من آخره حرف أو من أوسطه تزاد فيه ألف الوصل ولم تجيء مضمومة في الأسماء غير المتمكنة على أن أهل اللغة حكى بعضهم أسم في اسم فان صح ذلك فهو شاذ وهذه الهمزات المقطوعات كلها زوائد منها ما يستدل على زيادته بالاشتقاق ومنها ما يحكم عليه بغلبة الباب مثل أفكل يحكم على همزته بالزيادة لأن العادة جرت بأن يجيء هذا الباب كله مزيدا في أوله ووضحت شواهد ذلك من الاشتقاق، فدل قولهم الحمرة والحمر على إن همزة أحمر زائد وحكموا على إن همزة افكل كذلك لأنهم الحقوه بالباب المطرد وان كانوا لم يقولوا الفكل ولا الفكل ولم يصرفوا منه الفعل فيقولوا فكل وجرى الإصلاح فيما سمع من كلامهم على أن الفات الوصل لا تدخل على الأسماء التي ليست جارية على الأفعال حتى تكون نواقص من أواخرها ولم يشذ ذلك فيها إلا في قولهم ايمن على رأي البصريين لأنه اسم لم يحذف من آخره شيء إلا انه قليل التمكن في بابه وهمزات القطع ليست كذاك لأنها تدخل على ذوات الثلاثة كثيرا فربما لم يكن في الاسم زائد غيرها وربما كان معها زيادة أخرى نحو قولهم إمليس وأملود وهاتان الهمزتان الزائدتان للقطع والوصل دخلتنا على الأسماء والأفعال الحروف. فأما ألف القطع فإنها دخلت على الأسماء الموضوعة اكثر من دخولها على الأسماء الجارية على الفعل إذ كانت لا توجد في القسم الفاعل وإنما توجد في ضرب واحد من المصادر وهو مصدر افعل مثل الإكرام والإحسان وإما الأفعال فإنها دخلت فيها إذا أراد المخبر أن يخبر عن نفسه وعم بذلك جميع أصناف الفعل ثلاثية ورباعية وما كان منه بزيادة أو متعريا من الزيادة ودخلت في الحرب في مثل إن الخفيفة التي تجزم وأن التي تنصب الفعل وغيرهما من الحروف.
وأما همزة الوصل فدخلت على صنوف الكلام الثلاثة فأما الأسماء فكان دخولها في المصادر منها كثيرا وذلك أنها لحقت ثلاثة أصناف من أصناف من المصادر. فالصنف الأول مصدر ما أصله ثلاثة وهو ثمانية أبنية إلا أنه مزيد فيه وذلك انفعل وافتعل واستفعل وافعوْعل وافعوَّل وأفعنلى وافعل وأفعال وتاسع ملحق هو افعنلل وافعنلى ملحق أيضًا والصنف الثاني ما كان من بنات الأربعة وهو بنا آن افعلل مثل اقشعرو افعنلل مثل احر نجم، والصنف الثالث همزة وصل تلحق مصدر تفاعلت وتفعلت وتفعللت وما زيدت فيه هذه التاء وبعدها حرف يصلح أن يدغم فتقول تدحرج تدحرجا وتطير تطيرًا وتثاقل تثاقلا فإذا أدغمت هذه التاء فيما بعدها لحقت همزة الوصل ضرورة، وفي الكتاب الزيز قالوا اطير نابك وبمن معك وقوله اثاقلتم إلى الأرض فإنما الأصل تطيرتا وتثاقلتم فإذا اردت أن تنطق بمصدر اطيرنا وبابه فلك فيه وجهان أحدهما أن تجيء به على لفظ التطير فتقول اطير إطرا واثاقل اثاقلا وكذلك حكي عن العرب أنها تقول اطوفتُ بالبيت اطوافا وأثاقلت اثقاقلًا والآخر أن تبنيه على التفعال لان من العرب ما يقول: تطيرت تطيارا أو تفرق القوم تفراقا وعلى هذا يروى بيت تأبط شرًا: طيف ابنة الحر إذ كنا نواصلها ... ثم اجتنبت بها بعد التفراقو وقال أبو زبيد الطائي: فثار الزاجرون فزاد منم ... تقرابًا وصادفهُ ضبيس فتقول على هذا في مصدر اطير واثاقل اطيار واثيفقال وان كان اثاقلت ليس على وزن اطيرت ولكنهما يتساويان في المصادر ووزن اثيقال اتفيعال ووزن اطيار اتفعال وأما الأفعال فإن ألف الوصل كثرت فيهن لأنها دخلت في الأمر بالثلاثية وهي أفعال هذه المصدر التي تقدم ذكرها، وأما الحروف فأن ألف الوصل لحقت لام التعريف لا ضير فقالوا الرجل والاحمر وإذا تحرك ما بعد ألف الوصل فسقوطها هو الوجه إلا انهم قالوا إذا القوا حركة الهمزه على لام التعريف الحمر فاثبتوا لما كانت الحركة ليست أصلا وانما هي منقولة من حرف إلى حرف وقد قال بعضهم لحمر فحذفوا الهمزتين همزة الوصل همزة القطع وعلى هذا تجمل قراءة أبي عمرو عادًا لولى إنما هي الأولى فلما حركت اللام بحركة الهمزة سقطت همزة الوصل وقولوا قالوا الآن جئت بالحق وما كان مثله يجوز فيه قالوا لان باظهار الواو وقالوا لان بحذفها فمن أثبتها كانت حجته انها حذفت لا لتقاء الساكنين فلما تحرك الساكن الذي حذفت للقائه وجب إن تثبت ومن حذفها فحجته أن الكلام بقي على حاله من قبل نقل حركة الهمزة إلى اللام ومن هذا الباب بيت أنشده الرماني: وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح وقرأ بعض الاعراب هياك نعبد فهدا أبدل الهاء من الهمزة كما قالوا أما والله وهما والله وهرقت الماء وأرقت وأنشد الكسائي في كتابه في القرآن: وأنت صواحبها فقلن هذا الذيمنح المودة غيرنا وجفانا يريد إذا الذي فجعل همزة الاستفهام هاء واحكام هياك في الاشتقاق والهمزة مثل أحكام إياك لان الهاء مبدلة من الهمزة إلا ان من قال ي إيا هي افعل لزمه ان يقول إذا ابدل الهمزة وزنها هفعل لان النحويين يمثلون حروف الزوائد على جهاتها فيقولون وزن عثمان فعلان فيزيدون الألف والنون لأنها زائدتان في عثمان وهفعل بناء مستنكر وقد ادعى بعض الناس ان قولهم في صفة الكلب هبلع على وزن وانه مشتق من البلع وليس يثبت مثل هذا. ولوا زعم زاعم ان هياك بناء آخر وان الهاء غير مبدلة من الهمزة لجاز ان يكون اشتقاقه من الهوى الذي هو هدي النفس ومن الهواء الذي هو هواء الجو. لان الفعل من ذلك هَوي وهَوِىَ فان بني منه فعلى أو فعلى فانك تقول هيا وهيا ويجز ان تكسر الهاء لجوار الياء كما كسرتها في قولك حي بالمكان أي حي فيه ويجوز أن يكون قولهم هويت وهويت مأخوذًا من الهوة فيكون أصله من وواين إلا انهم كرهوا اجتماعهما اذ كانوا لا يقولون هووت وثقل عليهم في التثنية أن يقولوا هو وان فقلبوه إلى الياء وليس لقائل أن يكون هياك إذا كانت للمضمر من لفظ هو وهي لان ذينك وضعا للمرفوعات وليس تشديد من شددهما بحجة على هذا القول لان من العرب من يقال هوَّ وهيَّ فيشدد قال طرفة: وكاين ترى من يلمعي محظرب ... وليس له عند العزائم جول
ومن مرثعن في الأمورموا كل ... وهو بسمل المعظلات نبيل ويروى إذا اشتد الزمان نبيل وبعضهم ينشد بيت طفيل بالتشديد إذهي أحوى من الربعي حاجبه ... والعين بالاثماد الحاري مكحول والتخفيف في بيت طفيل أجود وأكثر. ومن ادعى ان اياك جائز ان تكون من وايت وجعلها فعلى مع ذلك فانه يقول اصلها وئياك فجعلت الهمزة ياء وجعلت الواو المكسورة في أولها همزة لأن العرب يفعلون ذلك كثيرا فيقولون وساد وإساد، ووشاح واشاح فزعم الجرمي انه مسموع وزغم المارني انه مطرد ولا يفعلون ذلك في غير الواو الاولى لا يقولون في مساور مسائر وفي مخاوف مخائف ومن اللغة قول الهذلي: فلا وأبيك لا ينجو نجائي ... غداة لقيتهم بعض الرجال هواء مثل بعك مستميت ... على ما في اعائك كالخيال يريد وعائك فقلب فتكون الهاء في هيأك بدلا من الهمزة والهمزة بدلا من الواو ومن زعم أنها فعلى من الوأى فانه يحدث حادثتين قبل تصيير الواو الأولى همزة لأنه يخفف الهمزة في وؤيا ثم يكسر وزعم قطرب ان من العرب من يقول أياك فيفتح فإذا صحت هذه اللغة وجب ان يقال ان الأصل الكسر وانهم فتحوا استشقالا للكسر مع الياء كما فعلوا ذلك في ليان مصدر لويته بالدين ليانا إذا مطلته قال ذو الرمة. تريدي لياني وأنت ملية ... وأحسن ياذات الوشاح التقاضيا ومن زعم بدعواه ان إيا إفعل لم يمكنه ان يجعل أيا بفتح الهمزة أفعل لأنه توصل إلى الياء في الباب الأول، الذي يكون الاشتقاق فيه من أوى أو من الآية بكسر الهمزة ومن بنى أفعل من أوى قال آوى ولو بناه من آية لقال آيا لقال لأنه يجعل الهمزة الأصلية ألفًا لاجتماع الهمزتين ومن قال إيا من وأى على ما تقدم من الترتيب لم يمكنه مثل ذلك في المفتوح لأنه لو بنى مثل أفعل من وأى قال أو أي فإن جهلت فتحة الهمزة في أيا أصلا لها فللقائل أن يقول قد وجدناهم إذا بنو فعلى أسمًا في التأنيث من ذوات الياء يقلبون في الغالب إلى الواو فيقولون الشروى وهو من شريت والتقوى وهو من تقيت فان كانت أيا فعلى من أويت وجب أن تقول أوى لأن الواو إنما انقلبت في النوع الأول لأجل الياء فالجواب في ذلك انهم ربما استعملوا الأشياء على أصولها ليدلوا بذلك على حقيقة الاستعمال كما قالوا في اسم الرجل حيوة وضيون للهر وإنما القياس ان يقولوا حية وضين ومن هذا الباب القصوى ولو جاء على المطرد لقيل القصيا وقد قالته العرب على الوجهين ويجوز أن تكون أيا جاءت في أصل الوضع لمجيء الصفات كما قالوا الريا لأنثى الريان وهو من رويت فالصفة في هذا مخالفة للاسم ويجوز إن تكون إيا بالكسر فعيلا وترتيبه في الشرح على ما تقدم. القول في آية وغاية وثاية للنحويين في آية ثلاثة أقوال الأول قول الخليل وهو ان آية وزنها فعلة بتحريك العين وأصلها ايية فلما قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وحركتها في نفسا وجب ان تصبح الياء التي هي في موضع اللام. فان قيل فما يمنع ان تكون آية فعلة أو فعلة لأنا إذا بنينا شيئا على هذا الوزن لزمنا فيه القلب إذ كان الذي يوجبه حركة المنقلب وانفتاح ما قبله ولو بنينا مثل معدة من باع وقال لقلنا باعة وقالة وكذلك لو بنينا مثل لبؤة. فالألفاظ الثلاثة تستوي في الانقلاب على حال الضم والفتح والكسر قيل لا يمتنع مثل ذلك ولكن الحمل على الأكثر هو القياس لانا نجد فعلا في ذوات الياء والواو كثير، اومع هذا فان باب خشبة أشيع في الكلام من باب سبعة ومعدة ولم تنقلب الياء التي بعد الألف في آية همزة كما انقلبت الياء في سقاء ووشاء لأنه من سقيت وشيت إذ كانت العرب لا تجمع على الحرف الواحد علة العين واللام ولكن يقتصرون على علة أحد الحرفين. ولم يصرفوا الفعل من آية اعني فعل الثلاثة لانهم لو نطقوا به صاروا إلى ما يتثقلون إذ كانوا لو بنوه مثل بارع لزمهم ان يقولوا في الماضي آي فيجيئوا بآخر الفعل على هيئة لم تنطق بمثلها العرب ولو نطقوا بذلك لزمهم أن يردوا في المضارع الياء إلى اصلها كما ردوا في يبيع ويعيب وكانت تجتمع ياء آن في آخر الفعل المضارع ولا يجيز البصريون مثل ذلك وقد أجاز أهل الكوفة هو يحيى يعيى في يحيى ويعيى وانشد الفراء:
وكأنها بين النساء سبيكة ... تمشي بسدة بيتها فتعي ولو بنو من آية فعلا للزمهم ان يسقطوا فيها الجزم أو يدغموا كما أدغموا في يفر ومن شأنهم أن يتبعوا الشيء نظيره ليتجانس الكلام كما قالوا قام يقوم قياما فهو قائم فأعلوا في الألفاظ الأربعة فعلة قام كون الواو ألفا وعلة يقوم سكون الواو وعلة قيام كون الواو ياء وعلة قائم الهمزة ولو بنوا من آية على فعل يفعل للحقهم في ذلك أشد مما فروا منه في باع يبيع لأنهم لم يبنوا في هذا الباب شيئا على يفعل ولو رخمت رجلا أو امرأة اسمه آية لقلت فيمن قال ياحار يا آي فلم تقلب كما كنت فاعلا في شكاية ودراية إذا سميت بها الألف التي قبل الياء في آية معتلة ولان هذه الألف من نفس الحرف وألف شكاية ودراية زائدة وليست منقلبة عن شيء والقول الثاني في آية أصلها آية بالتشديد وأنهم فروا من المتشدد إلى الألف كما فروا إلى الياء في دينار وجمعه يدل على أن اصله دنار ولولا ذلك لقالوا ديانير ولم يقولوا دنانير واستثقالهم للياء أكثر من استثقالهم لغيرها من الحروف والألف أخف حروف اللين وكان القلب هاهنا أولى منه في قولهم حاري إذا نسبوا إلى الحيرة يقولون رجل حاري وانما القياس حيري ففروا إلى الألف قال امرؤ القيس: فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب وهذا القول في آية قول الفراء وقد حكاه سيبويه عن قوم من النحويين لم يسمهم ولاشك ان الفراء تبعهم في ذلك. والقول لثالث في آية قول ينسب إلى الكسائي وهو أن آية أصلها فاعلة فإذا صح ذلك فلا بد من حذف ولا يكون المحذوف الهمزة إلا أحد حرفين الهمزة أو الياء فإذا قيل ان المحذوف همزة فاصلها آئية فحذفوا الهمزة وكان حذفها هاهنا أقيس منه في قولهم هو شاك السلاح ومكان هار. وقد حكى الخليل ان العرب قالت سؤته سواية والأصل سوائة فحذوا الهمزة لما فيها من الكلفة وقد قالوا ناس وأصلها أناس فحذفوا الهمزة وحذفها في آية إذا كانت فاعلة أقيس لأنها وقعت بعد الألف والألف مجانسة للهمزة وقبل تلك الألف همزة وبعد الهمزة المحذوفة ياء فكان الطرحُ كالواجب على فعل أميت كأنه في وزن باع من آية فقيل آيت تئي مثل آمت تئيم فهي آثمة فاعتلت الألف في الماضي كما اعتلت في آم وباع فهمزت في اسم الفاعل لما التقى ساكنان وهما ألف فاعل والألف التي كانت معتلة بالقلب في الماضي ولم يكونوا ليردوها إلى أصلها وقد أعلوها قي الفعل لأنهم يرغبون ان تكون الأفعال وأسماء الفاعلين مستوية في العلة أو في صحة فإذا صح أنهم حذفوا في شاك وبابه كان الحذف هاهنا ألزم وأحسن. وإذا قيل ان المحذوف ياء فالعلة في ذلك انهم كرهوا اجتماع الحرفين المثلين اللذين يكره اجتماع مثلهما إذ كانا ليس ليسا كالدالين في راد وبابهلان الياء والواو لهما مزية في الإلقاء إذا كانتا مستثقلين ولم يجيء في كلامهم مثل حايية بالاظهار ولا مثل حاي بالادغام وفد كثر ذلك في غير الياء واستعملوا تضعيفا في الماضي دون المستقبل فقالوا حي وعي ولم يستعملوا مثل ذلك في الواو ولم يأت عنهم قو وان كان من القووة ولاحو إذا نطقوا الفعل من الحوة وكل ذلك لثقل الواو عليهم. فإذا جمعت آية على قول الخليل على مثل آكم جمع أَكمٍ وأكمٍ وأكمٌ وجمع أكمة قلت في الرفع الخفض هذه آي به يافتى وعجبت من آي قرأهن فلان ولو نصبت لقلت سمعت آييًا فاتعظت غير ان هذأ شيء لم ينطق بمثله إلا أنه على باب أظب وأنت قائل في النصب رأيت، أظبيا ولا يمكنك أن تدغم إذا نصبت في قولك رأيت آييا لأنك تصير بالاسم إلى ما يستثقلون ولكنك تخفي ان شئت ومن أدغم يحيي ويعي على رأي الفراء كان الإدغام في رأيه أيسر منه في رأي الخليل لأنه لا يرى الإدغام في قولك رأيت محييا ومعييا ولكنه يرى الإخفاء والإظهار والمخفى عنده في وزن المظهر وكذلك عند غيره من أصحابه ألا ترى أن سيبويه أنشد هذا البيت على الإخفاء. إني بما قد كلفتني عشيرتي ... من الذب عن أعراضها لحقيق يخفى الباء في الميم في قوله بما ولا تكون الباء عنده إلا محتركةّ لأن سكونها كسر في رأيه ورأي غيره وكذاك قول الراجز: وغير سُفعٍ مُثل يٍحامِم أنشده سيبويه على الإخفاء وهذا لا يجوز إلا أن تكون الميم المخفاه متحركة.
وإذا جمعت آياء على مثل أزمان وأجمال قلت آيا فقلبت الياء الآخرة همزة كما فعلت في سقاء وقضاء ولو صغرت على رأي الخليل لجاز لك أن تقول ثُديُّ وثديٌّ ولو صغرت على القول الآخر وهو مذهب من يرى أن أصلها إية بالتشديد لقلت كما قلت في القول الأول لأنه يرجع إلى مثل حاله فأما من زغم انها فاعلة في الأصل فيلزمه أن يقول في تصغيرها أوية لان الألف عنده الألف فاعلة وليست منقلبة عن الياء وإنما هي كألف ضارب وطالب وهذه الألف تصير واوًا في التصغير والجمع فتقول طُويلب وغويلب وإذا سميت رجلًا طالبا قلت في جمعية طوالب ولوا ان الاشتقاق دلا على ان آية من ذوات الياءين لجاز ان يدعى فيها انها من أوى كأنها علامة يأوى إليها الضل فتكون الفها منقلبة من الواو وتصح الياء لأجل علة العين ولو صغرت على هذا الرأي لقيل أوية ترد إلى الأصل كما ترد الساحة إليه. وغاية استدل على انها من ياءين بقولهم غييت غاية وهو نحو الراية وقالوا غياية للسحابة ولولا ذلك لجاز ان تقول في غاية إذا عني بها الراية انها من ذوات الواو مأخوذة من قولهم تغاوى القوم إذا اجتمعوا كأنهم يريدون الاجتماع إلى الراية المنصوبة. ورابة يذكرها النحويون في هذا الباب وقد همزها بعض العرب وإذا همزت فهي من رأيت وليست من باب آية لأنها حينئذ فعلة بسكون العين ولم يجتمع في آية من الحروف العلة. فإن قيل فقولهم للشجرة آءة وجمعها آء من قول زهير: لهُ بالسيّ تنومُ ووآء هل يجوز ان يكون مشتقا من أصل آية وقلبت الياء الآخرة همزة أو من اويتُ فقلب ت الواو الفًا واجتمعت في الحرف علتان قيل لا يجوز ذلك عند أهل القياس على ان شذوذ الحرف الواحد أو الحرفين لا ينبغي ان يمنع منه مانع بحال لأن الأشياء قد تخرج عن القياس والأقيس في آء ان يكون مبنيا من همزتين بينهما حرف عليل فيكون من باب غاغة وطاط وهو مما لما ينطقوا منه بالفعل لأنهم كرهوا ان يقولوا آء يوءوء مثل عاع يعوع وإذا اجتمعت الواو والياء في صدر الكلمة كرهوا ان يصرفوا منها الفعل وذلك مثل يوم وويح وويل وويس وويب والوين وهو العنب الأسود ويقال الزبيب لم يبنوا من هذا كله فعلا لأنهم لو فعلوا ذلك لم يكن لهم بعد من الاعلال فيقولون وآل بويل وواس بويس ويام ييوم ولعلهم كرهوا ذلك لأجل الهاء التي تلحق في المضارع ثم جعلوا حروف المضارعة تابعة للياء كما جعلوها تابعة لها في باب يعد ويزن ولم يفعلوا بالهمزة مثل ذلك ولكن أجروها مجرى الحروف الصحاح فقالوا آن الأمر يئين وآمت المرأة تئيم وآب الغائب يؤوب وكرهوا مثل ذلك في الأء لأنه أثقل من هذه الأشياء إذ كان طرفاه همزتين ولو صرفوا منه الفعل لوجب ان يقولوا في الأمر أؤفلم يكن لهم بد من تخفيف الهمزة فيجعلونها واوا لانضمام ما قبلها فيصيرون إذا خاطبوا الواحد بالأمر كأنهم خاطبوا الجماعة إذا أمروهم من وأى أي وعد لأنك تقول للواحد إو وعدأ حسنا كما تقول ق زيدا وللاثنين إيا وللجميع أو فكلما كثرت الحروف التي جرت عادتها بألا بدال والعلة كانوا في تركها أرغب ويحكم على آء انه من ذوات الواو لأنها الغالبة على هذا الباب وإذا جهل أصل شيء من ذاك فعليها يحمل فتقول في تصغير آءة أوية ولو جمعناء على مثال أبواب لقلنا آوآء ولو جمعناه على مثل انور لقلنا آوء ويا فتى فصححنا الواو كما صححناها في أنور وادور ومن كان من لغته ان يهمز هذه الواو فيقول أدور وأقوس فأنه لا يجوز له ان يهمز في آؤء لأنه يجمع بين همزتين ولكنه ان أراد ذلك خفف الهمزة الثانية فجعلها واوا ثم قلبها إلى الياء كما فعل في باب ادل وهذا لان الضمة التي اوجبت الهمزة للواو تحول إلى الكسرة ولو جمعت آء على مثل نيران لقلت إيآن فان حففت الخمزة الثانية قلت إو ان فرددت الياء اصلها ولو جمعت آيا على فعلان لقلت إيان فأما شاء فألفه منقلبة من واو وهمزته مبدلة من الهاء يدلك على ذلك قولهم شويهة في التصغير وشياه في الجمع وليس قولهم شوي في معنى شاء بدليل على ان الهمزة في شاء منقلبة من ياء لأنهم قد يخففون الشيء تخفيفا لازما كما فعلوا ذلك في برية ونبي وكأن العرب مجمعة على ترك الهمز في الشوي. قال الراجز: ان بني يربوع أرباب الشوي ... قوم يلبون السويق بالمني من يشرب المني يحبل بصيي
فكان الشوي اصله الهمز لأنه في معنى الشاء كما ان المعيز في معش المعز والضئين في معنى الضأن والشوي موافق فعيلا من شويت لأنا نقول شويت الحم فهو مشوي وشوي والقياس ان يجعل شوي من لفظ الشاء لا من لفظ شويت لأنه إذا جعل من لفظ الشاء كان مخصوصا بالتسمة ولة جعل من شويت لشركه في ذلك جميع المشويات لانه قد يُشوى لحم الجزور ولحم الضائنة ولحم الماعر ويدخل في ذلك الحيتان وغيرها من الطير وجميع ما يؤكل من أصناف الحيوان فإذا قيل إن شاء من لفظ شاة وان الهمزة فيه منقلبة من الهاء فيجوز إن يقال اشتقاق شاه من الشوه وهو من الأضداد يكون في معنى القبح وفي معنى الحسن فأما القبح فهو الظاهر في كلامهم يقولون شوه الله خلقه وشاه وجهه وأما كونه في معنى الحسن فقولهم فرس شوهاء أي حسنةٌ، وكذلك فسروا قول ابى داود: فهي شوهاءُ كالجوالق فوها ... مستجاف يضل فيه الشكيم وقيل الشوهاءُ الواسعة الفم ويقال للذي يصيب بالعين اشوَه ومن قال في تصغير شاة شويهة وجعل شاءً كالجمع لشاة فانه يجب إن تقول في التصغير شوية لأن شاة عند فعلة من شاه يشةه فحذفت الهاء الأصلية وأعلت الواو ومن زعم إن شاءً همزته ليست مبدلة من هاءٍ وانها اصل في الباب فانه يقول التصغير شوي إذا ذهب به مذهب قوم فان ذهب به مذهب إبل وخيل قال شوية وإذا كن على مذهب شاة لم يجزان يحمل في التصغير إلا على باب نخل وقبر وذلك ان ما كان بينه وبين واحده لهاء من المجموع جاز فيه التذكير والتأنيث فإذا صغر وجب انايلزم فيه التذكير ليقع الفرق بين التصغير الواحد والجمع فمن قال هذه نخل حسنة قال في التصغير نخيل ليفرق بين تصغيره ةتصغير نخلة. واما طاية وهي السطح فهي من باب آية في ان لامها صحت لأجل علة للعين وكأنها من طويت فانقلبت الواو الفا، قال الشاعر: كأن المحال الغر في حجراتها ... عذارى على طايات مصر فلو صغرت طاية لقلت طوية وثاية إذا أردت مراوح الابل وهي عازبة فإنها من هذا الباب ويجب إن يكون اشتقاقها من ثويت بالموضع إذا أقمت الا ان ثبت انها من ذوات الياء ولو جمعت طاية على طاي وثاية على ثاي ثم جمعته على أفعل مثل أزمن وآكم لقلت في الرفع والخفض هذه اطو ومررت بأطو وهذه اثو ومررت بأثو فإذا نصبت قلت رأيت أطويًا وأثويا إلا ان تثبت انها من ذوت الياء فتجريها مجرى آية وقد مر ذكرها وقد زعم قوم ان شاء شاذ فهذا يدل على جمعهم بين العلتين فأما الماء لمشروب فهو مثل شاء إذا قلنا إن همزته من الهاء وليس البدل عندهم كالعلة ولولا ذلك لم يجمعوا بين بدل اللام وعلة العين وحروف المعجم التي هي باء وتاء وثاء انما هي أصوات محكية في الأصل فإذا عُربت فإنما نُقلت من بأب إلى باب وإنما قالوا باء فنطقوا بلفظ الحرف ثم قووه بألف ليمكن النطق به ثم مدوا ارادة للبيان فلما اجتمعت الفان هُمزت الأخرى منهما فهذه الحروف ما دامت في بابها جارية مجرى الأصوات التي هي على هذا الوزن مثل غاق وواق ونحو ذلك فإذا أخرجتهن إلى باب الأسماء أجريت الألف مجرى المنقلبة كما انك إذا أخرجت ترخيم حارث في قول من قال يا حارُ إلى باب الأسماء أجريت الفه مجرى ألف باب ونار والراء اسم شجر يجري في التصغير مجرى غيره فيحكم على الفه بأنها واو في الأصل حتى يثبت السماع بغير ذلك همزته انها أصلية ليست بالمنقلبة.
وإذا نسبوا إلى آية فانهم يجيزون ثلاثة أوجه آئي بالهمزة وآوي بقلب الياء واوا وآبي على الأصل فبعضهم يرى إن الهمز هو الوجه وبعضهم يختار الياء لأنهم قد كثر في كلامهم مثل هذا إذ كانوا يقولون رجل عبي وحيى وهذا مكان محبيي فيه وأمر معيي به وأما قلبهم إلى الواو فلأجل الياآت والهمز فروا إليه لاجتماع الحروف التي جرت عادتها بان تعتل ولقائل أن يقول الأصل آيي بلا امتراء فالهمزة هل حدثت عن الياء أم عن الواو فيقال له كل ذلك يجوز فان شئت قلت قلبوا الياء واوا ثم همزوا الواو لأنها مكسورة كما قالوا في وشاح إشاح وكان هذا الزم لأن بعد الواو ياءين ألا ترى إن همزة بعدها ياء مشددة قد جاءت في كلامهم صدرا للكلمة فقالوا إياك وإيل للذي في الجبل وليس في كلامهم واو مكسورة بعدها ياء مشددة في صدر كلمة البتة وقد جاءوا بالهمزة المفتوحة وبعدها الياء المشددة في مواضع كثيرة ولما يفعلوا ذلك في الواو ألا تراهم قالوا للرجل أيم وللمرأة ايم وقالوا أي القوم معك ورجل ايد وايده الله وليس في كلامهم مثل ويل ولا ويرو أما قلبهم الياء إلى الهمزة فكما قلبوها في قولهم يدي وادي وهو العيش الواسع ويلنجوج وألنحوج والياء إذا كانت متحركة بالكسر وقبلها ما يُسكتُ عليه فهي جارية مجرى ما يبتدأ به في بعض الجهات ولا ريب في انهم آثروا الابتداء بالهمزة على الابتداء بالياء إلا ترى إن أفعل في الأسماء أكثر من يفعل فباب احمر وأصفر لا يقاس به في الكثرة باب يرمع ويلمع واليرمع حجارة رقاق تنفت باليد واليلمع البرق والسراب وقالوا إصبع أبلم ولم يقولوا يرمع وقد حكي يعفر على الاتباع وقال بعض أهل اللغة ليس في كلامهم اسم أوله ياء مكسورة إلا قولهم اليسار ليد هكذا قال ابن دريد وغيره يقول يسار بالفتح فإذا كان ذلك على ما تعرفه العامة فقد فقدت ياء مكسورة في أول الأسماء إلا إن يجيء في مصدر فاعلتُ فانهم يضطرون إلى ذلك إذا قالوا ياسرت الرجل يسارا وقد استغنوا بالمياسرة وكذلك قالوا يا منتُ أي أتيت اليمن ولعلهم يجتنبون اليمان في المصدر ويفرون منه إلى الميامنة ويدلك على ان الكسرة عندهم مع الهمزة أيسر منها مع الياء انهم يقولون إعلم وإستعين وإخال فيكسرون مع الهمزة كما يكسرون مع التاء والنون وقد قرأت بذلك القراء يحيى ابن وثاب وغيره ويروى انه قرأ فأمتعه قليلا ثم اضطره بكسر الهمزة من اضطره وكذلك يفعل في غيرها من حروف المضارعة فقرأ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وهذه لغة للعرب فيما كان على فعل يفعل وما جاوز الاربعة نحو اسود واقشعر وإذا صاروا إلى الياء فروا إلى الفتح فلم يقولوا يعلم كذلك يقول سيبويه وقد حكاها الفراء عن قوم مات العرب وأن صحت فهي شاذة وليس هذا من باب ينحل وقرأ أصحاب القراءة التي مر ذكرها إن تكونوا تيلمون فانهم يألمون كما تيلمون فكسروا مع التاء ولم يكسروا مع الياء فهذا يبين حال آية في النسب والحد لله وهذه الأسماء التي ظهرت فيها الياء وهي على مثل آية تجري في النسب مجراها. القول في اسم وحقيقة الحذف منهوكان أصل الأسماء ان تجيء غير محذوفات وانما يستدل على حذفها بالاشتقاق والتصغير والجمع والعلل الجارية عليها في أنحاء العربية فكأن قائلا في الأصل قيل له ما فرس أو ما رجلٌ فقال اسم فوقع للسامع أن الهمزة من الأصل لأنه سمع جرسا على مثل إذن وابط وادل والإدل اللبن الحامض فقال السامع هذه همزة أصلية فيجب ان يكون اشتقاقها من اسم ياسم فرجع إلى أصل الكلام وما روت الثقات منه فلم يجد فيه ذلك فقال يجب إذ فقدت هذه اللفظة ان يجعل اسم من وسم يسم كأنه وسم كأنه وسم ثم قلبت الواو همزة كما قالوا ولدة وإلدة ووطاء وإطاء فاستقر في نفسه ذلك ثم سمع الفصحاء تقول سمعت اسمك وهذا اسم زيد ويستمر على ذلك ولا يجريه لمجرى اذن وأزل وهو الكذب لأنها لو أجرته مجرى ذلك لنطقت بالهمزة في ادراج الكلام فقال السامع يجب ان يكون هذا لما كثر آثروا فيه الخفة ثم سمعهم يقولون في التصغير هذا سميك وسمي أخيك فانتقض عليه ما اعتقد لأن الامر لو كان كل توهم لوجب أن يقولوا أسم كما يقولون في اشاح اشيح فيثبتون الهمزة وزاده ريبا فيما فان ضن جمعهم اياه على أسماء فعلم أن ما ذهب إليه باطل ونظر فإذا العائد في التصغير لايخلو من أن يكون واوا أو ياء وان لالسين سكنت في أول النطق فنطقوا بالهمزة قبلها ليكون وصلة إليها واسقطوا عند الغناء واعتبر كلام العرب فرآهم يقولون سموت سموا وإذا أرادوا أن يخبروا أنهم جعلوا للرجل اسما قالوا سميته ورآهم لم يستعملوا السمى فحكم على أن الذاهب من اسم واو وانهم وضعوا هذه الكلمة وهم يريدون بها ظهور أمر الإنسان وعلوه وان يعرفوا به غيره لأن من لا يعرف له اسم فهو خامل مجهول وقالوا سم وسم في المسموع فدل ذلك على أنهم بنوه تارة على فعل وتارة على فعل وقد انشدوا أبياتا لوجهين منها قول الراجز: والله سماك سمًا مباركًا ... آثرك الله به ايثاركا وقال آخر: وعالمنا أعجبنا مقدمه ... يكنى أبا السوح وقرضاب سمه وأما قول الآخر: فدع عنك ذكر اللهو واعمد بمدحه ... لخير معد كلها حيث ما انتمى لأجودها كفأ واكرمها أبا ... وأحسنها وجها وأرفعها سما
فزعم قوم من أهل اللغة أن السما بعد الصيت والاجود أن يكون سم على ما تقدم وألفه للنصب وان لم يكن سمع في غير هذا البيت فلا وجه له إلا القول الايخر ولو كانت الألف في اسم أصلية لقالوا في جمعه آسام كما قالوا في جمع إرب وهو العضو آراب فان قيل فما ينكر من أن تكون همزة اسم مبدلة من واو ثم قلبت في الجمع لأنهم يستعملون التغير في المعتل فيقولون كاع وكائع وهار وهائر قيل الذي يمنع من ذلك انهم لم يقلبوها في الجمع وحده ولكن قلبوها في جميع ما صرفوه من اسم فقالوا سيمت وسمي وأسماء فدل ذلك على علة هذا القول ودلهم وصلها في غير الابتداء على انها كغيرها من الألفات التي لحقت الأفعال وهذا النوع من الأسماء فأما أسامة فليس من لفظ الاسم في الحقيقة وان كان مجانسا له في الجرس ويجب أن يكون اشتقاق أسامة من الاسم وهو ممات وقد يجوز أن يكون أسامة من الوسام وهو حسن الوجه فبني على فعالة وهمزت الواو لما ضمت في أول الكلمة وإذا حمل على هذا القول جاز ان يكون من الوسم إلا ان همزته في ذلك اصلية لأنها بدل من الواو وقلبهم الواو المضمومة همزة شائع كثير يقولون ولد له أولاد وألد له وفي الكتاب العزيز وقتت وأقتت وهو من الوقت وقولهم أد بن طابخة يجوز إن يكون اصله ود قلبت الواو همزة ويجوز ان يكون مأخوذا من الاد وهي القوة أو من قولهم أدت الإبل إذا حنت حنيا شديدا فأما قولهم أسماء في اسم المرأة فالنحويون المتقدمون يجعلونه جمع اسم وإذا سموا به الرجل لما يصرفوه لأنه اسم غلب عليه كونه للمؤنث كما أن زينب غلب عليه أن يكون اسم امرأة وليس فيه علم للتأنيث وليس أسماء عندهم بمنزلة حمراء فيلزم أصحاب هذا القول أن يقولوا مررت بأسماء واسماء أخرى فيصرفوها في النكرة لأنها ليست كحمراء عندهم وانما هي أفعال مثل أبناء وأحناء ولو كانت مثل حمراء لم تنصرف في النكرة ولا يمتنع في القياس إن تكون أسماء من الوسامة إلا ان الواو قلبت إلى الهمزة وقلب الواو المفتوحة إلى الهمزة قليل إنما جاء في أحرف معدودة كقولهم أحد وأصله وحد وكقولهم المرأة أناة وأصله وناة هذا في رأي من زعم انها من الوني وقد يجوز ان يكون مأخوذا من التأني في الأمر فتكون موصفة بالمصدر فيقال امرأة اناة أي ذات اناةٍ لأنها إذا كانت ثقيلة الجسم اداها ذلك إلى تأنيها فيما تمارس وقد قالوا الزكاة تذهب أبلة المال أي وخامته وذهبوا إلى إن اصلها وبلة وانها من قولهم كلأ وبيل أي وخيم وغيداء فيكون على هذا فعلاء ولا تصرف إذا نكرتها كما لاتصرف حمراء ولو نطق على هذا بالمذكر فجيء به على الأصل لقيل أوسم فان جيء به على القلب قيل آسم فخففت الهمزة الثانية لنه مثل لآدم ولو صغرت أسماء على هذا التصغير الترخيم لقلت أسيمة كما تقول في خنساء خنيسة والذي قوى رأي النحويين في إن أسماء إذا كان اسم امرأة جمع اسم قولهم في ترخيم التصغير سمية ولم ينقل في أسماء النساء أسيمة وبنوا سمًا وسُمًا على لغتين كما قالوا فعل وفُعل في أشياء كثيرة قالوا عُضو وعضو وجِرو وجُرو وطِي وطُي وإذا أجروا على بعض الأسماء حكماء من حذف أو زيادة لم يهجروه على نظيره وانما نُقل كلامهم بالسماع فقيس منه ما اطرد ورد ما خرج عن القياس إلى نقل السامعين فلا يلزمهم ان يقولوا في جِرو جِرُ وجر كما قالوا في اسم سم وسم ولا ان يدخلوا ألف الوصل في أوله فيقولوا اجر كما قالوا ابن واسم لأن هذه أشياء خصت بالحذف والزياد ولقو لزمهم مثل ذلك لوجب عليهم ان يكونوا قد نطقوا من الضرب باسم في وزن إثمد وجعلوه واقعًا في بعض الأشياء ولوجب ان يحذفوا الهمزة من أوائل أمير وأجير وأخير ونحو ذلك كما حذفوها من أناس لما قالوا ناس ولا يقبل أحد دعوى من يلزمه مثل ذلك وزعم ابو اسحق الزجاج إنه لم يتكلم قبله في اشتقاق اسم ولا مرية في انه كما قال لأنه الثقة في هذا وغيره أن شاء الله فان قيل فما ينكر ان تكون ألف اسم أصلية ثم حذفت لكثرة الاستعمال كما حذفت الهمزة في ويلمه قيل الذي منع من ذلك دلالة الاشتقاق على غيره وحكم على ان ألف أم ألف اصلية وان كانت قد حذفت في قولهم ويلمه لان الغالب على كلام العرب ان يقطعوا همزة أخ وكذلك ما صرفوه منها لأنهم قد قالوا الأمومة وقد ادعى بعض النحويين المتقدمين ان ألف أم قد توصل وليس ذلك لأنها ألف وصل وإنما هو اتفاق لضرورة كما قال حاتم:
أبوهم أبي والأمهات أمهاتنا ... فأنعم ومتعني نفيس بن جحدر وقد وصلوا الفات القطع في مواضع وانما ذلك في ضروره الشعر كما قال أبو زبيد الطائي: فأيقن أكدر إذ صاروا ثمنية ... ان قد تفرد أهل البيت بالثمن وإنما هو اكدر على مثال احمر واكدرها هنا اسم كلب وقال آخر: يا للرجال لحادث الأزمان ... ولنسوة من آل أبي سفيان وهذا مرفوض قليل وقد أفردوا أما بحكم ليس لغيرها من الأسماء وذلك ان الفراء وغيره يزعمون ان العرب يكسرون همزة أم إذا وقعت قبلها كسرة أو ياء وقد قرأ بذلك الكوفيون مثل قوله فلامه السدس وفي بطون إمهاتكم وليس وصلهم الهمزة في قولهم ويلم بديل على انها ألف وصل لأن هذه الكلمة شذت عن سائر الكلام ويجب ان يكون الاسم على رأي أبي اسحاق جاريا لمجرى الذبح الطحن لان المصدر فعل مفتوح إذا رُد إلى الأصل ولو كان اسم من الوسم أو من الاسم لقيل اسمتُ الرجل ووسمته وليس القلب من اسم إلى سما مثل القلب من رأى إلى راء ومن شأى إلى شاء لان المعتل كثر فيه ذلك وأمر؟ بابه ليس من هذا النحو وكذلك قولهم اسار في اسآر ليس من ذلك النحو لانهم كرهوا إن يقولوا اسآر فيجمعوا في الكلمة الواحدة بين همزتين فقالوا اسار لان المد ايسر واخف قال الشاعر وأنشده أبو عبيدة: إنا لنضرب جعفراٌ بسيوفنا ... ضرب الغريبة تركب الاسارا يريد ألأسار. وأنشد سيبويه: لقد لقيت قُريظة ما سآها ... وحل بدارها ذل ذليل يريد ساءها ولو بنيت من اسم مثل افعل لقلت اسمي يافتى على مثال اعمى والهمزة فيه همزة افعل ولو بنيت منه مثل إثمد قلت هذا اسم في الرفع ومررت باسم ورأيت اسميًا في النصب والفه زائدة ليست من ألف اسم في شيء لأن تلك زيدت على شرط من البنية إذا زال بطلت بلا اختلاف ولو بنيت منه مثل ابلم لقلت اسم في الرفع والخفض ورأيت اسميًا في النصب فقلبت واوه كما قلبت وأو أدد وأجر وإذا نسبت إلى اسم فحذفت الألف ورددت قلت سموي وانما يردون من المنسوبات فيما ذهب منه موضع اللام لأنها التي يلحقها التغيير والعين بعيدة من ذلك والفاء أبعد فلو نسبت إلى عدة وجهة إذا سميت بهما لقلت عدي وجهي فلم تردد وكذلك لو سميت رجلا بمذ لقلت في النسب مذي لأن الذاهب العين والنسب عندهم ارد من التثنية والجمع لأنه الزم، فأما التصغير فاجمع على قياسه فلا بد من الرد فيها لأنهُ يُضطر إليه الناطق فيقول في عدة وعيدة ولا يجد عن ذلك مندوحة ولو جمعتها جمع التكسير لوجب ان تقول وعد لأنك تردها إلى باب سدرة وكسرة، وقول الراجز: تلفه الرياح والسُميُّ لا يدل على ان اصل الكلمة من ياء، كما لايدل على قولهم الدلي على انهم قالوا الدلي إذا كانوا يجمعون ذوات الياء على هذا النحو فيقلبون. وكذلك قالوا عصي وُقفي (ا) وإنما يذكر مثل هذا ليعلم انه ليس في كلامي السمي إلا مماتا أو كالممات. وأما زعم ان الواو حذفت بعد سكونها لأنهم استثقلوا الكسرة أو الضمة عليها فلما لقيها التنوين وجب حذفها، فإن هذا القول قد يجوز ان يكون مثله وقد يجوز ان يمتنع وامتناعه أولى لأنهم لم يطردوا القياس عليه ولا فعلوا ذلك بكل ما كان على هذه الزنة، وليس هو جاريا مجرى أدل وقاض لأن هذين في بابهما اصلان ولهما نظائر كثير، وليس حذفهم في اسم مثل ذلك وانما تلك العلة شيء يتوصل به النحويون إلى تكثير المنطق ولا يعلم كيف سجبة حذفهم للواو إلا ان يدعي مدع انه في غريبزة الناطق بهذه الكلمة في بدء الخلق. وقد مضى القول في ان ألفاظ الآدميين التي جبلهم الله سبحانه عليها إنما كصياح الطير وصهيل الخليل على ان قول من زعم ان الواو حذفت منها الحركة ثم حذفت بعد ذلك يشبه اعتلال النحويين ولكننا وجدناهم يحذفون الحرف الصحيح من بعض الأسماء ولا يمكن الاعتلال بمثل هذه العلة فيه لأنهم إذا جاءوا بمثل قول زهير: يأبى لحار فلا يبغي به بدلا ... أبٌ بري وخالٌ غير مجهول
وقد علموا إن التاء حذفت لا محالة وفيها الحركة فهل يجوز ان يدعي مدع انهم اسكنوا الثآء لما أرادوا الحذف فلما اجتمعت مع التنوين حذفت لالتقاء الساكنين وهذا ما لا يحسن في القياس لأنه يؤدي إلى تكلف يشهد المعقول بخلافه ولأن الذين قالوا في مروان يامرو فحذفوا الألف والنون لا يجوز أن يدعى لهم أنهم استثقلوا الضمة على النون فحذفوها فالتقى ساكنان فحذفت النون ثم حذفت الألف. والنحويون يذكرون في الترخيم حذف الزيادتين اللتين زيادتا معا فان كانت زيادتهما وقعت في حال واحد فكذلك يجب أن يكون الحذف وعلى هذا يمضي القول على عثمن ومنصور وشراحيل إذا رخمت شيئا من ذلك في ضرورة وغير ضرورة بما كثرت المحدوفات دل ذلك على بطلان قول من زعم أن لواو سكنت في سمو لما استثقلت الضمة أو الكسرة عليها ولو صح ذلك لكانوا قد فروا إلى حذف الواو من جمعهم بين سواكن ثلاث لأن الميم في اصل البنية حظها السكون والواو سكنت لاستثقال الضمة ثم استقبلها التنوين بعد ذلك ورأى من زعم هذه المقالة يلزمه أن يكون حذفها في الوصل لان التنوين إنما يلحق في أدراج الكلام وإذا قال القائل سمو في الوقف فانه لا يضطر إلى حذف. إذ كانوا يجمعون في الوقف بين ساكنين بغير اختلاف ولا ينظرون أكان الساكن همزة أو واوا أم ياء أم حرفا هن غير هذه الحروف والقول في هذا يتسع وقد مر ما فيه كفاية. القول في اثنين واثنتين هذه الأسماء التي حذفت من أواخرها حرف العلة وزيدت في أوائلها همزة الوصل فخالفة لغيرها من الأسماء وهي موضوعة في أصل اللغة وضع الأصول وأكثرها لحقه التأنيث على حد التذكير فقالوا ابن وابنة واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة فأما اسم فلم يحتاجوا فيه إلى التأنيث لأنه جرى مجرى الصوت واللفظ والوجه والرأس وإنما يستنبط النحويون أصول المعتلات بالاشتقاق الحاكم على الأصول أو بالتصغير والجمع ولهم أيضًا بالنسب دلالة والعرب قالت اثنان فثبتوا على هذه البينة ولم ينطقوا بغير ذلك فلما صاروا إلى التأنيث قوي الاسم الناقص فاتسعوا فيه وقال أكثرهم اثنتان وهي اللغة التي جاء بها القرآن، وقال بعضهم ثنتان وهي كثيرة في الشعر أنشد ابن الأعرابي: فقلت مهلًا لا تلومي ياهنه ... أنا ابن ثنتين وسبعين سنة وقال آخر: لقيت ابنة البكري زينب عن عُفر ... ونحن حرام مسي عاشرة شر فقبلتها ثنتين كالثلج منهما ... وأخرى على لوح أحر من الجمر فقولهم ثنتان استدل به النحويون على أن أصل الثآء في قولهم اثنان أن تكون مكسورة واستدلوا بقولهم ثنوي على ان الثآء يجب أن تكون مفتوحة فتنازع في اثنين أصلان أحدهما أن يكون وأحدهما على فعل مثل ثني والآخر أن يكون على ثني مثل رحى إلا أنه لحقه التغيير وقد يجوز ان يجيء الاسم الواحد على فعل وفعل كما قالوا حرج وحرج وحلس وحَلَسُ وشبه وشبه واستدلوا بقولهم ثنيت وثني على أن المحذوف ياء وقد حكي أن بعض العرب تقول الاثن فيجيء به على لفظ ابن ووزن اثن على هذا القول إفع ووزن اثنين يجب أن يكون افعين واثنتان وزنهما افعتان وثنتان وزنهما فعتان، وقد حكي ثنوت في معنى ثنيت فإذا صح ذلك جاز ان يكون المحذوف واوا فأما ابن فبعض الناس يذهب إلى ان الذي حذف منه واو وذلك اختيار سعيد بن مسعده وكان يستدل على ذلك بقولهم البنوة وكان غيره يذهب إلى ان الساقط من ابن ياء لأنه من قولهم بنى الرجل على امرأته يبني وكان بعض النحويين يجيز إن يكون الذاهب واوًا وان يكون ياء وذلك رأي أبي اسحاق الزجاج وقولهم بنت يدل على أن أصل ابن فعل وقولهم بنون وبنات يدل على أن اصله فعل وقولهم أبناء يستدل به على انه ليس بفعل ساكن العين حملا على الأكثر من الكلام إذ كان جذع واجذاع وحمل وأحمال أشيع قي اللغة من زند وازناد وفرخ وافراخ وإنما تحمل الأشياء على ما كثر وليس لقائل ان يقول وكيف لا نجيز ان يكون اصل ابن والواحد من أثنين على فعل لأنا قد وجدنا ما يدل على كسر الأول وفتحه ودليلا ينبيء عن حركة الأوسط إذا فتح الأول وهو ان أفعالًا جمع فَعل وفِعل مثل جمل وزمن وِجذع وِحسل ويقوي مذهب من زعم ان الساقط من ابن الواو تشبه النحويين المتقدمين قولهم أشياء بقولهم أبينون من قول الشاعر:
زعمت تماضر أنني إما أمتيسدد أبينوها الأصاغر خلتي ومعنى تشبيههم أشياء بابينون ان الواو نقلت من أخر الاسم إلى أوله فصار وُبينون فقلبت الواو همزة لأنها مضمومة كما نقلوا الهمزة من شيئاء إلى أول الاسم فقالوا أشياء ولو قال قائل إنهم جمعوا أبناء على افعل كما قالوا جرو وأجر ثم جمعوه بعد ذلك بالواو والنون لكان مذهبا حسنًا كما قال الراجز: قد وردت إلا الدهيدهينا ... إلا ثلاثين وأربعينا قليصات وأبيكرينا فجمع أفعلا بالياء والنون وذلك في ابن أقيس لأنه لما يعقل وليس ألف ابن من ألف ابناء ولا أبينين في شيء لأن تلك همزة الجمع وهذه همزة وصل وقطعهم اياها في كل المواطن يدل على مخالفتها الهمزة في أول ابن وإذا قالوا ثنتان فالأقيس أن تكون التاء للتأنيث فأما بنتٌ ففي تائها قولان أحدهما أنها بدل من واو والآخر انها تاء التأنيث فإذا قيل ان تاءها تاء التأنيث فوزنها فعت وإذا قيل انها مبدلة من واوا وياء فوزنها فِعلُ والتأنيث في ثنتين أقوى لأنم قد دلوا على انه جاء مؤنثا على حد التذكير إذ قالوا اثنتان واثنتان ولم يقولوا اثنة ولا أدفع أن تكون تاؤه مبدلة من حرف علة وتاؤه أشبه التاآت بتاء بنت ودلوا بقولهم ابن وابنة على ان تأنيث ابن على حد التذكير إنما هو بقولهم ابنة ومن شأن تاء التأنيث ان يكون ما قبلها مفتوحا مثل طلحة وثمرة إلا أن يكون الفا فتسكن مثل ارطاة ومدعاة وهذه الألف وان كانت ساكنة فان حركتها الأصل إلا انه قد يجوز أن يشذ الحرف بعد الحرف لاسيما فيما غُير عن سبيل غيره كما شذ الكسر قبل هاء التأنيث في قولهم هذه ولم يحك عن العرب انهم قالوا ثن ولا ثنان ولا بنٌ في ابن فأما قولهم بناتٌ فدليلٌ على ان أصل ابن فعل فان كان من ذوات الواو فاصلها بنواتُ وان كان من ذوات الياء فالأصل بنيات وأما بنون فيدل على ان اصل ابن بنى ولأن الباء تنفتح وتتحرك النون فتجعل مثل رحى وعصًا ولا تُجعل مثل سبع وكتف لأن باب فَعَل أكثر من فَعُل وفَعِل، وهذا رأى المتقدمين. ولو ذهب ذاهب إلى أن أصله فعِلُ أو فِعلُ لم يكن مخطئا وله في ذلك وجهٌ من القياس وذلك انهم إذا جعلوا أصل ابن بنى فجمعوه على ما يجب في الألف التي في مُثنى ومُعلى وجب أن يقولوا بنون كما قالوا مصطفون وكذلك الحكم في كل اسم آخره ألف مشورة تجري مجرى ألف رحى وعصا ولو سمينا رجلا رحى وعصا جمعناه الجمع السالم لقلنا رَحوْن وَعصون. لو بنيا اسما على فعل من الغزو أو على فعل لقلنا في الجمع غزون فهذه حجة قوية لمن يعتقد إن أصل ابن فَعِلٌ أو فغل ووأنه يستعمل على باب شج وعم إلا إن المتقدمين أجازوا فيه التغير في جميع وجوهه لأنه جاء مخالفا للباب فيكون حذفه في القول الأخير كالحذف الذي يقع في قولك شجون وعمون إذا عنيت جمع شج وعم وهو في الباب الأول كيد ودم. فأما اثنان إذا أردت أن تبني على وزنهما من ضرب فانك تقول اضران على رأي من يجيز ذلك لأن بعض النحويين يرى انه إذا قيل له ابن لنا اسما على وزن كذا مما لم تبن مثله العرب وجب أن تأتي بمثل ذلك البناء وإلى نحو من هذا ذهب سعيد بن مسعدة في بنائه الأعجمية التي لا فطير لها من كلام العرب فإذا قيل له ابن مثل إبراهيم واسماعيل من ضرب تكلف بناء ذلك فقال اضرابيب والخليل وسيبويه لا يريان ذلك فلاُ يبنى على مذهبهما من ضرب مثل اثنين لأن ضرب ليس يخه حرف معتل كما اعتل الحرف الذي في آخر اثنين ويقرب على قياس مذهبهما ان يبنى مثل اثنين من غزا وقضى فتقول اغزان واقضان وإذا أنثت قلت اغزتان واقضتان واكثر ما يحذف من أواخر الأسماء الناقصة الواو والياء لأنهما ضعيفتان. وقد يجوز حذف الهمزة ويطرد في التخفيف فيقول هذا خَب وُجز وردوُّ ورأيت خبا وجزا وردا ومررت بخب وُجز وردد في تخفيف خب وُجزء وردء فيكون حاله كحال دم ويد إلا أنك إذا صغرت أو جمعت رَدَدْت ضرورة قال حسان: ورهنتُ اليدين عنهم جمعيا ... كل كف لها ُجز مقسوم
ويحذفون الهاء من الأواخر لأنها خفية كما فعلوا فس سنة ويجوز إن يحذف أخد حر في التضعيف وكذلك يقول النحويون في رجل سُمي بان التي للجزاء ثم صُغر أنين فيزيدون حرفا من جنس الحرف الأخير وكذلك لو سموا بقد من قولك قد كان كذا قالوا هذا قُديد وكان الفراء يجيز فيما جُهل من هذا ان يجاء به على التضعيف أو يجعل المحذوف منه هاء أو ياء أو واوا وتقول في تصغير ان التي للجزاء إذا سمي بها أنين على أن المحذوف واو أو ياء وأنية على ان المحذوف حرف التضعيف وأنيُّ على أن المحذوف هاء وقال أبو صخر الهذلي في تخفيف التضعيف: إذا اختصم الصبى والشيب عندي ... فأفلجتُ الشباب فلا أبالي حلول الشيب ما لم أجن ذنبا ... يكون سواه أتوا حل حلاحل يريد أتوحل حلال فخفف وقد كثر اجتراؤهم على تخفيف المشدد في قوافي في الشعر فيقولون معْد في معَدً وأضل يريدون أضل قال أبو دواد: وشباب حسن أوجههم ... من اياد بن نزار بن نعد فلا يجوز إن تكون الدال هاهنا إلا مخففة ومثله كثير فأما قولهم ابنم فانهم زادوا الميم في آخره وهم يتبعون ما قبلها حركتها فيضمون النون إذا كانت الميم مرفوعة ويفتحونها في حال النصب ويكسرونها في حال الجر ويجرونها مجرى امرئ في الوجوه الثلاثة فإذا ثنوا لزموا الفتحة لان الميم يلزمها الفتح بكونها قبل ألف التثنية وقال الكميت: ومنا لقيطٌ وانماهُ وقعنبٌ ... مورث نيران المكارم لا المجني وقال الهذلي: فلا اعرفن الشيخ يصبح قاعدا ... بأوحد لا مال لديه ولا ابنم فالنون في هذا مضمومة لان الميم مرفوعةُ ويكسرونها في قول العجاج: ولم يلحها حزن على ابنم ويفتح في قول المتمس: أبى الله إلا ان اكون لها إنما وقياس النحويين يوجب أن يكون وزن ابنَم افعما ولو قيل إن ميمه بدل من الواو والتي في البنوة لكان قولا حسنا لان الميم تقاربُ الواو في الشفة ولانهم أبدلوا الميم من الواو في فمِ فوزن ابنم على هذا إفعل وتكون ميمه من نفس الحرف إلا أنها مبدلة من واو وتكون حاله كحال امرىء ومن ثني ابنما وجب ان يجمعه جمع السلامة فيقول ابنمون في الرفع وفي النصب والخفض رأيت ابنمين ومررت بابنمين قال الشاعر: أتظلمُ جارتيك عقال بكرٍ ... وقد أوتيت مالا وابنمينا فهذا ينشد بفتح النون وكسرها وقد يجوز ان يكونوا يقرون الفتحة فيه في الرفع والنصب والخفض كما قال بعضهم هذا امر أو رايت امر أو مررت بامرإ وأنشد الفراء: بأبي امرأ والشام بيني وبينه ... أتتني ببشرى برده ورسائله ولو صغرت ابنما على مذهب النحويين لقلت بني تحذف الميم في الوزن كحال ابن لا فرق بينهما في ذلك إلا أن الميم زيدت فيه وأما امرؤ فالعرب إذا أدخلت الألف واللام حذفوا الهمزة فقالوا هذا المرء ورأيت المرء فإذا حذفوا الألف واللام جاؤا بهمزة هذا معظم كلامهم ويقولون هذا مرء فيضمون الميم في الرفع ورأيت مرءًا فيفتحونها في النصب ومررت بمرء فيكسرونها في الخفض واجود اللغتين إقرارها على الفتح لان الفرآء مجمعون على قراءة هذا الحرف بين المرء وقلبه. وقد حكي عن بعضهم بين المرء وقلبه بكسر الميم ووزن المرء الفعل وقد ثبت أن الراء تتحرك في قولهم أمرؤ فتبتع حركة الهمزة فيجوز أن يكون المرء مما فيه لغتان في الأصل فَعل وفَعْل مثل سطر وسطر ونهر وقالوا امرأة فلزمت الراء الفتحة فدل ذلك على إنها متحركة في الأصل فإما الميم فلا يجوز أن تكون ساكنة لأنها أول الكلمة وإنما طرأ عليها السكون فوزن امرأة افعلة فإذا حقرتها قلت مريئة مثل ما تصغر اكمة ونحوها وتحذف همزة الوصل كما حذفتها في بني وسمي وقول العامة امرأة ضعيف جدا إلا انه يجوز على قول من قال كلاك الله وهناك الطعام وإذا صغرت على قول من خفف قلت مرية كما تقول في حصاة حصية وإذا أدخلت الألف واللام قلت المرأة وقد حكى الفراء أن المعرب ربما جمعوا بين الألف واللام والهمزة وهو رديء وقلما يقولون رأيت مرأ صالحا وإنما يقولون زأيت امرءا وقد استعملوا ذاك قال الشاعر: ولست أرى مرءأ تطول حياته ... فتبقي له الأيام خالا ولا عما
فإما الذين قالوا المو فشددوا فإنها لغة العرب إذا أرادوا تخفيف الهمزة القوها وشددوا الحرف الذي قبلها وقد قرأ بعض الناس ما يفرقون به بين المر وزوجه وتنسب هذه القراءة إلى الحسن ولو حقرت على هذه اللغة لوجب أن تردد فتقول مريء إلا ان يدعي مدع أن قولهم المر بتشديد الراء أصل آخر سوى المرء فيقول في التصغير مربر فإما تشديد الحرف الذي قبل الهمزة الملقاة فقد حكي ومنه قول الشماخ: رأيت عرابة اللوسي يمو ... إلى الغايات منقطع القرين واشتقاق المرء والله اعلم من المروءة والمعنى في ذلك أن المرء وهو الواحد من بني آدم يميز بفعله من أصناف الحيوان كما تقوا في فلان إنسانية أي يفعل أفعالا جميلة وكذلك قولهم فيه مروءة أي هو أمروء وهذا يحتمل وجهين أحدهما ان يكون أريد به في الأصل تفضيل ابن آدم على غيره من حيوان الأرض والثاني أن يكون أريد به التفضل في النية كما يقولون فلان رجل وقد علم ان الرجال كثير وأنه كغيره منهم وإنما اراد أنه ممن يحكم بالتفضل وهدا يشبه قولهم ما كل زيد زيدا ما كل عمرو عمرا وفي الحديث ان يهوديا رأى عليا ﵇ يبتاع جهازا فقال له بمن تزوجت فقال بفاطمة بنت محمد (فقال اليهودي لقد تزوجت بامرأة فهذا على معنى التعظيم والخوصية كما قال الهذلي: لعمر أبي الطير المربة بالضحى ... على خالد ان قد وقعن على لح وأما دم فإن المحذوف منه ياء وبعض الناس يرى أن وزنه دمي على مثال ضرب وإنه مسكن الأوسط في الأصل ولا يلزم أنه محرك الأوسط لأجل قول الشاعر: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين لأن سيبويه إذا رد الساقط ترك الحركة اللازمة على حالها قبل الرد وكذلك رأيه في عدة وجهة إذا رد الواو يقول وعدة ووجهة ورأي أبي الحسن سعيد في مسعدة إن يقول وعدة ووجهة فيرد البنية إلى ما يجب من قبل الحذف وقال بعض النحويين دم أصله فعل وجعله كالمصدر لدمي يدمى دمى كما يقال عمي يعمى عمى ولِمى يلمى لمىً من لمى الشفة وهو سمرتها وسوادها وقد حكى أبو زيد أنه يقال دمى على مثال رحى فإذا صح ذلك فقد بطل الكلام وقد أنشدوا هذا البيت: ولكن على أعقابنا يقطر الدَّما على أن الألف أصلية ليست للاطلاق وأنشد أبو زيد: كأطوم فقدتُ برغزها ... أعقبتها الغبس مُنه عدما غفلت ثم أنت تطلبه ... فإذا هي بعظام ودما فان كان هذا صحيحا فقد يجوز أن يستعمل الشيء ناقصا وتاما كما قالوا أبٌ وقال بعضهم أبا. يد فعل بسكون العين واستدلوا على ذلك بقولهم أيد قاسوه على كلب وأكلب وشهد على أن أصله الياء قولهم يديت إلى الرجل ولو لم يُسمع يديت لوجب أن يكون الذاهب ياء لأنه لم يأت في كلامهم فعل ثلاثي أوله ياء وآخره واو وقد أتى ضد ذلك ما أوله واو وآخره ياء مثل وعيت وونيت ووقيت فوزن يدفع وقالوا يدي في الجمع فجاءوا به على مثل كلب وكليب وعبد وعبيد وأنشد أبو زيد لضمرة بن ضمرة: فلن أذكر النعمان الا بصالح ... فإن له عندي يديا وأنعما فقيل يدي جمع يد على مثال عبد وعبيد وأجاز الفراء ان يكون على مثال بردي وفروا إلى الفتحة من أجل الياء وأقيس من هذا ان يكون يدي فعيلا في معنى مفعول كأنه قال يديتُ الجميل فهو ميدى ويدي كما يقال مرمي ورمي وقالوا هوفي عيش يدى أي واسع فيجوز أن تكون بيت ضمرة من هذا أيضًا وكل ذلك يرجح إلى معنى واحد وأنشد الفراء: جزاني يديي أنني كنت رُبما ... جفوت له في الزاد بعض عياليا وحكى بعضهم يدى على مثال رحى وأنشدوا أبياتا تجوز ان تكون مصنوعة منها: قد أصبحوا لا يمنحونك نُقرة ... حتى تمد اليهم كف اليدا وقول الراجز: يارب سار بات ما توسدا ... الاذراع العنس أو ظهر اليدا فان صح ذلك فهو فعَلُ لا غير إلا أنه قد يجوز في الشيء لغتان فعْلُ وفعَل فأما قول الآخر: (١) رواه فى اللمسان: يديان بيضاوان عند محرّق ... قد تمنعانك أن تُضام وتُضهدا
فمن أنشده بتحريك الدال يجوز إن يكون على مذهب من قال يدى على مثال رحى وعلى مذهب من قال يد يافتى لانه يجعل مثل قوله دميان في دم على رأي من زعم أن وزن دم فعلُ بسكون العين في الأصل فهذا مما حذفت منه الياء. وأما الواو فحذفت من غد وقُلة وغيرهما وحذفها كثير وقالوا غد في معنى غد ومن ذهب إلى أن الرد يجب أن تقر معه الحركة ة لزمه ألا يجعل غدوًا مردود غد ولكن يجعله لغة أخرى لأنه لو رد غدا على رأي من يقول أن دما فعل ويقول في تثنيته دميان لوَجب إن يقول غدا في وزن عصا فيقلب الواو ألفا لآن قبلها فتحة وهي طرف. وأما الهاء فحذفها أقل من حذف الواو والياء لأنهم قالوا سنة وقالوا في تصغيرها سُنيهة وقالوا نخلة سنهاء إذا أصابتها سنة شديدة فدلوا بذلك على أنها من ذوات الهاء وقد ذهب قوم إلى أن المحذوف منها واو استدلوا بقولهم سنوات إلا أن الهاء تحذف لخفائها ولأنها تُجانس حروف المد واللين لأنهم يجعلونها وصلا في الشعر كما يجعلون الواو والألف والياء ويزيدونها في الوقف على معنى الاستراحة في أشباه كثيرة وقد أبدلت منها الياء في قولهم دُهديته وأصلها دهدوهة والدهدوهة ما دُحرج يقال دهدوهةُ الجُعل ودُهديته لما حرجه وشبهت الحاء بالهاء لأنها تقاربها في المجرى فحذفت في حرف واحد. القول في سيد وميتٍ الترخيم لا يجب أن ترد به الآمثله إلى أصولها لأن الرد إنما يقع فرارًا من مجيء شيءعلى غير أمثله العرب وليس ذلك في سيدٍ وبابه لأن سيدا وميتًا على وزن فيعل في رأي البصريين وزعم الرؤاسي أن أصله فيعل فنقل إلى فيعل وهذا راجع إلى القول الأول وزعم الفراء أن أصله سويد ومويت وكذلك يزعم في جميع هذه المعتلات وكأن مذهبه أن الواو سكنت وأدغمت في الياء والإدغام يغير الأول إلى حال الثاني فأصل سيد على القولين الأولين سيودٌ وأصله على القول الثاني سويدُ ثم نُقل إلى سويد والفراء يعتل لمذهبه بقولهم طّيبٌ وطُياب فجاؤا به على فعيل وفُعال كما قالوا طويلٌ وطوّال وأنشد: إنا بذلنا دونها الضرابا ... لما وجدنا ماءها طُيابا وقال الآخر: جاء بصيد عجب من العجب ... ازيرق العينين طُوّال الذنب
وكل هذه المذاهب في الترخيم تجتمع على قول واحد لأنهم إذا قالوا يا حار تركوه على حاله قبل الحذف فقالوا يا سيِ ويا مي بكسر الياء وإذا قالوا يا حار ردوه إلى باب حي وطي فضموا الياء فقالوا ياسيُّ وياميُّ وكلما قربت الياء من الطرف كانت أقوى وكان قلب الواو اليها أوجه وذلك أنهم قالوا مَغزِيُّ وهو من الغزو ومجفي وهو من الجفوة ولكن رخوا ضيونا إذا سموا به وحيوة إذا كان اسما لوجب إن يقولوا في قوال من قال لا حار بالإظهار. ومن قال يا حار وجب أن يدغم لأنه ليس في كلامهم مثل ضيو وحيو لأن الواو تضعف في الطرب إذا كانت على هذا المثال وكنت تقول يا ضي أقبل ويا حي أقبل وهذه أسماء فيها الياء تذكر مع سيد وميت إذا كانت لها حكم في الترخيم فمن ذلك أنهم لو رخموا صايدًا وهو فاعل من صيد البعير وهو داء يصيبه في رأسه لقالوا يا صاي في قول من قال يا حار ومن قال يا حار فانه يخرجه إلى باب الأسماء التي لم يُحذف منها شيء فيقول يا صاءُ فنقلب الياء همزة لأنه يجعل الألف كأنها من نفس الحرف فتخرجها إلى باب ما اعتلت علينه ولامه همزة مثل حاء وبابه ويجعل الهمزة في هذا كالأصلية لأنه إذا قال يا حارُ فالألف قد صارت عنده مثل العين وليست كالزائدة فهو حينئذ على وزن باب وجار لأنها لو كانت زائدة لكان على مثال فاع ولو جمعته لقلت أحوار كما كنت قائلا في حار وباب ولك في صايد وجه آخر وهو إن تخرجه إلى باب آي وغاي فتقر الباء على حالها وتجعل الألف معتلة ولا تقلب الياءُ مخافة إن تجمع بين علتين كما فعلت ذلك في آية وبابها ولو قال قائل لا يجوز ترخيمه في قول من قال يا حار لكان قد ذهب مذهبًا لانه إن أقر الياء فقد اثبت ياء قبلها ألف زائدة قلبها فكأنه قد أعل العين بالقلب إلى الألف والياء بالقلب إلى الهمزة فأما معايش لو سميت بها ثم رخمتها على قول من يقول يا حار لقلت يامعاءُ فقلبت الياء همزة لأن الألف زائدة إلا أنك تخرجها إلى باب مفعل مثل مجاء من جاء ولا يجوز أن يجمع بين علة الألف وعكلة الياء فان جعلت الألف زائدة فقد أخرجتها إلى باب فعال وجعلت الميم من معايش أصلية ولولا ذلك لم يجز القلب في الياء لأنك لو قلبتها واعتقادك في الألف أنها كألف مفعل إذا قلت مفاء ومجا ولكنت قد جمعت بين علتين في العين واللام فخرجت إلى ما كرهوه في آية وغاية والقول في معايش كالقول في صايد ولو جمعت سيدا جمع التكسير لقلت سيائد فهمزت لاجتماع ياءين بينهما ألف وكان بعض النحويين المتقدمين يرى ألا يهمز في هذا الباب فمن همز فانه يقر الهمزة على حالها في الكسر ويضمها في قول من قال يا حارُ وكان رأيه ألا يهمز فانه إذا قال يا حارُ همز ولا تخلو في هذه الأسماء من أن تجعل الزائد كالأصلي لأنك إذا قلت سيائد فوزنه فياعلُ فإذا رخمت في قول من قال يا حارُ فقلت يا سياء فلا يخلو من أحد أمرين إن زعمت أنك أخرجته إلى باب فعال فقد جعلت الماء الزائدة أصلية وإن قلت هو فياع فقد أخرجته إلى بناء مستنكر لا يعرف مثله في الأوزان العربية الا أن يكون نادرأ والأصل في سيائد سياود على رأي من قال انه فيعل ومن زعم أنه فعيل فاصل سيائد عنده سوائد وكأن الهمزة إذا قيل إن أصله سويد يكون مثل همزة عجائز لأن الياء زائدة وإذا قيل إن الياء هي المنقلبة عن الواو التي في سيود فهي أصلية وليس همزه إذا قيل سيائد على منهاج همزه إذا قيل إن الأصل سويد لأن الهمز وقع هاهنا لأجل اجتماع حروف العلة التي جرت عادتها بالتغيير وأقرت الياءُ على حالها ليكون الجمع على منهاج الواحد ولو ردت إلى أصلها لقيل سياود. وعجائز ولا يجوز إن تجعل همزتها ياء على رأي سيبويه ولكن في تجعل همزتها بين بين وحكى أبو عمر الجرمي إن ذلك جائز وقد حُكي همز مدائن وهو إلا كثر وحُكي الهمز فان كانت من مدن فلا كلام فيه وان كانت من دنت ة كص فهزها رديء كهمز معايش وإذا قيل إن مدائن من المدن ووزنها فعائل وإذا قيل انهما من دنت فهي جمع مدينة والميم زائدة فإذا قيل أن اصلها على مديونة ففيها القولان المعرفان أحدهما رأي الخليل وسيبويه أن المحذوف واو مفعول فمدينة عندهم مفعلة ومدائن مفاعل والآخر رأي سعيد بن مسعدة وهو أن المحذوف الياء الأصلية ويعتل في ذلك بان الأصل مديونة فسكنت الياء لأن ضمتها القيت على الدال استثقالا للضمة عليها وحولت ضمة الدال
كسرة لتصح الياء أو سكنت الدال والياء فكسرت الدال لالتقاء الساكنين والتقت الياء والواو وهما ساكنتان فحذفت الياء واستقبلت واو مفعول كسرة الدال فصارت ياء فمدينة على رأيه مفولة وان جئت بها على ما صارت اليه من القلب قلت مفيلة ووزن مداين على هذا مفايل والقول فيها كالقول في معايش على رأي الخليل إذا كانت من دنت فأما عائش وبائع إذا سميت به ثم رخمته فانك لا تغيره الا بالضم في قول من قال يا حار ويلزم فيه مثل العلة اللازمة فيما قبله لأنك إن جعلت الألف زائدة أخرجت إلى باب فاعٍ وان جعلتها كالأصلية أخرجته إلى باب تعتل فيه العين واللام الا انك إذا جعلت الفه كالأصلية جعلت همزته كهمزة جاء فعلى هذا يصح إن تقوله والذين وضعوا قياس الترخيم إذا حملت هذه الأشياء على ما وضعوه وجب أن يمتنع كثير من الأسماء من ترخيم على قول من قال يا حار كما امتنع من ذلك طيلسان فيمن كسر اللام وحلبوي ونحوه ولو سميت رجلا قاضيا تريد النسب إلى قاض وناجيا تريد النهب إلى ناجية لقلت في قول من قال يا حار يا ناجي أقبل فسكنت وكذلك يا قاضي أقبل لانك نسبته إلى قاض وناجية فوجب أن يجيء على فاعلي فكأنه في الأصل ناجي وقاضى فاستثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت ثم حذفت الياء لاتقاء الساكنين والساكنان الياء الأولي الأصلية والياء التي هي إحدى ياءي النسب وهي الأولى منهما فان حذفت ياءي النسب رجعت الياء الأصلية وسكنتها كما كنت فاعلا في قولك مررت بالقاضي وياقاضي أقبل ومن قال يا حار فكذلك لان تسكين الياء المكسورة والمضمومة في هذا الموضع لازم إلا أن يضطر اليه شاعر وهذا موضوع النحويين في هذه المسالة ولو ذهب ذاهب إلى حذف الياءين وترك الرد لكان قد ذهب مذهبًا. رة لتصح الياء أو سكنت الدال والياء فكسرت الدال لالتقاء الساكنين والتقت الياء والواو وهما ساكنتان فحذفت الياء واستقبلت واو مفعول كسرة الدال فصارت ياء فمدينة على رأيه مفولة وان جئت بها على ما صارت اليه من القلب قلت مفيلة ووزن مداين على هذا مفايل والقول فيها كالقول في معايش على رأي الخليل إذا كانت من دنت فأما عائش وبائع إذا سميت به ثم رخمته فانك لا تغيره الا بالضم في قول من قال يا حار ويلزم فيه مثل العلة اللازمة فيما قبله لأنك إن جعلت الألف زائدة أخرجت إلى باب فاعٍ وان جعلتها كالأصلية أخرجته إلى باب تعتل فيه العين واللام الا انك إذا جعلت الفه كالأصلية جعلت همزته كهمزة جاء فعلى هذا يصح إن تقوله والذين وضعوا قياس الترخيم إذا حملت هذه الأشياء على ما وضعوه وجب أن يمتنع كثير من الأسماء من ترخيم على قول من قال يا حار كما امتنع من ذلك طيلسان فيمن كسر اللام وحلبوي ونحوه ولو سميت رجلا قاضيا تريد النسب إلى قاض وناجيا تريد النهب إلى ناجية لقلت في قول من قال يا حار يا ناجي أقبل فسكنت وكذلك يا قاضي أقبل لانك نسبته إلى قاض وناجية فوجب أن يجيء على فاعلي فكأنه في الأصل ناجي وقاضى فاستثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت ثم حذفت الياء لاتقاء الساكنين والساكنان الياء الأولي الأصلية والياء التي هي إحدى ياءي النسب وهي الأولى منهما فان حذفت ياءي النسب رجعت الياء الأصلية وسكنتها كما كنت فاعلا في قولك مررت بالقاضي وياقاضي أقبل ومن قال يا حار فكذلك لان تسكين الياء المكسورة والمضمومة في هذا الموضع لازم إلا أن يضطر اليه شاعر وهذا موضوع النحويين في هذه المسالة ولو ذهب ذاهب إلى حذف الياءين وترك الرد لكان قد ذهب مذهبًا.
فأما قيوم فانك إذا رخمته في الوجهين جميعًا جئت به على لفظ واحد إلا إن الضمة مختلفة لانك إذا قلت ياقي في قول من قال يا حار فالضمة للبناء كالضمة وهي التي كانت في قيوم وإذا قلت ياقي في لغة من قال يا حار فالضمة للنداء كالضمة في قولك بازيد وطرأت على الضمة الأصلية فزالت تلك وصارت هذه في موضعها وهذا يشبه قولك قنديل هي غير الكسرة التي في قناديل ويلك على ذلك إن الدال في قناديل وما كان مثلها مما يقع موقعها لو كان مضموما أو مفتوحًا لم يكن له بد من الكسر في الجمع فلو جمعت سرداحًا لقلت في الجمع سراديح وكسرت الدال ولو جمعت قردودا لقلت في الجمع قراديد فحولت الضمة والفتحة إلى الكسرة لأن ما بعد الألف من هذا الجمع لا يكون إلا مكسورا وحكها في ذلك حكم ما بعد ياء التصغير فإذا قلت زبرج ثم قلت في تصغيره زبيرج فكسرة الراء في التصغير غير الكسرة التي كانت في زبرج لانك إذا جمعت شيئا على هذا الوزن والذي في موقع الراء منه مضموم أو مفتوح فانك تكسره لا غير فتقول في درهم دريهم وفي جلجل جليجل وكذلك حكم أول جمع التكسير وأول المصغر فإذا قلت مساجد فالفتحة في الميم غير الفتحة التي كانت في مسجد لانك لو جمعت مخدعا أو مفتحا لقلت مخادع ومفاتح ففتحت وكذلك ضمة سدوس فيمن ضم السين إذا اردت به الطيلسان هي غير الضمة في تصغيره إذا قلت سديس لانك لو صغرت عروسًا وذراعا وقلت عريس وذريع فضمت ولو رخمت أبيًا في قول من قال يا حار لقلت يا أبي اقبل فحذفت الياء التي هي آخر الاسم وأقررت الياء التي قبلها على حالها ومن قال يا حار قال يا أبا فقلب الياء ألفًا لان الياء لا تقع طرفًا وقبلها فتحة في الأسماء ومن كان من لغته أن يقول في الوقف هدي ورحي ويصل على ذلك فاله يجوز إن يقول في الترخيم يا أبي لانه إذا كان يقلب فيما لم تجر العادة فيه بالقلب فاقراره هذه الياء أولى من قوله هدي إذا وصل ومن ذلك القراءة التي تروى عن أبي إسحاق فمن تبع هُدي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون هذه على لغة من قال هدي وعال هذا ينشد قول أبي ذؤيب: تركوا هَوَيَّ واعنقوا الهواهم ... فَتُخُرِّموا ولكل جنب مصرع ولو أنشد هواي لم يكن بالوزن باس والاستشهاد بالشعر على نوعين أحدهما لا مزية فيه للمنظوم على المنثور والآخر يكون حكم الموزون فيه غير حكم ما نُثر فالضرب الأول كبيت أبي ذؤيب الذي مر وكقول الآخر: أنا ابنُ التارك البكريّ بشر ... عليه الطير ترقبهُ وقوعا فخفض بشر ونصبه لا فضلية فيه للوزن وكذلك خفض البكري ونصبه لأنه قويم في الحالين ومثله كثير. والضرب الآخر هو الذي يكون الوزن إن غير عما استشهد به عليه لحقه إخلال كقوله: ألا مَن مبلغُ الحرين عني ... مغلغلةً وخُص بها أبيا يُطوّفُ بيِ عكبُّ في معد ... ويطعنُ بالصملة في قفيا فهذا لا يمكن إلا على لغة من قال قفى. ولو رخمت حسينا وعبيدا لا جريتهما مجرى أبي فى الوجهين وكذلك سهيل وفي السماء النجم المعروف بهذا الاسم اذا رخمته على قول من قال يا حارُ صار اسم نجم آخر فيكون اذا رخمته كأنك ناديت النجم الآخر على كماله فتقول اذا رخمت على لغة من ضم يا سُهى أقبل فكأنك ناديت السهى النجم. ولو رخمت أعين إذا كان أسمًا لقات في قول من قال يا حار يا أعي فجعلت إلهمزة في أعين كظاء ظبي وأعيُ أفع في الحقيقة ولو رخمت أسيد لقلت في قول من قال يا حار يا أسيّ وفيمن قال ياء حار يا أسي والاقيُس في الهمزة أن تجعلها بمنزلة فاء الفعل ليخرج إلى بناء يكثر.
ولو رخمت هبيخا إذا سميت به هو الوادي الواسع لقلت يا هبي وزن هبيخ فعيّل وكنت تخرجه إلى باب معدٍ وقد حكى يبويه عن أبي الخطاب آنهم يقولون للصبي هي فهو فعل وإلى مثل ذلك كنت تُخرجُ مرخم هبيخ لأن فعيا بناء مستنكر ولاجل استنكار البناء كره النحويون إن يخففوا ما نُسب إلى مهيم وهو اسم الفاعل من هيمت وهذا باب ويتسع ولو طولب النحويون بالثبات على البناء المعروف لضاق عليهم كثير من الأشياء لأنهم قد أخرجوا ميا إلى بناء مستنكرواذا قالوا في النسب ميتي فخققوا فهو أيضا بناءُ مستنكر ومن قال إما أن يكون الذي حذف هو الواو الأصلية فيكون البناء قد صار على مثل فيْل وهذا بناء متنسكر وإما أن يكون المحدوف هو الياء الزائدة ثم استثقلت الكسرة على الياء التي أصلها واوفسكنت وخشي عليها القلب إذا أقرت حركتها وقبلها فتحة وهذه دعوى لا تصح والقول الأول أقيمس ومن زعم أن سيدا فعيلٌ ثم قال سيدُ فخفف فانه إن كان حذف الياء التي اصلها الواو فقد بقي البناءُ على فيل أيضا وهو راجعُ إلى مثل القول الأول ولو رخمت رجلًا اسمه إربيان وهو ضربُ من السمك لأقررت ياءه في قول من قال ياحار على الفتحة وسكنتها في قول من قال يا حارُ كما سكنت ياء أظب ونحوه. القول في ترك القُراء إمالة يا إذا كان حرف النداء الإمالة اصلها للأفعا لأنها كثيرة التغير لأنك تقول مضى ويمضي ويبنى الفعل على أبنية مختلفة فتظهر حالُ الياء ثم اتسعوا في ذلك فأجروا الاسماء لقوتها مجرى الافعال والامالة توجد في كلامهم على سبعة انحاء إمالة لياء موجودة كإمالة شيبان وعيمان وإمالة لياء غير موجودة في الللفظ وهي في البناء منقلبة كإمالة باع وسار لأنه من البيع والسير وإمالة لكسرة موجودة كإمالة كإمالتهم ألف عماد وكافر وإمالة لكسرة غير موجودة ولكنها مقدرة في أصل ابناء كإمالتهم خاف لأجل الكسرة التي في خفت وإمالة لإمالة كقولك رأيت عمادا فأمالوا الألف التي بعد الدال إذا وقفوا لإمالتهم الألف التي بعد الميم وإمالة للتشبية وهى إمالة ألف غزا والمكا كأنهم شبهوا ذوات الواو بذوات الياء. وإمالة شاذة نحو قولهم الحجاج أمالوا الاسم من هذا النوع دون الوصف.
وليست حروف المعاني مما تجب فيه الإمالة وإنما حكى النحويون يا زيد لأن يا عندهم في هذا الموضع واقعة موقع الفعل فكأنهم قالوا أدعوا زيدا فأمالوا هذا الحرف كما أمالوا الفعل إذ كان واقعا موقعه وقوى الإمالة أن فيه ياء موجودة وقد قالوا في حروف التهجي باتا فأمالوا ليفرقوا بينها وبين غيرها ولأنهم حكوا بييت باء فذلوا بذلك على أنها من ذوات الياء والقراءة سماع وقياس واختيار فإذا سُمع الحوف وكان السامع له من أهل المعرفة قاسه على نظائره بعد صحة الخبر فيه فإذا وضح له انه مستقيم كان الاختيار بعد ذلك اليه فنقول إن القراء تركوا إمالة يا لان الحروف أصلها الا تدخلها الامالة ولم يطالبوا بأن يحملوا القراءة على ما يجوز في كلام العرب كما انهم لايطالبون بان يقرؤوا ولله على الناس وحجٌّ البيت بالتنوين ولا يلزمهم إذا كان الحرف من الكتاب لغتان أو ثلاث أن يستعملوا ذلك كله بل قراءتهم مردودة إلى الرواية كما إن قياس الفقهاء معلق بالكتاب والخبر وهم مجمعون على قراءة المشعر الحرام بالفتح وقد حُكي أن كسر الميم منه أكثر في كلام العرب وإنما تحمل القراءة على معظم الكلام وأقومه في قياس العربية والممالُ عند البصريين هو الألف فيجعلونها ثلاثة أنواع ألف تفخيم وألف نرخيم وهي ألف الامالة وكذلك سماها سيبويه في كتابة والفُ بين بين وإنما سمى تلك ألف ترخيم لأن النطق بها أخف من النطق بالمفخمة وأما الفراء فدل كلامه على أن الممال هو الحرف الذي قبل الألف لأنه جعل النون هي المكسووة في قولهم إنا لله وهذا قول حسن وإنا لله من الإمالة الشاذة لا نه ليس موضع إمالة وإنما كثر استعماله ولزمته اللام المكسورة التي في اسم الله سبحانه فشبه بألف فاعل ومفاعل وأمالوا إمالا وهذا أيضا شاذو وإنما ذلك لأن الاستعمال كثرفآ ثروا التخفيف وقد مضى القول في أن الإمالة أخف من التفخيم وقول الفراء يقوى في إن الممال هو حرف الذي قبل الألف لأن الامالة تبين في الحرف حدثا ليس في التفخيم والألف لا تحتمل ذلك لأنها ضعيفة جدا وغيرها بالتغيير أليق وهو له اجمل وقد أملواا الفتحة في الحجر والضرر فدل ذلك على أن المالة إنما هي في الحرف الذي قبل الألف وكذلك قول بعضهم نعمة في الوقت الكسرة على الميم بينة فأما الهاء فبرية من ذلك وليست الهاء بأضعف من الألف بل لها مزية في القوة لان الهاء تمكن حركتها والألف لا تحتمل شيئا من الحركات وأنت إذا جئت في الفواصل ألا ترى أنك إذا قلت في المثل أنكحنا الفرا فسترى ففخمت الفرا وأملت ترى فقد جئت باللفظين متباينين ومن تفقد ذلك وجده كثيرا في فواصل السجع وقوا في الشعر ويقوى ترك الامإلة في الحروف التي ليست مشتقة فيحكم على الفاتها بأنها منقلبات عن ياءات ولو قويت الامالة في شيء منها لقويت في لكن لانها على هيئة فاعل وبعد الفها كسرة واختلف النحويون فحكي عن المازني أن لكن الخفيفة مأخوذة مغ الثقيلة وقال غيره بل هي على حالها وقد زعم الفراه أن أصلها لاكِئن واحتج بدخول اللام في الخبر وأنشد: ولكنني من واحد لكميد وهذه دعوى لا تثبت وإن صح دخول اللام في خبر لكن فيجوز أن يكون شاذًا وقد زادوا اللام في مواضع كما قال الراجز: أم الحليس لعجوز شهر به وهي المسنة التي فيها بقية والبيت معروف وقد حكى الفرآء دخول اللام على اللام في قول الشاعر: لددتهم النصيحة أي لدٍ ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاوٌا فلا والله لا يرجى لما بي ... ولا للما بهم أبدًا داءُ ويروي شفاه وفي قول الآخر فلئن قوم أصابوا غرة ... وأصبنا من زمان رنقا للقد كنا لدى ارحلنا ... لصنيعين لباس وتقى إلا أن قول الفراء يقوي ترك الامالة في لكن لأن صدرها لا النافية وقراءة الكسائي جرت على هذه العلة وترك الامالة في مثل قولك يخرج وأنت تريد يا فلان أخرج وفي مثل قوله ألا يا سجدوا وفي مثل قول الشاعر: ٤ا - لا يا سلمي ثمت اسلمي ... ثلاث تحيات وان لم تكلمي
واجب على رأي البصريين لان الألف ذهبت لالتقاء الساكنين وإنما تكون الامالة للالف فمن أمال في قولك يا زيد لم يمكنه إن يميل في هذا الموضع لان الألف قد ذهبت فاذا وقف الواقف فأظهر الألف فالواجب الا يميل ليكون حال الوصل كحال الوقف وإذا سقطت الألف لم يبق للامالة مدخل لان أصل الامالة إنما وضع لهذا الحرف وان كانوا قد أمالوا أشياء إلى الكسرة والى الضمة إلا أن معظم الباب للألف على رأي البصريين فأما على رأي الفراء إذا كان إعتقاده إن الامالة للحرف الذي قبل الألف فلا تجب بعد سقوطها لأنها من أجل الألف تحدث فمن قال طما رأيه يا زيد فأمال لم يبق له إلى الامالة سبيل اذ قال يا اشكر محمدًا وهو يريد يا فلان اشكر محمدًا ومن زعم أنك تميل إذا قلت يا زيد لأن الحرف مشبه بالفعل قويت عنده الامالة في قول الشاعر: يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والطيبين على سمعان من جار لأنه قد جعل يا كالمستغنية ولم يجعلها كغيرها من الحروف لانك إذا قلت إن وليت ونحو ذلك لم يكن بد من أن تجيء بالاسم ويا هذه قد خالفت الحروف في أنها تحذف تارة ويحذف اسمها أخرى والذي أذهب اليه أنهم أمالوا يا زيد لاجل الياء الموجودة وإذا قيل ذلك فامالتهم يا جذع أقوى من إمالتهم يا عمرو لان الجيم من جذع مكسورة والعين من عمرو مفتوحة والياء المنقلبة أجذب إلى الامالة من الياء الموجودة. القول في قول الراجز أين الشظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة الجلنفعه الابيات التي يسال عنها على أربعة أضرب بيت فارد وهو الذي ليس بعده شيئ ولا قبله وبيت فاتح وهو المبتدأ به وبعده بيت اخر وبيت واسط وهو الذي قبله بيت وبعده بيت وبيت خاتم وهو الذي يكون آخر الأبيات وكل بيت يسأل عنه فانه لا يخلو من أحد امرين اما إن يكون معناه قد كمل فيه واما أن يكون معناه يكمل في الذي بعده أو الذي قبله أو فيهما جميعًا وإنما قدمت ذلك لان هذا الشعر الذي سأل عنه يتردد في كتب اللغة وهو على ما ذكر ليس قبله شيء ولا بعده وهو بيتان لان قوله: (أين الشطاظان وأين المرْبعَه) بيت على رأي النحويين المتقدمين والمتأخرين ألا ترى الذين عدوا شواهد كتاب سيبويه عدوا قول العجاج: قواطفا مكة من ورق الحمي بيتا وكذلك قول الآخر ... دار لسعدى إذه من هواكا وعدوا قول الآخر: رُبَّ ابن عم لسليمى مُشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل بيتين وكذلك جميع ما تسميه العرب رجزا إذا عده أهل العلم بالعربية جرى عدده على ما تقدم ذكره والشظاظان تثئية شظاظ وهو عود يُدخل في عروة الجوالق قال الراجز: نهبت يممونا بأشمذين ... فقال لي وأن أنتين أماترى ما قد أصاب عيني ... من الشظاظ ومن الحنوين والمربعة عصا قصيرة تدخل تحت الجوالق ويأخذ الرجلان برطفيها إذا أراد رفعه يقال ربعنا الحمل وارتبعناه. وفي الحديث أنه مر بقوم يرتبعن حجرأ يرفعونه ويقال رابعتُ الرجل والمرأة إذا فعلت أنت وأحدهما ذلك بحمل أو حجر وأنشد ابن الاعرابي: يا ليت أم الغمر كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الركائب ورابعتني تحت ليل ضارب ... بساعدٍ فعمٍ وكفّ خاضب وقيل رابعتنى أي أخذت بيدي. والوَسق الحمل وفيه لغتان فتح الواو وكسرها والجلنفعة الغليظة الجافية ومن روى المطبعة فانه يعني التى قد أثقل حملها يقال طبعتُ الناقة والسفينة إذا أوقرتهما ولذلك قالوا للنهر المملوء ماء طبع قال الهذلي: وما حمل البختي عام غياره ... عليه الوسوق بُرها وشعيرها أتى قرية كانت كثيرا طعامها ... كرفع التراب كل شيء يميرها فقيل تحمل فوق طوقك إنها ... مطبعة من يأتها لا يضيرها يعني أن هذه القرية مملوؤة من الطعام ويجوز أن تكون المطبعة في البيت قد وقعت في طبع وهو النهر لأن الابل قد توحل كما جرت عادتها ألا ترى إلى قول لبيد: فتولوا فاترًا مشيهم ... كروايا الطبع همت بالوحل القول في قراءة ابن عامر على ما حكى في بعض الروايات من قوله أفئيدة
اختلف أهل العلم في مستنكر القراآت فكان بعضهم يجترئ على تخطئة المتقدمين وكان بعضهم لا يقدم على ذلك ويجعلُ لكل شيء وجهًا وإن كان بعيدًا في العربية واحتج من أجاز غلط الرواة بأن الذين نقلوا كان فيهم قوم قد أدركوا زمن الفصاحة فجاؤوا بها على ما يجب وقوم سبقتهم الفصاحة ولم يكن لهم علم بقياس العربية فلحقهم الوهم الذي لا يتعرى منه ولد آدم ﷺ وأفئيدة بناء مستنكر لم يجيء مثله في الآحاد ولا في الجموع ولم يحك سيبويه ولا غيره فيما أعلم شيئًا على مثال أفعيلة بفتح الهمزة ولا على مثال أفعيل إلا ما روي في قراءة الحسن من أنه كان يفتح همزة الإنجيل وهذا في الشذوذ يشبه قراءة ابن عامر هذه والإنجيل قد وافق ألفاظ العربية فان كان له فيها حظ فقد زعموا أن اشتقاقه من قولهم استنجل الوادي إذا ظهر فيه نجلُ وهو الماء المستنقع ويجوز أن يكون اشتقاقه من النجل وهو الولد كأن هذا الكتاب ولد للكتاب المتقدمة وقد جاءت الألفاظ كلها يشبه أن يكون الإنجيل مشتقا منه لأن النجل السعة في العين فيجوز أن يكون هذا الكتاب سعة في الدين وكذلك قولهم نجلت الإبل الكمأة إذا استثارتها بأخفافها فيجوز أن يكون الانجيل استثير من العلم القديم وكل نون وجيم ولام في العربية وان أتسع ذلك لا يمتنع أن يكون اشتقاق الإنجيل منه وقيل الإنجيل الأصل وهو م جائز عليه أن يكون أعجميًا وافق ألفاظ العربيةوذلك به أشبه كما أن يعقوب اسم النبي (لا يحمل على انه مأخوذ من اليعقوب الذي هو ذكر الحجل وأما فتح الهمزة في إنجيل فمل يقول بعض الناس أنه غلظ، لأنه لا قياس له ولم ينقل مثله في الشعر الفصيح ولا الآثار الثابية. وأما أفئيدة فان أنها قرأ بها موثوق به في الفصاحة فإنها والله أعلم أفئدة في الأصل كما قرأت الجماعة ثم ريدت الياء بعد الهمزة لأن الكسرة فيها الازمة فتكون هذه الفراء مشاكلة لقراءة من قرأ فذانيك بُرهانان وزيادة الياء في أفئيدة منها في ذانيك لأن نون التثنية ليست ثابتة كثبات غيرها من حروف الاسم اذ كانت تسقط في الواحد وفي الاضافة وقد وجدنا العرب زادوا الألفات والياءآت والواوات وقد حملوا قراءة كثير إنه من يتقي ويصبر على أن الياء التي بعد القاف حدثت لتمكين الكسرة كأنه كان أنه من يتق ويصبر كقرإءة الجماعة ثم زيدت الياء لأجل الكسرة وإلى هذا الرأي ذهب الفارسي فأما المتقدمون فكانوا يحملون هذا على أنه من رد الأشياء إلى أصولها فالياء في يتقيعلى رأي من تقدم هي أصلية لأنها لام يفتعل وعلى قول الفارسي تكون زائدة وعلى هذين القولين يجرى قول الشاعر: ألم يأتيك وإلأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد ويقوي قراءة ابن كثير إن قراءة الجماعة اجتمعت فيها متحركات أربعة وهي التاء الثانية من يتق والقاف والواو والياء وهم يستثقلون الجمع بين متحركات في هذا العدد ولذلك لم يجئ توالي هذه العدة من المتحركات في الشعر الاعند زحاف وليس في أصل أبنيتهم أن يجتيء مثل ذلك فأما قولهم عُلبط وهو الغليظ والكثير يقال قطيع من الغنم عُلبط إذا كان كثيراُ مترا كبا وهُدَبدُ وهو العشاء في العين ويقال هو اللبن الغليظ وما كان مثلهما جاء على حذف والاصل عُلاِبطُ وهُدضابدٌ وقد زادوا الياء للزوم الكسرة في مواضع كثيرة قالوا سواعيدُ في جمع ساعدٍ وإنما المعروف سواعدُ قال التغليُّ: وسواعيد يختلين اختلاء ... كالمغالي يطرن كل مطير يختلين يقطعن مثل ما يختلي الزرع والمغالي السهام التي يغلي بها أي يرمى بها فهذه ضرورة وأنشد الفرآء قول زهير: عليهن فرسان كرام لباسهم ... سوابيغ زغف لا تخرقها نبل
فهذه زيادة بغير ضرورة لأنه لو حذف الياء لم يضر بالبيت وكذلك قولهم حواجيب في جمع حاجب وتوابيل في جمع تابل هو من هذا الباب وقياس قول الفراء انك إذا قلت فواعل كان دخول الياء فيه أصلح من دخولها في غيرها لأنه قد جاء فاعول في معنى فاعل كقولك رجل حاطوم وقاشور ويجب على قياس قوله أن يكون دخول اليآء في مثل مذاود أقوى منها في فواعل لأن مفاعل ومفاعيل تشتركان كثيرا ولأن مفعلًا مقصور من مفعال وقولك في منخير أقوى من قولك في مسجد لأن مفعيلًا قد كثر محو المعطير والمحضير ومفعيل قليل على إن الفراء قد حكى مسكين بفتح الميم في كتاب التثنية والجمع وحكى أبو مسحل منديل في منديل وهذه نوادر لا يطرد عليها القياس وقولنا مفاعيل في مفاعل عند الضرورة أقوى من قولهم افاعيل في أفاعل إذا كانت أفاعل جمع افعل مثل أحمر وأحامر لانه لا يجيء مثل افعال في الواحد إلا وهو يراد به الجمع فمن باب أفئيدة قول عبد مناف بن ربع الهذلى: وللقسي أزاميل وغمغمة ... حسن الشمال تسوق الماء والبردا فازا ميل جمع ازمل وهو الصوت وإنما القياس أزامل وقولهم في الضرورة ازانيد أسوغ من قولهم أزميل لانهم قالوا زند وازند وجاء أزناد فاذا قيل أزنيد كان على ازناد وإذا قيل ازاند وهو الوجه كان على ازند قال ابو ذؤيب: اقبا الكشوح أهضمان كلاهما ... كعالية الخطي واري إلازاند ومن هذا البيت الذي أنشده سيبويه: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهم تنفاد الصاريف فهذا البيت ذكره في ضرورة الشعر والأشبه أن يكون المراد به زيادة الياء في التصاريف لأن الواحد صيرف والباب صيارف كما انك إذا جمعت جيدا وهو القصير قلت جيادر ومن روى الراهم فانه يحتمل وجهين احدهما لن يكون من باب سواعيد وهو اقواى منه لان فعلالا كثير ويجوز إن يكون على قول من قال درهام فان كان درهام نطقوا به في غير الضرورة فليس في قول الفرزدق الداهيم شيء يحمل على الاضطرار لأن الباب على ذلك كما تقول عرزال وعرزازيل وقناطر وقناطير وان كانوا لم يقولوا درهام اللا في الضرورة كما قال الراجز: لو إن عندي مائتي درهام ... لابتعت داراُ في بني حرام وعشت عيش الملك الهمام ... وسرت في الأرض بلاخاتام فأن دراهيم يجوز أن يشبه بما ذكره النحويون من الضروة التي يلتزمها الشاعر خشية النقص على الوزن وان لم يكن استعمال غيرها مخلًا بالنظم كما أنشدوا للهذلي: أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط فزعموا أنه فتح الياء للضرورة ولو قال على معار فاخرات لم يخل بالبيت وانما كان ينقصه حركة لا يشعر بها في الغريزة ولا تعدم قصيدة من قصائد العرب والمحدثين اذا كانت على وزن يبت الهذلي الذي قافيته العباط إن تجيء فيها مواضع كثيرة قد حذفت منها الحركات والأبيات قويمة في الغريزة ومما زادوا فيه الياء كما زيدت في أفئيدة قولهم شيمال في شمال وبعضهم ينشد بيت امرئ القيس: كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... دفوف من العقبان طأطأت شيمالي يريد شمالي وأما قول الراجز: لا عهد لي بالنيضال ... كأنني شيخ بال فانه أراد النضال فزاد الياء وهذا مردود إلى الأصل فهو اقوى من أفئيدة لأنك إذا قلت قاتلتُ وضاربت فأصل المصدر أن يجيء على فيعال مثل ضيراب وقيتل ليكون على عدة مصادر ذوات الأربعة بالزيادة وغير الزيادة نحو الإكرام والدحراج والكذاب وأما زيادتهم الألف فكقولهم العقراب في العقرب وهذا رديء لأنه يخرج إلى بناء مرفوض وانما يجييء فعلال في المضاعف مثل الزلزال والبلبال، والسلسال وقد جاء منه حرف واحد في غير المضاعف قالوا بالناقة خزعال أي ظلع وحكم الضرورة ليس كحكم غيرها في الأبنية ألا تراهم يقولون فعل لم يجيء منه إلا شيء قليل مثل إبل وإطل للخاصرة وبلز وهي المرأة الضخمة في أشياء نوادر ولا يعتدون بقولهم في الضرورة دبس وبكر يريدون الدبس والبكر في أشباه لهما كثيرة قال أبو زبيد: فنهزة من لقوا حسبنهم ... أشهى اليه من بارد الدبس وقال أوس بن حجر: لنا صرخةٌ ثم إصماتةُ ... كما طرقت بنفاس بكر وقال الراجز في العقراب:
أعوذ بالله من آل العقراب ... المصغيات الشايلات الأذناب وقد ادعى قوم أن قولهم استكان إنما هو من استكن أي افتعل من السكون ثم زيدت عليه الألف وهذا نقص للقياس لا يجوز أن يذهب اليه ذاهب عرف أصول العربية لأنهم لم تجرعادتهم بمثل ذلك ولو فعلوه في موضع لم يجعلوه أصلا يقاس عليه وقد قالوا يستكين ومستكين قال ابنُ أحمر: ولاتصلي بمطروق إذا ما ... سرى في القوم أصبح مستكينا وإنما استكان الستفعل ومُستكين مستفعل وهوه مأخوذ من قولهم كان كذا وكذا أي المسكين كأنه شيء قد كان أي ذهب ومضى ويجوز أن يكون مأخوذا من الكين وهو لحم الفرج يراد أنه قد ذل وضعف كأنه قد صار من ذلك فاذا كان من الكون فألفه منقلبة من الواو وإذا كان من الكين فهو من ذوات الياء واستكان على القول الذي حُكي وزنه افتعال ويستكين وزنه افتعال ويستكين وزنه يفتعيل ومستكين ونه مفتعيل وهذه أبنية مستنكرة وإنما يستعمل مثلها في الضرورة فأما في عمود اللفظ فلا يجوز أن تقع وقد روي أن الحسن قرأ واعتدت لهن متكآءً بالمد فهذا مُفتعال وهو يضاهي في الألف باب افئيدة في الياء ومن مفتعال المستعمل في الضرورة قول الشاعر أنشده الفارسي: وعن شتم الرجال بمنتزاح يريد بمنتزح وما أعتقد أن شاعرًا قويًا في الفصاحة يريد مثل هذه الزيادات وإنما هي شواذ ونوادر وقد ينطق بها غير فصيح لأن البيت إذا قاله القائل حمله الراشد والغوي وربما أنشده من العرب غير الفصيح فغيره بطبعه الرديء ومن زيادة الألف على رأي أبي علي قول الراجز: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق فهو يرى أن هذه الألف زيدت بعد الجزم وليست الألف التي في قولك هو يترضاها والمذهب القديم أن الألف هي الأصلية لأن ردهم الأشياء إلى أصولها عن الضرورات أشبه من اجتذاب ما يستحدث من الزيادات وعلى هذا يجرى القول في بيت عبد يغوث إن وقاص: وتضحك مني شيخةٌ عبشميةٌ ... كأن لم تريْ قبلي أسيرا يمانيا فمن روي تري على المواجهة فلا ضرورة في البيت ومن روى ترى على الغائب المؤنث فهو مردود إلى الأصل على القول المتقدم والألف فيه هي الياء التي كانت في رأيتُ وهي من نفس الحرف وهي على رأي الفارسي مجتلبة لأنجل فتحة الراء والقول الأول أقيس لأنهم قد ردّوا الأشياء إلى أحكامها في أصول الأبنية كما قالوا رادد في راد وقاضي في قاض فاذا فعلوا ذلك جاز أن تلحق الألف بالهمزة، كما قان الشاعر: وكنت أرجي بعد نعمان جابرا ... فلوّأ بالعينين والألف جابر وإنما هو لوى بعير همز فكأنه قال لوّى فلم يستقم ذلك فعدل إلى الهمزة لمجانستها الألف. وأما زيادتهم الواو لأجل الضمة فكقولهم القرنفول قال الراجز: خود أناة كالمهاة عطبول ... كأنما نكهتها القَرَنفُزل ويقال إن طيئا تقول أنظور في معنى أنطر وقد أنشد الفراء: لو أن عمرًا هم أن يرقودا يريد يرقد ويجب أن يكون من هذه اللغة قول الوليد بن يزيد: إني سمعت بليل ... نحو الرصافة رنه خرجت اسحب ذيلي ... أنظور ماشأ نهنه وقد ينشد أنظر بغير واو ذلك كسر في البيت. وأما قول من يحتج لأفئيدة أنها من الوفود فلا فائدة فيه لأنها لا تخرج بذلك إلى وجه محتمل وإنما جعلها رديئة كونها في وزن مستنكر فمن أي شيء اخذت على ذلك فهي مستكرهة وليس معنى القراءة إذا كانت بالياء إلاكمعناها بغير ياء وإذا جعلوا أفئيدة من الوفود لزمهم في ذلك أشياء أولها، أنهم همزوا واو وفود لضمتها همزا لازما جمعوها على أفعلة لأن فعولًا وفعالًا قد يجمعان على أفعلة اما فُعول فيشبه بفعول مثل عمود، وأما فعال فيسبه بحمار وبابه، وقد قالوا استرة في جمع ستر كأنه جمع ستور أو ستار وقالوا افرخة في جمع فرخ كأنه جمع فروخ أو فراخ فهو جمع، فال الشاعر: أفواه أفرخة من النغران
فكأنهم قالوا أفود أو وفادٌ على مثل كعب وكعاب ثم همزوا الواو في وفاد للكسرة ثم جمعوا ثانية فكان القياس أن يقولوا آفدة، كما قالوا إناء وآنية وإهاب وآهبة ثم كرهوا أن يجيئوا بأفعلة التي للجمع في لفظ فاعلة فأخروا الهمزة، كما قالوا رآء ورأى فقالوا أفئدة ثم زادوا الياء بعد ذلك لمكان الكسرة، كما زادوها فيما تقدم ذكره وإذا جعلوا أفئيدة في معنى أفئدة جمع فؤاد فقد استغنوا عن هذا الاحتيال فى الهمزة وتغييره وتكون العلة واحدة في زيادة الياء للكسرة، وقد روى عطاء بن أبي زباح عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى أفئدة من الناس تهوي اليهم ما يدل على أنه جمع فؤاد لأنه فسر تهوي تحن وهذا هو قياس التفسير ويجوز أن يكون قوله أفئدة يراد به أصحاب الأفئدة ثم حذف كما يحذف المضاف ومثله في القرآن كثير كقوله واسأل القرية ونحوه وكقول الشاعر: حسبت بغام راحلتي عناقًا ... وما هو ويب غيرك بالعناق أراد بغام عناق ولو كانت أفئيدة كلمة موحدة لجاز إن يكون اشتقاقها من الأفد وهو السرعة إذ كانوا قد قالوا هو افد أي عجل، وقد افد البين أي حان قال ابن أبي ربيعة: يا أم طلحة إن البين قد أفدا فكان يكون معناه جماعة عجلة وهو على انه جمع لا يمتنع من مثل هذه الدعوى وكونه من إفد أقيس من كونه من الوفود لأنه إذا كان من أفد نقص رتبة في التغيير لأن الهمزة فيه غير منقلبة. القول في المسألتين اللتين ذكرهما النحويون من قولهم أزيبدًا ثم يضربه إلا هو وأزيد لم يضرب إلا اياه جعل النحويون المنفصل في هذا الباب من الضمير بمنزلة الاجنبي فقالوا أزيدًا لم يضربه ألا هو كما قالوا أزيدًا لم يضربه إلا عمرو وهذا بين واضح لأنهم جعلوا ما قرب إلى الاسم أولى به وإذا قالوا أزيد لم يضرب الا اياه فكأنهم قالوا أزيد لم يضرب إلا عمرا فارتفاع زيد في إحدى المسالتين بفعل مضمر يفسره الفعل الذي بعده وانتصابه كذلك والتفسير فيما ظهر من الفعل وقال قوم يرفع على الابتداء ويتصل بهذه المسألة انهم لا يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضربه وهم يقولون زيد ضرب نفسه وقليل في كلامهم زيد ضرب اياه لانهم استغنوا بنفسه عن ذلك ولانه كان الأصل إن يتعدى فعله إلى الهاء ثم انهم رفضوه كما رفضوا غيره مما فيه لبس لانهم قالوا زيد ضربه وهم يريدون ضرب نفسه لا لتبس بقولهم زيد ضربه وهم يريدون الكناية عن غائب فينبغي أن يجرئ اياه في المسألة مجرى الاجنبي وكذلك هو لانا لو وضعنا في موضعهما أجنبيين لصلح الكلام فكنا نقول أزيد لم يضرب إلا عمرًا وهذا كلام لا خلاف في حسنه وكذلك نقول أزيدا لم يضربه إلا عمرو فلا مرية في جوازه وإنما يقوى المنفصل ها هنا لأن حرف الاستثناء حال بينه وبين ما قبله فالمسألتان واضحتان ليس فيهما اشكال. القول في المسألة التي ذكرها أبن كيسان في كتابه المهذب وهو قوله هذا هذا هذا هذا أربع مرات فذكر على قول الكوفيين إن الأولى تقريبٌ والثانية مثال وهو اسم الفاعل والثالثة فعلٌ والرابعة مفعول وهذه المسالة بينة وأما قوله تقريب فهو من قرب الشيء كقولهم من كان يريد الماء، فهذا النهر، ومن كان يريد الكسوة فهذه البرودُ ومنهُ، قول جرير: هذا ابنُ عُمي في دمشق خليفةٌ ... لو شئت ساقكم إلي قطينا
وقوله مثالٌ يريد أنه على معنى التشبيه الذي أسقطت منه مثل كما تقول زيدٌ عمروٌ أي مثل عمر ثم يحذف فكأنه يريد هذا مثل هذا أي نائب منابه وقوله هو اسم الفاعل كلام صحيح وليس مراده به ان الفعل تقدمه كما تقدم في قولك قام زيدٌ وانما يريد به أن الفعل وقع منه ولا يُبالي أمتقدما كان أم متأخرا كما انك إذا قلت زيد ضرب عمرا فزيد اسم الفاعل وإن كان مرفوعا بالابتداء وقد بان أمر المسألة فيما ذ كر وهو جلي لا يفتقر إلى إطالة وقد يقع في الكتب الفاظُ مستغلقةُ فمنها ما يكون تعذر فهمه من قبل عبارة واضع الكتاب لأنه يكون مستورا على ما بعده من الألفاظ وعلى ذلك جاءت عبارة سيبويه في بعض المواضع ومنها ما يستبهم لأن صاحب الكتاب يكون قاصدا لإبهامه ويقال إن النحويين المتقدمين فعلوا مثل ذلك ليفتقروا اليهم في إيضاح المشكلات ومن ألفاظ الكتب ما يستعجم لتصحيف يقعُ فيه فان الحرف ربما زاغ عن هيئته فأتعب الناظر وشغل قلب المفكر وربما كان الكلام قد سقط منه شيء فيكون الإخلال به أعظم ومعناه أبعد من الإبانة. القول في قول الراجز يا أيها الضب الخذوذان هذا البيت ينشد على أنه خاطب الواحد ثم خرج إلى خطاب اثنين وهو على معنى قوله رب أرجعون ومثل ذلك موجود إلا أن هذا البيت قبح فيه مثل ذلك لأن التثنية وقعت موقع النعت فتبين الخلل في اللفظ وإذا أنشدوا الخذوذان فاشتقاقه من الخذاذات وهي ما يقطع من أطراف الفضة والمعنى أن هذين الضبيين يحتفران فيقطعان الصخر والجندل كما تقطع الفضة، والضبّ معروف بالحفرو لذلك قالوا ضب دامي الأظافير، قال الشاعر: كضب الكدى أدمى أنامله الحفر (٥) وإذا قيل الخذوذيان فهو تثنية خذوذى مأخوذ من الخذاء وهو الاسترخاء يقال وقعوا في ينمة خذواء وهي ضرب من النبت، أي قد طالت واسترخت ومنه قيل الخذا في الأذن ووزن خذوذ فعول ووزن خذوذى على رأي سيبويه فعوعل وعلى رأي غيره فعلعل وكلا الوجهين له مذهب وجهة. القول في مهيمن جاءت في القرآن أشياء لم يكتر مجيئها في كلام العرب فمنها مهيمن وأجمع الناس على أنه مفيعل وانه مكبر وإن رافق لفظه لفظ التصغير وهو جار على فيعل وإذا حمل على الاشتقاق فانه لا يخلو من أمرين أحدهما أن يكون من همن وهذا فعل ممات وان كان كذلك فليس يجب إن يخرج من كلام العرب لأن اللغة واسعة جدا ولا يمكن أن يدعي حصولها في الكتب عن آخرها وقد تكون الكلمة حقيقة في اللفط ولم ينطقوا بها فيما اشتهر من الكلام كقولهم المدع فهذه الكلمة تشبه كلام العرب ويذكر المتقدمون انهم نطقوا بها وكذلك الرمج في أشياء كثيرة إذا تصفح ما ينقلب من الثلاثي وجدت فيه لأن الأشياء التي هي أصول الأسماء ثلاثة الثلاثي والرباعي والخماسي. فالثلاثي على ثلاثة أضرب أولها إن " يستعمل بكليته في حال انقلابه وذلك ستة أبنية مثل القاف والراء الميم فقد استعمل قرم وقمر ومقر وهو دق العنق ومرق وهو النتف ورمق وهو مصدر رمقه يرمقهُ ورقم مصدر رقم يرقم إذا كتب، والثاني أن يستعمل بعضها ويهمل بعضها مثل القتل استعملت هذه اللفظة ولم يستعمل التلق ولا اللتق ولا اللقتُ واستعملوا القلت والثالث من الثلاثي بناء أهمل بكليته مثل الخاء والظاء والراء نحو الخظر لم تجىء هذه الكلمة ولا شيء من وجوهها. والثاني من الأصول هو الرباعي وهو ينقلب أربعا وعشرين قلبة ولم يستعمل منه إلا الأقل. والثالث الخماسي وهو أقل في الاستعمال من الرباعي لأنه ينقلب مائة وعشرين قلبة وإنما تجد اللفظة منه وحدها في الباب كقولك سفرجل فلم يستعمل من مائة وعشرين بناء غير هذه اللفظة وكذلك أكثر الخماسي. وهمن هو من الباب المتوسط من أبواب الثلاثي ولم يذكره أحد من المتقدمين فيما أعلم وقد كان في أصحاب النبي (امرأة يقال لها هُمينة وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة وهذه من الهمن لا محالة وموضع يعرف بهمانية وهو من الهمن أيضًا.
والوجه الآخر في مهيمن أن يكون من الأمن والأمانة وقد أبدلت الهاء من الهمزة وقد يبدلونها من الهمزة كثيرا كما قالوا هبريةٌ وإبريةٌ لما يتساقط من وسخ الرأس وهرقتُ وأرقتُ وهرحتُ الدابة وأرحتها وهما والله وأما والله ولما سُمع في القرآن مُهَمْين اعتبره أيهل النظر فوجدوه يحتمل امرين التكبير والتصغير فلم يجز إن يحمل على التصغير لأنه جاء في صفات الله سبحانه وعزت صفاته عن ذلك فلما لم يكن أن يجعل مثل مخيدع تصغير مُخدع ولا مثل مفيتح تصغير مفتح ولا مثل مُديخِل تصغير مدْخل ولا أن يحمل شيء من هذه المصغرات وجب أن يُحمل على مكبرات الأسماء فوجدوا حروفه كلها من الحروف التي يمكن زيادتها لأن الذين حصروا حروف الزيادة جمعوها في قولهم اليوم تنساه وهويت السمان وسألتمونيها ونحو ذلك. فلما نظروا في حروف مُيهمن وجدوا ما حُصر من حروف الزيادة يتناول جميعها في الظاهر فعلموا أن جميع حروف الشيء لا يمكن أن تكون زوائد فابتدوءا بالنظر في الميم التي هي أول حروفه فعلموا أن لها ثلاثة موضع إذا كانت لها زوائد تُزاد أولًا ووسطا وآخرًا فإذا كانت أول الاسم بعدها ثلاثة أحرف من الأصول حكم عليها بالزيادة ولم ينظروا إلى الحروف الأصلية أمعها زائد غير الميم أم لا فإذا كانت الحروف الأصلية مجردة من الزيادة سوى الميم فهي مثل قولك المخدع والمرسن والمدخل والمدهن وإذا كان في الأصلية زائد آخر فهو مثل قولك المرداس والمفتاح والمعلوق لواحد المعاليق وحكموا على ميم مغرود بالزيادة وهو ضرب من الكمأة لأنهم حكوا مَغرودا أو مُغرودا فقولهم مغرود بفتح الميم يحكم على أنه مفعول لأن هذا المثال كثر في مثل مضروب ومقتول وان لم يصرفوا من مغرود الفعل إلا انهم قد قالوا الغرد والغرد لضرب من الكمأة وقالوا في الجمع الغردة قال الشاعر: تنفي الحصى زيما أطراف سنبكها ... نفي الغراب بأعلى انفه الغرده وإذا حكموا على أن الواو زائدة في مغرود وهي كذلك بقي على ثلاثة أحرف من الأصول وفي أوله الميم فالحقوه بغيره من الأبنية في الحكم ولم يجعلوه مثل فعلول لان ذلك بناء مستنكر وإنما جاء في صعفوق لواحد الصعافقة ويقال انهم قوم يحضرون الأسواق بلا رؤوس أموال أموال وآل صعفوق خول باليمامة وإنما قالوا مغرود فضموا للاتباع كما قالوا منخر فكسروا لذلك. وإذا كان بعد الميم ثلاثة أحرف فيها ألف نظر في أمرها إن كانت للتأنيث أو منقلبة من واو أو ياء أو ملحقة فإن كانت للإلحاق أو للتأنيث فالميم أصلية وإن كانت منقلبة فالميم زائدة فالملحقة مثل معزى يستدل على إن الميم من الأصل بقولهم معيز ومعر ويستدل على أن الألف للإلحاق بأنها تنون فتقول مررت بمعزى أمس وكذلك ينشد هذا البيت: ومعزىً هدبًا يعلو ... قران الأرض سودانا ولو بنيت الفعلى من قولك هذا أمجد منك لقلت في التأنيث المجدى فحكمت على أن الميم أصلية وأن الألف للتأنيث لأنه من المجد. واما المنقلبة من الواو والياء فمثل قولك المغزى والمقضى لأنه من غزوت وقضيت فهذا يحكم على أن ميمه لأن بعده ثلاثة أحرف من الأصول وكذلك يحكم على قولهم مراجل لضرب من الثياب بأن الميم فيه زائدة في أصح الأقوال فأما قول الراجز: بشية كشية الممرجل فان الميم لما كثر لزومها البناء أدخلوا عليها الميم التي تلحق المفعول في مثل مدحرج وبابه كما قالوا تمسكن فجعلوا الميم كأنها من الأصل وإنما هو من السكون وكذلك قالوا تمدرع من المدرعة وإنما القياس تدرع لأنها من الدرع. وعلى ذلك يحمل موسى إذا أريد به موسى الحديد فإذا جعل مفعلا فالميم فيه زائدة وان جعل فعلى فالميم فيه أصلية فأما موسى اسم النبي (. فليس من العربية وان كان قد وافق لفظ موسى الحديد كما أن لوطًا ونوحًا ليسا من أسماء العرب وان وافقا فعللًا من ناح ينوح ولاط الحوض يلوطه إذا طلاه بالطين. وإذا كان بعدها أربعة أحرف من الأصول مجردةً أو غير مجردة وكانت على زنة أسماء الفاعلين أو المفعولين حكم عليها بالزيادة مثل مدحرج ومسرهف وهو الحسن الغذاء فهذا فيه بعد الميم أربعة أحرف جردت من الزيادة وأما مقشعر ومحرنجم فبعد الميم أربعة أحرف معها زيادة فأحد الراءين في مقشعر زائدة وكذلك نون محرنجم.
وإذا كان البناء الذي في أوله الميم على غير أبنية الفاعلين والمفعولين حكمت على الميم التي في أوله بغير الزيادة إذا كان بعدها أربعة أحرف من الأصول مجردة أو غير مجردة مثل قولك المردقش والمردقوش وهو ضرب من النبت ويقال إنه الزعفران قال الشاعر: وريح المرد قوشة والشهودا فالميم ها هنا من الأصل لأن بنات الأربعة لا تلحقها الزوائد في أولها لا أن تكون أسماء فاعلين أو مفعولين أو ازمنة أو امكنة أو مصادر لأن الفعل إذا كان عدده أربعة فما زاد جاء مصدره في لفظ مفعوله وكذلك اسم الزمان والمكان منه فنقول أكرمت زيدًا مكرمًا وانت تريد إكرامًا وكذلك هذا مكرم بني فلان أي الموضع الذي أكرموا فيه وجئتك مكرم بني فلان أي وقت أكرموا وقوله تعالى بسم الله مجراها ومرساها يجوز أن يكون المجرى والمرسى مصدرين في معنى الإرساء والاجراء ويجوز أن يكونا اسمين للزمان ويكونا في موضع نصب تقديره اركبوا فيها بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها وإذا كانت الميم متوسطة حكم بأنها أصل ختى يدل الاشتقاق على غير ذلك وإنما تزاد وسطا في مواضع قليلة من ذلك قولهم دلامص وهو البراق يحكم على أن الميم فيه زائدة وكذلك يروى عن الخليل لأنهم قالوا دليص في معنى دلامص قال امرؤ القيس: كنائن يجرى فوقهن دليص وقال أبو دوءاد: ككنانها الزغري جللها من الذهب الدلامص وزعم غير الخليل أن ميم دلامص أصل وأنها لفظة قاربت لفظ دليص كما قالوا سبط وسبطر وجحد وجحدل إلا إن معنى جحد أنكروا معنى جحدل صرع وحكى عن الأصمعي أنه كان يجعل قولهم للأسد هرماسٌ من الهرس فالميم فيه زائدة على هذا القول ووزنه فعمال ووزن دلامص إذا كانت الميم زائدة فعامل. وأما زيادة الميم في الأواخر فهي أكثر من زيادتها في الأوساط إلا انه لا يحكم عليها بذلك إلا بعد اشتقاق كقولهم للأزرق زرقم لأنه من الزرق وللمرأة الخدلة الساق خدلم ومن ذلك قولهم للبعير شدْقم لأنه من سعة الشدق قال الشاعر: تمشي الدفقي من مخافة شدقم ... يمشي العجيلى والخنيف ويضبر فلما نظروا في زيادة الميم أوجبت الصورة أن تكون ميم مُهيمن الأولى زائدة لأنه على مثال مُهينم وهو الذي يتكلم كلاما خفيًا. قال أوس بن حجر: هجاوءك الا إنما كان قد مضى ... عليَّ كأثواب الحرام المهينم ثم نظروا إلى الهاء فعلموا أنها من الأصول لأن زيادتها تقع في الأواخر للسكت وللتأنيث إذا وقفت كقولك أغزه في الوقف وطلحة ونحو ذلك فأما قولهم مُهراقُ فان الهاء بدل من الهمزة فكأن أصله موءراق فالهاء زائدة لأنها وضعت موضع الهمزة وليس ذلك إلا في هذا البناء وحده وتقول مُهَرِيق ومُهَريق ومهَراق ومِهْراق فتحرك وتسكن ومن ذلك قول امرىء القيس: فان شفائي عبرة مُهراقة وقال آخر. فكنت كمهريق الذي في سقائه ... لرقراق آل فوق رابية صلد ومثل مُهرق هرحت الدابة وهنرتُ الثووب إن صحا فالبناء واحد على افعَلْتُ وقد زادوا لهاء في أمهات وهو نادرو فحكموا على أن هاء مُهيْمن من الأصل وهي مع ذلك يجوز أن تكون مبدلة من همزة ولما صاروا إلى الياء علموا أنها زائدة لأنها مع ثلاثة أحرف من الأصول وهي تزداد أولا أولا ووسيطًا وآخرا فإذا زيدت أولا جاءت مع التجريد في مثل يرمع ويلمع ومع غير التجريد في مثل يعسوب ويعقوب ويعضيد وإذا زيدت وسطا افتنت في الزيادة فجاءت في فيعل مثل بيطر وصيرفٍ وفي فعيل مثل ظريف وكريم وغير ذلك وتكون وحدها زائدة في الاسم وتكون معها غيرها كقولهم مسكين ومحضير ومريح وخمير وإذا كانت زائدة في الطرف فإنها تقلب وتصير للإلحاق وقد اختلف في الياء الملحقة فقيل إن الهمزة تقلب عنها وهو أقيس وقال قوم بل تكون الهمزة هي الملحقة وعلى ذلك يجري القول في علباء وبابه ويحكم على ياء دِرْ حاية بالزيادة وهي في الطرف وإن كان بعدها هاء التأنيث لأن حروف التأنيث لا يحتسب به الا أنه قد عمل ها هنا في ظهور الياء ولو حذفت منه لقيل در حاء بالهمز. وهذه حال الياء مع الأصول الثلاثة فإذا كانت بعدها أربعة من الأصول ولم تكن في أول فعل مضارع مثل قولك يدحرج، ويسرهف فهي أصلية كقولهم يستعور وهو اسم موضع قال عروة بن الورد: أطعت الآمرين بصرم سلمى ... فطاروا في عضاه اليستعور
فهذا طرف من أحكام الياء ولما صاروا إلى الميم الثانية من مهيمن علموا أنها من الأصل ولم يحتاجوا في ذلك إلى اشتقاق لأنهم م لو جعلوه مشتقا من هاء وياء ونون لصاروا بالميمين إلى بناء مستنكر لأنهم كانوا بذلك يجعلون الميم الثانية من الزوائد فيصير وزن الفعل منه فعمل وليس ذلك من أبنية الأفعال ولما بلغوا إلى النون حكموا بأنها أصلية لأن فعلن ليس من الأبنية المذكورة في الأفعل وقد ذهب قوم إلى أن النون في قولهم ارحجن زائدة لأنهم أخذوه من الرجحان وليس ذاك على رأي البصريين لأنهم يجعلون ارجحن افعلل ولا يجعلون في أبنية الأفعال افعلن وإنما تزاد النون في أواخر الأسماء بالقياس الصحيح أو بالاشتقاق الذي يجرى مجرى القياس فيحكم على نون سكران وبابه بأنها زائد لأنه ليس في كلامهم مثل فعلال غير المضاعف نحو الزلزال والبلبال وما كان مثله إلا في قولهم خزعل وقد مر. فإذا رأوا النون في شيء من هذه الأمثلة حكموا عليها بالزيادة ولا يحكون على نون فعلان بذلك وإن كثرت الزيادة في موقعها حتى يثبت الاشتقاق لأن فُعلا لا قد كثر فقالوا قُرطاس ر في قرطاس وقسطاس وحكى أبو ملك حملاق العين في حملاق وهذا حكم المتقدمين والذي يوجب القياس أن يحكم على نون فعلان بالزيادة إلى أن يثبت أنهما أصل لان هذا البناء لم يكثر كثرة غيره فثُعبان فعُلان لأنه من الانثعاب وعثمان كذلك لأنه من العثم يقال جُبرت يده على عثم إذا لم يستوجبرها فكثرت زيادة هذه النون في الجمع والمصدر مثل القضبان والكثبان والكفران والرُّجحان فأما فعلان فينبغي أن يتوقف عن الحكم في نونه أكثر من التوقيف عن نون فُعلان وإن كانت تكثر زيادة في هذا الموضع لأنها جاءت في الجمع والمصدر اللذين كثرا في المسموع مثل الغربان والغلمان والحرمان والعصيان وفِعلال كثير موجود وكلُّ فعل في آخره نون وعدده أربعة أحرف وليس في أوله همزة فان النون تجيء في مصدره ملتبسة بنون فعلان حتى يكون الاشتقاق مميزا بين النونين فيقول في مصدر سلعن وهو ضرب من المشي السعلنة والسلعان فيلتبس السلعان والنون فيه أصلية بالسلعان إذا جعلته جمع سلع وهو ضرب من الشجر مُرُّ والنون فيه زائد. ولو استعملت المصدر من هيمن يهيمن لقلب الهيمان فكانت النون تشبه نون فعلان من هام يهيم وجاءت أشياء في آخرها النون ملتبسة بنون فعلان منها الشيطان فسيبويه وأهل النظر يجعلون النون في أصلية ويأخذونه من الشطن وهو من قولك شطن إذا بعد فكأنه بعد من الخير وهذا البيت ينشد على وجهين بالسين والشين: فاذا ساطن عصاه عكاه ... ثم يرتوُ عليه بالاغلال فإذا قيال شاطن فهو في معنى الشيطان وإذا قيل ساطن فهو الذي أعيا خبشًا والمعنى متقارب واستدلوا على النون في شيطان أنها أصل بقولهم تشيطن لانه لو كان الشيط لامتنع هذا البناء كما يمتنع هيمان من أن تقول الفعل تهيمن لان تفعلن بناء لم يذكره المتقدمون في ابنية الفعل ولو سميت رجلًا بشيطان لصرفته على هذا القول لأنه مثل بيطار ومن جعله من شاط يشيط لم يصرفه إذا كان اسما وقد سمت العرب شيطانَ وشيطانُ بن مُدلج في هوازن وشيطان بن الحكم في غنى وقد جاء به طُفيل غير مصروف فقال: لقد منت الخذواء منًا عليهم ... وشيطان اذ يدعوهم ويثوب وكان الفارسي يأبى ترك صرفه ههنا إلا بعلة فيجعله اسمًا لقبيلة والرواية على غير ما قال والأخبار تدل على خلافه وقال بعض من يحتج لهذا المذهب يجوز أن يكون نون شيطانا وأو قع على التنوين حركة الهمزة في إذ هذا لا يمتنع ولكن فيه تكلف وقد كثر من يقول إن الشيطان يحتمل أن يكون من الشطن ومن الشيط فكأنه في بيت طفيل من الشيط واستدلوا على أن شيطانًا فيعال بقولهم شيطانةٌ لأن الهاء قلما تدخل على فعلان الا أن هذأ ينتقص لأنهم قد قالوا رجل سيْفانٌ وامرأة سيفانة وهو الضامر البطن الممشوق وقالوا كل موتان الفؤاد ولأنثى موتانة قال الشاعر: هي البازل الكوماء لا شيء غيره ... وشياطين قد جُن منها جنونها
وقولهم في الجمع شياطين يدل على أن شيطانا فيعال لأنهم لا يكسرون فعلان على فعالين وقد حكى الفراء غرثان في جمع غرثان وذلك قول مستنكر فأما قولهم للنخل الطوال عيدان فهو من باب شيطان وقد حكوا عيدنت النخلة إذا صارت عيدانة فإذا حمل على هذا التصريف وجب أن يكون عيدنت على فيعلت لأن فعلنت مستنكرة واشتقاقها على هذا من العُدون من قولهم عدن بالمكان إذا قام به وقولهم للواحدة عيدانة يدل على أنها فيعالة لأن الغالب على فعلان ألا تدخل الهاء في واحدته ولو لم يقولوا عيدنت لجاز أن يكون العيدان من العود ويكون جاريا مجرى الريحان فيقال أصله عيدان مثل التيحان والهيبان ثم خفف كما قالوا ميت وميْت وهّين وهيْن فأن قلنا إن المحذوف الواو التي انقلبت إلى الياء كما انقلبت في ميت فوزن عيدان على هذا فيلان لأن العين ذهبت وان الياء الزائدة هي الساقط ثم أقرت الياء الثانية على حالها في القلب وسكنت لثقل الحركة فوزنه فعلان وحكم ريحان حكم عيدان لأنه من الروح إلا إن العيدان ينتزعه أصلان والريحان ليس له إلا اصل واحد وقولهم للأتان الوحشية بيدانة إن كانت من البيد ولزومها الأرض القفر فهي فعلانةٌ وان كانت من البدن وغلظه ومن البُدْ فهي فيعالة والأحسن فيها أن تكون من البيد ونونها زائدة لم يقولوا للذكر لبيدان وذلك نظير قولهم للتاقة عيرانة ولم يقولوا للذكر عيران ولم يقولواللذكر عيران وأصحاب الاشتقاق يزعمون أنها سميت عيرانة تشبيها بعير الفلاة في شدته وصلابته ولو قال قائل إنها فيعالة من قولهم عرنت الناقة إذا جعلت في أنفها العران وهو عود يُدخل في انفها لكان ذلك مذهبا سائغًا وكان يزيده قوة دخول لهاء في آخرها فأما فَعلان وفُعلان وفِعلان فيحكم على النون فيها بالزيادة من غير اشتقاق لأن فعلا لا ليس في كلاهم وكذلك فَعِلال وفَعُلال فعلى هذا يجري بابه فإذا سئلت عن وزن ورشان ونحوه فقل فعلان من غير ائتمار. وإذا كانت النون أخيرا في مثل فعال وفعول وفعيل حكمت عليها بالأصل لان الاشتقاق يضطر إلى ذلك وكذلك جميع هذه الأبنية التي يتكون فيها حرف لين وحرفان أصليان مع النون مثل قولك عُمان وعران وفُتون وجُمعان وأَمون وأمين. فإذا كان قبل الألف التي النون أربعة أحرف من الأصول حكمت عليها بالزيادة مثل قولك الزعفران والشبرمان لضرب من النبت والعُقربان لذكر العقارب وكذلك إن كان في الأربعة التي قبل الألف حرف من حروف الزيادة فإن الغالب على النون أن تُحسب زيادة كقولك الضميران لضرب من النبت والكيذبان للكذاب.
فأما الواو إذا كاتن بعدها النون وقبل الواو ثلاثة أحرف من الأصول فان النون تجعل من الأصل حتى تثبت أنها زائدة مثل قولهم بردون تجعل نونه اصلية لأنه على مثال فهلول ولأنهم قالوا برذن يبرذنُ فجاءوا بالفعل على فعلل وفِعْلوْلٌ موجود وفِعْلوْن مفقود والكيون عكر الزيت على فعلول ومن قال بزيون بكسر الباء وفتح الياء فهو جار مجرى الكديون وهو أعجمي معرب فجرى مجرى العربي فأما زيتون فقد أختلف فيه فذكر أبن السراج أنه من الأبنية التي أغفلها سيبويه وكان الزجاج يأبى ذلك لأنه لا يجعل سيبويه أغفل إلا الثلاثة أبنية شميضير وهو اسم موضه والهنلع وهو اسمم بقلة ودرداقس وهو عظيم يصل العنق بالرأس فمن جعل زيتونا من الزيت فوزنه فعلون ومن جعله من أصل ممات وهو الزتن فهو عنده فيعول وقد ذهب قوم إلى أنه كالجمع لزيت كما تقول زيد والزيدون إلى ذلك ذهب الزجاج فأما القيطون وإن كان أعجميًا فإنك لا تجعل ياءه إلا زائدة لأن فيعولا أكثر من فعلون وكذلك زرجون تجعله فعلولا لانه أغلب من فعلون فأما الديدبون وهو اللهو والحيزبون وهي العجوز التي فيها بقية فتجعل النون فيهما من الأصل حتى يثبت الاشتاقا بغير ذاك لان فيعلولا أكثر من فيعلون فأما السيلحون فإن نونها تثبت زيادتها بقولهم في النصب والخفض السيلحون فأجروها مجرى قنسرين وفلسطين والياء إذا كانت قبل النون فحكمها حكم الواو فتقول إن الكرزين وهو الفاس الغليظة نونه أصلية لأن وفعليلا كثير وفعلين قليل فأما غسلين فقد أختلف فيه وقيل إنها لفظ من الفاظ الاعاجم جاءت في القرآن وانها ليست مما كان يكثر في كلام العرب ومنهم من يجيز غسلون في الرفع فيجعلها بمنزلة عشرين إلا إن إجماع القراء على كسر النون فدل ذلك على أنها ليست نون جمع و؟ إن كانوا قد عربوا بعض هذه النونات وأثبتوها في الإضافة قال الراجز: مثل القلات ضربت قُلينها نون وعدده أربعة أحرف وليس في أوله همزة فان النون تجيء في مصدره ملتبسة بنون فعلان حتى يكون الاشتقاق مميزا بين النونين فيقول في مصدر سلعن وهو ضرب من المشي السعلنة والسلعان فيلتبس السلعان والنون فيه أصلية بالسلعان إذا جعلته جمع سلع وهو ضرب من الشجر مُرُّ والنون فيه زائد. ولو استعملت المصدر من هيمن يهيمن لقلب الهيمان فكانت النون تشبه نون فعلان من هام يهيم وجاءت أشياء في آخرها النون ملتبسة بنون فعلان منها الشيطان فسيبويه وأهل النظر يجعلون النون في أصلية ويأخذونه من الشطن وهو من قولك شطن إذا بعد فكأنه بعد من الخير وهذا البيت ينشد على وجهين بالسين والشين: فاذا ساطن عصاه عكاه ... ثم يرتوُ عليه بالاغلال فإذا قيال شاطن فهو في معنى الشيطان وإذا قيل ساطن فهو الذي أعيا خبشًا والمعنى متقارب واستدلوا على النون في شيطان أنها أصل بقولهم تشيطن لانه لو كان الشيط لامتنع هذا البناء كما يمتنع هيمان من أن تقول الفعل تهيمن لان تفعلن بناء لم يذكره المتقدمون في ابنية الفعل ولو سميت رجلًا بشيطان لصرفته على هذا القول لأنه مثل بيطار ومن جعله من شاط يشيط لم يصرفه إذا كان اسما وقد سمت العرب شيطانَ وشيطانُ بن مُدلج في هوازن وشيطان بن الحكم في غنى وقد جاء به طُفيل غير مصروف فقال: لقد منت الخذواء منًا عليهم ... وشيطان اذ يدعوهم ويثوب وكان الفارسي يأبى ترك صرفه ههنا إلا بعلة فيجعله اسمًا لقبيلة والرواية على غير ما قال والأخبار تدل على خلافه وقال بعض من يحتج لهذا المذهب يجوز أن يكون نون شيطانا وأو قع على التنوين حركة الهمزة في إذ هذا لا يمتنع ولكن فيه تكلف وقد كثر من يقول إن الشيطان يحتمل أن يكون من الشطن ومن الشيط فكأنه في بيت طفيل من الشيط واستدلوا على أن شيطانًا فيعال بقولهم شيطانةٌ لأن الهاء قلما تدخل على فعلان الا أن هذأ ينتقص لأنهم قد قالوا رجل سيْفانٌ وامرأة سيفانة وهو الضامر البطن الممشوق وقالوا كل موتان الفؤاد ولأنثى موتانة قال الشاعر: هي البازل الكوماء لا شيء غيره ... وشياطين قد جُن منها جنونها
وقولهم في الجمع شياطين يدل على أن شيطانا فيعال لأنهم لا يكسرون فعلان على فعالين وقد حكى الفراء غرثان في جمع غرثان وذلك قول مستنكر فأما قولهم للنخل الطوال عيدان فهو من باب شيطان وقد حكوا عيدنت النخلة إذا صارت عيدانة فإذا حمل على هذا التصريف وجب أن يكون عيدنت على فيعلت لأن فعلنت مستنكرة واشتقاقها على هذا من العُدون من قولهم عدن بالمكان إذا قام به وقولهم للواحدة عيدانة يدل على أنها فيعالة لأن الغالب على فعلان ألا تدخل الهاء في واحدته ولو لم يقولوا عيدنت لجاز أن يكون العيدان من العود ويكون جاريا مجرى الريحان فيقال أصله عيدان مثل التيحان والهيبان ثم خفف كما قالوا ميت وميْت وهّين وهيْن فأن قلنا إن المحذوف الواو التي انقلبت إلى الياء كما انقلبت في ميت فوزن عيدان على هذا فيلان لأن العين ذهبت وان الياء الزائدة هي الساقط ثم أقرت الياء الثانية على حالها في القلب وسكنت لثقل الحركة فوزنه فعلان وحكم ريحان حكم عيدان لأنه من الروح إلا إن العيدان ينتزعه أصلان والريحان ليس له إلا اصل واحد وقولهم للأتان الوحشية بيدانة إن كانت من البيد ولزومها الأرض القفر فهي فعلانةٌ وان كانت من البدن وغلظه ومن البُدْ فهي فيعالة والأحسن فيها أن تكون من البيد ونونها زائدة لم يقولوا للذكر لبيدان وذلك نظير قولهم للتاقة عيرانة ولم يقولوا للذكر عيران ولم يقولواللذكر عيران وأصحاب الاشتقاق يزعمون أنها سميت عيرانة تشبيها بعير الفلاة في شدته وصلابته ولو قال قائل إنها فيعالة من قولهم عرنت الناقة إذا جعلت في أنفها العران وهو عود يُدخل في انفها لكان ذلك مذهبا سائغًا وكان يزيده قوة دخول لهاء في آخرها فأما فَعلان وفُعلان وفِعلان فيحكم على النون فيها بالزيادة من غير اشتقاق لأن فعلا لا ليس في كلاهم وكذلك فَعِلال وفَعُلال فعلى هذا يجري بابه فإذا سئلت عن وزن ورشان ونحوه فقل فعلان من غير ائتمار. وإذا كانت النون أخيرا في مثل فعال وفعول وفعيل حكمت عليها بالأصل لان الاشتقاق يضطر إلى ذلك وكذلك جميع هذه الأبنية التي يتكون فيها حرف لين وحرفان أصليان مع النون مثل قولك عُمان وعران وفُتون وجُمعان وأَمون وأمين. فإذا كان قبل الألف التي النون أربعة أحرف من الأصول حكمت عليها بالزيادة مثل قولك الزعفران والشبرمان لضرب من النبت والعُقربان لذكر العقارب وكذلك إن كان في الأربعة التي قبل الألف حرف من حروف الزيادة فإن الغالب على النون أن تُحسب زيادة كقولك الضميران لضرب من النبت والكيذبان للكذاب.
فأما الواو إذا كاتن بعدها النون وقبل الواو ثلاثة أحرف من الأصول فان النون تجعل من الأصل حتى تثبت أنها زائدة مثل قولهم بردون تجعل نونه اصلية لأنه على مثال فهلول ولأنهم قالوا برذن يبرذنُ فجاءوا بالفعل على فعلل وفِعْلوْلٌ موجود وفِعْلوْن مفقود والكيون عكر الزيت على فعلول ومن قال بزيون بكسر الباء وفتح الياء فهو جار مجرى الكديون وهو أعجمي معرب فجرى مجرى العربي فأما زيتون فقد أختلف فيه فذكر أبن السراج أنه من الأبنية التي أغفلها سيبويه وكان الزجاج يأبى ذلك لأنه لا يجعل سيبويه أغفل إلا الثلاثة أبنية شميضير وهو اسم موضه والهنلع وهو اسمم بقلة ودرداقس وهو عظيم يصل العنق بالرأس فمن جعل زيتونا من الزيت فوزنه فعلون ومن جعله من أصل ممات وهو الزتن فهو عنده فيعول وقد ذهب قوم إلى أنه كالجمع لزيت كما تقول زيد والزيدون إلى ذلك ذهب الزجاج فأما القيطون وإن كان أعجميًا فإنك لا تجعل ياءه إلا زائدة لأن فيعولا أكثر من فعلون وكذلك زرجون تجعله فعلولا لانه أغلب من فعلون فأما الديدبون وهو اللهو والحيزبون وهي العجوز التي فيها بقية فتجعل النون فيهما من الأصل حتى يثبت الاشتاقا بغير ذاك لان فيعلولا أكثر من فيعلون فأما السيلحون فإن نونها تثبت زيادتها بقولهم في النصب والخفض السيلحون فأجروها مجرى قنسرين وفلسطين والياء إذا كانت قبل النون فحكمها حكم الواو فتقول إن الكرزين وهو الفاس الغليظة نونه أصلية لأن وفعليلا كثير وفعلين قليل فأما غسلين فقد أختلف فيه وقيل إنها لفظ من الفاظ الاعاجم جاءت في القرآن وانها ليست مما كان يكثر في كلام العرب ومنهم من يجيز غسلون في الرفع فيجعلها بمنزلة عشرين إلا إن إجماع القراء على كسر النون فدل ذلك على أنها ليست نون جمع و؟ إن كانوا قد عربوا بعض هذه النونات وأثبتوها في الإضافة قال الراجز: مثل القلات ضربت قُلينها وإنما هو جمع قلة وإنما كان يجب ضربت قُلوها ومثله قول الآخر: دعاني من نجد فان سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيّبننا مُردا فإذا كانت النون في آخر الاسم وليس قبلها ألف ولا واو ولا نون فهي من الزيادة أبعد وإنما تجيء مزيدة في أشياء قليلة وليس زيادتها بمجمع عليها كقولهم الفرسن وعندهم انه فعلن وانه من الفرسن وكقولهم امرأة سمعنه نِظَرَنة وهو من السمع والنظر وكقولهم في الرجل خلفْنة أي خلاف فمن حمل القياس على ما أصله المتقدمون لم يجز له أن يجعل نون مهيمن زائدة ولا مبدلة من ياء لان حروف الإبدال أحد عشر حرفا يجمعها قولك يوم نطوءها تجد وليس تبدل النون من الياء على هذا الشرط ولا امنع إن يخالف الأول مخالف إذا أقام الحجه وأبان الدليل ولو بنوا من همى يهمي مثل مفعيل لقالوا في النصب رأيت مهيمنا وفي الرفع والخفض هذا مهيم مثل قاض في الحكم ولو رخموه ترخيم التصغير لقالوا هُميُّ ولو فعلوا ذلك بمهيمن من صفات غير الله سبحانه لقالوا هُمينٌ فأما هيمان فاشتقاقه من الهمى النون فيه زائدة لأن فعلانا أكثر من فعيال والهمى اكثر من الهمن ويقال همُ بهميان كذا أي بإزائه قال الشاعر أنشده أبو عمرو الشيباني: وماشن من وادي الفتين مشرقا ... فهميانه لم ترعه أم كاسب وإنما قالوا للذي يشد في الوسط هميان لأنه يكون بازاء وسط الإنسان فلو جعل اشتقاق هميان من الهمن لكان في الأصل موافقا لمهين يستويان في ترخيم التصغير فمهيمن إن كان من الهمن أو من الأمن والأمانة فوزنه مُفعيل وهو قول المتقدمين. واذكر بعد ذلك شيئا مما يجوز أن يقال قد يدخل في قياس العربية أن يكون مُهيمنٌ على وزن مُهفعل وتكون هاؤه بدلا من همزة كما قالوا هراق وأراق كأنهم بنوا فعلا على أفعلَ من اليمن فقالوا أيمن ثم كرهوا أن يأتوا به على الأصل كما قالوا مؤرنب وكما قال الراجز: فانه أهل لأن يؤكرما
فأبدلوا من همزة أفعل هاء فقالوا مُهيمنٌ والأصل مؤيمن من اليمن والأسماء التي يراد بها المدح لا يمتنع أن تشق من كل محمود ثم تنقل من موضع إلى موضع وان ظن السامع انّ ما نُقلت اليه بعيد مما نقلت عنه وانما قلتُ ذلك لأن مهيمنا في جميع مواضعه لا يمتنع أن يكون من الأمن والأسماء التي يراد بها المدح لا يمتنع إن تشتق من كل محمود ثم تنقل من موضع إلى موضع وان ظن السامعُ إن ما نُقلت اليه بعيد مما نقلت عنه وإنما قلت ذلك لأن مهيمنا في جميع مواضعه لا يمتنع إن يكون من الأمن ومن اليمن كما انا نقول إن الإله اسمُ اشتق من أحد أمرين إمامن الوله لأنه يوله اليه في الحوائج وعند التشدائد التي تُوله أي تذهب العقل وإما من ألهت العين تأله إذا حارت فيراد به أنه يحار في أمره وعجائبه ثم أبدلت من الهمزة اللام فقالوا الله وكأنهم لما قالوا الله جعلوا الألف واللام بدلا من الهمزة هكذا عبارة، المتقدمين ويجوز أن تكون حركة الهمزة ألقيت على اللام فقيل أللاه وهي لغة كثيرة وبها قرأ ورش عن نافع في مواضع كثيرة من القرآن وقال الشاعر: وجدت أبي قد أورثه أبوه ... خلالا قد تُعدُّ من المعالي ثم أدغموا اللام الأولى في الثانية فقالوا الله وهذا أقيس من أن يكونوا حذفوا الهمزة من غير أن ينقلوا حركتها إلى اللام وإنما ذكرت ذلك لأن الأسماء قد تجيء فيما يختص بشيء ليس هو لغيره فيجوز أن تكون مهيهن اختص بأن هاءه ة بدلٌ من همزة أفعل كما خُص اسم الله سبحانه بهذا التغيير وانما كان ينبغي أن يُجعل نون مُهيمن بدلا من ياء لو كانوا استعلموا المهيمي في صفات الله غز وجل ولم يفعلوا ذلك ولم تجدهم بنوا فيعَل في الماضي من ذوات الياء ولا الواو اللتين هما لامان لم يقولوا غيزى من غزا ولا قيضي من قضى فأما قولهم كميتُ وكمنت فليس هو إبدالا تصريفيا وإنما هوا ابدالُ سماع يبدل، فيه الحرف مما قاربه وباعدهُ فان قيل فما تنكر أن يكون قيل مهيم وهو مفعيل من الهمي ثم قوي التنوين فجعل نونا قيل يمتنع ذلك من وجهين أحدهما انهم ينطقوا بالمُهيمي فيدعي ذلك فيه والآخر أن هذا شيء يزعمه بعض الناس في ضرورة الشعر كأنهم يقولون مررت بعمر وثم يقولون مررت بعمر وثم يقوون التنوين وقد اجترؤا على زيادة النون في القوافي كما اجترؤا على تنوين ما فيه الألف واللام منهن وذلك حُكى لا يجوز في الكلام المنثور لأن الألف واللام والتنوين لا يجتمعان وقد حكى المتقدمون التنوين في القوافي وان كانت الكلمة غير منونة اسما كانت أو فعلا فحكوا عن العرب أنهم يقولون من طلل أقفر ثم أنهجا فينونون وينشدون: يا بتا علك أو عساكا بالتنوين وكذاك ينشد بعض العرب قول امرئ القيس: بريا القرنفل منونا فلما كانوا يفعلون ذلك رأوا النون قال الراجز: قد تعلمُ العيسُ العتاقُ أني ... أحدو بها منقطعًا شِسْعَنّي يريد شسعى وقال آخر: وأنت يابني فاعلم أني ... أحب منك موضع الوُشحن موضع الإزار والقفن فكان لغة هذا الراجز أن ينون القوافي فيقول القفًا ثم اجترأ فشدد وأنشد ابن الأعرابي عن المفضل. لم يبق منها غير موقدنه ... وغير آثار بها سفعنه وفي هذه الأبيات: لاتهزئي منا سليمى انه انا لوقافون بالثغرنه والكلام في هذا يتسع والقول يطول ولا أمنع أن يجيء الفعلُ على فعلن وان كان المتفدمون لم يذكروه لأن الاسم أذا جاء على ذلك وجب أن يجيءعليه الفعل إذا كان ألاسم أصلا والفعل متفرغ منه وقد قالوا ناقة رعشن وهو من الارتعاش وامرأة خلبن وهي من الخلابة واختلفوا في الضيفين فروى عن الخليل أنه كان يجعل النون فيه زائدة ويأخذه من الضيف وحكى عن أبي زيد أنه قال ضفن الرجل إذا جاء مع الضيف وهو على رأي أبي زيد فيعل وعلى رأي الخليل فعلن ويقوي قول أبي زيد أنهم قالوا رجل ضفن وامرأة ضفنة قال جرير: تلقى الضفِّنَّةُ من بنات مجاشع ... ولها إذا إنحل الإزار حران
وأنما قات ذلك لأن مُهيْمِنًا يجوز أن يجعل مفعلنا ويكون من الهيم كأن الإنسان من خوفه الله يهيم في الأرض وهذا مناسب لقولهم إله لأنه يوله من من الوله أو يأله الإنسان فيه أي يحارُ ويجوز بعد هذا كله أن يكون المهمين اسما أصله غير عربي ولكنه وافق ألفاظ العربية كما وافقها يعقوب واسحق وعُزيرٌ لأن ماظهرمن لفظ يعقوبُ مساو لفظهم باليعقوب الذي هو ذكر الحجل أو القطا وواحد اليعاقيب من قولهم طير يعاقيب إذا جاءت في عقب الجيش وخيل بعاقيب أي ذواتُ أعقاب في الجري، قال سلامةُ بن جندل: ولى حثيثا وهذا الشيب يطلبه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب وإسحاق يواطىء مصدر اسحقه الله اسحاقًا وعُزير موافق تصغير العزر وهو أصلُ بناء التعزير ويقوي مجيء فعلن في أبنية الأفعال الماضية قول من يزعم أن أرجحن افعلن وأن اصله رجح ولو بنيت من المضاعف مثل مهيمن لا وجب قياس التصريف أن تدغم فتقول في مثل مهيمن من سر إذا كان مفيعلا على القول القديم مُسير فتدغم وتجمع بين ساكنين وان كان الأول منهما لم يكمل فيه للين كما قالوا أصيم فجمعوا بينهما وإن كان ما قبل الياء مفتوحا حكموا المعيدي بتشديد الدال فأما حكاية بعضهم هيلل إذا قال لا إله إلا الله فإذا صح ذلك عن الفصحاء جاز فيه وجهان أحدهما أن يكون جاء ظاهر التضعيف على الشذوذ من بابه كما قالوا ألل السقاء وذبب المكان والآخر أن يكون أصله هلل فأبدلوا الياء من اللام لما اجتمعت ثلاثة أحرف متجانسة والبدل هنا أقيس منه في أما إذا قالوا أيما كما قال ابن أبي ربيعة: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر ورأى سيبويه أن يظهر في سيرر ويدغم في مثل اغدودن من سر وفي ذلك نظر ولم يسمع مثل اغدودن من المضاعف مدغما ولا مظهرا وقولهم هلل إذا قال لا إله إلا الله كلمة استعملت في الاسلام ولا تعرف من قبله وهي مأخوذة من حروف لا إله إلا الله عزل وجل استعملت اللامات منها والهاء وُحذفت ماسوى ذلك وقد جاءت الفاظ ممتزجة من كلمتين كما حكى بعضهم إذا قال حي على الصلاة وفي كتاب العين هذا البيت: أقول لها وضوء الصبح باد ... ألم تحزنك حيعلة المنادي ولا أدفع أن يكون هذا الشعر مصنوعا وقد أنشدوا بيتا آخرا: وما إن زال طيفك لي عنيقًا ... الي أن حيعل الداعي صباحا وقالوا حمدل إذا قال الحمد لله وجعفل إذا قال جعلني الله فداك وبسمل إذا قال بسم الله وأنشدوا بيتًا يجوز أن يكون مولدا ولا أحكم عليه بالتوليد: لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فياحبذا ذاك الحبيب المبسمل
فهذه الألفاظ تشبه قولهم عبشمي في النسب إلى عبد شمس وعبدري في النسب إلى عبد الدار وعبقسي في النسب إلى عبد القيس، فإذا قيل ما وزن عبشمي فان النظر يوجب وجهين أحدهما وهو الأقيس إن تخرجه إلى باب جعفر فتقول فعللي كما انك إذا قلت ياحار فضممت أخرجته إلى باب حار ودار وجعلته كالمعتل الألف والآخر إن تقول وزنه فعفي لأنك أخذت من عبد العين والباء ومن شمس الشين والميم وعبدري على هذا القول فعفلي لأنك خذفت الألف من الدار وهي مكان العين وعبقسي فعفلي أيضا فأما قولهم حمدل إذا قال الحمد لله فعلى أي الوجهين حملته قلت وزنه فعلل لأنك إن أخرجته إلى باب دحرج فالنطق به كذلك وان جعلت اللام زائدة فهو على الفظ الأول ونظيره من الأسماء عبدل إذا جعلت اللام زائدة ووزنه فعلل وكذلك لو جعلتها من الأصل وقولهم جعفل إذا أرادوا جعلني الله فداك فكأنه مبني من جيم جعل وعينه ثم جاؤوا بفاء فداك ثم ردوا لام جعل فكأنه إذا جملت على قولك فعفي في عبشمي فعفل وعلى هذا النحو يجرى حكم هذه الأسماء فأما هلل فأحسن ما يقال فيه أنه فعل لأنك إذا حكمت عليه بهذه الأحكام احتجت إن نأخذ الهاء من إله وهي موضع اللام ثم تجيء بثلاث لامات لاتدري من أين اجتلبن إلا إن أقيس ذلك أن يكون ممتزجات من لامات إلا واسم الله ﷿ والا غير محكوم على وزنها ما دامت في الباب كما مضى في إياك ويدلك على رأي النحويين انك إذا بنيت من سر مثل مهيمن قلت مُسير على غير قول سيبويه انهم قالوا لو بنيت من رد مثل اغدودن لقلت اردود يافتى فادغمت والادغام في مفيعل أقيس لأنه أقل لفظا من اغدودن ولأن وقوع الياء المفتوحة قبل المدغم مستعمل في تصغير أفعل من المضاعف مثل أجمَّ وأحمَّ وأمرَّ وأبرَّ ولانجد في مفرد كلامهم حرفا مدغما قبله واو مقتوح ما فبلها وانما تجد ذلك في المنفصلين مثل قولك قدت الخيل قود دريد فأما المضموم ما قبلها فتجيء قبل المدغم في فعل ما لم يسم فاعله إذا كانت فيه قبل الرد ألف مثل قولك تذام القوم وتمادوا الثوب بينهم واحماروا في المكان فإذا رددته إلى ما لم يُسم فاعله قلت تثذوم بلادكم وتمود الثوب واحمور بمكان كذا ول بنيت من اقشعر مثل مهيمن لجاء على الوجهين الماضيين أحدهما أن يمتنع من ذلك لأنك إذا مثلته لم يكن لك بد من حذف حرف من الأصول والآخر إن تبنيه لأنك انما قيل لك مثل كذا ولم يقل لك اجعله من كلام العرب فالمسألة صحيحة فكنت تقول مقشع فتحذف حرفا من الأربعة لأن اقشعر وان كان ستة أحرف فهو مأخوذ من قشعر وان لم ينطق به ويقوي هذا القول انهم قالوا في تصغير سفرجل سفيرج وفي جمعة سفارج فاسقطوا الأصلي لما احتاجوا إلى ذلك ويوقيه أيضا قولهما في حكاية صوت العندليب وهو البلبل العندلة فحذفوا الباء لما اضطروا إلى ذاك كما حذفوا آخر الخماسي في التصغير والتكسير ولا يقول أحد من أهل القياس إن مُبيطرا وبابه مصغرات وانما يقال انهن وافقن لفظ المصغر وهذه الحكاية التي يجعل فيها مبيْطرُ ومُسَيْطرٌ من ذوات التصغير ذكرها أهل اللغة وهم يتجوزون في العبارة ولا يوفون التصريف ما يجب له كما ذكر بعضهم إن أولًا فوْعل وذلك ما لايجوز في حكم التصريف حتى كأنه لا يشعر انه لا ينصرف في بعض الجهات وانما أول افعلُ بلا مرية وبناؤه في الأصل عند أهل البصرة من واوين ولام فكأنه مأخوذ من الوءوْل وان كانت هذه كلمةً لا ينطق بها ولو تكلفوا ذلك لجعلوا الواو الأولى همزة واختلف النحويون إذا صغرت مُبيطرا وبابه فقال قوم تقولُ مُبيطيرُ فتحذف الياء وتجيء بالمصغر على لفظ المكبر وان شئنا عوضنا فقلنا مُبيطر وقال اخرون إذا صغرنا مبيطرأ لم يكن لنا بدُّ من التعويض ليقع الفرق، بين التصغير وغيره وهذا وجه خسنُ ولقائل إن يقول أنا إذا صغرنا مبيطرأ وبابه وجب إن نحذف الميم فنقول ببيطرُ لأنا قد حذفناها من مدحرج ومسرهف فإذا كانت تحذف في بعض المواضع كان حذفها ههنا أولى لأن الياء في بيطر وان كانت زأئدة فهي ملحقه بحاء دحرج وما ألحق بالشيء فهو مثله في الحكم وقياس مبيطر وبابه إن تقول في جمعه مباطر ومهامن في مهيمن فان عوضت قلت المباطيرُ والمهامين وليس في الجمع لبي كما كان في التصغير فأما قولهم البياطرةُ فهو جمعُ بيطر أو بيطار أو بيطر لأنهم قد قالوا ذلك كله ومن ذهب إلى إن يقول في تصغير مُبيطرٍ بُييطرُ جاز
إن يجعل بياطرة جمع مُبيطر على حذف الميم. إن يجعل بياطرة جمع مُبيطر على حذف الميم. ومهيمن إذا كان لغير اسم الله سبحانه فقياس جمعه مهامن ومهامين ومهامنة لأن هذه الهاء تجيء عوضا من الياء ومن ذهب إلى أن مُهيمنا مهفعل فليس كذلك يجب أن يقول لأن الهاء ليست بحذاء دال دحرج ولو صح ذلك لجاز أن يقال في جمعه ميامن إذا كان من اليمن كما أنك لو جمعت مُؤرنبا لقلت مرانبُ وقد ذهب قوم إلى إن همزة مؤرنب وأرنب وأفكل أصلية لأنهم فقدوا الرنب والفكل في الكلام ومن ذهب إلى هذا الوجه وجب إن يقول في تكسير مدحرج دحارج لأن الهمزة عنده أصلية والبصريون لا يرون ذلك ولكن يحملون أفكلا واثلبا على ما كُثر من زيادة الهمزة ولو بنيت من اقعنْس مثل مهيمن لوجب أن تقول مقيعس لأن النون واحدى السينين زائدتان وكذلك الميم في أوله فكأنك قلت في الأصلقيعس فهو مُقيعسٌ وسيبويه يقول في تصغير مُقعنْسيس مُقيعس فيجيء على لفظ اسم الفاعل من فيعل والمبراد يختار إن تقول قعيس وانما استجاز اهل اللغة إن يتجوزوا في عبارتهم عن مهيمن وبابه فيجلوه مصغرا لأنهم رأوا كثيرا من المصغرات على اختلاف الأبنية يجيء على مفيعل وكل مافي أوله ميم زائدة وكذلك ما صغرته من باب مفتعل ومنفعل فانك تقول فيه مفيعلٌ مثل منطلق ومنكسر ومقتدر ومعتذر تقول مطيْلق ومعيذر ومكيسر ومقيدر ومن بني على القياس من مقشعر وغيره من الرباعيات مثل مُهيمن وجب أن يمتنع من بناء مثل ذلك من الخماسي مثل سفرجل وهمرجل لأنهم قد حذفوا الخماسي حتى صار على أربعة ولم يحذفوه حتى صار على ثلاثة وليست الأصول جارية مجرى الزوائد لأن قولهم يامرو في مروان ليس في هذا الباب وان احتج محتج بقول لبيد: دَرَس الَمنا بمتالعٍ فأبانِ يريد المنازل وبقول أبي دوءاد: يلدْسنَ جندل حائر لجنوبه ... فكأنما تنقي سنابكها حبا
يريد حُبا حبا فان هذا شاذ لا ينبغي أن يجعل أصلا يُرجع اليه وإذا كان الغرض في قول القائل ابنوا من هذه الكلمة مثل هذه وهو لا يحفل أنطقت به العرب أم لا انما هو بناؤه الكلمة على معنى التمثيل فذلك لا يمتنع منه شيء فلو بنيت على هذا الرأي من سفرجل مثل مهيمن لقلت مسيفرُ فحذفت الجيم واللام وكان الخماسي أشد احتمالا للحذف من الرباعي لأنك لما حذفت منه حرفين بقيت ثلاثة أصول ولما حذفت منه الرباعي حرفين بقي حرفان أصليان إلا أنهم اعتمدوا على الألف في حذف الحباحب وجعلوها كالأصلي وكذلك ميم منازل وألفها جهلوهما بمنزلة ما هو ففي نفس الحرف، وكذلك لو قيل لك إبن من زلزلت مثل مُفيعل لا متنعت من ذلك على رأي الخليل وسيبويه لأنك لا تجد له نظيرا في كلامهم وان كان غرضك إن تأتي باللفظة في نطقك مثل تنطق بالظاءين ابتواليتين وان كانت العرب قد رفضت ذلك وكما تنطق بالضاد بعد الظاء فانك تجدهم قد اختلفوا في بناء زلزال فقال المتقدمون من البصريين وزنه فعلل وليس هو من الزليل بل هو بناء آخر كما أن سبطرا ليس من السَّط: وقال المتقدمون من أصحاب اللغة وزن زلزل فعفع وقال بعضهم وزن زلزل فعفل والى ذلك ذهب الزجاج فإذا قيل إن زلزل فعلل فاستكرهت البناء على مهيمن من زلزل قلت مزيلز فحذفت اللام الآخرة كما حذفت جيم دحرج كما حذفت باء عندليب لما قلت العندلة ومن قال إن زلزل وزنه فعفع فان مثل مفعل لا يتهيأ منه لأن مفيعلا فيه لام أصلية وليس ذلك في فعفع ومن زعم أنه فعفل فانه يحذف الزاي الثانية حتى يخلص له من ذلك فعل ثم يقول في وزن مهيمن منه مزيل فيدغم كما قال مُسير أو يظهر فيقول مُسيرر ومزَيلل على رأي سيبوية ومن ذهب إلى أن مهيمنًا مفعلن وأنه من هام يهيم فانه إذا بنى مثله من ضرب قال مُضرْبِن ومن قام مُقوْمن ومن باع مبيعن ويبعد أن يبنى مثله من دحرج إلا على قياس قولهم الجعفلة والحمدلة وذلك شذوذ لا يطرد لأنك لو بنيت مثل مُفَعْلنُ لحذفت الجيم الأصلية وجئت بالنون الزائدة وكذلك حالهُ في زلزل وبابه إلا انك إذا استكرهت الكلمة قلت في مثل مُهيمن من زلزل إذا جعلته فعلل مزلزن وإذا جعلته فعفع لم يمكنك ذلك لأنه لالام فيه وإذا جعلته فعفل مُزلن لأنك تحذف الفاء وتجمع بين العين واللام ومن زعم أن مُهيمنًا مهفعيل وبنى مثله من ضرب قال مهضرب ومن عدَّ وسر مهعد ومهسر ومن قام وباع مهقم ومهسع على مثال مهريق وهذه قياسات تنبسط وفيما ذكر كفاية. القول في اللفظ المنقول من كتاب المراغي إذا أشكلت الألفاظ في كتب والغرض معلوم فما ينبغي للناظر أن يحفل بذلك وليقصد أخذ المعنى والفاء ما يظهر من اللفظ الفاسد وان كان الغرض غير مفهوم فعند ذلك يجب التوقف والذي قصده المراغي بين واضح والكرم الذي نقل قد سقط منه شيء يحتمل أن يكون عبارة من عبارات مختلفةٍ ولا يفتقر إلى تمثيله لأن الباب في هذا إن الياء إذا كانت في الواحد مخففة فهي في الجمع كذلك وإذا كانت مشددة في الآحاد رجع التشديد في الجموع مثال ذلك أنك تقول أضحية وأمنية وتقول في الجمع أماني وأضاحي وقد يجوز في مثل ذلك التخفيف وان كانوا لم يخففوا الواحد لأنهم قد قالوا الأماني بالتخفيف والتشديد هو اللغة العلية قال الشاعر في التخفيف: فيا زيد عللنا بمن يسكن الغضا ... وان لم يكن يازيد إلا أمانيا وقال جرير: تراغيتم يوم الزبير كأنكم ... ضباغ بذي قار غنلا الأمانيا وكذلك قالوا أثفيه بالتشديد وقالوا في الجمع أثافيُّ فكان تشديد الياء هو الوجه كما قال زهير: أثافي سفعا وقد يجيء مخففة قال الراعي: نصبت لها بعد الهدو الأثافيا
وقال قوم إن العرب تلزم تخفيف الأثافي الجمع والقول في هذا أن الواحد إذا كان مشددا فالوجه تشديد الجمع ويجوز تخفيفه وهو إذا شد دتام وإذا خفف ناقص وإذا كان الواحد مخففا فالتخفيف في الجمع واجب ولا يجوز إلا ذلك تقول جارية وجوار وجوار ومارية وموار فهو ناقص في الرفع والخفض فإذا نصب تم فقلت رأيت جواري وقد يجيء التشديد في الجمع إذا كان الواحد ممدودا كما قالوا صحراء وصحاري وعلباء وعلابي وكذلك لو جمعت مفعالا مثل معطاء ومهداء لقلت في الجمع معاطي ومهادي كما تقول في جمع مطعام مطاعيم ولو بنيت مفعيلا من أتيت ونحو ثم جمعته كما تجمعت مسكينا على مساكين لقلت مآتي فالتشديد في هذا الباب ليس له مزية على غيره من باب مفتاح وأما التخفيف فانه إذا وجد في الواحد وجب إن يكون الجمع مخففا فنقول سارية وسوار والسواري فتثبت الياء مع الألف واللام ويكون هذا الوجه كما كان الوجه إذا جمعت ضاربة إن تقول ضوارب وكره إن تقول ضواريب ألا عند الضروة فهذا نظير لقولك الجارية والجوادي وقولك الكافور والكوافير والمساكين والملعلون والملاعين نظير لقولك بختي وبخاتي لأنك تنظر في الزائد الذي قبل الحرف الآخر وكره تخفيف المشدد في الأثافي والأماني كراهة غير شديدة لان التضعيف مكروه في الياء إذا كانت حرف علة واستثقال فآثروا فيها التيسير ويدلك على كراهتهم أن يجمعوا بين الياءين أنهم قالوا حي الرجل وعي بالأمر ولم يستعملوا من الأفعال الماضية ما يجتمع فيه الياءآن غير هذين النوعين وما تصرف منها ومن قال في جمع مصباح مصابح وفي مفتاح مفاتح فهو الذي يخفف ياء أثافي وبخاتي قال الشاعر: بخاني قطار مدا عناقها السفر ومن حذف في الجمع لم يحذف في الواحد لأن الجمع تحذف الزوائد فيه ومن العبارات التي يصلح بها الكلام لذي في كتاب المراغي وهي كثيرة أن يقال وليس كذلك بخاتي لأن الياء فيه مشددة وكذلك في واحدة وبتشديد الياء وتخفيفها يجب القياس في الناقصة والتامة فان قيل فما تصنع فقل.
صفحة غير معروفة