عقيدة السلف
"مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة"
تُوفِّيَ سنة ٣٨٦هـ -رحمه الله تعالى-
لأحمد بن مُشَرَّف الأحسائي المالكي
المتوفى سنة ١٢٩٨هـ -رحمه الله تعالى-
تقديم
بكر بن عبد الله أبو زيد
عن ابن أبي زيد، ورسالته، وعبث بعض المعاصرين بها
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
ابن أبي زيد، عبد الله بن عبد الرحمن، ت ٣٨٦هـ.
عقيدة السلف/ لابن أبي زيد القيرواني؛ مراجعة بكر بن عبد الله أبو زيد.
-ط١. -الرياض: دار العاصمة، ١٤١٤هـ/١٩٩٤م.
٧٢ص؛ ١٢×١٧سم.
ردمك: × - ١٠ - ٧٤٩ - ٩٩٦٠
١ - العقيدة الإسلامية.
٢ - التوحيد.
أ- أبو زيد، بكر بن عبد الله، مراجع
ب- العنوان.
رقم الإداع: ٠٩٠١/ ١٤
1 / 2
عقيدة السلف
"مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة"
1 / 3
المُقَدِّمَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ التَّوحِيد، والصَّلاة والسَّلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وأَصحابه، ومن تبعهم بإِحسان إِلى يوم الدين.
أَمَّا بعد: فإِن العلاَّمة أَبا محمد ابن أَبي زيد القيرواني (١): عبد الله بن أَبي زيد عبد الرحمن النَّفْزِي - بالزاي المعجمة- وقيل: النَّفْزَاوي، نسبة إلى قبيلة من قبائل إِفريقية البربرية.
_________
(١) ترجمته - رحمه الله تعالى- مبسوطة في كتب التراجم والسير للمالكية وغيرهم كما في ترجمته المطولة في مقدمة تحقيق: الرسالة الفقهية. طبع دار الغرب ١٤٠٦ هـ (ص/ ٩ - ٦٢)، وتحقيق كتاب "العمر" بالترجمة: رقم/ ١٧٦.
وترجمته للشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة أَمين عام مجمع الفقه الإِسلامي بجدة المنشورة في بعض الدوريات.
فما ها هنا عن ابن أَبي زيد، ورسالته مُحصَّل مما هنالك.
1 / 5
وقيل: بل إِلى "نَفْزَة" من بلاد الأَندلس، القيرواني المالكي، المولود سنة ٣١٠ هـ، والمتوفى بها سنة ٣٨٦ هـ على الصحيح عن "٧٦" عامًا - رحمه الله تعالى- كان من وجوه أَهل العلم ورفعائهم، مَعْنِيًّا بلزوم السنة والأَثر، والرد على أَهل الأَهواء والبدع، وبخاصة العبيديين، والطرقية؛ ولهذا، ولعلمه، وصرعه، ونبوغه في المذهب المالكي لا سيما في كتابه العُجاب: "النَّوادر والزيادات"، والذي هو الآن قيد التحقيق في "تونس" - كان يُلَقَّبُ بمالك الصغير.
وهو وطبقته آخر المتقدمين، وأَول المتأَخرين منهم.
وكان - رحمه الله تعالى- عالمًا، فقيهًا، ورعًا، كريمًا، مُمَدَّحًا، ثريًا، عالي الهمة، سَرِيَّا. وحصلت له إِمامة المالكية بل أَهل السنة كافة في المغرب في زمانه.
وكان عالي الإِسناد، معنيًا بلقاء الشيوخ والأَخذ عنهم واستجازتهم غربًا، وشرقًا، لا سيما في رحلته الحجازية لأَداء فريضة حج بيت الله الحرام، ولهذا احْتَوَشَهُ الطلاب، وكثر عنه الآخذون، وصار طلب العلم وتعليمه: صنعته،
1 / 6
وتدريسه: حرفته، فشهد درسه الكبار، وتخرج به الأَقران، وأَلحق الأَحفاد بالأَجداد.
وكان له في التأْليف رِيَادَةٌ، وفي صنعته عناية، وعلى عبارته حلاوة وطلاوة.
وقد بلغت مؤلفاته نحو أَربعين مؤلفًا، في التفسير، والحديث، والفقه، والرد على المخالفين.
وكان أَول مؤلفاته: "الرسالة" ولهذا قالوا: "هي باكورة السَّعْدِ، وزبدة المذهب"، وقد كتبها استجابة لرغبة بَلَدِيِّهِ، مُؤَدِّبِ الصِّبْيَةِ، ومعلمهم القرآن الكريم: أَبي محفوظ مُحْرَز بن خلف البكري التونسي المالكي، المولود سنة ٣٤٠ هـ.
والمتوفى سنة ٤١٣ هـ.
وقيل: بل إِن الذي طلب منه تأْليفها هو: السَّبَائي: إِبراهيم بن محمد، فالله أَعلم.
وهي أَول مختصر في مذهب المالكية.
وهي أَيضًا: أَول كتاب طبع لابن أَبي زيد - رحمه الله تعالى- ولها طبعات كثيرة في: فاس، والقاهرة، وتونس،
1 / 7
ولندن، وباريس، إِذ ترجمت إِلى اللغتين: الِإنكليزية، والفرنسية.
وهي تنتظم أَبواب الشريعة في: التوحيد، والفقه، والآداب، وقد حوت نحو أَربعة آلاف مسأَلة.
وقد اعتمدها المالكية شرقًا وغربًا، وعكفوا عليها: دراسة، وتدريسًا، وتلقينًا، وحفظًا، وشرحًا، ونظمًا؛ حتى بلغت شروحها نحو ثلاثين، بل قال زَرُّوق، المتوفى سنة ٨٩٩ هـ - رحمه الله تعالى- في شرحه لها: (١/ ٣): "حتى لَقَدْ ذُكر أَنها منذ وجدت حتى الآن، يَخْرج لها في كل سنة شرح وتبيان".
فتكون شروحها والبيانات عنها بالمئات حتى أَن علي ابن محمد بن خلف المُنُوفي المتوفى سنة ٩٣٩ هـ له ستة شروح على الرسالة.
ولشدة الحفاوة بها كتبت بالذهب، وبيعت أَول نسخة منها في حلقة شيخه بالِإجازة، شيخ المالكية ببغداد: أَبي بكر محمد بن عبد الله التميمي الأَبهَري، المُتوفَّى سنة
1 / 8
٣٧٥ هـ -رحمه الله تعالى- بيعت بعشرين دينارًا ذهبًا.
ولشدة الحفاوة بها أَيضًا، كان أَخذ التلاميذ لها عن الأَشياخ بالِإسناد والاجازة إلى مؤلفها، وأَسانيدُها مثبتة في الأَثبات، والمشيخات، والفهارس حتى عصرنا.
وكان أَول شروحها لتلميذه: أَبي بكر محمد بن مَوْهَب المقبري، المتوفى سنة ٤٠٦ هـ -رحمه الله تعالى-.
وقيل: بل أَول شارح لها هو: القاضي عبد الوَهَّاب بن نصر المالكي المتوفى سنة ٤٢٢ هـ رحمه الله تعالى-. وقد بيعت أَول نسخة من شرحه لها بمائة مثقال ذهبا.
وهذان الشرحان يلتقيان مع ابن أَبي زيد - رحمه الله تعالى- على طريقة السلف كما يفيده نقل ابن القيم عنهما في: "اجتماع الجيوش الِإسلامية".
وأمَّا جُل الشُّروح المطبوعة كشرح زَوُّوق، والعدوي، وابن ناجي، وابن غنيم، وغيرهم فهي على طريقة الخلف في شرح المقدمة، والله المستعان.
وَلاَ يُسْتَنكَرُ هذا؛ فإِن المذهب ينتسب إِليه طوائف
1 / 9
مخالفون لصاحب المذهب في كثير من مسائل الاعتقاد، كما حصل في المنتسبين إِلى الأَئمة الأَربعة، ومن أَمثلة ذلك كتاب "الفقه الأَكبر" المنسوب إِلى أَبي حنيفة - رحمه الله تعالى- فقد شرحه أَبو منصور الماتريدي، وغيره فمشوا فيه على التأْويل. والله المستعان (١).
وتناولها علماء آخرون بالنظم، منها نظم في تسعين بيتًا لمقدمة الرسالة في: "الاعتقاد" للشيخ أَحمد بن مشرف المالكي الأَحسائي، المتوفى سنة ١٢٨٥هـ - رحمه الله تعالى-. طبعته جامعة الِإمام محمد بن سعود الِإسلامية عام ١٣٩٦ هـ.
ومن قَبْلُ أَفرد المقدمة الخَفَّافُ المالكي وغيره- رحم الله الجميع-.
ومقدمة هذه الرسالة على وجازتها، حاوية لأَصول الاعتقاد في الإِسلام على طريقة سلف هذه الأُمة، وخيارها
_________
(١) انظر: "شرح العقيدة الطحاوية": (ص/ ٣٢٣). "مختصر العلو": (ص / ١٣٦ - ١٣٧).
1 / 10
من الصحابة ﵃ فمن بعدهم: في بيان حقيقة الِإيمان وأَركانه الستة، وتقرير توحيد الله -سبحانه- في أَسمائه، وصفاته، كالاستواء، وإثباتها على حقيقتها، وتفويض كيفيتها، إِثباتًا من غير تفويض للحقيقة، ولا تشبيه، ولاتمثيل، ولا تعطيل. فرحم الله هذا الحبر رحمة واسعة، آمين.
وقد رأَيتها في مطلع هذا العام ١٤١٤ هـ. منشورة مفردة باسم: "العقيدة الِإسلامية التي يُنَشَّاُ عليها الصِّغار" للِإمام ابن أَبي زيد القيرواني. وُلد سنة ٣١٠ هـ، وتُوفي سنة ٣٨٦ - رحمه الله تعالى - اعتنى به: عبد الفتاح أَبو غدة.
الناشر: مكتب المطبوعات الِإسلامية بحلب".
فرأَيت هذا "المُعْتَنِي بِهَا" قد تناولها بقلم غير قلم ابن أَبي زيد، وبعقيدة تخالف عقيدته، فَوَظَّفَ التحريف بما سَوَّلَتْ له نَفْسُهُ في نَصِّ هذه العقيدة ومعناها فَفَتَح فيها ثُلَما، وَغَشَّاها من عقيدة التفويض والتحريف مَا غَشَّى، تفريطًا في الحق وهو بين يديه، وتعديًا على الخلق وهو بين
1 / 11
أَيديهم، فصار واجبًا عَلَى مَنْ عَلِمَ: كشف تلك الدسائس.
ودفع هذا التعدي البائس، نصرة لعقيدة أَهل السنة وأَهلها، وحماية لعقائدهم من دخولات المخالفين لها؛ وليحذر المسلمون من تسليم أَولادهم لمن يتمسح بمعتقدهم، وحقيقته استدراجهم إِلى فاسد مشربه، وفتح باب الأَهواء، والمُشَاقَّةِ في صُفُوفِهم، نعوذ بالله من الهوى وأَهله. وإليك البيان:
1 / 12
• توظيفه التحريف لنص مقدمة الرسالة:
* رأَيت في إِخراجه للنص تصرفات في ذات النص بالحذف في موضعين: (ص ٢٠، ٢٣)، والتصرف بإِبدال كلمة بأُخرى في موضع واحد: (ص ٢٥)، والزيادة من كيسه على النَّص في ستة مواضع: (ص ٣٣، ٣٨، ٤١، ٤١،٤١).
تُعْلَمُ هذا بالمقابلة بين نص المقدمة الذي نقله وبين نَصِّ المقدمة في "الرسالة" ومع شروحها المطبوعة. وقد قابلت النص الذي طبعه: على نُسخ الرسالة مفردة، ومع شروحها المطبوعة الآتية، وهي:
١ - الرسالة الفقهية مع "غُرر المقالة" للمغراوي (ص/ ٧١ - ٨٠). المحققة عام ١٤٠٦ هـ طبع دار الغرب.
٢ - رسالة القيرواني. طبع مكتبة الحلبي بمصر عام ١٣٦٨ هـ: (ص/ ٢ - ٤).
٣ - متن الرسالة. طبع مكتبة القاهرة: (ص ٣ - ١٢).
٤ - رسالة ابن أَبي زيد. طبع نيجريا: (ص ٢ - ٩).
1 / 13
٥ -، ٦ - شرح زروق ومعه شرح ابن ناجي: (١/ ٤ - ٧١). طبع مصر، عام ١٣٣٢ هـ.
٧ -، ٨ - شرح العدوي مع شرح المنوفي: (١/ ٧ - ١١٠). طبع دار الفكر.
٩ - الفواكه الدواني. لابن غنيم: (١/ ٢ - ١٢٩).
١٠ - الثمر الدواني. لصالح بن عبد السميع الأَزهري: (ص ٣ - ٢٠).
١١ - تنوير المقالة للتتائي. (١/ ٣١ - ٣٨٠). طبع عام ١٤٠٩ هـ.
١٢ - كفاية الطالب الرباني. للمنوفي: (١/ ١٣ - ٢٣٤). طُبع مفردًا عام ١٤٠٧ هـ.
بالمقابلة على متن مقدمة الرسالة في جميع هذه النُّسخ، وَجَدْتُ أَن جميع ما أَشرف إِلى مواضعه من تحريفاته بالحذف، أَو التغيير، أَو الزيادة، كلها تحريفات من عنده، وجميعها بالجملة تحمل نَفَسًا مذهبيًا، وعصبية خَلْفية. نَعَمْ تَوَرَّع في مقدمة الطبع فذكر أنه سيزيد ألفاظا؟؟
1 / 14
فَحَوَّل هذه العقيدة من انتظامها العقدي لفرائض الاعتقاد إِلى مذكرة فقهية في قالب اصطلاح مذهبه الفقهي، بإِقحامه ستة أَلفاظ في ستة مواضع من كلام ابن أَبي زيد في مقدمته، فهذه ست كذبات كذبها على ابن أَبي زيد - رحمه الله تعالى- منها ألفاظ: "فرض وواجب ومطلوب"؟؟
وأُمور الاعتقاد تجري على سياق واحد بأَنها أَصل الدين وقاعدته.
والفرض والواجب لا فرق بينهما عند جمهور الفقهاء منهم مالك - رحمه الله تعالى-، وابن أَبي زيد مالكي المذهب. والتفريق بينهما من مفردات مذهب الحنفية؛ إِذ الفرض عند الحنفية لما ثبت بدليل قطعي، والواجب لما ثبت بدليل ظني، و"المطلوب" ما تردد بينهما، فلماذا هذا؟
وعندئذٍ تعرف السِّرَّ في حذفه قول ابن أَبي زيد في فاتحة المقدمة: "فإِنك سأَلتني أَن أَكتب لك جملة مختصرة من واجب الديانة مما تنطق به الأَلسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن
1 / 15
من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيء من الآداب منها.
وَجُمَل من أُصول الفقه وفنونه على مذهب الإِمام مالك ابن أَنس ﵀ وطريقته ما سهل سبيل ما أَشكل من ذلك من تصير الراسخين، وبيان المتفقهين".
فقد حذف ما تحته خط، وهو كلام ينتظم جميع ما سيذكره من أُمور الاعتقاد، والآداب، والأَحكام من أَنها على مذهب مالك وطريقته، وتفسير الراسخين، وبيان المتفقهين.
وأَما التغيير فعند قول ابن أَبي زيد -رحمه الله تعالى-: "ولا يتفكرون في ماهية ذاتها": (ص ٢٥)، بعد أَن حذف هذا الحلبي كلمة: "ماهية"- وفي بعض النسخ: "مائية"- وأَبدلها بكلمة: "حقيقة"- قال في التعليق: "أَي لا يعلم أَحد حقيقة ذات الله ﵎ ... ".
فهذا ليس بيانًا مُلاَقيًا؛ فإِن مرتبة التفكير تسبق مرتبة العلم، فنفي "التفكير" في ذات الله، أَبلغ من نفي العلم فتأَمل.
1 / 16
فانظر إِلى هذا المكر: حَذْفٌ، وَزِيَادَة، وَتَغْيِيرٌ، وَتَدْلِيسٌ، وَفِرَارٌ مِن طَريقة السلف، وتلفيقٌ مرفوض شرعًاَ وَمَسْلَكاَ.
ولا أَحب أَن أُطيل ببيان ذلك؛ لأَن سطوه هذا بالتحريف كافٍ في إِدانته، وسحب الثقة منه، يؤيده ما بعده:
* ورأَيت أَن طَبْعَهُ النَّزَّاع إِلى التحريف، قَدْ أَعْمَلَهُ فيما نقله في تعليقاته:
ففي التعليقة رقم/٢ (١)، (ص/٢٨ - ٣٠) نقل عن القرطبي في تفسيره: (٧/ ١) فزاد، ونقص، وَلَفَّق، وَتَصَرَّف بعبارات أُخر، كما يُعلم بالمقابلة.
وفي التعليقة رقم/ ١، (ص/ ٣١ - ٣٢) عن زَرُّوق: تلفيق ظاهر، كما يعلم بالمقابلة.
_________
(١) في سياقه للآية الكريمة غلط مطبعي فليصحح.
1 / 17
• توظيفه التحريف لمعانيها بصرفها عن طريقة السلف:
* ورأَيته في تعليقاته على هذه المقدمة في التوحيد قد قلبها من عقيدة السَّلف إِلى عقيدة خلفية، تحمل: الِإرجاء، والتفويض، والتأْويل، وَحَمْلَ نصوص الصفات على المتشابه:
فَحَوَّلَ الِإيمان، من حقيقته الشرعية: قول، واعتقاد، وعمل، إِلى عقيدة "الِإرجاء"؛ إِذ أَخرج "الأَعمال" عن حقيقة الِإيمان، ومسماه، وَلبَّس في العبارة كما في تعليقته رقم/٢، (ص/٢٤).
وقد بينت ما في هذا القول الفاسد من الجناية على الإِسلام، وعلى المسلمين، وذلك في كتاب: "تحريف النصوص من مآخذ أَهل الأَهواء في الاستدلال".
* وَحَوَّلَ ما قرره ابن أَبي زيد - رحمه الله تعالى- من أَن الله -سبحانه- فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه، خلق الِإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه ... على العرش استوى، وعلى الملك احتوى ...، حَوَّلَّهُ إِلى
1 / 18
عقيدة التفويض بثلاث تعليقات:
التعليقة الأَولى: رقم/ ٢، (ص/ ٢٦)، والتعليقة الثانية: رقم/ ١، (ص ٢٧)، والتعليقة الثالثة: رقم/١، (ص/٣١)، كلها تعليقات تدور على نفي ما نطق به الوحيان الشريفان من استواء الله -سبحانه- على عرشه، استواء حقيقيًا يليق بجلاله من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل. وإِليك البيان:
١ - قال في التعليقة الأَولى: رقم/ ٢، (ص/ ٢٦): لفظة: "بذاته" لم ترد في الكتاب والسنة ولا في كلام الصحابة ﵃ قال الحافظ الذهبي في كتاب: "العلو": (ص/ ١٧٢) عند ذكرها في كلام ابن أَبي زيد هنا: (وقد نقموا على ابن أَبي زيد في قوله: "بذاته" فليته تركها).
إِلى آخر ما نقله عن الذهبي -رحمه الله تعالى- في ذلك من كتابه: "سير أَعلام النبلاء" في موضعين منه.
وهنا ينبغي أَن يقف المسلم على الحقائق الآتية:
1 / 19
* الحقيقة الأُولى:
أَنه مازال أَمر المسلمين جاريًا على الإِسلام والسنة من لدن الصحابة من المهاجرين والأَنصار ﵃ إِلى من بعدهم من التابعين لهم بإحسان ما تتابعوا، يؤمنون بصفات الله -تعالى- التي نَطَقَ بها الوحيان الشريفان، فَتُمَرُّ كما جاءت وتثبت على ظاهرها بأَلفاظها، وتثبت دلالة أَلفاظها على حقائقها، ومعانيها، وتعيين المراد منها على ما يليق باللهِ ﵎ وذلك كالقول في الذات سواء، مع تفويض الكيفية، ونفي الشبيه والمثال، والتنزيه عن التعطيل.
وهذا مُوجَبُ النصوص، والعقول، وفِطَر الخلائق السليمة. وكانت الحال كذلك في صدر الأُمة في أُمور التوحيد كافة لا يشوبهم في ذلك شائبة.
ولهذا لا ترى في هذه الحقبة الزمنية المباركة تآليف في تقرير التوحيد.
1 / 20
* الحقيقة الثانية:
أَنه لما وقعت في الأُمة بذور البدع في الِإرجاء، والقدر، والتشيع، والتأْويل، والتفويض ... قابلها السلف عن قوس واحدة بالرد، والِإنكار، وصاحوا بهم من جميع الأَقطار، فتميزت جماعة المسلمين المنابذين لهذه الأَهواء باسم: السلف، وأَهل السنة، وأَهل السنة والجماعة، وأَهل الحديث. وانحازت الأَهواء في رؤوس أَصحابها يُعْرَفُونَ بأَلقابهم التي تفصلهم عن جماعة المسلمين: شيعة، رافضة، قدرية، مرجئة، مؤولة، مفوضة، جهمية، معتزلة، ماتريدية، أَشعرية ...
* الحقيقة الثالثة:
أَن القيام بهذا الواجب الِإيماني العظيم من أَهل السنة والجماعة في الرد على أَهل الأَهواء كِفَاحًا، أَوْجَدَ كذلك الرَّدَّ كتابة على كل مَن مَدَّ لسانه بباطل في مقامات التوحيد وأَصل الملة، فكتبوا الردود ودونوها، وأَبطلوا شبه المخالفين وزيفوها، وأَن نهاية صدورها من المخالفين، إِنما هو عن
1 / 21