الرقة والبكاء لابن قدامة
محقق
محمد خير رمضان يوسف
الناشر
دار القلم،دمشق،الدار الشامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م
مكان النشر
بيروت
ثُمَّ خَرَجَ، فَلَقِيَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ سَوْطٌ يَتَخَصَّرُ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ ﷺ أَنْكَرَهُ! فَأَخَذَهُ، فَقَالَ: تَعَالَى، مَا لَكَ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: خَلِّ عَنِّي، قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ لا أُخَلِّي عَنْكَ، أَوْ تُخْبِرُنِي مَا شَأْنُكَ، فَلَقَدِ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ غَيْرُ تَارِكِهِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ عَلَيْهِ فَرْثٌ، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: هَلُمَّ ادْخُلِ الْمَسْجِدِ.
فَأَتَى بِالنَّبِيِّ ﷺ، فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، أَنْتَ أَمَرْتَ بِمُحَمَّدٍ أَنْ يُطْرَحَ عَلَيْهِ الْفَرْثُ؟ قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامِ السَّوْطَ، فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ، فَثَارَتِ الرِّجَالُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَصَاحَ أَبُو جَهْلٍ: وَيْحَكُمْ! هِيَ لَهُ، إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَيَنْجُو هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ جَمِيعًا، فَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ فَلا يَقْتُلْهُ»، ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ هَلاكُهُمَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ مَضَيْنَ مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَصَائِبُ بِهَلاكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَى الإِسْلامِ، يَسْكُنُ إِلَيْهَا، وَهَلَكَ أَبُو طَالِبٍ عَمُّهُ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا، وَحِرْزًا، وَمَنْعَةً، وَنَاصِرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الأَذَى مَا لَمْ يَكُونُوا يَطْمَعُونَ فِيهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ".
1 / 112