كان الرقيق في مصر عبارة عن آلة للعمل، وكان أيضا من الأشياء المعدة لمشاهد الزينة، ومظاهر الأبهة، فكان الأرقاء بقصور الملوك، وبيت الكهان، ودار المقاتلين. ثم إن الفاقة جعلت لسائر الأفراد سبيلا إلى امتلاك الأرقاء أيضا، وكان الاسترقاق عبارة عن الحق في إعدام الحياة والإبقاء عليها، وكان الأسارى على العموم أرقاء للدولة، يقومون بالأعمال والأشغال التي تستلزمها حاجات القطر، أو التي تدعو إليها موجبات زخرفته وتحسين هيئته، وفيما عدا هذه التشديدات الخاصة بالاستخدام في الصالح العام قد تحسنت حالة الرقيق وتلطفت كثيرا، فكان يجوز رفع الأمة إلى مقام الزوجة، ثم إن الأخلاق والعادات كانت تقضي بالشفقة على الرقيق والدفاع عنه، بل إن الشريعة كانت تجعل حوله سياجا يقيه من البغي والأذى، فقد نصت على أن من قتل الرقيق يقتل فيه.
1
الفرع الثاني: الاسترقاق عند الهنود
قد حددت شريعة مانو
2
بطريقة شرعية دينية درجة السودرا (هو الرجل من الطبقة الدنيئة المستخدمة) مع البرهمي، بل ومع سائر الناس، فقد ورد بها «أنه إذا اشترى البرهمي رجلا سودرا، بل وإذا لم يشتره، فإنه يجوز له أن يجبره على خدمته بصفة كونه رقيقا (دارا)، لأن مثل هذا الإنسان ما خلقه واجب الوجود إلا ليخدم البراهمة».
ثم إن السودرا وإن أطلق سيده سراحه، لا تفارقه صفة الخدمة، لأنه من ذا الذي يمكنه أن يزيل عنه حالة طبيعية مرتبطة به!
ثم قيل في تلك الشريعة:
إذا اضطهد السودرا أحد البراهمة فلا مندوحة عن قتله البتة، وإذا وجه رجل من الطبقة الدنيئة سبابا فاحشا إلى أحد الدويدياس (أي أولئك الذين تتألف منهم الطبقات العليا الثلاث؛ وهم البراهمة وكشاترياس وفيزياس) فجزاؤه سل لسانه، لأنه ناتج من القسم الأسفل من برهمة، وإذا ذكر أحدهم باسمه وبطبقته على هيئة يؤخذ منها الازدراء، فجزاؤه أن يوضع في فمه خنجر طوله عشر أصابع، بعد إحمائه بالنار إحماء شديدا، فإذا ساقه عدم الحزم وقلة التبصر إلى بذل النصائح والمواعظ للبراهمة فيما يتعلق بواجباتهم، فعلى الملك أن يأمر بوضع الزيت المغلي في فيه وفي أذنه. إذا سرق البرهمي من السودرا عوقب بالغرامة، أما إذا سرق السودرا من البرهمي فجزاؤه أن يحرق، وإذا تجاسر السودرا على ضرب أحد القضاة فليعلق بسفود
3
صفحة غير معروفة