1
ومتى طعن العبد في السن أو أصابته عاهة من العاهات أعفي من كل الأعمال إذا كان قد رفض الحرية بعد أن عرضت عليه، ولم يكن يشتغل إلا بالعناية بأولاد سيده، فإذا لم يتيسر له بعد العتق كسب القوت لسبب من الأسباب، كان سيده يقوم بنفقته.
وكان الرقيق على الدوام ينال مكافأة من الدراهم يعينها له سيده بحسب مقدرته ، وكثيرا ما ينذر الإنسان فك الرقبة إذا أناله الله حاجة يسعى في طلبها.
وأما العبيد البيض (وهم المماليك) فكانت حالتهم أحسن بما لا يقدر؛ إذ كانت المرأة تكاد تكون على الدوام مخصصة لأن تكون زوجة الرجل أو ولده أو حظية أحدهما، وكانت نساء السلاطين وملوك المشرق (إلا فيما ندر) وكبار الموظفين من هذه الطائفة.
وأما الشبان منهم فكانوا يتربون مع أولاد ساداتهم، ويتعلمون ويتأدبون معا على حد سواء، حتى إذا بلغوا سنا معينة أعتقهم مواليهم وزوجوهم بناتهم، وكانوا يصلون إلى تولي المناصب الرفيعة في إدارة الحكومة؛ ففي أيام المماليك كانت رتبة البكوية لا تعطى إلا للعبيد المماليك، مثال ذلك: علي بك وإبراهيم بك ومراد بك (الذين قاتلوا الفرنساوية واستبدوا على مصر وأهلها)، فقد ابتاعتهم ساداتهم من الأسواق، وها نحن نشاهد الآن عتقى محمد علي وإبراهيم باشا، وخصوصا عباس باشا، متقلدين المناصب السامية، وحائزين للرتب الرفيعة، والدرجات العالية، ومتنعمين بالثروة الطائلة.
وقد كان يتفق في بعض الأحيان أن الأسياد والسيدات يتبنون مماليكهم من الذكور والإناث، ولنا على ذلك شواهد كثيرة لا تخفى.
وكثيرا ما كان الموالي يوصون لمماليكهم بجميع أملاكهم وأموالهم، وكان العبيد من السودان يشتركون أيضا في هذه المزية مثل المماليك، ولنذكر لك مثالا واحدا وقع في أيامنا هذه بدلا من الاستشهاد بأمور بعيدة عن ذكرنا: ألم تترك المرحومة قادن أفندي والمغفور لها إينجو خانم أفندي هبات سنية وعطايا واسعة من أرض ودراهم لجميع عتقاهما وخدمهما بلا تمييز في الألوان؟
وما كان للسودانيين مع ما يلاقون من المعاملة بالحسنى أن يعقدوا آمالهم على الظهور وبلوغ الدرجات العالية مثل ما كان ذلك مقدورا للمماليك ذوي اللون الأبيض.
ومن هذا كله يمكننا أن نستنتج أن المماليك البيض لم يكونوا أرقاء إلا بالاسم. •••
لا يجهل أحد من الناس ما بذلته إنجلترة من المساعي في إبطال الاسترقاق، وأنها لأجل نوال هذه الغاية الإنسانية قد عقدت العهود وأبرمت المواثيق مع عدد عظيم من دول أوربا وآسيا وأمريكا وأفريقيا، وبعد أن لاقت في طريقها صعوبات جمة قد فازت بالنجاح ونالت الأرب، وقد اشتركت مصر في ذلك، وأبرمت معاهدة مع إنجلترة في 4 أغسطس سنة 1877 من مقتضاها أن الاسترقاق والنخاسة ملغيان في جميع أنحاء القطر المصري، ومن جملته السودان، وقد عملت حكومتنا على مقتضى أصول الدين وقواعده من حيث الحض على العتق، فلم تكتف بمراعاة نص هذه المعاهدة، بل فعلت ما هو زائد عليها، فوضعت أقلاما عديدة في جميع الأقاليم لعتق من يطلب ذلك منها من الأرقاء، وجميع هذه الأقلام تحت ملاحظة الماهر النشيط الميرالاي شارل شفر بك مدير عموم مصلحة إلغاء الرقيق، والنتائج التي نجمت عن هذا الترتيب ظاهرة لا يصح نكرانها.
صفحة غير معروفة