أجور المزارعين تتفاوت حسب عملهم وإنتاجهم، لكل أسرة بيت وحديقة يزرعها رب الأسرة لنفسه وأولاده، العمل في مزرعتنا ثماني ساعات في اليوم، وأجر المزارع العادي 90 روبل في الشهر، الذي يربي الحيوانات يحصل على 120 روبل في الشهر، والذي يعمل على الآلات يحصل على 300 روبل في الشهر. نجحت فكرة المزرعة الجماعية عندنا بعد أن تدرب الفلاحون على العمل الزراعي الجماعي، وبعد أن تغيرت القيم وتخلصوا من نزعة الملكية، الحديقة والبيت والسيارة ملكية خاصة، ولكنها ملكية لا تستغل أحدا، الأنانية والطمع يزدادان بازدياد الملكية، نحن نبني إنسانا اشتراكيا له قيم جديدة أساسها العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين والحصول على الرزق بقدر العمل والإنتاج، الفرد منا يطمئن إلى مستقبله ومستقبل أولاده. لا نشعر بقلق أو خوف من مرض أو عجز أو شيخوخة، الدولة ترعى كل هذا. لا نحمل هموم تربية أولادنا والإنفاق عليهم؛ فالدولة رفعت عنا هذا العبء. كل شيء متوفر لأطفالنا بالتساوي، والمرأة عندنا كالرجل، تعمل في أي عمل وتقود الجرار وآلات الزراعة وتأخذ حقها في الأجر ولها حقوقها الاجتماعية والسياسية كالرجل. لا توجد عندنا مشكلة اسمها أطفال غير شرعيين، كل طفل يولد هو طفل شرعي، يأخذ اسم الأب أو اسم الأم وله كل الحقوق، الناس عندنا يتزوجون عن حب، وروابط الأسرة قوية والطلاق ليس سهلا وله إجراءات ونظام معين. لينين هو مؤسس الاشتراكية في بلدنا ولكنه لم يكن وحده؛ كان معه أبطال كثيرون من شعبنا، نحن لا نحب الطقوس التي تقدس أي فرد مهما كان، ونكره من يقدسون لينين أو ماركس، نريد أن نحرر الناس من طقوس العبودية، عندنا حرية رأي في إطار الماركسية اللينينية، ولا نريد أن يكون للفكر الحر أي إطار مهما كان، قضينا على الجهل والخرافات والأمية، أصبحنا ثاني دولة في العالم بعد خمسين سنة فقط، حققنا الاشتراكية في مجتمعنا. أما الشيوعية فلا نزال بعيدين عنها كثيرا وبيننا وبينها سنوات طويلة. لن نصل إلى الشيوعية إلا بعد أن نحقق وفرة في إمكانياتنا المادية ونغير تفكير الناس بحيث يمكن تطبيق مبدأ «من كل حسب طاقته إلى كل حسب حاجته»، تغيير تفكير الناس هو أصعب شيء. •••
على باب الجامع طلبوا منا أن نخلع أحذيتنا، وضعت حذائي بجانب أحذية الرجال المتراصة أمام الباب. لم يطلب أحد مني أن أغطي شعري أو أرتدي الحجاب، خطوت داخل الجامع وأنا رافعة رأسي كالرجال.
منذ الطفولة وأنا أكره التفرقة بين إنسان وإنسان، أو بين البنت والولد، وعلمني أبي الصلاة وأنا طفلة في السابعة، وحين أرى أخي يصلي دون أن يغطي شعره مثلي أتساءل: لماذا يفرض الحجاب على البنت؟ ويقول أبي: إن الحجاب يخفي مفاتن المرأة عن أعين الرجال، وأسأل أبي: ولكني أصلي في الغرفة وحدي ولا يراني إلا الله، وهل من المفروض أن أخفي مفاتن شعري عن الله وهو يراني في كل لحظة حتى وأنا داخل الحمام؟ ويقول أبي: تغطية شعرك أثناء الصلاة احترام لله وليس إخفاء للمفاتن.
وأسأل أبي: ولماذا لا يغطي أخي شعره أثناء الصلاة، وأنت أيضا لا تغطي شعرك، فهل احترام الله أثناء الصلاة مفروض على البنات والنساء وليس مفروضا على الرجال؟!
ولم يكن أبي يجد الإجابة على أسئلتي وأنا طفلة، ولم أكن أكف عن الأسئلة، ولم يكن أبي يمنعني عن التساؤل عن أي شيء. لكنه كان حين يعجز عن الإجابة يقول لي: هناك حكمة في هذا لا يعلمها إلا الله.
ولم يكن عقلي وأنا طفلة يقتنع بهذا الرد من أبي.
ورأيت عددا من الرجال راكعين يصلون، وسمعت صوت الإمام يرتل القرآن باللغة العربية كأي فقيه عربي:
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول .
وبعد انتهاء الصلاة نظر إلي الرجال بدهشة؛ فالجامع لا تدخله النساء، وذهبت إلى الإمام الكازاكي وقلت له: الدين الإسلامي لم يمنع النساء من دخول الجوامع.
وقال: ونحن لا نمنع، ولكننا غير متعودين على ذلك. - أنت تعرف اللغة العربية. - لا أعرفها. - ولكني سمعتك ترتل القرآن باللغة العربية. - إنني أحفظ بعض الآيات فقط. - ألم تدرس القرآن باللغة العربية؟ - لا، لا يوجد عندنا القرآن إلا باللغة التركية. - أيأتي إلى الجامع كثير من الناس؟ - لا، ولكن معظم أهل كازاخستان مسلمون وأسماؤهم عربية. - هل يتزوج الرجال المسلمون هنا بأكثر من واحدة؟ - لا، الإسلام في نظري لا يبيح الزواج بأربع؛ قال الله سبحانه وتعالى:
صفحة غير معروفة