كانت الاستمارة كاملة البيانات، وأمام كل خانة كتبت المعلومات المطلوبة بدقة وعناية، مثلا أمام خانة الطول دونت 171,5 سنتيمترا، بعد أن وقفت أمام الحائط، ووضعت علامة بالقلم عند قمة رأسي، ثم قست المسافة بين هذه العلامة والأرض وهي طول قامتي بالضبط، وأما خانة السوابق والجرائم كتبت لا شيء، ولم أكن دخلت السجن بعد، وأمام الديانة كتبت مثل ديانة أبي، وأمام لون العينين كتبت «سوداوان»، ثم أضفت كلمة «لامعتان» من أجل الدقة، ومن الدقة أيضا كتبت أمام الخلو من العاهات، توجد حسنة سوداء في مؤخرة العنق.
ومع كل ذلك ظلت المسئولة عن إدارة الجامعة تنقل عينيها من رأسي إلى قدمي ثم قالت بصوت أخنف: ولكنك لم تدوني في الاستمارة أنك حامل.
وبحثت بعيني عن خانة خاصة بالحمل فلم أجد، وقلت لها: ولكن لا يوجد بالاستمارة ... وقاطعتني قائلة: وهل يمكن لجامعة محترمة أن تخصص في استماراتها خانة لمثل هذه الأشياء؟ وقلت بغضب: مثل هذه الأشياء؟! ماذا تعنين بمثل الأشياء؟ هل الحمل عيب؟ ثم إنني حامل بطريقة شرعية!
وأخرجت من حقيبتي بسرعة قسيمة الزواج بتوقيع المأذون والشهود، واتسعت عيناها الغائرتان الزرقاوان بذهول وهي تحملق في الحروف العربية التي بدت كاللغة الهيروغليفية أو الصينية، وتوقيع المأذون على شكل شخبطة بالقلم.
وتساءلت بدهشة: أي لغة هذي؟
وقلت: اللغة العربية.
وصاحت بريبة: أنت مصرية أم عربية؟
وقلت: أصبح المصريون عربا منذ الفتح العربي لمصر عام 640م على يد عمرو بن العاص! •••
وجدتني وحقيبتي داخل الأتوبيس الضخم المتجه شمالا، تراجعت بيوت «رالي» وشوارعها إلى الوراء، وأصبحت ولاية نورث كارولينا وجامعتها خلف ظهري، فتحت زجاج النافذة وملأت صدري بالهواء المنعش القادم من ولايات الشمال، وأحسست كالسجين الذي يطلق سراحه، أو المختنق الذي يخرج من بطن الأرض إلى سطح الدنيا.
ليلة الأمس قررت السفر إلى نيويورك، هل يمكن أن آتي إلى أمريكا، فلا أرى منها إلا تلك الولاية العصرية في الجنوب؟
صفحة غير معروفة