رحلاتي في العالم

نوال السعداوي ت. 1442 هجري
161

رحلاتي في العالم

تصانيف

وضحك الشيخ علي محسن: دعونا يا إنجليز نقرر مصيرنا.

وقال محمود: لم أكره في حياتي مثل الإنجليز، بريطانيا هي التي أنشأت إسرائيل بوعد بلفور؛ لأن فلسطين هي خط الدفاع الاستراتيجي لمصر، ولكي تؤمن مصالحها في قناة السويس، وأعلنت بريطانيا حمايتها لأوغندة عام 1903، وعرضت على الحركة الصهيونية إنشاء دولتهم هناك، أوغندة تسيطر على منطقة البحيرات في أعالي النيل، وبها مصب بحيرة فيكتوريا، تمد البحيرات في أعالي النيل، تمد البحيرات مصر بجزء من المياه (حوالي 7 / 1 المياه الواردة إليها)، لكن هذه المياه ترد إلى مصر في فترة التحاريق أو فترة الجفاف التي كانت تسبق الفيضان السنوي حيث لا يكون مورد آخر للمياه، وفي عام 1893 ذكر المهندس الفرنسي مسيو برنت أن إقامة خزان للمياه على مجرى النيل في سد على فوهة بحيرة تينانزا. أما إذا أنشئ خزان على بحيرة فيكتوريا فيمكن إغراق مصر أو منع المياه عنها تماما، وفي عام 1902 جاءت إلى مصر بعثة إنجليزية صهيونية لتدرس مشروعا آخر هو إقامة الوطن الصهيوني في سيناء، وبحثت البعثة إمكانية توصيل مياه النيل إلى سيناء عبر مواسير تمر تحت قناة السويس. كان يرأس حكومة مصر مصطفى فهمي باشا، وكان متعاونا مع الإنجليز، وبطرس غالي وزير خارجيته الذي رأس المحكمة التي أعدمت فلاحي دنشواي عام 1906. وقد دافع عن الإنجليز والصهيونيين رغم معارضة الشعب المصري، واغتاله أحد المصريين الوطنيين لهذا السبب عام 1910، وفشل الإنجليز في إقامة الوطن الصهيوني في سيناء.

وقال أبو علاء: وها هو السادات يحاول توصيل مياه نهر النيل إلى إسرائيل عبر مواسير تحت قناة السويس.

ورد محمود: ولن تختلف نهايته عن بطرس غالي عام 1910.

وخيم الوجوم والصمت الثقيل، والهواء أيضا أصبح راكدا، سرت نحو النافذة المطلة على المحيط، جزيرة الموت تلوح من بعيد، حيث يلقون عليها بمرضى الجذام لتأكلهم الضباع والثعابين، ومن بين الأشجار الكثيفة تلوح أعمدة القصر المحروق وفندق «بوانا» حيث دفن آلاف الثوار تحت حمام السباحة، ثم ميدان العبيد حيث السلاسل والكهف داخل الصخور.

وفي الصباح الباكر حملت حقيبتي واتجهت إلى المطار، ركبت الطائرة الصغيرة العتيقة، تشبه عربة نقل الموتى السوداء، صوت محركاتها يتحشرج وتنتفض في الجو كالدجاجة المذبوحة، وفي الجو يرن صوت المذيع في الراديو مرة أخرى ويقول: إن السادات سيوصل مياه نهر النيل إلى إسرائيل، ثم يرسل جنوده إلى أفريقيا من أجل حصول مصر على مياه النيل. •••

من جزيرة الحزن والعبيد ركبت الطائرة إلى دار السلام، ومن دار السلام طرت إلى جزيرة مدغشقر، يسمونها جزيرة الابتسام، هبطت الطائرة في منتصف الطريق في جزيرة في عرض المحيط اسمها جزيرة القمر الكبرى، قطعة من الأرض الخضراء وسط المياه والأمواج والصخور، الملامح مزيج من الدم العربي والأفريقي، اللهجة غير مفهومة، مزيج من السواهيلي والعربية، ضوء القمر الأبيض ينعكس على الجلاليب البيض، شيء من السحر يلف الجزيرة، ومن وراء هذا الجمال غموض له رائحة مريبة كالتهريب.

ومن جزيرة القمر حملتني الطائرة إلى «تناناريف» عاصمة مدغشقر ، يسمونها مدينة الألف محارب والألف بيت، بيوتها صغيرة بيضاء ذات أسقف حمراء مقوسة، بنيت على التلال وبدت متدرجة تغطي السفوح المنخفضة والتلال العالية، ملامح الناس آسيوية تشبه الأندونسيين، القامة القصيرة والأنف المنخفض، حاربوا البرتغال والعرب والإنجليز والفرنسيين، ثم نالوا الاستقلال في يونيو 1960، والمرأة حاربت إلى جوار الرجل، وتعمل النساء في كل مكان، ولهن ما للرجال من حقوق.

النصب التذكاري ينتصب في وسط البحيرة الكبيرة «أنوسي» تحوط البحيرة الأشجار والبيوت الصغيرة البيضاء، شاب وشابة يسيران متعانقين على شاطئ البحيرة، يقود الشاطئ إلى شارع كبير وسط المدينة اسمه شارع الاستقلال، في نهاية الشارع سوق «الزوما» وكلمة «الزوما» مأخوذة من الكلمة العربية «الجمعة» دكاكين صغيرة، وشماسي بيضاء من الزهور والفواكه والأناناس، جوز الهند، الموز، البرتقال، مهرجان من الألوان، والناس يرتدون قبعات كبيرة من الخوص والقش، يبتسمون ويتبادلون التحيات، منتجات من الفن المتقن الجميل، مزيج من الثقافات الأوروبية والآسيوية والعربية.

فوق قمة الجبل العالي القلعة، والنصب التذكاري «الروفا»، و«القصر الفضي» وقصر الملكة «رازوهيرنيا» وشجرة ضخمة اسمها «بيوباب» تأكل الأشجار من حولها، ولها جذع ضخم سميك، وليس لها أوراق. كانوا يعبدون هذه الشجرة؛ لأنها تأكل غيرها، ويقولون إن الإله هو الذي يأكل الآخرين، أي يسبب الموت للآخرين. وعبدوا حيوانا اسمه «ليمور» على شكل سلحفاة تزحف وتأكل غيرها، والبقرة أيضا عبدوها مثل الهنود، وحين أدركوا أنها ليست إلها ذبحوها في العيد، وأصبحت هي الضحية «زينو»، كخروف العيد عندنا، والبقرة هنا لها سنام كالجمل، وفي زنجبار أيضا رأيت هذا النوع من البقر، لكن الناس في جزيرة زنجبار يعيشون الفقر والحزن، وهنا يبدو الناس أكثر مرحا، والطبيعة أكثر جمالا، والمرأة كالرجل، والفتيات يرقصن حول البحيرة رقصة الزهور، يبتسمن وأثوابهن ملونة بألوان الطيف. إذا كانت مدغشقر هي جزيرة الابتسام والمرح فإن زنجبار جزيرة الحزن والعبيد. •••

صفحة غير معروفة