وشهرزور بلدة تختلف في بنائها عن أي بلد في تلك الأنحاء ، فجميعها منحوت في الصخر بما يبلغ امتداده ربع فرسخ ، ولهذا عليك أن ترتقي بيوتها بمرقاة تتألف من خمس عشرة إلى عشرين درجة ، وأحيانا أقل ، بنسبة ارتفاع المكان الذي تقصده. وليس لمداخل بيوتها أبواب ، بل لها أحجار مستديرة تشبه حجر الرحى ، يدحرجونها حين الدخول أو الخروج. وحافات الحائط نقرت بوجه يستوعب هذا الحجر. كما هي الحال في العلبة وغطائها ، إذ يصبح الحجر باستواء واجهة الجبل عند وضعه على الباب.
وتبدو أعالي بيوتهم كالروازين في الجبال ، وقد اتخذ الأهلون مغاور لحفظ ماشيتهم فيها ، ومن ذلك نحكم أنها نقرت لتحمي السكان من عرب ما بين النهرين وبدوهم.
انتهينا إلى شهرزور في ليلة عيد الفصح ، ومكثنا هناك ثلاثة أيام طلبا للراحة بعد صوم تمسكنا به. وقد رأيت هنا ينابيع يخرج منها الماء بفقاقيع كبيرة. وبعد أن مزجت هذا الماء بكأسين من الخمر وشربته وجدت له خاصية الإسهال ، كما أنه ذو مذاق معدني. إن ماء هذه العيون يغلي قرب ضفة نهر يسمى ألتون صو أو نهر الذهب الذي يصب في دجلة ، وبعد مسيرة ثلاثة أيام من مصبه يصل المرء إلى بغداد.
وفي اليوم التالي ، نزلنا بلدة حقيرة على الحدود بين تركيا وإيران (1).
وفي اليوم الذي يليه ، وهو اليوم الخامس بعد مغادرتنا نينوى مررنا بعدة مناقع ومياه حارة تفصل بين الامبراطوريتين. وهكذا دخلنا في بلاد فارس ، وصادفنا جبلا شامخا تغطيه أشجار البلوط التي تحمل العفص. ولعلو هذا الجبل الشاهق ، استغرقت القافلة بضع ساعات لبلوغ قمته. ولدى صعودنا هذا الجبل ، وخاصة عندما أدركنا قمته ، سمعنا طلقات بندقية تدوي في الفضاء ، فظننا بادئ الأمر أن أناسا يصطادون الخنزير البري أو الغزال مما تكتظ به
صفحة ٤٨