بالسمك وخصوصا سمك سليمان. وقد ظلت القافلة في عبورها هذا النهر يومين لعدم تيسر القوارب هناك. فكان على الناس أن يربطوا أعمدة خشبية طويلة ، والواحد فوق الآخر ، يسميها الأهلون هناك «الكلك» ، وهم يصنعونه بشكل مربع ، ويضعون تحته نحو مائة جراب منفوخ بالهواء لتجعل الكلك يطفو على وجه الماء دون أن يلامس خشبه. وعلى التجار أن يحتاطوا بوضع لبابيد ثخينة فوق الكلك لئلا يتسرب الماء إليهم وتتبلل أحمالهم. وفي زوايا الكلك الأربع ، خشبات تقوم مقام المجاذيف ، ولكن فعلها ضئيل بإزاء قوة التيار. ولهذا ، ينبغي سحب الكلك ضد التيار إلى مسافة أربعمائة أو خمسمائة خطوة ، ومن ثم يجذف مع التيار حتى يبلغ المكان الذي يراد إنزال الأحمال فيه في الجانب الآخر. وبعد تفريغ الأحمال ، على الملاحين أن يرفعوا الكلك من الماء ، ويفكوا الجربان ويحملوها على بغال معدة لهذا الغرض. إن أصحاب الخيل والبغال والحمير هناك ، سواء أكانت للحمل أم للركوب ، حالما يرون قافلة قادمة ، يهرعون بها إلى ضفة النهر ، وليس عليهم إلا وزرة من قماش أو من جلد الماعز ، يسترون بها عوراتهم ، أما ثيابهم فينزعونها ويلفونها على رؤوسهم كأنها العمامة. ويربط كل منهم تحت بطنه جرابا منفوخا فيتقدم اثنان أو ثلاثة من أمهرهم راكبين أحسن الخيول الملجمة ، فينزلون في الماء ويتبعهم البقية سباحة ، سائقين خيلهم أمامهم. وقد قبض كل منهم ذيل دابة بإحدى يديه وبالأخرى يسوقها. فإن وجدوا حصانا أو حمارا ضعيفا ، ربطوا تحت بطنه جرابا منفوخا عونا له. فإذا أدركنا هذه المصاعب ، اتضح حين ذاك أن ما يستغرقه عبور قافلة من خمسمائة أو ستمائة دابة لا يقل عما ذكرنا.
وبهذا الوجه عبرت القافلة ، ولكنها سارت في اليومين أو الثلاثة الأولى من سفرها في طريق رديء جدا ، لأن الخيل في اليوم الأول من السفر كانت تسير في مياه تبلغ ركبها دون انقطاع. وفي اليوم الثاني وشطر من الثالث كانت تسير في قفار موحشة لم نجد فيها لخيلنا علفا ما ، عدا عن أحطاب قليلة لطبخ رزنا. وبعد اجتيازنا هذا الطريق الرديء بلغنا نهرا يقال له الزاب الكبير (1)
صفحة ٤٦