المتعارف عليها بين القوافل عند وصولها الى مدن مهمة ، وهي اطلاق عيارات نارية. ثم اتينا الى الجسر المقام فوق قوارب ، وهناك التقينا بثلة من العسكر الخيالة ، كانت في طريقها الى المدينة لتسلم الرواتب (نظرا الى ان الخزنة وصلت الى بغداد قبلنا بيومين) فافسحنا لهم في الطريق.
كان على الجسر اربعة من الجنود الانكشاريين مسلحين بهراوات غليظة ، وكانت معاملتهم سيئة للغاية ، فقد اعتدى احدهم على اراكيل المسكين فضربه وجر شعر لحيته ، وسبب كل ذلك ان بغال اراكيل كانت خمسة ، لكن الجندي اصر على اعتبارها ثمانية ، وارغمه على دفع الرسوم عن ثمانية احمال وبعد كلام كثير اقنعناه بقرشين ونصف القرش ، ثم واصلنا الطريق الى بوابة المدينة حيث رأينا جمعا غفيرا من الناس ، فصعب علينا السير ، وحاولنا اختراق الصفوف مستعملين العصي تارة ، وصارخين تارة اخرى ، ليفسحوا في المجال للحصان ، اخيرا دخلنا المدينة ، فاذا بجندي يهرول في اعقابنا صارخا ومزمجرا طالبا قرشا اخر ، وما تركنا الا بعد ان ارغمني على دفع ذلك القرش ، لقد رأيت في صورة هذا الجندي حقيقة سمعته السيئة وقد تجسمت فيه.
وجدت عند ابواب بغداد حراسا متزمتين ، اما هياج الشعب وصياحه فحدث عنه ولا حرج ، كما رأيت جشعا لا يشبع! اما موظفو الكمرك فكانوا ارمن (1) وهم اكثر تهذيبا واحتراما في معاملتهم ، فبعد ان القوا نظرة على امتعتنا ، صرفونا وارسلوا معنا خادما ليدلنا على بيت الاباء الكبوشيين (2) حيث التقينا ببعض البرتغاليين ، وبراهب فرنسيسكاني هناك في طريق ايابه من الهند قاصدا اوروبا ، وكانوا هناك منذ نحو شهر ، فبعد وصولنا بيومين تركونا وسافروا مع قافلة سائرة الى ديار بكر.
انظر مقاله : كمرك بغداد في عهد السلطان مراد الرابع وخلفه السلطان ابراهيم في مباحث عراقية ج 2 ص 231 242.
صفحة ٢٧