رحلة الشتاء والصيف
محقق
الأستاذ محمَّد سَعيد الطنطاوي
الناشر
المكتب الإسلامي للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٣٨٥ هـ
مكان النشر
بيروت
تصانيف
الجغرافيا
ثم نزلت بدار صادق الأخوّة والاعتقاد، وكامل الفتوّة نور الدين العقاد، جزاه الله خير الجزاء، وأولاه عواطفه المتنوعة الأجزاء، فلقد رأيت منه كمالًا لا أحصيه، وإفضالًا لا أستقصيه، ثم لازلت أتفيأ ظلال هاتيك البلاد، وأسعى فيها لجوامع العباد، وأتنزه في قصورها المونقة، وبساتينها المورقة:
فيا حسن هاتيك الديار وتربها ... فكم قد حوت حسنًا يجلُّ عن العدِّ
ولا سيّما تلك النواعير إنها ... تجدّدُ حزن الواله المدنَف الفردِ
أُطارحها شجوي وصارت كأنَّما ... تطارح شجواها بمثل الذي أبدي
وفي شاطئ النيلِ المقدس نزهة ... تجدد ما قد فات من سالفِ العهدِ
سماءٌ من البلورِ فيها كواكب ... عجيبة صنع اللون مصقولةِ الخدِ
ومن مرج البحرين أيُّ عجائب ... تلوح وتبدو من قريب ومن بعدِ
فكم قد نعمنا في ظلال رياضها ... بعيشٍ هنيء في أمان وفي سعدِ
فمن لي بها لو أن صحبي بحبها ... ومن لي بها في غير بلوى ولا جهدِ
غريبة
دخلت يومًا إلى الجامع الكبير فرأيت متكلمًا، وقد طال به البحث في مسألة الجوهر الفرد، إلى أن انجّر الكلام إلى القول بوحدة الوجود، وقد كثر الهذيان، فإذا بأشعث
في هيئة المجانين، وقد تناول كراسًا من بين يدي الشيخ، وكتب على حاشيته شيئًا ونهض كالمغضب، فإذا المكتوب:
وتكفيك من ذاك المسمّى إشارة ... ودعه مصونًا بالجمال محجّبا
وبالجملة فإن هاهنا تتطاير الرؤوس من أجسادها، والنفوس من موادّها، أو كما قيل:
مرامٌ شطّ مرمى العقل فيه ... ودون مداه بيد لا تبيدُ
أو كما قيل:
أتيتَ بيوتًا لم تُنل من ظهورها ... وأبوابها عن قرعِ مثلك سُدّتِ
1 / 108