قال الرجل : يا أخى أنا كذلك تاجر عظيم فى الإسكندرية ، أنا شماس واسع الثراء ولى أملاك كثيرة فى الإسكندرية ، ولكنى قدمت إلى القدس للزيارة ، والآن أنا غريب الديار ، تعال معى إلى الإسكندرية ، وسأعطيك سكة ذهبية وجواهر ثمينة وأقمشة فاخرة ، وسأبعث بك إلى مكة فى قافلتين تحملان مالا جزيلا ، قال ذلك راجيا ، وأقر ذلك من سمعه ، كما أن عمرو لم يعترض وقطع المنازل وطوى المراحل من القدس حتى دخل الإسكندرية بعد أيام عشرة ، ونزل ضيفا على دار الشماس ، ووفى الشماس بوعده وأعطى عمرو عشرة آلاف ذهبا ومضى به إلى متنزهات المدينة ، وبينما كانا يشاهدان ما حولهما ، اقتضت حكمة الله أن جاءت الكرة إلى الصولجان وخطر لعمرو رأى ، وأخذ العجب مأخذه من جميع الحضور فى المجالس وكان بين أهل الإسكندرية عقيدة مؤداها أنه كل من كان على رأسه صولجان وكرة أصبح ملكا ، وهزأ الناس جميعا من تلك الكرة التى على رأس عمرو ، وقالوا : هذا العربى أيصح أن يكون ملكا علينا؟! وابتسموا ، ومضى عمرو مع الشماس إلى داره وكان الشماس فريد عصره فى علم الإسطرلاب فنظر فى طالع عمرو فرأى أن له ملك مصر ، ولما أصبح الصباح قدم إليه سبعين جملا تحمل المال ، فأرسل عمروا إلى مصر ومكث عمرو فى مصر شهرا ، ووقف على كل أحوال مصر ، فمضى إلى مكة فى قافلة عظيمة ، وقدم إلى جميع أهل مكة الهدايا ، ومدح قلعة الإسكندرية ومصر أم الدنيا إلى حد أن جميع جند الإسلام دعوا الله أن يفتح عليهم مصر ، ومثل عمرو فى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض الهدايا وقبل الرسول من الهدايا ، فرفع عمرو يده وشرف بالإسلام وألحق بزمرة الصحابة الكرام ، ووصف للرسول صلى الله عليه وسلم الإسكندرية ومصر على الحقيقة ، فسر صلى الله عليه وسلم وقال : «اللهم يسر بالعمرين» وجعل يرغب الصحابة الكرام من يوم إلى يوم فى فتح مصر والقسطنطينية. وبلغته من المقوقس ملك مصر الهدايا والرسائل مرارا ؛ وجاء فى إحدى الرسائل : «يا محمد لقد غلبنا وظلمنا من الروم وسلبوا مصر من يدنا» ، وبعد نصر النبى صلى الله عليه وسلم فى العام السادس للهجرة فى غزوة الحديبية أوفد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء وحاطب بن أبى بلتعة برسالة إلى عظيم مصر (المقوقس)، وبلغا مصر سالمين لدعوة المقوقس إلى الدين
صفحة ٦٦