142

فلما كانت الحرارة زائدة على الأرض ، لم تحمل الأرض الحياة ، لأن الحياة لا تتحمل الحرارة الزائدة ، وعندما تنقص الحرارة نقصانا زائدا لا تحمل الأرض الحياة ، لأن الحياة لا تتحمل البرودة الزائدة ، كل ذلك يدل على ضرورة التوازن لأجل الحياة.

ولعل بعض القراء يشمئزون من هذه المباحث الكفرية ، ويرون هذه التعليلات مما لا يأتلف مع العقيدة ، وهذا خطأ محض ، لأن هذه الأدوار التي لا تحصى إلا بالملايين والمليارات من السنين ، هي أدل على قدرة الخلاق الحكيم تعالى ، وهي ولو طالت أضعاف ما هي [عليه] ، لما أمكن أن يعلل لها وجود إلا بواجب الوجود.

وأما أن الأرض وغيرها من الأجرام الفلكية كانت كلها كتلة واحدة من البخار ، ثم تفصلت كرات شتى ، وأخذت كل منها تتجمد شيئا فشيئا ، أو أن مبدأ الحياة كان في الماء ، فليس إلا وفقا للوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي ) [الأنبياء : 30].

ولكن قصور مفسرينا في العلوم الطبيعية وقف بهم عن فهم المراد من قوله تعالى في أكثر الآي الكريمة التي من هذا الضرب ، وكانوا إذا قرأوا ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) [الدخان : 10]. أشكل عليهم فهم الدخان هنا ، فقالوا : إن مراده تعالى يوم تأتي السماء بجدب أو قحط ، لأن الجائع يرى بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع ، أو أن الجوع يقال له : الدخان ، لما في الأرض من اليبس في الجدب ، بحيث يرتفع منها الغبار الذي هو كالدخان ، وما أشبه ذلك من التفاسير ، التي هي

صفحة ١٧٨