وربما كان الخوف كامنا في أن حصة مصر من مياه النيل - 55,5 مليار متر مكعب سنويا - مخصصة كلها للأراضي المصرية شمال السد العالي، وهذا في حد ذاته ظلم وإجحاف بأرض النوبة، فهي مخزن المياه المصرية ولا تستفيد منها، وهي مصدر الطاقة الكهربائية من السد العالي ولا تستفيد منها، أي ظلم فادح هذا؟! هل هي كالعيس يقتلها الظمأ وهي تحمل الماء على ظهرها؟! وعلى أية حال فإن جانبا من الزراعة لن يكلف مياها كثيرة، بل ستكون زراعة حياض على النسق الفرعوني العظيم في الأراضي التي تنسحب منها مياه البحيرة سنويا، ثم ما ضرنا لو خصصنا مليارا واحدا من الماء، ومليارا آخر من الجنيهات أقساطا على عدة سنوات؛ من أجل تعمير النوبة؛ تلك الأرض العظيمة التي تمتد نحو 350 كيلومترا جنوبي أسوان؟! ما ضرنا لو نشأت قرى متعددة تثبت الهوية المصرية، وتنتج ما يمكن أن تسهم به في مجال الاقتصاد الوطني، وتشكل مرتكزات استراتيجية على طول بحيرة السد، وأخيرا تشكل همزة الوصل الضرورية لمصر جنوب أسوان في اتجاه أشقاء الجنوب؟!
القسم الرابع
مع الناس بالأغنية والصورة
الفصل الأول
من أغاني النوبة
ترجمة بالعامية بتصرف عن ترجمة قام بها بعض شباب النوبة بعد الغناء مباشرة. ***
الشعر والأغاني والإيقاع النغمي هي ترجمة حقيقية لحياة ومشاعر المجتمع وممارساته اليومية، وتسجيل لأحداث مهمة كالزواج والمولد والسبوع والنذور والموالد المرعية لبعض الأولياء، فضلا عن الأعياد الدينية والرسمية وأعياد المحصول الجديد وغير ذلك من شئون الحياة، وعلى رأسها أغاني الحب والعاطفة. وفيما يلي مقتطفات من أغاني المناسبات في النوبة، لعلنا نصل إلى بعض أعماق الإنسان في النوبة آنذاك، فغني عن البيان أن البيئة الطبيعية والمجتمعية في النوبة القديمة قد أصبحت تراثا في المهجر الجديد في حوض كوم أمبو، وقد لا يجد الشباب الجدد في كوم أمبو معنى للأناشيد القديمة، والأغلب أن أناشيد جديدة ملائمة للبيئة قد ظهرت بين النوبيين بمدخلات لغوية عربية كثيرة، وهذا أمر يحتاج إلى فحص ودرس جديد.
وفي الأصل النوبي للأغاني نلحظ تكرار كلمات ومصطلحات ونداءات وقفلات للأغاني، وفيما يلي نورد بعض هذه المصطلحات على قدر ما فهمنا من المترجمين:
إس دو يا نوبة = نداء للنوبة فيه شيء من الحسرة. سكرا أو ساه = خسارة. الهوى آي لنج هايلنج = تعبير عن الحب. سنجر تود اير بوري = يا بنت يا حلوة. زميلاني = رفيقة أو رفيق. صبرينه = اصبري. سمرة = اللون المفضل للبنات الحلوين. دسي لمونة = الليمونة الخضراء، وربما هو تعبير عن الفتاة تبدأ في النضج. الوز الطاير «الإوز» = رمز للفتيات. الموزة = تشبيه شائع عن الرشاقة للبنات ملفوفة القد. الضابط أو العسكري أو السوداني = تطلق على مشية البنات منتصبة القوام. لمبة أو كلوب أو شمس أو قمر= صفات جمال البنت أنها منيرة ومتألقة. الشقة = الطرحة غالبا من السودان، لكن في كثير من الأغاني هدية الطرحة من قماش مشترى من جدة - السعودية - هي أغلى ويحسن التنويه بها.
يا سلام = بداية ونهاية كوبلية، تشبه وظيفة يا ليل يا عين في الأغاني التراثية. (1) أغاني العاطفة
صفحة غير معروفة