60
والواقع أن اعتراض حسن حنفي يبعد كثيرا، مرة أخرى، عن الموضوع المطروح للنقاش؛ فهو مثلا «يستخرج» فكرة الحرية من مفهومي «التوحيد والعدل»؛ أي إنه يقوم بتحليل الألفاظ، وسواء نجح فيها أم لا؛ فالحرية «المستخرجة» على هذا النحو لا علاقة لها بالحرية السياسية!
أما ثورة القرامطة فهي حركة دينية لم تكن تستهدف «تحرير المواطن» بقدر ما تستهدف الاستيلاء على السلطة، ونحن عادة لا نفرق كثيرا بين الصراع على السلطة، التي ربما لو انتصرت لكانت أسوأ من السلطة القديمة، وبين الصراع من أجل تحرير المواطن؛ فالمعروف عن جماعة القرامطة أن أفرادها أخذوا بالطاعة العمياء للجماعة ولزعيمها، وعندما أسسوا دولة في الأحساء، في شبه الجزيرة العربية، عاثوا في الأرض فسادا، وأغاروا على قوافل الحج! أما ثورة الزنج التي قامت بمعاونة القرامطة، فهي أقرب إلى ثورة العبيد في روما، ولم يقل أحد أنها قامت لتحرير المواطن، ورد حقوقه المسلوبة، بل إن بعض المؤرخين يطلق عليها اسم «فتنة الزنج»، فقد أثاروا الرعب في الجزء الجنوبي من العراق خمسة عشر عاما!
أما القول بأنه من الظلم البين القول بأن تراثنا لم يعرف السلطة المنتخبة من الشعب لأنه عرف نظام الخلافة، والإمامة، والخلافة في تراثنا بنص الأصوليين عقد، وبيعة واختيار ...»
61
فذلك كله حديث عن «المثال» أو عن «النصوص»، لكن الواقع يدحضه، فنحن نعرف أن موضوع البيعة كان مسألة صورية تماما (كالاستفتاءات الآن)، وظلت صوريتها تزداد إلى أن تمت أحيانا لطفل صغير في الخامسة من عمره، أو على مظروف مغلق لا يعرف الناس ما بداخله.
62
ومن ثم يظل مفكرنا الكبير على صواب في قوله: أنه يندر، أن لم يكن يستحيل، أن تجد طوال التاريخ العربي، أن حكومة زالت لأن الشعب المحكوم بها لم يعد يريدها، فهناك فوق أريكة الحكم خليفة أو أمير: أخذ الحكم وراثة، أو أخذه عنوة، وفي كلتا الحالين لا يزحزحه عن أريكته إلا غدر أو قتل أو سجن: فلا الشعب اختار، ولا الشعب يملك حق العزل!
63 (5-2) حرية المرأة
ويتفرع عن مشكلة الحرية مشكلات لها خطرها (وقد سبق أن عرض لها مفكرنا بإيجاز في أحاديثه الإذاعية كما ذكرنا من قبل)؛ منها حرية المرأة؛ فالمرأة العربية الجديدة إنسانة أخرى غير امراة الأمس، فقد كانت سالفاتها من بنات «الحريم» و«الجواري» و«الغانيات»، في حين أن المرأة اليوم أصبحت طبيبة ومهندسة ومحاسبة ومدرسة، في مختلف مدارج التعليم إلى درجة الأستاذية في الجامعة، كما أصبحت المرأة العربية اليوم قانونية، وممثلة للشعب في مجالس النواب، ووزيرة مع الوزراء في قيادة أمتها ، فهل يجوز أن يعاملها الرجل اليوم، كما كان يعامل سالفاتها بالأمس؟ ومن هنا فإن المرأة العربية تجد نفسها في أزمة حادة.
صفحة غير معروفة