المسلمون يعرفون الله خير منكم ، قالت : خير منا ، قلت لها نعم قالت لي : بما تثبت ذلك؟ فنظرت إليها ، ورأيت تحت إبطها كتابا كما هي من عادة بنات التجار والأكابر من الفرنج ، كل واحدة تحمل كتابا ، مثل تهليل ، وفي كل واحد خمسة أدعية أو سور ، التي هي فرض على كل بالغ حفظها. قلت لها : البرهان بما قلت في كتابك الذي عندك ، وبه تثبت ما قلت لك. فأخذت الكتاب ووضعته بين يدي على المائدة ، وقالت : ها هو الكتاب. قلت لها : انظري العشرة الأوامر الربانية. ففتشت في الكتاب ، وقالت : ها هي. قلت لها : اقرأي الأمر الأول من العشرة في دين الله فقرأت ، وقالت : الأمر الأول من العشرة : قال الله تعالى : لا تعمل صورا ، ولا تعبدها ، اعبد الله وحده. ولما أن قرأته قلت لها : المسلمون ما يعملون صورا ولا يعبدونها ويتحفظون من ذلك حتى أن النسا اللاتي ترقمن لم تصورن في رقمها أبدا شيئا له روح ، وكذلك الرسامون الذين يرسمون ويزوقون ديار الملوك والجوامع ، ولم يصوروا أبدا شيئا فيه روح. قالت : ليس عبادتنا للأصنام لذاتها ، إنما ذلك للمشبه به. قلت لها : كان لي كلام أقوله لك في الشبيه والمشبه ، ولكن اتركه لنحرك لمسألة أخرى لن تجدي لها جوابا. قالت : ماذا هي؟ قلت لها : الأمر الرباني بالنص قال : لا تعملوا صورا ، ولا تعبدوها ، قالت : نعم ، قلت لها : تعملون أصناما أم لا؟ ، فكان لها إنصاف للحق وعقل ، ونظرت النسا ، وقالت لهن بلسانهن : غلبني وما وجدت بما نجاوبه به ، فنظرت إليها ، ونزل بها فرح وانشراح ، كأن زال من قلبها غشاء. وأقبلت علي بحسن الكلام ، وذهب عنها الغيظ والغضب الذي كان فيها للمسلمين ، وقالت لي كم سنة الذي ظهر في الدنيا نبيكم؟ وهل هو تاريخ السنين من ميلاده كما هو عندنا من ميلاد عيسى عليه السلام ؟ قلت : بلغ حساب تاريخ أهل ديننا في هذه السنة إحدى وعشرين ألف من الهجرة ، وهي السنة التي خرج نبينا صلى الله عليه وسلم من مكة لشهرة دين الله تعالى. قالت : والسنة عندكم كعامنا في أيامه؟ قلت لها : أما السنة عندكم فهي شمسية ، وفيها من الأيام ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم ، والسنة عندنا فهي قمرية وفيها من الأيام ثلاثمائة وأربع وخمسين يوما بتقريب ، قالت : الشهر كأشهرنا ، قلت لها : كل شهر عربي ينقص يوما عن الشهر الشمسي ، قالت : والنسا عندكم محجوبات؟ قلت لها نعم ، قالت : وكيف يكون العشق عند البنات ومن
صفحة ٧٤