لهم نصيبا من ربهم استغنوا به عن تحرير الشريعة، ومع ذلك فهم يقرؤون القرآن قراءة من لم تبلغه عن الله دعوة، ويعظمون النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم من لا يعلم بأي شريعة جاء، لا تجاوز قراءتهم حناجرهم ، بكم غتم كالبهائم السارحة، والأنعام الراتعة ينادون من مكان بعيد، ويرون الشريعة من بعيد، يبغضون القائمين بها - وهم العلماء - بغضا ما عليه مزيد ، فما قولكم - معشر العقلاء - في طفل لم يفتح عينه إلا بين هؤلاء ? ولم يعرف دين الإسلام إلا هكذا ? ومن ألطاف الله تعالى بي أن خلق في غريزة في حال الطفولة كنت أعلم بها أن هؤلاء ليسوا على شيء ، وأن الحق وراء ما يدعونه ، وكنت أتشبث برسالة القشيري، وكتاب (القوت)و(الإحياء) فأعلم باطلهم علما في القوة، ولا سبيل إلى ظهوره في الفعل، لأن الدولة لهم، فلا يمكن ظهور ذلك في الفعل أصلا، وأكابر العلماء المحدثين ، كعز الدين الفاروثي من أشياعهم وأنصارهم يحضر مجالس سماعاتهم، وحضرته - وأنا طفل مراهق وقلت : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة بدعة)، فكيف حال هذا السماع؟ قال: فتشاغل عن جوابي، ولم يعجبه ذلك. وكان أنهى ورعه أنه كان يكره السماع في المسجد ، وربما حضره في المسجد تقية ومدارة. رأيته في مسجد يعمل فيه السماع، فهذا حال المشايخ المحدثين العلماء فكيف يقوم الحق المحمدي، والدين الفرقاني بين هؤلاء ? بل كيف يعرف ويعلم فضلا عن قيامه ونصرته? ومعلوم إذا انطاع أهل المدن لمشايخ البر الفلاحين فسد دينهم وانقلبت أمورهم ، وإن كانوا أولياء، وذلك لأن قلة العقل على أهل البر ظاهرة، ولم
صفحة ٣٦