يبعث الله نبيا من أهل البر قط ، ولا من عرب البادية ، فإذا انطاع أهل المدن للعلماء صلح أحوالهم، ومتى انطاعوا لفقراء البر فسدت أحوالهم، ثم سرت هذه البدع من الأحمدية في سائر طوائف فقراء البطائح ومشايخهم ، من مؤاخاة النساء والصبيان ومضاجعتهم، ومسك الحيات، ونزول النار ، وغير ذلك من المخازي، فالوفائية - عندنا- ينزلون النار ، والبدرية - عندنا أيضا - يؤاخون المردان، وأنسب الطوائف -عندنا - الحلوبية ، أصحاب الشيخ ابن حلوبا ، عندهم شيء من التمسك ، لكن غلبتهم طريقة الأحمدية ، من إظهار شعار السماع بين الخاص والعام، واجتماع النساء على رؤوسهم في السطوح يتفرجون على رؤوسهم وتهتكهم، فالأحمدية كانوا كالجرب جرب بهم الناس، واقتبسوا من ظلماتهم، وقامت دولتهم أي قيام، فكيف يقوم الدين مع هذه الظلمات?
فصل
ثم انتقلت من هذه الطبقة إلى طبقة الفقهاء الشافعيين لأتعلم العلم، فوقعت بين طائفة خير من الطائفة الأولى ، عندهم علم الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وعلم ما يجوز وما لا يجوز، وعلم ما يترتب عليه الثواب والعقاب واعتقاد ذلك وعلمه في تلك الظلمات نور وهدى، فضلا عن العمل به، لكن القوم فيهم الفقة لا غير، وفيهم من يشارك في أصول الفقه، واصطلاح ابن الخطيب مع تعظيمه وتبجيله، والإقرار بأنه الإمام الأعظم، وأنه ركن من أركان الدين، وإذا ذكر[ذكر] قبل الإمام وترضي عنه، وغالب ما فيهم علم خصومات الناس ووقائعهم، فقلوبهم مشحونة بمسائل (التنبيه)، و(المهذب)، و(الوجيز)، و(الوسيط)، و(شرح الوجيز)، و(الحاوي)، و(اللباب)، و(العجاب) لعبد الغفار، و(المحرر) للرافعي لا يوجد عندهم أصول السنة ؛ من علوم الحديث وقواعده ، ومعرفة رجاله، وعلم صحيحه من سقيمه، ولا علم معاملة الله بالسنة، ولا معرفة عندهم بقواعد الاعتقاد ، من طريق الصحابة والسلف الأول ، كالسفيانين ، والحمادين ، وابن
صفحة ٣٧