فإني وجدتهم عارفين بحقائق العلم الذي أنزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم مسارعين إلى إقامة أوامر الله تعالى ، كمسارعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معظمين للدين، مهتمين بإقامته وإظهار شرائعه وشعائره، حنقين على من هتك حدود الدين، أو انتقص شريعة من شرائعه، اعتقادا أو عملا، وليست أصوله أصول المتكلمين، بل أصول عقائدهم على الآيات والأخبار الصحيحة، وأمروا الصفات كما جاءت بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، وأثبتوا حقائقها لله كما يليق به من الاستواء أو النزول ، وجميع الصفات وظهر لهم - مع ذلك معارف صحيحة ، وأنوار ظاهرة من معرفة الله تعالى، ومعرفة صفاته القائمة بذاته ذوقا وحالا، مع العلم والنظر، ووجدت آثارها في قلوبهم عند صلاتهم وأذكارهم ودعوتهم إلى الله تعالى.
يعرفون ربهم من فوقهم، ويعبدونه كما وردت به النصوص الدالة على أنه فوق العرش، بذاته وصفاته بفوقية تليق بجلاله وعظمته، لا يجعلونه محصورا في الفوقية، بل كان ولا شيء معه، قبل خلق العرش والأكوان، فلم يكن هناك في الفردانية شيء غيره، فيقال: هو فوقه، فلما أحدثت الأكوان حدثت في جهة التحت بالنسبة إلى علوه الذاتي، فإنه سبحانه بالذات علي على كل شيء، ولا يجوز أن يكون سبحانه تحت الأكوان، لا ممتزجا بها، ولا بائنا عنها، وليس تحتها فلزم بالضرورة أن يكون فوقها.
ثم من صفاتهم: يبذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى، وإقامة الدين، يعرفون قدر الدين، وقدر أهله وحملته، والقائمين به، لأنهم أهله وأنصار السنة والحديث، وأعوان الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعوان دينه، وأركان شريعته. يوالون من والاها ويعادون من عاداها، مستعملون مكارم الأخلاق ، من الرحمة والتودد، والإنصاف والصدق، والبذل والمواساة، والحلم والصبر، وكظم الغيظ والرحمة للخلق، وإعانة
صفحة ٤٧