وأرواحهم مختطفة بأشعة عظمته وكبريائه، والهة بقربه، وأعضاؤهم ومفاصلهم ممتلئة من أنواره المخزونة من أنوار جلاله وعظمته، وفيهم من له مكالمة ومحادثة وتعريفات من ربه، يعرفه بها في اليقظة والمنام، وفيهم من له هاتف وتعريف من الإلهام.
ووجدتهم أشد الناس تعظيما للشريعة والأوامر والنواهي ، زاهدين في الدنيا راغبين في الآخرة، محبين لله والهين بقربه، قد رفضوا كل شيء سواه، فلما خلت قلوبهم من غيره امتلأت من حبه، ومن كشف أسمائه وصفاته، وعظمته وقدس ذاته، يرى أحدهم تدبيره واختياره من أكبر الذنوب، فهو فرح مستبشر بحسن اختيار ربه، مطمئن إليه، ساكن إلى ما ذكره به في أزله، على وفق حكمته ورحمته، حتى كأن أحدهم مع ربه، يراه عيانا بقلبه، ويشرق على وجهه آثار جلاله ومحبته وتعظيمه والانقياد لحكمه، ووجدت آثار ذلك فيهم وفي حركاتهم وسكناتهم وتقلباتهم، فوالله لقد فرحت بهم فرحا شديدا، وسكن قلبي إليهم وإلى طريقهم بعض السكون، لأني رأيت معهم شيئا هو غاية الغايات، ومنتهى الطلبات.
ثم إني فتشت على أساس هذه الذروة التي عندهم على أي أساس قام من العقائد والأصول، فوجدت القوم لا شعور لهم بالسنة، ولا الأيام النبوية، ولا السير الصحابية، ولا الأخلاق الدينية، ووجدتهم يعتقدون شيئا من التجهم ، إلا أني لم أجدهم يصرحون بالتعطيل، بل ميلهم إلى الوقوف، ولا أشك أنهم ينكرون بعض الصفات أو يقفون فيها، كما هو مذهب المتكلمين، ومن ذلك وجدت عليهم كشفة، وفي لمحات وجوهم سعفة، ووجدت هذه الأحوال المذكورة عندهم قد اقتبسوها من شيوخهم، فهم لا يذكرون إلا شيوخهم، لا يستندون فيها إلى الحديث، وإن لم تخالفه لكن مادتهم من أنفاس شيوخهم، وشيوخهم قبل قلوبهم، إليهم يتوجهون في أحوالهم، وعلى كشفهم يعولون، ولا يعرفون ربهم إلا من حين قدمه وأزليته، حيث كان ولا شيء معه، ولا يشيرون إلى كشوف القرآن ، ولا إلى تجليات الصفات في تلاوته، ولكن مع ذلك وجدت معهم شيئا وأي شيء، كما قيل على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن كنت من ليلى على الهجر طاويا
صفحة ٤١