الصوفية.
فصل
فألقى الله تعالى في قلبي معرفته وقبه، وهام قلبي بذلك، ولا أعلم حقيقة ما وقع بقلبي، ولا أجد من يدلني على مطلبي، ولا من يوقعني على دوائي، ولا من يعرفني ما هذا الهيمان الذي وقع بي، فبقيت متحيرا والها لا أجد القرار، وصدري يضيق من جميع الطوائف التي صحبتها وعاشرتها ، وذلك في سنة ثلاثة وثمانين وستمئة (683 ه) أو قريبا منها، فهاجرت إلى بلاد الشام ومصر، فوجدت بها من الطوائف مثل الذين شرحت أحوالهم ، من الفقهاء والفقراء والمطاوعة سواء بسواء، ومع ذلك أجد قوما أهل سيماء حسن وعبادة، يسيرون إلى صيام الدهر والعبادة، ولا شعور عندهم بالطلب ولا المطلوب، ولا السير ولا السلوك. عباد صرف، أو فقهاء صرف أو مطاوعة صرف. لا أجد من يشير إلى المطلوب أو يعبر عنه، فلطف الله تعالى بي، فوقعت في الإسكندرية بطائفة عرفوا مقصدي ومطلبي فأنست بهم بعض الأنس شهد قلبي بأن معهم شيئا صحيحا ، فإني وجدتهم يشيرون إلى معرفة الذات والصفات والعبودية لله تعالى وطريق ذلك، وبأي وجه يحصل ذلك، ويشيرون إلى محبة الله تعالى واتباع أمره واجتناب نهيه، والرضا بقضائه وقدره، والانجذاب بالهمة إليه، وشممت من أنفاسهم أن هناك قوما خصوا بالمحبة والاصطفاء والتخصيص والتولية ، دخلوا في حضرات الأسماء ، وتحققوا بشيء منها ، وأعطوا حقيقية اسم أو صفة عرفوا الله - عز وجل - بها، فهاموا بحبه، وانقادوا لإرادته، وصارت بذلك إرادتهم تبعا لإرادة ربهم، ثم كشف لهم عن شيء من سبحات العظمة والجلال والبهاء والكمال، والبقاء الأزلي والجمال، فلزم قلوبهم من ذلك الكشف هيمان واحتراق فهم يراقبون مشيئاته ويرضون بها، ويراعون أوامره ويقومون بها
صفحة ٤٠