سليمان السيرافي
كان تاجرًا إيرانيًا من أهالي ميناء السيراف المطل على الخليج الفارسي فسافر إلى الصين ودوّن ذكريات رحلته هذه في كتاب ألفه باللغة العربية وقد تلقفها عنه ورواها وهذّبها أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي ونحن لا نعرف شيئًا عن حياته أو عن تاريخ ولادته ووفاته، سوى أنه كان يعيش في النصف الأول من القرن الرابع. قضى أبو زيد فترة الطفولة والمراهقة في مسقط رأسه سيراف، ثم هاجر عام ٣٣٠ هـ إلى البصرة وأقام فيها. وهو لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالمًا بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه سيراف أو في البصرة.
وكان خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا إلى الصين، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة سامية.
صفحة غير معروفة
المقدمه
فيما يتعلق بالتجارة عن طريق البحر وقصص الأسفار للبحارة العرب والفرس مع بلاد الهند وارخبيل الملايو والصين، فإن أولئك التجار العرب قد ساروا على التقاليد القديمه لمنطقة جنوبي العراق وسواحل الخليج العربي منذ العصر الساساني.
ويقال انه عند ما استولى العرب على ميناء (الأبله) قرب البصرة في خلافة عمر بن الخطاب وجد بها المسلمون سفنا صينية، وقد كان الفرس حتى عصر السيادة العربية هم أكثر الناس جسارة على ركوب البحر، وكان من الواضح منذ عهد طويل ان المستعمرة العربية الفارسية بمينا كانتون بالصّين، كانت قد بلغت حدا من القوة أصبحت معها في سنة ٧٥٨ م تضع يدها على المدينة وتتحكم فيها ثم تنهبها وتغادر البلاد عن طريق البحر.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حالف الحظ بعض المستشرقين بأن عثر على شواهد قبور تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت وجود جماعة من أهل عمان والخليج العربي. وعزز هذا الإثبات مصدر تاريخي آخر هو كتاب لأبي سفيان محبوب العبدي المتوفي في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي حيث جاء فيه أن أحد شيوخ الإباضية وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان، وكان
1 / 3
عالما كبيرا في عصره وتاجرا معروفا اشتغل بتجارة المر، وكان قد سافر بتجارة من الصبر والمر الى الصين، يقول المستشرق كراتشكوفسكى: ولكن تاريخ تلك الرحلة غير معروف لنا ولو انه لإعتبارات عديدة يمكن القول بأنها حدثت دون شك قبل نهب كانتون السابق الذكر عام ٧٥٨ م.
أما التاجر العماني الآخر فهو النّضر بن ميمون الذي عاش بالبصرة على ما يظهر في حدود القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، ومن هناك سافر الى الصين، ولكن لا نملك تفاصيل دقيقة عن رحلته تلك.
وعلى كل حال فإنه يمكن اعتبار أولئك التجار العمانيين بما فيهم أهل الإمارات بمثابة ممهدين لتجار آخرين كبار، أمثال صاحب رحلتنا هذه التي بين يديك، وهو التاجر سليمان ورفيقه ابن وهب اللذان تلقى رحلتهما مؤرخ جغرافي هو أبو زيد السيرافي، ونقلها عنهما ومحّص روايتهما وهي هذه التي ننشرها الآن ضمن مطبوعات المجمع الثقافي. تحمل اسم المذكور.
ونعود الى ما كنا بصدده فنرى أن الرحالة العرب قد كونوا عن بلدان الشرق الأقصى وغيرها مادة مقتضبة منذ عهود مبكرة تعود الى القرن التاسع الميلادي معتمدين في ذلك على ما يتناقله الرحالة المغامرون، وهم شخصيات في الغالب عربية بحته ساهمت في بعض الأسفار التجارية، ويذكر لنا ابن رسته في كتابه «الاعلاق النفيسة» حقائق عن الهند هامة يرويها عن شخص غير معروف عند المؤرخين، هو أبو عبد الله محمد بن اسحاق، وهو غير ابن اسحاق صاحب السيرة والمغازي المعروف، وكان هذا
1 / 4
الرجل قد أمضى قرابة عامين في جزيرة قمارى (أي خمير، وهو الاسم القديم لكمبوديا) وكان ذلك على أغلب الظن في أوائل القرن التاسع.
ويرى أكثر الباحثين الأوربيين من المستشرقين في الجغرافيا أن هذا الرجل يكاد يكون هو المصدر الوحيد لكل من ابن رسته وابن خرداذبة، وهو الذي ينقل عنه ياقوت فقرات معينة في بعض مواد كتابه.
هذا فيما يتعلق بالطريق البحري من قبل الرحالة العرب من التجار، أما اذا رجعنا الى رحلاتهم البرية في العهود المبكرة فسنجدها تتمثل في روايات استقاها الجغرافيون العرب من أفواه رحالة عرب آخرين مرّوا بالطريق البري الذي يخترق آسيا الوسطى الى الصين، وذلك نجده في الوصف الذي يقدمه تميم بن بحر المطوعي. وكما يظهر من لقبه فالرجل لم يكن من فئة التجار المعروفين، وأغلب الظن انه عاش حياة الجهاد والمرابطه في الثغور الإسلامية، التي تمتد مساحتها على سائر تخوم الخلافة الإسلامية، وكان المذكور قد توجه الى خاقان الترك (التغزغز) بمهمة دبلوماسية كما يظهر، ويرى بارتولد انها تعود الى الفترة ما بين ٧٦٠ م- ٨٠٠ م وأورد ياقوت في كتابه (معجم البلدان) أهم قطعة من هذه الرحلة عرفنا بواسطتها الاستدلال على شخصية صاحب الرحلة.
وبهذا فإن تميم بن بحر المطوعي، يكون أول جغرافي عربي يذكر لنا وصف الطريق البري الى الصين، ويمكن أن نجد أثر تميم المذكور في النصوص التي أوردها عنه جغرافيون كبار ورحالة
1 / 5
معروفون، أمثال أبي دلف، وقدامه، وأيضا عند الإدريسي صاحب أشهر كتاب في الجغرافيا، وهو كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) بل وعند ابن خرداذبه، وياقوت كما أسلفنا، وتميم هو أول عربي يعطينا معلومات هامة عن التغزغز تعتمد في الأساس على معلومات شخصية مباشرة شاهدها بنفسه، فهو يصف لنا عاصمة التغزغز (قامجو) قرب (طرفان) ويذكر معلومات عن حجر المطر عند الترك الى غير ذلك.
سليمان التاجر
نرجع الى صاحب رحلتنا هذه التاجر سليمان التي تلقفها عنه ورواها وهذّبها أبو زيد السيرافي، فالمذكور هو من قدامى الرحالة الذين عرفوا برحلاتهم الغريبه ورواياتهم الطريفة عن البلدان التي زاروها، ونحن لا نعرف شيئا عن حياته، سوى ما وصل إلينا من الرواية التي ذكرها عن رحلته، وهي ترجع في الغالب الى حوالي سنة ٢٣٧ هـ، وقد سافر مرارا بغرض التجارة الى الهند والصين، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة تذكر له، يقول: وهو خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا الى الصين. وقد أبحر من (سيراف) الى (مسقط) على الخليج العربي، ومن هناك الى (كلم) على ساحل مليبار، ثم مر بمضيق (بالك) شمالي جزيرة (سيلان) ثم عبر خليج البنغال فوصل جزيرة (لنجبالوس) (احدى جزر نيكوبار) ثم تقدم الى (كله بره) على ساحل الملايو الغربي، ومر هناك الى جزيرة (تيومن) الواقعة الى الجنوب الغربي من (ملقا) ومنها الى راس
1 / 6
القديس يعقوب قرب (سايجون) ومن هناك الى جزيرة (هاينان) فعبر المضيق الذي يفصلها عن أرض الصين ليصل الى مينا (خانفو) أو (كانتون) الحديثة بالصين.
وكانت الرحلة البحرية من (مسقط) الى الصين تستغرق أكثر من أربعة أشهر ولم يقتصر سليمان في وصفه على ذكر المراحل وتقدير المسافات بالأيام وأحيانا بالفراسخ، بل ترك أيضا وصفا حيّا للسواحل والجزر والمواني المختلفة والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة. كما ثبت أن المعلومات التي أوردها عن (كانتون) تتميز بالتفصيل والدقة.
يقول كراتشكو في الحديث عن نسبة تلك الرحلات الى سليمان التاجر: ونظر العدم وجود معلومات عن سليمان نفسه فإن بعض كبار علماء (الصينيات) مثل (يول) و(بليو) قد تشككوا في نسبة القصص إليه. كما ظهر رأي آخر يرى أن هذه القصص لعربي زار الهند. غير أن (فيرن) لفت الأنظار الى أن ابن الفقيه ينسب القصص صراحة الى سليمان، ولهذا فإن مسألة تأليفه لها لا يحوم حولها أدنى شك.
وقد أضاف الى القصص المنسوبة الى سليمان وذلك بعد عشرين عاما من رحلة المذكور، رحالة آخر هو ابن وهب الذي يرجع نسبه الى قريش، وكان من الأعيان الأثرياء وقد غادر بلده البصرة عند ما سقطت على أيدي ثوار الزنج سنة ٢٥٧ هـ، واستقر رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف الى الصين، وحالفه التوفيق فوصل الى عاصمة الصين، وكانت في ذلك (خمدان) ولوصفه أهمية خاصة إذ بعد ذلك عام ٢٦٤ هـ يتم القضاء على
1 / 7
المستعمرة العربية في (كانتون) نتيجة للحروب الداخلية فانقطعت بذلك الصّلات المباشرة بين العرب والصين. وأصبح آخر ميناء تصله السفن العربية (ميناكله) وكله بره بشبه جزيرة الملايو، ولم بتجدد الاتصال بالصين إلّا في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي.
وقصص سليمان وابن وهب قد دونها في بداية القرن العاشر الميلادي أبو زيد الحسن السيرافي من أهل البصرة، وهو الذي اعطاها الشكل المعروف لنا الأن، والسيرافي المذكور لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالما بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه (سيراف) أو في (البصرة)، وقد التقى به المسعودي عام ٣٠٣ هـ، وقد استفاد منه رواية ابن وهب الواردة في رحلتنا هذه.
ومخطوطة رحلة ابي زيد السيرافي التي وصلتنا في نسخة فريدة وحيدة هي الموجودة بمكتبة باريس الأهلية، وقد أضاف إليها النّساخ مقدمة لا علاقة لها البته بمحتويات الكتاب، وزاد المشكلة تعقيدا أن المخطوطة تحمل عنوانا غير مناسب على الإطلاق، ولا يتفق مع موضوع الكتاب، هو عنوان (سلسلة التواريخ) وقد صدرت طبعة رينو سنة ١٨١١ م تحمل هذا العنوان.
ولأهمية رحلة التّاجر سليمان فقد استوقف هذا الأثر أنظار كبار المستشرقين في القرن الثامن عشر فظهرت له منذ عام ١٧١٨ م ترجمة فرنسية، وكانت هذه الترجمة مدعاة الى اختلاسها وإضافة أشياء من قبل بعض المغامرين ونسبتها الى
1 / 8
أنفسهم. ويعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها الى المستشرق الفرنسي رينو، ثم جاء بعده المستشرق الفرنسي أيضا فيرن وأعاد تحقيقها وترجمها بمنهجيّة تذكر له.
وقد استفدنا نحن من كلا الطبعتين، وحاولنا ان نظهرها في هذا القالب مع إضافة بعض التعليقات اللازمة التي تتوافق مع هذه الرحلة ومن حيث الصبغة التراثية وكما سيراها القارئ، وبالله التوفيق.
1 / 9
[الكتاب الاول]
هذا كتاب فيه سلسلة التواريخ والبلاد والبحور وأنواع الأسماك وفيه علم الفلك وعجايب الدنيا وقياس البلدان والمعمور منها، والوحش وعجائب غير ذلك، وهو كتاب نفيس.
1 / 11
باب في البحر الذي بين بلاد الهند والسند
1 / 13
وغوز وماغوز «١»، وجبل قاف، وبلاد سرنديب، وفتح أبو حبيش، وهو الرجل الذي عاش من العمر مائتين وخمسين سنة وكان في بعض السنين نزل في الماغوز فرأى أبو حبيش الحكيم السواح فأتي به الى البحر وروّاه «٢» سمكة مثل الشراع «٣»، وربما رفع رأسه [عن الماء] «٤» فتراه كالشيء العظيم، وربما نفخ الماء من فيه فيكون كالمنارة العظيمة، فاذا سكن البحر اجتمع السمك فحواه بذنبه، ثم يفتح فمه فيرى السمك في جوفه يغيض كأنه يغيض «٥» في بئر، والمراكب التي تكون في البحر تخافه فهم يضربون بالليل بنواقيس مثل نواقيس النصارى مخافة أن تتكئ على المركب فتغرقه.
وفي هذا البحر [سمكة اصطدناها] «٦» يكون طولها عشرين ذراعا فشققنا بطنها فأخرجنا منها أيضا سمكة من جنسها، ثم شققنا بطن الثانية فإذا في بطنها مثلها، وكل هذا حيّ يضطرب يشبه بعضه بعضا في الصورة.
1 / 15
ولهذا السمك الكبير الذي يدعي الوال «١» مع عظم خلقه سمكة تدعى اللشك «٢» طولها قدر ذراع فاذا طغت هذه السمكة وبغت وآذت السمك في البحر، سلّطت عليها هذه السمكة الصغيرة، فصارت في أصل أذنها «٣» ولا تفارقها حتى تقتلها.
وتلتزق «٤» بالمركب فلا تقرب المركب هذه السمكة الكبيرة فرقا من الصغيرة.
وفي هذا البحر أيضا سمكة يحكى وجهها وجه الانسان تطير فوق الماء، واسم هذا السمك الميج «٥» وسمك آخر من تحت الماء
1 / 16
يرصده حتى إذا سقط ابتلعه ويسمى هذا السمك العنقتوس «١» والسمك كله يأكل بعضه بعضا.
[بحر هركند]
والبحر الثالث بحر هركند «٢» وبينه وبين بحر دلاروى «٣» جزائر كثيرة يقال أنها ألف وتسعمائة جزيرة، وهى فرق ما بين هذين البحرين دلاروى وهركند.
وهذه الجزائر تملكها امرأة ويقع في هذه الجزائر عنبر عظيم القدر، فتقع القطعة مثل البيت «٤» ونحوه، وهذا العنبر ينبت في قعر البحر نباتا، فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره مثل الفطر والكمأة.
وهذه الجزائر التي تملكها المرأة، عامرة بنخل النارجيل «٥» وبعد
1 / 17
ما بين الجزيرة والجزيرة فرسخان «١» وثلاثة وأربعة، وكلها عامرة بالناس والنارجيل، وما لهم الودع «٢» وهذه الملكة تذخّر الودع في خزائنها، ويقال أن أهل هذه الجزيرة «٣» لا يكون أصنع منهم، حتى انهم يعملون القميص مفروغا منه نسجا بالكمين والدخريصين «٤» والجيب، ويبنون السفن والبيوت، ويعملون سائر الأعمال على هذا النسق من الصنعة، والودع يأتيهم على وجه الماء، وفيه روح فتوخذ سعفه من سعف النارجيل فتطرح على وجه الماء فيتعلق فيها الودع وهم يدعونه الكبتح «٥» .
1 / 18
وآخر هذه الجزائر سرنديب»
في بحر هركند، وهى رأس هذه الجزائر كلها، وهم يدعونها الدبيجات «٢» وبسرنديب «٣» منها مغاص اللؤلؤ بحرها كله حولها.
وفي أرضها جبل يدعى الرهون «٤» وعليه هبط آدم ﵇، وقدمه في صفا «٥» رأس هذا الجبل منغمسة في الحجر: في رأس هذا الجبل قدم واحدة.
ويقال انه ﵇ خطا خطوة أخرى في البحر، ويقال: إن هذه القدم التى على رأس الجبل نحو من سبعين ذراعا وحول هذا الجبل معدن جوهر الياقوت الأحمر والأصفر والاسمانجوني «٦» .
وفي هذه الجزيرة ملكان، وهى جزيرة عظيمة عريضة فيها العود، والذهب، والجوهر، وفي بحرها اللؤلؤ، والشنك وهو هنا
1 / 19
(البوق) الذي ينفخ فيه ممّا يدخرونه.
وفي هذا البحر اذا ركب الى سرنديب جزائر ليست بالكثيرة، غير انها واسعة لا تضبط، منها: جزيرة يقال لها الرامني «١» فيها عدة ملوك، وسعتها يقال ثمانمائة أو تسعمائة فرسخا، وفيها معادن الذهب، وفيها معادن تدعى فنصور «٢» يكون الكافور الجيّد منها.
ولهذه الجزائر جزائر تليها منها:
جزيرة يقال لها النيان «٣» لهم ذهب كثير واكلهم النارجيل، وبه يتأدمون ويدهنون، واذا أراد أحد منهم أن يتزوج لم يزوج إلّا بقحف رأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين زوج اثنتين، وكذلك ان قتل خمسين زوج خمسين امراة بخمسين قحفا، وسبب ذلك أن أعدائهم كثير، فمن أقدم على القتل أكثر كان رغبتهم فيه أوفر.
وفي هذه الجزائر أعنى الرامنى فيلة كثيرة، وفيها البقم «٤»
1 / 20
والخيزران «١» .
وفيها: قوم يأكلون الناس، وهى تشرع على بحرين هركند وشلاهط «٢» .
وبعد هذا جزائر تدعى لنجبالوس «٣»، وفيها خلق كثير عراة الرجال منهم والنساء، غير أن على عورة المرأة ورقا من ورق الشجر، فاذا مرّت بهم المراكب جاءوا إليها بالقوارب الصّغار والكبار وبايعوا أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وما يحتاجون إليه من كسوة لأنه لا حرّ عندهم ولا برد.
ومن وراء هؤلاء جزيرتان بينهما بحر يقال لهما «٤» اندامان «٥» وأهلهما يأكلون الناس أحياء، وهم سود مفلفلوا الشعور مناكير الوجوه والأعين، طوال الأرجل، فرج «٦» أحدهم مثل الذراع [يعني
1 / 21
ذكره] عراة ليست لهم قوارب، ولو كانت لهم لأكلوا كل من مرّ بهم، وربما أبطأت المراكب في البحر وتأخر بهم المسير بسبب الريح فينفذ ما في المراكب من الماء فيقربون إلى هؤلاء فيستقون الماء، وربما أصابوا منهم ويفلتون أكثر.
وبعد هذه الجزيرة جبال ليست على الطريق، يقال: ان فيها معادن فضة وليست بمسكونة، وليس كل مركب يريدها يصيبها، وإنما دلّ عليها جبل منها يقال له الخشناميّ «١»، مرّ به مركب فرأوا الجبل فقصدوا له فلما اصبحوا انحدروا إليه في قارب ليحتطبوا وأوقدوا نارا فانسبكت الفضة فعلموا انه معدن فاحتملوا ما أرادوا منه، فلما ركبوا اشتدّ عليهم البحر فرموا بجميع ما أخذوا منه، ثم تجهّز الناس بعد ذلك الى هذا الجبل فلم يعرفوه.
ومثل هذا في البحر كثير لا يحصى من جزائر ممنوعة لا يعرفها البحريون، فمنها ما لا يقدرون عليه.
وربما رؤي في هذا البحر سحاب أبيض يظل المراكب فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر، فيغلى له ماء البحر مثل الزوبعة فإذا أدركت الزوبعة المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطرا فيه قذى البحر، فلا أدري أيستقى السحاب من البحر أم كيف هذا.
وكلّ بحر من هذه البحار تهيج فيه ريح تثيره وتهيجه حتى يغلى كغليان القدور، فيقذف ما فيه الى الجزائر التي فيه ويكسر
1 / 22
المراكب، ويقذف السمك الميّت الكبار العظام، وربما قذف الصّخور والجبال كما يقذف القوس السهم.
وأما بحر هركند فله ريح غير هذه ما بين المغرب الى بنات نعش فيغلي لها البحر كغليان القدور ويقذف العنبر الكثير، وكلما كان البحر أغزر وأبعد قعرا كان العنبر أجود، وهذا البحر- أعني هركند- اذا عظمت أمواجه تراه مثل النّار يتّقد.
وفي هذا البحر سمك يدعى اللخم «١» وهو سبع يبتلع الناس «٢» في [أيديهم كل هذه] «٣» فيقل المتاع، ومن أسباب قلة المتاع حريق ربّما وقع ب (خانفوا) «٤» وهو مرفأ السفن، ومجتمع تجارات
1 / 23
العرب، وأهل الصين، فيأتي الحريق على المتاع، وذلك أنّ بيوتهم هناك من خشب ومن قنا «١» مشقق، ومن أسباب ذلك أن تنكسر المراكب الصّادرة والواردة أو ينهبوا أو يضطرّوا إلى المقام الطويل فيبيعوا المتاع في غير بلاد العرب، وربما رمت بهم الرّيح إلى اليمن أو غيرها فيبيعون المتاع هناك، وربما أطالوا الإقامة لاصلاح مراكبهم وغير ذلك من العلل.
وذكر سليمان التاجر أن في (خانفو) وهو مجتمع التجار رجلا مسلما يولّيه صاحب الصّين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون الى تلك الناحية، يتوخى ملك الصين ذلك، واذا كان في العيد صلّى بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين، وان التجار العراقيين لا ينكرون من ولايته شيئا في أحكامه وعلمه بالحق وبما في كتاب الله ﷿ وأحكام الاسلام.
فأما المواضع التي يردونها ويرقون اليها فذكروا أن أكثر السّفن الصينية تحمل من سيراف «٢» وأن المتاع يحمل من البصرة وعمان وغيرها الى سيراف فيعبّا في السفن الصينيّة بسيراف وذلك لكثرة الأمواج في هذا البحر، وقلة الماء في مواضع منه.
والمسافة بين البصرة وسيراف في الماء مائة وعشرون فرسخا فاذا عبّى المتاع بسيراف استعذبوا منها الماء، وخطفوا- وهذه لفظة
1 / 24