216

الريف المكنون

تصانيف

وهناك العديد من الأسبار التي ينفذها جماعة الكجرة في مختلف مجالات الحياة في جبال النوبة. • أدوات الكجورية: وهي العدة التي يمارس بها عمله.

لكل مهنة معدات وأجهزة كأدوات يقوم المحترف باستخدامها لتحقيق أعمال المهنة حسب المطلوب، وعلى ذلك يوجد لكل شخص يحترف الكجورية أدوات معينة توافق اختصاصه وتعينه على تحقيق المهام المنوطة به، وأهم تلك الأدوات كأس من القرع يصب فيه ماء صاف نقي ويوضع فيه نوع خاص من الحصاة عدد واحد أو اثنتان على الأكثر في حجم البيضة أو أكبر بقليل، ثم يوضع ذلك الكأس في مكان معين داخل بيت الكجور ويسمى عليه بالكجور المقصود، والعمل الذي يجب أن يقوم به الكوكاب، وهو الأداة الرئيسة التي تكمن فيها روح الكجور وتحمل صفات وأوصاف سحر الكجور ويسمى باسمه «الكجور الفلاني»، هذا الكوكاب لا يستخدم في الصيد ولا يجوز لأي شخص عادي أن يحمله بيده إلا أن تكون به صلة، وهذا الكوكاب يغرس بجانب الكأس المملوء بالماء وبداخله الحصاة ويستعمله الكجور في علاج الأمراض ومطاردة الأرواح الشريرة، وكل كجور يستعمله وفق اختصاصه، فكجور المطر مثلا، عندما يرغب في توجيه السحب، يخرج الكوكاب من بيت الكجور ويشير به نحو السحب، وهو يتمتم بكلمات يحدث بها الكوكاب، ويقول بصريح العبارة يسأل لله أن يحرك السحب ويجمعها فوق مناطق المزروعات ويهطل المطر ويروي الزرع. وعندما يستعمل الكوكاب لعلاج المرضى يغرس في فناء بيت المريض، أو في حالات العلاج الجماعي والأسبار العقائدية ينصب الكوكاب في المكان الذي تجري فيه عملية العلاج ويقوم الكجور بمخاطبة كجوره في الكوكاب واستعمال الماء والحصاة التي هم محتويات الكأس باستمرار، كلما أفرغ الكأس أعيد ترتيبه مرة أخرى، فيتكلم الكجور مع الكوكاب ويرش الماء على المرضى، وهو يدعو الله أن يشفي المرضى أو المريض فيشفى المرضى وتسكن آلامهم. هذه هي الأدوات الرئيسية للكجور، وتوجد بعض الأدوات المساعدة مثل القصبة أو عصاة تسمى «أمزقنيا» في هيئة عود طوله متر ونصف تقريبا ينتهي من أعلى برأسين، وهذه الأنواع للكجور الخفيف. وكذلك من الأدوات المساعدة البخسة، تعمل من القرع المر وتستعمل لإخراج الأوساخ والأدران من جسم الإنسان المسحور، وكذلك إخراج الأرواح الشريرة التي تتلبس الإنسان فتجعله مريضا نفسيا. والمقشة تصنع من بعض الأعشاب أو جريد السعف، وهذه تستعمل للعلاج المباشر لتنظيف المريض من الأعمال السحرية والإصابة بالعين. والخاتم من النحاس أو الفضة يستعمل للكشف عن نوع المرض أو تشخيص المرضى وعلاج أمراض الصدر وأوجاع البطن عند الأطفال والنساء.

يوجد بيت خاص للكجور وأدواته يكرس لأعمال الكجورية، وقد يكون ذلك البيت معزولا بعيدا عن حرم مساكن الأسرة، كأن يكون مبنيا فوق سطح الجبل، ويقوم أصحاب الكجور بزيارته كلما دعت الحاجة إلى ذلك لتفقد حال الأدوات وأجهزة الكجورية وعمل الصيانة المطلوبة. • أهمية تنصيب الكجور: لا يجوز لأي شخص تظهر عليه أمارات الكجور أن يمارس أعمال الكجور قبل الرجوع إلى القواعد الأساسية المتعارف عليها نظاما لدى أهل الكار، ويبدأ ذلك من عمل طقوس تنصيب الكجور والتي تتم بإشراف كبير الكجرة المعروف في البلدة. • أمراض الكجور: - مرض الحلف بالزور: أي أن يتهم شخص بجريمة ما فينكرها وتدفع الأحداث شيخ البلد أي الحاكم فيها أن يدعو المتهم إلى «راكوبة الحكم»، مكان مخصص يكون في وسط البلدة تقام فيه المحاكم لفض المنازعات بين الأهالي، ويؤمر الشخص المتهم بالحلف على المصحف الشريف لإبراء ذمته من الجريمة وإثبات براءته مما نسب إليه من تهمة، وقد يكون المدعى عليه مذنبا فعلا فيؤدي القسم وهو كاذب مما يكون حلفه زورا بذلك يقع في المحرم. الذي يعرفه الناس في مناطق جبال النوبة هو عدم الحلف زورا ما دمت مذنبا، وإلا فإن الإنسان يصاب بمرض يعرف بمرض الحلف زورا، وهو نوع من العقاب المبكر، وتبدأ أعراضه عقب تأدية القسم مباشرة؛ حيث تسوء الحالة الصحية، وأول بادرة سيئة هي أن تصيبه حمى ورعاف وفي بعض الأحيان إسهال، وينكشف أمره ويعرف الناس أن الجريمة ثبتت على المتهم، ولكن قبل أن يتم معاقبته يجري البحث عن علاجه من مرض الحلف زورا، والغريب في الأمر أن الكجور هو الذي يقوم بعلاج ذات المرض الذي حدث نتيجة أداء قسم على كتاب المصحف الشريف. والمصحف الشريف يسمى لدى بعض قبائل النوبة «سورني» أو «كنكنا ممزلا»، ومعناها كلام لله. وقبل أن تبدأ عملية العلاج لا بد للشخص المذنب أن يقر ويعترف بجريمته ويروي تفاصيل أحداثها على مسمع الشيخ أي حاكم البلدة بحضور الشهود وأصحاب الحق، بعد ذلك يسرع الكجور في الترتيب لعملية العلاج وإزالة الأضرار عن المتهم، وبعد أن يتماثل المريض للشفاء ويتعافى تماما يقوم الحاكم بفرض العقوبة المناسبة على المتهم حسب جريمته، فإن كانت مسروقات أمر بإعادتها إلى أهلها. وتتراوح العقوبات من الجلد إلى الغرامات المادية أو العينية من المحاصيل الزراعية والمواشي.

وإذا لم يعترف الجاني بجريمته يترك في حالته المرضية وقد تبدأ المصيبة من إحدى أقربائه أو أهل بيته وتتعاظم المصائب حتى الموت، ويقال إن أبناء فلان يموتون من مرض الحلف بالزور، أو يقال إن سورني يقتل أبناء فلان أو يتلف ذرية فلان وهم ما زالوا أجنة في بطون أمهاتهم. ويستمر هذا الخطر في التعاظم إلا أن يعترف المجرم؛ ومن ثم يخضع للعلاج المقرر بواسطة الكجور، وهي عملية علاجية يقال عنها سبر نزع صفحات الكتاب من جسم المريض. يعتقد جماعة الكجرة أن الشخص المتهم الذي يحلف زورا فإن صفحات الكتاب تتبعثر في جسده وتصل إلى أهله مسببة لهم المرض والعذاب والموت لكي يكون عظة لغيره، وحتى لا يستهين الناس بعظمة الكتاب ولا يجرؤ أحد على الحلف زورا. وتتم عملية العلاج بأن يستخدم الكجور البخسة وبداخلها ماء سحر الكجور، والبخسة هي أداة تصنع من القرع المر يتم تجويفها بإخراج ما بداخلها من أحشاء وتسوية فوهتها، ويستلقي المريض وهو مغمض العينين ويتحرك بتفاعل الجن في داخله وتتغير ملامح وجهه، وبعد المجادلة تبدأ الحرب بين الكجور وجماعة الجن ساكني جسد المريض ويحضر الكجور كأسا مليئا بالماء وبداخله حصاة سحر الكجور، ويخرج الكجور الحصاة من الماء ثم يعطي المريض ذلك الكأس بما فيه من ماء فيحمل المريض الكأس، ويبدأ الكجور في زجر الجن ويتوعدهم باستخدام القوة لإخراجهم، وقد يستعمل المقشة أو سوط من الجلد في تهديد الجن وضرب جسد المريض بتلك الأدوات ضربا مبرحا، ولكن المريض لا يشعر بشيء من الضرب، ويمسك الكجور مقدمة الكوكاب ويطارد به الجن ويضرب رأس المريض بمؤخرة الكوكاب، وفي ذلك الوقت نسمع الجن وهو يتألم ويتوسل للكجور أن لا يقتله ويصرخ الكجور وينادي بأسماء معروفة وأخرى غير معروفة مشيرا بذلك إلى زعماء الجن، وفي غضون ذلك يرفع المريض الكأس إلى السماء ويصيح الكجور طالبا من الجن أن يخرج من مسكنه ويشهد الناس أن المريض يرتجف وارتجافه ناتج عن خوف الجن وفزعه من سحر الكجور، والكأس يتحرك ويكاد يسقط من يديه ويتساقط الماء على رأس المريض يعم جميع جسده. وبعد تلك الحرب الشعواء بين الكجور والجن والمطاردة المثيرة الغريبة في نوعها وأطوارها يخرج الجن من جسد الإنسان هربا من أسلحة الكجور، ثم تنهمر الدموع من عيون المريض دلالة على صفاء نفسه واسترداد عافيته، ويرتمي المريض على الأرض ويحمله الناس إلى منزله الذي يكون قد تم تغيير كل شي فيه واستبدال كل الأشياء التي كانت به بأشياء أخرى جديدة، وهذا يعني أن يبدأ الإنسان حياة جديدة. - مرض الدم أو مرض اللنقي: اللنقي يعني اللعنة التي تصيب الإنسان من جراء عمل ما وتسبب له المرض العضال أو تقعده عن العمل، وهذا المرض أسبابه محددة أهمها وأولها دم القتيل، وتفسيره إذا قام شخص بقتل وإزهاق روح إنسان بريء بقصد أو بدون قصد أو لأي سبب فيكون دم القتيل معلقا على رقاب أهل القاتل ودينا مستحقا سداده، حيث لا يقر شعب النوبة مبدأ غسل الدم بالدم أو الأخذ بالثأر، كما أن قتل النفس محرم إلا بالحق، وأن يعيش الناس في سلام محافظين على دمائهم ومحارمهم وأعراضهم، وكي لا تشيع الفوضى ويعم الناس البغي والاستبداد، لذا كان لا بد أن توجد حدود أدبية، ومن تلك الحدود هي ما تبناها الكجور وطواها بسحر وأسماها رمني؛ أي مرض الدم، وأن يصاب الإنسان بهذا المرض يقال إن فلانا مصاب بالرمني أي ما يعني أن ذلك الإنسان تعدى على ما هو محرم.

وثانيها جريمة الزنا: وهي أن يتم جماع بين رجل وامرأة في الحرام دون إشهار الزواج أو أن يقع الزنا بين شخصين ذي قرابة من الدرجة الأولى المحرمة شرعا، ذلك يسبب مرض اللنقي ما يعادل تماما مرض الدم أو اللنقي أو الرمني. وكذلك لا يجوز لأي شخصين بينهما دم أن يتزاوجا بسبب وجود اللنقي، وأن ذلك سوف يضاعف من المرض وأسبابه سواء كان من أهل القتيل أو أهله، وأيضا سببه هو أن يسخر الإنسان أو يستهين بسحر الكجور ويستهتر بمعتقداته ويتعدى على مقدرات الكجور؛ كأن يعبث بأدوات الكجور أو يدخل بيت الكجور بدون أن يأخذ الإذن من أصحاب بيت الكجور، يؤدي ذلك العمل إلى عقاب الشخص المسيء، فيقوم سحر الكجور بطريقة سحرية معينة يحبس ويربط ظل ذلك الإنسان المذنب في مكان لا يعلمه إلا جماعة الكجرة، وكنوع من العقاب يقوم الكجور بتعذيب الشخص المذنب مما يجعله مريضا في حالة صحية سيئة، وكلما زاد العذاب ازدادت أمارات التعب على المريض؛ وهي أن يفقد المريض وعيه ويهلوس ويعيش في حالة تشبه الجنون وتظهر على جسمه علامات غريبة كآثار ضرب أو عض وطفح جلدي يتفجر منه الماء برائحة كريهة. وعندها يعلم الكجور بأن الشخص يعاني من مرض التعدي على حرمات الكجور فيسعى للعلاج ويأمر جماعة من الكجرة يكون اختصاصهم معرفة أماكن حبس وتعذيب ظل المذنبين المعتدين على حرمات الكجور، فيقوم أولئك الجماعة من الكجرة بالبحث عن ظل المريض في تلك الأماكن المعينة، وبعد البحث والجد يجد أحد الكجرة ظل المريض في مكان ما ثم يبلغ عنه، ثم يقوم الكجور المعالج بتأكيد ذلك المكان وتعيين ظل المريض، وفي ذلك يتم تحديد وقت العلاج، وهو الوقت الذي يتم فيه تحرير ظل المريض من قبضة سحر الكجور المعذب، وغالبا ما يكون ذلك الوقت في الفجر وقبل طلوع الشمس، أو في المغرب بعد غروب الشمس مباشرة. تتم العملية بأن يقوم الكجور وأتباعه وفي يده بخسة بداخلها ماء الكجور للذهاب إلى المكان المعين، وقبل أن يدخل أولئك الكجرة في المكان يقف الكجور الكبير يهمهم بكلمات مفادها أخذ الإذن من أصحاب الكجور بالدخول ومباشرة عملية تحرير مذنب، بعد ذلك يدخل الكجور وأتباعه، وأن يرافقهم واحد من أصحاب بيت الكجور أو من معارف المكان الذي حبس فيه المذنب، ولا بد أن يكون معهم شيء من دم ذبيحة من الماشية، أو حتى الدجاجة تعتبر شيئا مقبولا حسب الظروف من أجل تحرير ظل المريض، ويشترط في الفدية إن كانت دجاجة أن تكون بيضاء اللون وإن كانت من الماشية ماعزا أو نحو ذلك أن تكون بلونين الأبيض والأسود، ما عدا ذلك متروك لحكمة الكجور وتقديره؛ لأن كل حالة لها خاصيتها من حيث المكان وقوة السحر المفعول بها. قبل أن يبدأ الكجور في إجراءات التحرير عليه أن يذبح الفدية ويأخذ بيده الدم ويرشه على جميع أركان المكان، ثم يستدعي ظل المريض بعد أن يجري تحريره من التوثيق أو التعليق، ثم يدخل الظل إلى البخسة ويحبسه بغلقه فم البخسة بيده خشية من أن يسقط عليها أي شعاع من الضوء، ثم يسرع بها مهرولا إلى بيت المريض، وعندما يصل هناك يرش بتلك الدماء على كامل جسد المريض ويدعو له بالشفاء، وكل تلك العملية تتم بسرعة وقبل طلوع الشمس، فتتحسن حالة المريض ويتماثل للشفاء، وبعد طلوع الشمس تقام للمريض طقوس يطلب بها السماح من الكجور بما بدر منه وكان سببا في مرضه. - مرض أكل المحرمات: سببه هو أن يقوم شخص من الناس بالأكل من بعض المحاصيل الزراعية قبل أن يأذن له الكجور بجواز الأكل من تلك المزروعات، ويرجع الأمر إلى أن المحاصيل الزراعية خلال الموسم الزراعي في مناطق جبال النوبة تخضع إلى رقابة ورعاية الكجور الخاص بحراسة المزروعات، هذا الكجور مكلف بحماية المزروعات من الأرواح الشريرة أن تتلفها والآفات الضارة ويراقب ثمارها حتى تنضج، ثم يقوم الكجور بعمل طقوس كجورية معينة الغرض منها منح الإذن للناس لتناول ثمار مزروعاتهم من الذرة الحلو وتبش وقرع ولوبيا، وكل ما يمكن تناوله من مزروعات الموسم الزراعي الجديد. وغالبا ما تكون تلك الطقوس من أجل أكل مزروعات الجبراكة أي مزروعات الحديقة المحيطة بالبيت النوباوي كما جرت العادة، وهي أن تلك المزروعات سريعة النضوج لتغطي حاجة العائلة من المواد الغذائية في ذلك الوقت الحرج من موسم الخريف، وهي فترة تقع في النصف الأخير من الموسم الزراعي.

ولكل ثمرة من تلك الثمار طقوس كجورية خاصة بها، مثلا للوبيا طقوس وأسبار كجورية تقام في وقتها المعين عند بداية نضوجها، وكذلك بقية الثمار، وبالطبع لكل ثمرة طقوس يقوم بها كجور معين؛ بمعنى أن تلك الطقوس موزعة بين مجموعة من الكجرة في البلدة، وكل واحد حسب اختصاصه، إذا أكل أي شخص ثمرة من تلك الثمار قبل أن يتم سبرها أو إجراء الطقوس لها فإنه يعاني مرضا شديدا أهم أعراضه انتفاخ شديد وألم في البطن وطراش أو إسهال شديد، عندها لا بد للمريض أن يقر للكجور المسئول عن مراقبة المزروعات بنوع الثمار الذي أكله وتسبب في المرض ليتسنى للكجور إجراء طقوس العلاج بنفس الثمار التي تسببت في مرض الشخص. يقوم الكجور بعلاج المريض بأن يستخدم تلك الثمرة في الطقوس الكجورية للعلاج، فيقوم بحرقها في النار ومسحها على بطن المريض، ثم يأمر المريض بأكلها مرة أخرى، وبعدها يتماثل المريض للشفاء، وهذا يعني عدم أكل أي نوع من ثمار المزروعات قبل أن تتم عمليات طقوسية عديدة لكل المحاصيل، ويتم بعدها السماح للناس بتناول الثمار المزروعات بحرية. - مرض التوءم: هذا المرض يعرف في بعض مناطق جبال النوبة بأنه يحدث نتيجة لأن شخصا من المواليد التوائم يغضب من شخص عادي أو يحدث بينه وبين أي شخص خصومة، فيغضب الشخص التوءم من ذلك الشخص فيصاب بمرض يسمى «مرض التوءم» أو «التوائم». يذهب المريض إلى الكجور للاستشفاء، وهناك بعد عملية التشخيص والتعرف على نوع المرض ومصدره يقوم الكجور بدعوة التوءم الغاضب وأهله ويطلب منه السماح والعفو عن من يعتبره التوءم شخصا أجرم في حقه. إن الشخص الكجور يذكر الله ويسمي به عند بدء أي عمل كالعلاج أو غيره، ويتوجه بالشكر إلى الله عندما يتماثل المريض للشفاء.

الزار:

ظاهرة اجتماعية ناتجة من اعتقاد نفسي كامل بوجود قوة خفية من الأرواح من غير الجن والشياطين تحل وتسكن في الإنسان ذاته وتعلن أنها تريد بعض المطالب أو ما يسميه أهل الزار بالطلبات من الفرد المعين لتزيل عنه أي حالة مرضية غير طبيعية، وبمجرد نزول هذه الأرواح في الفرد فإن شخصيته تصبح مطابقة للأرواح التي حلت فيه، وعندها يتحدث بلسان هذه الأرواح ويتصرف بتصرفاتها وسلوكها. والخطأ الشائع يكمن في أن هذه الأرواح الشيطانية لها طلبات يجب أن تلبى وإلا أزعجت من خالطته فصار مضطربا وقلقا، فحينئذ يطلق على مريض الزار «المدستر»، والخطر الحقيقي يكمن في أبدية الحلول بمعنى استمرارية الأرواح وإلحاحها الشديد في تنفيذ رغباتها وإجابة طلباتها والحصول على ما تريد من الشخص الذي حلت فيه، وأنها لا تفارق المريض حتى بعد تنفيذ رغباتها وإجابة طلباتها، بل تدخل معه في ما يشبه الصلح ويعود بعدها المريض لحالته العادية لفترة، ثم تعود لإزعاجه مرة أخرى بعد فترة حتى تصبح هذه الطلبات نوعا من الابتزاز لا نهاية له. • شيخة الزار: هي أهم شخصية، ولها وزنها، وفاعلة جدا في عملية الزار، ويسمونها «شيخة الزار»، وأحيانا يقوم بدور الشيخة رجل يسمى «شيخ الزار»، وفي الغالب تكون الشيخة امرأة ولها مساعدات يعملن تحت إمرتها، وغالبا ما تربطهن بها صلة قرابة أو نسب، وتحصل الشيخة على هذا المنصب بعد عمل طويل كمساعدة مع شيخة أخرى وبعدها يتم تفويضها من الشيخة القديمة لتحيي قسما خاصا بها لنشاط الزار، وهذا التفويض يعتبر أهم شرط في تتويج الشيخة الجديدة، ولها مؤهلات خاصة؛ وهي أنها ذات شخصية قوية ومؤثرة على المعتقدين في الزار خاصة النساء، وهن يمثلن الغالبية العظمى، كما أن لا بد أن تكون الشيخة الجديدة قد أصيبت بالزار مسبقا. - دور الشيخة: يقع على عاتق الشيخة الإشراف التام على حفلات الزار وإعدادها وتشخيص الزار ومعالجته؛ لأنها بمثابة الوسيط أو حلقة الوصل بين أرواح الزار وبين الذين يحل فيهم الزار، وتتمتع الشيخة بحضور قوي وصوت جميل مؤثر على مشاعر الحاضرين. • تشخيص حالة الزار: الشيخة هي الشخص الرئيسي أو المباشر الذي يقوم بتشخيص حالة الزار بطريقة روحانية تسمى «العلق»، وهي غالبا ما تكون قطعة من ملابس المريض. وهي تتم بأخذ علق المريض، وتضعه الشيخة تحت جبينها ليلا قبل أن تنام، فتأتيها أرواح الزار في النوم والذين لهم دور مباشر في تسبب المرض ويتحدثون لها عن المريض وسبب مرضه ويعلنون عن طلباتهم ويطالبون بتلبيتها، كيما يتم علاج المريض. وغالبا ما تكون الطلبات عبارة عن إقامة حفل زار أو كرامة أو إحضار ملابس أو عطور، والشيخة بدورها تبلغ أهل المريضة. هناك نوعان من الأرواح؛ فهنالك أرواح الريح الأسود ويقصد بها مجموعة أرواح الجن والشياطين التي يعتقد أنها تسبب الجنون عندما تحل بإنسان ما، ولا يعالج إلا بإخراجها من جسده، ويتصف صاحبها بقذارة الملبس والبعد عن النظافة. أما النوع الثاني فهو أرواح الريح الأحمر، ويقصد به مجموعة الأرواح الأخرى دون الجن والشياطين، التي حين تمس فردا بعينه تسبب له اختلالا أو قلقا نفسيا، والذي قد لا يصل لحد فقدان العقل، وعلاجه يتم عن طريق شيخة الزار؛ وذلك بإقامة حفل زار أو ذبح كرامة أو التردد على حفلات الزار والنزول فيها، ومن الحالات الخفيفة على حرق البخور فقط. وتتسم بأنها نظيفة وتحب الفرح والأشياء الجميلة. • مجموعات الزار وأقسامه: ينقسم الزار إلى عدة مجموعات وأقسام، وأهمها: زار الدراويش والستات والحبش والعرب والسحاحير والخواجات، ولكل مجموعة من هذه الأنواع نوع من الخيوط خاص بها ويميزها عن غيرها من المجموعات، والخيط المقصود به أغنية الزار أو دعوة الروح الخاصة بالزار. ولكل مريض بالزار له خيط خاص به وطلبات لكل مجموعة يختلف عن الأخرى، والخيوط (أغاني الزار) غالبا ما تتضمن كلماتها لطلبات المجموعة المعنية. والتماس الطلبات يقع على عاتق الشيخة وبتنفيذ الرغبات والطلبات ترضي روح الزار عن المريض فيعالج. لأن معرفة الطلبات هي مفتاح العلاج.

وهنالك عدة أنواع لحفلات الزار تقام في حالات خاصة مثل: - حفل زار خاص أو كرامة، ويقام عندما تحدد الشيخة إصابة المريض بالزار، ويكون الحفل مفتوحا للجميع. - حفل زار عام، وهو يتم عندما تكون هنالك رغبة جامحة عند المدسترين بإحياء حفل زار، وغالبا ما يكون عند انقطاع حفلات الزار الخاصة. - وهنالك حفل زار سنوي في شهر رجب تقيمه الشيخة في العاشر من رجب بمناسبة انتهاء العام لنشاط الزار؛ ففي شعبان ورمضان خاصة يتوقف نشاط الزار.

والتفسير الوحيد لهذا المسلك بأن الجن والشياطين وأرواح الزار تكون مقيدة في شهر رمضان. • عادات وطقوس الزار: أولا: تقوم الشيخة بتحديد موعد قيام حفل الزار وإخطار أهل المريض في حالات حفل الزار الخاصة، ويتم حضور المدعوين سواء أكانوا من مرضى الزار (المدسترين) أو غيرهم في الثانية ظهرا؛ لأن حفلات الزار عادة ما تبدأ في حوالي الساعة الثالثة ظهرا داخل منزل الشيخة أو منزل المدستر، ويكون داخل حجرة طويلة أو برندة مغلقة (غير مكشوفة). ومن أهم معدات الزار الطبلة، وهي الأداة الرئيسية وإحضارها من اختصاص الشيخة، وتقوم بالضرب عليها مساعدة الشيخة، والكشكوش وتضرب عليه أيضا إحدى المساعدات، والمبخر والبروش للجلوس عليها والعصا للنزول بها، والكرسي وهو من معدات الحفلات الخاصة ويقصد به طلبات الزار التي يحضرها أهل المكرم كهبة للزار، توضع فوق الكرسي وتغطى بقماش أبيض حتى يحين موعد بداية الحفل فتقوم الشيخة بإزالة الغطاء عن الكرسي وتقوم بمعاينته، وعند التأكد من تمام الطلبات تأخذ مكانها قرب الطبلة ويبدأ الحفل. وتكون بداية الحفل بعد دق الطبلة بترديد أو غناء الخيط ويردده وراء الشيخة مساعداتها وجميع الحاضرين، ويستمر لفترة ما بين الثلاث أو الخمس دقائق قابلة للزيادة في بعض الأحيان وينزل المريض أو المدستر. - الزي الخاص: لكل مجموعة من المدسترين زي خاص بها، وهذا شيء يلتزم به المريض؛ لأنه جزء مهم من طلبات الخيط أو الروح التي تتم مناداتها، وهو جزء من محاولة إرضاء روح الزار، وبيان احترامه له. - الأغاني المصاحبة للزار: «الخيوط»، وهي عبارة عن مجموعة من الكلمات المنظومة في أغان قصيرة لا تتعدى البيت أو البيتين، وتشتمل في بعض الأحيان على ألفاظ مبهمة غير معروفة. الغالبية من المدسترين لهم خيط واحد لا ينزلون إلا فيه، ولكن هناك بعض أهل الزار الذين لهم أكثر من خيط واحد. والنزول في خيط يساعد الشيخة على تلمس طلبات الزار؛ فهذه المجموعات مرادفة لتقسيمات تقوم على نوع المطالب الخاصة بكل مجموعة. وعلى سبيل المثال تكون أكثر طلبات السحاحير اللحم النيئ، والخواجات الخمر والسجائر والبدلة والطربوش الأحمر، والعرب ويقصد بهم الهدندوة، السوط والجلابية والخنجر والخلال. والستات تنحصر طلباتهم في العطور والفساتين والمجوهرات وهي أغلى أنواع الطلبات. والجدير بالذكر أن هذه الطلبات في بعض الحالات تشتمل عليها كلمات الخيط نفسها، وبنهاية الخيط يعود المدستر إلى حالته الطبيعية، إلا في بعض الحالات، حيث يكون على الشيخة التوسل للأرواح وإرضاؤها حتى يهدأ المريض، وغالبا ما يكون هذا وسيلة لطلبات أخرى من قبل الأرواح. - كيفية النزول: أغنية الزار على إيقاع صوت الطبل والكشكوش وصوت الطشت النحاسي تكون شديدة التأثير على الحاضرين، وتدفع الحاضرين للتجاوب، فيتم النزول في الخيط بتأثيره على المصاب بالزار (المدستر) وشل حركته، ثم يبدأ اهتزاز في أطرافه ويطلقون عليه في هذه الحالة أنه «اتلبش»، ثم يهتز جسمه بأكمله وينزل في وسط الحلقة، وهنا يقال إنه نزل، وغالبا ما ينزل بدون ارتداء زي الزار الرسمي، أما إذا كان يملكه فيرتديه قبل النزول أو أثناءه. - الكرامة: والكرامة في الحفلات الخاصة وحفلة الرجبية تعني ذبح خروف بعد تهيئته للذبح؛ وذلك بإعطائه ماء للشرب، ويطلى باللون الأحمر (بالحناء) على الذنب والجبهة، وعندما يهم الذابح بذبح الخروف يضع في فمه قطعة نقود أو قماش حتى لا ينسى الالتزام بعدم ذكر بسم الله عند الذبح، كالعادة المتبعة في الذبح اعتقادا منهم بأن «بسم الله» ستمنع أرواح الزار من الوقوف على كرامتهم التي ذبحت قربانا لهم، وبعد الذبح يتعدى المكرم الذبيحة عدة مرات، ويسمى «فك العارض»، ثم بعد ذلك يؤتى بصحن أبيض توضع فيه كمية من الدم وتأخذ الشيخة كمية بسيطة من الدم بأصبعها وتضعه فوق جبهة المكرم قائلة: سلامتكم، إيذانا بالشفاء، ثم تكون الشيخة صفا قصيرا يدور حول الكرامة أو الذبيحة مرددة: كرامة مقبولة إن شاء لله، ثم تعود أدراجها لإكمال ما تبقى من الحفل، ويجب على المريض أن يلزم بيته أو بيت الشيخة بعد الحفل لمدة ثلاثة أيام على الأقل.

صفحة غير معروفة