أكد كريمرز على أنه لما كانت مشكلة الإسهامات بقيم لانهائية في الكهرومغناطيسية تعود إلى المشكلة الكلاسيكية بشأن الطاقة الذاتية للإلكترون، فيجب على علماء الفيزياء التركيز على الكميات القابلة للرصد، التي هي بطبيعة الحال ذات قيمة محددة، وذلك عند التعبير عن نتائج العمليات الحسابية. على سبيل المثال، مصطلح كتلة الإلكترون الذي ظهر في المعادلات، وتلقى بدوره تصويبات طاقة ذاتية ذات قيم لانهائية، لا يجب اعتباره يمثل الكتلة الفيزيائية المقاسة للجسيم. وبدلا من ذلك يمكن تسميته «الكتلة المجردة». فإذا كانت قيمة حد الكتلة المجردة في المعادلة هي ما لانهاية، فلعل حاصل جمع هذا الحد والتصويب اللانهائي للطاقة الذاتية يلغي كل منهما الآخر، تاركين القيمة المتبقية المحددة التي من الممكن أن تتساوى عندئذ مع الكتلة التي قيست في التجارب.
كان اقتراح كريمرز أن جميع قيم ما لانهاية التي أمكن حسابها في الديناميكا الكهربائية - على الأقل للإلكترونات التي تتحرك دون ارتباط بالنسبية - يمكن التعبير عنها في صورة إسهام الطاقة الذاتية اللانهائية في كتلة السكون للإلكترون. وفي هذه الحالة، ما دمنا تخلصنا من هذه الكمية اللانهائية المنفردة عن طريق التعبير عن كافة النتائج في صورة كتلة مقاسة ذات قيمة محددة، فإن جميع الحسابات قد تنتج حلولا ذات قيمة محددة. وبهذا، يمكن للمرء تغيير النطاق، أو «تطبيع» حد الكتلة الذي يظهر في المعادلات الأساسية، لهذا صارت هذه العملية تعرف باسم «إعادة التطبيع».
نحو واضح نظرية الكم النسبية للديناميكا الكهربائية في محاولة لتطبيق هذه الفكرة، وحققا تقدما. وتحديدا، أوضحا أن قيمة ما لانهاية المحسوبة للطاقة الذاتية للإلكترون صارت في حقيقة الأمر أخف وطأة قليلا عند دمج تأثيرات النسبية.
أجرى بيته - وقد حفزته تلك الادعاءات - حسابا تقريبيا لهذا الإسهام محدد القيمة. وعلى حد قول فاينمان لاحقا في الخطاب الذي ألقاه في حفل تسلم جائزة نوبل: «بروفسور بيته ... رجل يتمتع بهذه السمة: إذا ظهر رقم جيد من خلال التجارب، فعليك أن تتوصل إليه من خلال النظرية. وهكذا، أرغم الديناميكا الكهربائية الكمية التي سادت في تلك الأيام على أن تقدم له حلا للانفصال بين هذين المستويين [في الهيدروجين].» ولا شك أن منطق بيته كان يشبه ما يأتي: إذا كانت تأثيرات الإلكترونات والفجوات والنسبية تبدو أنها تروض قيم ما لانهاية إلى حد ما، فلعله من الممكن أن يجري المرء عملية حسابية بواسطة النظرية غير النسبية - التي تعد أكثر سهولة بكثير في التعامل معها - وبعد ذلك يتجاهل بكل بساطة إسهام جميع الفوتونات الافتراضية الأعلى من الطاقة المساوية تقريبا لكتلة السكون المقاسة للإلكترون. فتأثيرات النسبية لا تتدخل إلا عندما يتجاوز إجمالي الطاقات قيمة كتلة السكون هذه، وربما عندما يحدث هذا، تضمن هذه التأثيرات أن إسهام الجسيمات الافتراضية ذات الطاقة الأعلى يصبح غير ذي صلة.
عندما أجرى بيته العملية الحسابية مستخدما هذا الخصم الاعتباطي لطاقة الجسيمات الافتراضية، كان التحول المتوقع للتردد بين الضوء المنبعث أو الممتص بواسطة الحالتين المداريتين المختلفتين في الهيدروجين يقدر بنحو 1,040 ميجاسايكل (مليون دورة) في الثانية، وكانت هذه القيمة متفقة إلى حد بعيد جدا مع ملاحظات لامب!
تذكر فاينمان بعد ذلك أنه - على الرغم من عبقريته - لم يقدر النتيجة التي توصل إليها بيته في حينه حق قدرها. لم يفهم فاينمان أهمية النتيجة التي توصل إليها بيته وكيف أن كل العمل الذي قام به حتى تلك اللحظة يتيح له تحسين تقديرات بيته، إلا فيما بعد، في كورنيل، عندما ألقى بيته محاضرة حول الموضوع، مشيرا إلى أنه إذا كانت لدى المرء وسيلة معتمدة كليا على النسبية للتعامل مع إسهامات المستوى الأعلى في النظرية، فإنه لا يكون قادرا فقط على التوصل لنتيجة أكثر دقة وإنما يكون قادرا أيضا على توضيح مدى اتساق ومتانة الإجراء الذي استخدمه.
توجه فاينمان بعد انتهاء المحاضرة إلى بيته قائلا له: «يمكنني القيام بهذا من أجلك. سوف أحضر لك النتيجة غدا.» كانت ثقته مبنية على سنوات أضنى نفسه خلالها في إعادة صياغة ميكانيكا الكم مستخدما مبدأ الفعل الذي وضعه وحاصل جمع المسارات، وهو ما أمده بنقطة بدء معتمدة على النسبية يمكنه استخدامها في حساباته. أتاح له الشكل الذي ابتكره في الحقيقة تعديل المسارات المحتملة للجسيمات بطريقة تحجم الحدود لانهائية القيمة في حساب الكم عن طريق التحديد الفعال لأقصى طاقة للجسيمات الافتراضية التي تدخل في العملية الحسابية، لكنه فعل ذلك بطريقة تتفق أيضا مع النسبية، تماما مثلما طلب بيته.
كانت المشكلة الوحيدة أن فاينمان لم يعمل من قبل قط باستخدام عملية حساب الطاقة الذاتية للإلكترون في نظرية الكم، لذا توجه إلى مكتب بيته، كي يشرح له الأخير كيف يمكنه إجراء العملية الحسابية، ولكي يشرح فاينمان بدوره لبيته كيف يستخدم أسلوبه. وفي واحدة من حالات المصادفات الكشفية السعيدة التي أثرت في مستقبل الفيزياء، عندما توجه فاينمان لزيارة بيته وأجريا معا حساباتهما على السبورة ارتكبا خطأ. ونتيجة لذلك، لم تكن النتيجة التي حصلا عليها في ذلك الوقت لانهائية وحسب، وإنما كانت القيم اللانهائية أسوأ في الواقع مما ظهر في الحسابات غير المعتمدة على النسبية، مما جعل فصل الأجزاء التي تمثل قيما محددة أكثر صعوبة.
عاد فاينمان إلى غرفته، وهو على يقين من أن العملية الحسابية الصحيحة لا بد أن تصل إلى رقم محدد. وفي النهاية، وبأسلوب فاينمان المعتاد، قرر أن عليه أن يعلم نفسه على نحو تفصيلي مؤلم كيفية إجراء حساب الطاقة الذاتية بالطريقة التقليدية المعقدة بواسطة الفجوات، وحالات الطاقة السالبة وما إلى ذلك. وبمجرد أن عرف بالتفصيل كيف يجري الحسابات بالطريقة التقليدية، صار على ثقة من قدرته على تكرارها باستخدام أسلوب تكامل المسار الجديد الذي ابتكره، مع إجراء التعديلات الضرورية لجعل النتيجة محددة القيمة ولكن بطريقة تظل النسبية وفقها موضوعة في الاعتبار بشكل واضح.
وعندما استقرت الأمور، جاءت النتيجة كما كان يأملها فاينمان تماما. تمكن فاينمان من التوصل لقيم محددة، من بينها نتيجة شديدة الدقة لتحول لامب، معبرا عن كل شيء بما يتفق مع كتلة سكون الإلكترون المقاسة.
صفحة غير معروفة