============================================================
ادمانا يبلغون به من الخوف ما يبعنهم على التوبة، وتسخو أنفسهم بترك المعصية لأن النفس والعدو إذا آدمن العبد من طلب الخوف، دعواه إلى الملال والسأمة والاعراض عن الفكرة (1) ، فتستثقل النفس ذلك ، لما غمها من الخوف ، ولما تخاف من تنغيص لذتها عليها، فإن كان عبدا عاقلا عازما لم يمل وأدمن الفكر حتى يقوى منه الخوف ويترك ما كره الله عز وجل. ويقطع التسويف للتوبة .
وأهل المنزلة الثانية ليسوا بأصحاب فكرة لطلب الخوف، ولا تسخو نفوسهم بذلك، لأنهم يكرهون ما هم فيه ويغتمون لذلك، ويسألون الله عز وجل النقلة ولا ينوون المقام على الذنوب حتى يموتوا، ولكن يسوفون التوبة ويضربون ها الآجال.
كرجل يقول: حتى اتخذ معاشا يقيمني ويكفيني من غلة، أو مال للتجارة، أو كرجل يقول: حتى يموت عيالي لعلهم إن يموتوا فأترك ما أنا فيه ، لأني لا أقوى على التوبة مع العيال، أو حتى يموت والدي، أو حتى أخرج من هذه البلدة ، لأني لا أعلم فيها ولا أقوى على ترك مخالطة الناس ولاترك الاكتساب فيما لا يحل. فهذها الفرقة تقيم على المعاصي وتسوف التوبة، ولا تتوجته لطلب الخوف ولا تقوى عليه .ا وأهل المنزلة الثالثة : أهل العمى والجهل والشرود على الله عز وجل ، مقيمون على الذنوب، مغتبطون بما هم فيه من لذاتهم، لا يجدثون أنفسهم بالتوبة ولا يسوفونها فمنهم شبيه باليائس آن يتوب، لما هو فيه من غلبة المعاصي ومن سوء الغداء، ولعل كل ما هو فيه خبيث حرام، أو لما جنى من الجنايات التي لا يقوى على الخروج منها، كغضب الأموال وما أشبه ذلك، ومنهم من يخيل إليه أن ذنبه ليس بعظيم وأنه أمر هين لأنه خير فيما يرى، من هو أعظم ذنبا منه ، فلا يحدثون أنفسهم بالتوبة، ولا يضربون ها أجلا بالتسويف، فهؤلاء شرار المسلمين وفساق الموحدين() .
(1) انظر تفاصيل مناهج الفكرة التي رسمها الإمام المحاسبي في بابها من كتاب (آداب النفوس) له يصدر قريبا إن شاء الله. دار الجيل. بيروت. لبنان.
(2) بل ومن المتعبدين على جهل من هم آشر من هؤلاء، لأنهم لايرون تحريم ما يأتون من محرمات، 3
صفحة ١٢٩