============================================================
فمن أجل ذلك اخترنا للعامل أن يجانب ما خف عليه تحرزا وخوفا لما خوفنا ر بنا جل وعلا ، فإن استويا في الخفة فلم يقدر أن يعرف أخفهما أو استويا في الثقل فلم يقدر أن يعلم أيهما أثقل ، فإنه لا يؤمن أن يكون له في أحدهما هوى غامض يهيج عند مباشرته او يعرفه بعد تقضيه وفراغه منه ، فليعرض نفسه حينيذ على الموت ائها يحبة أن يأتيه الموت وهو عليه ، فإن النفس المؤمنة وإن كانت غافلة عاصية لا تتمنى لقاء الله عز وجل ولا تحبه إلا على الخير الصافي ، الذي ترجو أن ينجيها من عذاب الله عز وجل ويدخلها جنته ، لأنه لا هوى لها عند الموت في الدنيا، إنما هو في الدنيا ما دامت حية.
فان وجد نفسة تجزع أن يأتيها الموت وهي عاملة بأحدهما ولا تجزع أن يأتيها عند الآخر، فلينظر : لم جزعت" فإنه لا يكاد يخفى عليه حينئذ إذا رد عليها فقال : لم خف عليك الموت عندها وجزعت من نزوله، وأنت بهذا عاملة ، فإنها إن شاء الله ، سترجع إليه ، فتقول : لكذا وكذا ، فليأت حينئذ الذي لا يكره الموت من أجله (1).
ألم تسمع قوله عز وجل: (قالت اليهود نحن أبناء الله )(2) فقال الله عز وجل: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)(2) ، أي من كان منكم على أمر يثق به لم يبال أن يأتيه الموت وهو عليه، فقال عز وجل إن كنتم أوليائي: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ، ثم قال جل ثناؤه: {ولا يتمنونه أبدأ بما قدت أيديهم، أي لما عرفوا مما عندهم مما لا يرضى الله عز وجل به، وما أسلفوه من الذنوب غير تاثبين منه، فهم عليه بعد.
1) بمثل هذه التفاصيل الدقيقة يمكن الرد على الاتهامات التي وجهت ضد كتب الإمام المحاسي من مثل أبي زرعة وغيره، وقولهم إنه لا حاجة للمسلمين بها اكتفاء بالكتاب والسنة . ففي الكتاب والسنة أصول هذه المسائل، وقد تركت تفاصيلها للأمة المأمورة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروفا والنهي عن المنكر.
(2) سورة المائدة، الآية: 18.
(3) سورة البقرة، الآية: 94.
124
صفحة ١٢٣