============================================================
وماذا عليه لو لم يكن صادقا أصيلا في صدقه مع ربه أن يأكل، ويتجاهل الزمنة التي ارتفعت إلى أنفه، أو العرق الذي ضرب في أصبعه، وهو أمر يستوي في عدم الفطنة إليه العلماء والجماهير على السواء: وبهذا الصدق النادر استحق الحارث بن أسد بحق أن يكون رائدا لمدرسة الوعي الروحي المجنحة بالكتاب والسنة والعقل، في وحدة متناسقة تقهر النفوس الجامحةا وتروضها في يسر نحو الله في نجاح وبهذا الصدق استطاع أن يقبض على زمام أعداد كبيرة من الطلاب، وأن خضعهم لسلطان إرشاده - وهو الأمين في السر والعلانية - وأصبح طلابه كاما وصفهم تلميذه اسماعيل السراج، يجلسون بين يديه من بعد صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل، وكأن على رؤوسهم الطير.
ومن عدة شيوخ هذه المدرسة الخبرة العميقة بالنفس البشرية في أطوائها المحيرة وأعماقها السحيقة المجهولة، وخداعها الذي يشتبه بالحق فلا يكشفه إلا جبابرة أهل البصائر، وجواسيس القلوب، وبكر النفس وفرها ومعاودتها للهجوم، ومغالبتها بالمحاسبة والتفتيش والمواجهة حثى تستسلم تماما لصوت الحق والصدق ، وتأنس إلى الطريق، وكان من بركات هذه العدة وبواكيرها ذلك التراث الهائل من الدراساتا النفسية التي تركه لنا الإمام المحاسي، وتولاه من جاء بعده من مرشدي الصوفية المحققين بالنماء والتعميق، حتى آثرت المكتبة الاسلامية وسبقت غيرها من مكتبات الأديان والحضارات الأخرى في هذا المجال. وكان ممن حمل لواءه من بعده على مدى العصور، مهتديا بمنهاجه : أبو طالب المكي، والحكيم الترمذي، وأبو سعيد الخراز ، والشيخ الأكبر ابن عربي، والإمام الغزالي . وفي القرون المتأخرة: الإمام العربي الدرقاوي، وسيدي مصطفى بن كمال الدين البكري، مؤسس الطريقة ال الخلوتية في مصر والشام، والذي عني بجمع جمهرة من دراسات الصوفية للنفس البشرية في موسوعته المخطوطة التي سماها "العرائس القدسية، المفصحة على الدسائس ل النفسية" .
صفحة ٩