قال: وكل ما ذكر في هذا الباب؛ من الأطعمة والأشربة والأدم واللحمان والثمار وما لم يذكر من جميع ما يؤكل، فلا يحل بيعه بشيء مما يؤكل إلى أجل، كان من صنفه أو غير صنفه، لا يحل فيه تأخير ساعة فما فوقها، ولقد سئل مالك عن الرجل يقف بالبائع ومعه الحنطة، ليبتاع بها إداما أو فواكه أو بعض ما يؤكل، فيسومه فإذا اتفقا دفع إليه الحنطة، ودخل البائع في خزانة حانوته ليخرج إليه ما باعه إياه، فكره ذلك مالك ونهى عنه، وقال: لا يدفع إليه الحنطة حتى يخرج إليه ما يريد أن يبتاع منه، فيعطي ويأخذ يدا بيد، مجراه في ذلك مجرى الذهب بالورق. وقال عمر رضي الله عنه في مثل ذلك: وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء، وهو الربا.
قال: إلا ما كان من الماء، فإنه من الأطعمة والأشربة في بيعه، فلا بأس أن يباع بالطعام إلى أجل، ولا بأس بعضه ببعض مثلا بمثل ومتفاضلا يدا بيد، ولا يحل فيه الأجل، لأنه صنف واحد، إلا أن يختلف، فيكون بعضه عذبا، وبعضه أجاجا، فيجوز فيه التفاضل إلى أجل، لأنهما قد صارا صنفين مجراه مجرى العروض التي لا تؤكل.
قال: وما كان من الأطعمة والأشربة والأدم واللحمان والثمار بين الشريكين، فأراد القسمة على التحري، وترك الكيل والوزن، فما كان منه صنفا واحدا، ولا يجوز بعضه ببعض متفاضلا، فلا يجوز اقتسامه تحريا، من ذلك الطعام كله، فلا يجوز اقتسامه وهو زرع قائم، ولا وهو حزم، ولا وهو في أندره دريس، ولا وهو حب مصبر، لا يجوز اقتسامه على حال، إلا كيلا؛ لأنه إذا قسم على غير الكيل دخله التفاضل، لأنه لا بد أن يكون بعضه أكثر من بعض، فإذا دخله ذلك حرم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الطعام بالطعام مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربا))، وكذلك السمن والعسل والزيت في أزقاقه وفي جراره، يكون بين الشريكين، فلا يجوز اقتسامه زقا بزق، ولا جرة بجرة إلا على الكيل والوزن.
صفحة ١٠٣