158

نقض الدارمي على المريسي - ت الشوامي

محقق

أَبوُ عَاصِم الشَّوَامِيُّ الأَثرِي

الناشر

المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م

مكان النشر

القاهرة - مصر

تصانيف

قَدْ قَرَأْنَا القُرْآنَ كَمَا قَرَأْتَ، وَعَقِلْنَا عَنِ الله أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ نَفَيْنَا عَنِ الله مَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، وَوَصَفْنَاهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، فَلَمْ نَعْدُهُ، وَأَبَيْتَ أَنْ تَصِفَهُ بِمَا [٢٥/و] وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفْتَهُ بِخِلَافِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ.
أَخْبَرَنَا اللهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ ذُو سَمْعٍ وَبَصَرٍ، وَيَدَيْنِ، وَوَجْهٍ، وَنَفْسٍ، وَعِلْمٍ، وَكَلَامٍ، وَأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، فَآمَنَّا بِجَمِيعِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ كَمَا وَصَفَهُ بِلَا كَيفَ، وَنَفَيْتَهَا أَنْتَ عَنْهُ كُلَّهَا أَجْمَعَ بِعَمَايَاتٍ مِنَ الحُجَجِ، وَتَكْيِيفٍ.
فَادَّعَيْتَ أَنَّ وَجْهَهُ: كُلُّهُ، وَأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِنَفْسٍ، وَأَنَّ سَمْعَهُ: إِدْرَاكُ الصَّوْتِ إِيَّاهُ، وَأَنَّ بَصَرَهُ: مُشَاهَدَةُ الأَلْوَان؛ كَالجِبَالِ وَالحِجَارَةِ وَالأَصْنَامِ الَّتِي تَنْظُرُ إِلَيْكِ بِعُيُونٍ لَا تُبْصِرُ، وَأَنَّ يَدَيْهِ: رِزْقَاهُ، مُوَسَّعُهُ وَمَقْتُورُهُ، وَأَنَّ عِلْمَهُ وَكَلَامَهُ: مَخْلُوقَانِ مُحْدَثَانِ. وَأَنَّ أَسْمَاءَهُ: مُسْتَعَارَةٌ مَخْلُوقَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَأَنَّ فَوْقَ عَرْشِهِ مِنْهُ مِثْلَ مَا هُو فيَ أَسْفَلِ سَافِلِينَ، وَأَنَّهُ فِي صِفَاتِهِ، كَقَوْل النَّاس فِي كَذَا، وكَقَوْل العرب فِي كَذَا، تَضْرِبُ لَهُ الأَمْثَالَ تَشْبِيهًا بِغَيْرِ شَكْلِهَا، وَتَمْثِيلًا بِغَيْرِ مِثْلِهَا، فَأَيُّ تَكْيِيفٍ بأَوْحَشَ مِنْ هَذَا؛ إِذْ نَفَيْتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَغَيْرَهَا عَنِ اللهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الأَمْثَالِ وَالضَّلَالَاتِ المُضِلَّاتِ؟
وَادَّعَيْتَ فِي تَأْوِيلِكَ أَنَّ مَعْبُودَكَ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ، أَبْكَمُ لَا يَتَكَلَّمُ، أَعْمَى لَا يُبْصِرُ، أَجْذَمُ لَا يَدَ لَهُ، مُقْعَدٌ لَا يَقُومُ وَلَا يَتَحَرَّكُ، جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ، مُضْمَحِلٌّ ذَاهِبٌ لَا يُوصَفُ بِحَدٍّ، وَلَا بِنَفْسٍ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ فِي دَعْوَاكَ.
وَهَذَا خِلَافُ صِفَةِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَالحَمْدُ لله الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمَعْرِفَتِهِ، وَطَبَعَ عَلَى قَلْبكَ بِجَهَالَتِهِ، ولَو قد قَرَأْتَ القُرْآنَ وَعَقِلْتَ عَنِ اللهِ مَعْنَاهُ؛ لَعَلِمْتَ يَقِينًا أَنَّهُ يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ بَيِّنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ مِنْهُ مُوسَى فِي الدُّنْيَا الصَّوْتَ، وَالكَلَامَ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الحَوَاسِّ، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)﴾ [النساء: ١٦٤].

1 / 160