إصلاح الفقيه فصول في الإصلاح الفقهي
الناشر
مركز نماء للبحوث والدراسات
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
٢٠١٣
تصانيف
والمال، وقد جاءت الشريعة بحفظ هذه المصالح من جهة إقامتها وإنشائها ومن جهة حراستها والحفاظ عليها، وتفاصيل الفقه وفروعه ترجع مآلاتها إلى هذا المعنى (^١).
وهذه المصالح لا تنافي قضايا العقول ولا تأتي بما يخالفها، فإن هذه الشريعة الخاتمة شريعة كمال وجمال وما جاء فيها من الشرائع فهي شرائع موافقة لمصلحة البشر وفيها الرحمة والخير والنعمة التامة. قال القرطبي (ت ٦٧١ هـ) في قول الله تعالى: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣]: (أي: بإكمال الشرائع والأحكام) (^٢) ولئن شرع الله ﷻ على بعض الأمم شرائع فيها عنت ومشقة على سبيل العقوبة لهم، فإن هذه الأمة أمة مرحومة لم يكلفها الله تعالى فوق طاقتها ولم يحمل عليها إصرًا كما حمله على الذين من قبلها ولم يشرع لها إلا ما فيه مصلحتها ونفعها في الدنيا والآخرة (^٣)، وأما ما قد يعرض لبعض العقول من الاعتراض على بعض الشرائع فإن وقوع هذا لا بد منه، فإن الفساد يتطرق إلى العقول كما يتطرق إلى الأبصار والأسماع فيرى الشيء بخلاف ما هو عليه.
قال مسكويه (ت ٤٢١ هـ): (ليس يجوز أن ترد الشريعة من قبل الله تعالى بما يأباه العقل ويخالفه، ولكن الشاك في هذه
_________
(^١) انظر: قواعد الأحكام، العز بن عبد السلام (١/ ٣٨)، الموافقات، الشاطبي (٢/ ١٨)، الجواب الصحيح، ابن تيمية (٥/ ٤٤١).
(^٢) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٢٩٣).
(^٣) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (١٩/ ٢٥) و(٢٠/ ١٩٩).
1 / 46